كل ما سوى الحقّ تعالى سراب
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص178-184
2025-07-08
645
يوم القيامة يظهر كلّ شيء مخفيّ على حقيقته بحكم الآية الشريفة {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}،[1] ويقول:
به صبح حشر چون گردى تو بيدار *** بدانى كآن همه وهم است وپندار[2]
و بحكم أن النَّاسُ نِيَامٌ[3] يقول: إنّما يقظتك هي نوم، والصحو في نوم الغفلة هذا يكون بالموت فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، والحشر هو بمعنى الجمع، (حشَرْتُهُمْ اي: جَمَعْتُهُمْ)، والمراد بهذا الحشر هو الموت الإراديّ، حيث أن مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ،[4] اي أنّك ستستيقظ من غفلتك عند صباح المحشر، وهو الموت الإراديّ، وتزول التعيّنات والكثرة وتجتمع أسباب الفرقة والتشتّت التي تورث الغفلة والتخيّلات الفاسدة كلّها، ويظهر التوحيد. ولكن اعلم أن الوجود كلٌّ واحد، ولكن بسبب كثرة المظاهر تعدّد، وتصوّرك الغيريّة، واعتبارك إيّاها حقيقة أكيدة، ما هو إلّا وهم وسراب، وأن لا وجود إلّا للحقّ تعالى.
و باعتبار أن التعيّنات والكثرة، يعبّر عنها بالليل، من جهة ظلمة عدميّتها، فقد جرى إطلاق تعبير الصبح على الموت، باعتباره فناء التعيّن، وذلك لأنّ البرزخ قد توسّط ليل الكثرة ونهار الوحدة.
و حسب تعبير المتصوّفة، أن الولوج في الحياة الطيّبة القلبيّة بعد الموت الإراديّ، هو ما يعبّر عنه بالقيامة الوسطى، كما جاء في الآية الكريمة: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[5]، اي مَيْتًا بِالجَهْلِ، فَأحْيَيْناهُ بِالعِلْمِ والمعارف.
و لأنّ الحشر، هو اجتماع المتفرقات الذي يظهر بعد محو الكثرات، ويقول:
چو برخيزد خيال چشم أحول *** زمين وآسمان گردد مبدّل
و في صبح الحشر، الذي يمثّل وصول السالك إلى مقام التوحيد، وحيث يذوب الكونان في نظره بنور الوحدانيّة، ولَا يَبْقَى إلَّا الْحَيّ الْقَيُّومِ، فإنّ أوهام الأحول التي تصوّر له وجوداً مع وجود الحقّ تعالى ستزول مع زوال وهم الغيريّة، فيعلم يقيناً أن كلّ الوجود هو الحقّ تعالى، وأن وجود الموجودات ما هو إلّا وجود أجوف، وخيال ووهم وظنّ، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}.[6]
يومئذ ستكون هناك أرض وسماوات، ولكن غير هاتين اللتين نرى الآن، لأنّ الحلم الذي رآه في نوم الغفلة، وفي ليل العمر، وظنّ أنّه الغير، طلع عليه صبح الحشر، وتبيّن أنّه وهم وخيال أحول ليس إلّا. شعر:
بوديم يكى، دو مىنموديم *** نابود شد آن نمود در بود
چون سايه به آفتاب پيوست *** از ظلمت بودِ خود بياسود
چون سوخته شد تمام هيزم *** پيدا نشود از آن سپس دود[7]
إن في ظهور نور تجلّي الوحدة، توارى ظلمة الكثرة، ويقول بهذا الصدد:
چو خورشيد جهان بنمايدت چهر *** نماند نور ناهيد ومه ومهر[8]
إن تجلّي نور شمس الذات الإلهيّة في مرآة قلب السالك إلى الله، اللاهث وراء الحقّ، هذا النور قد طرد أنوار الزُّهرة والقمر والشمس، ورمى بهنّ في هوّة العدم الحالكة. حيث يمّحي كلّ وجود ونور؛ كما في قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}.[9] ولأنّ هذه
القيامة عند السالك إلى الله، هي واقعة، لا محالة، وهي صورة للقيامة الكبرى، فإنّه إذا ظهرت علاماتها ساطعة، تلاشت أنوار الوجود الخياليّ المجازيّ للكائنات، وذابت في وهج إشعاع نور ذات الله المطلقة، وبالظهور المطلق للحقّ تعالى، تقوم القيامة، ويفنى كلّ وجود غير وجوده المقدّس، وما كان آجلًا عند غيره، أصبح عاجلًا عنده. شعر:
هر كه گويد كو قيامت اى صنم *** خويشتن بنما قيامت نك منم
اين قيامت زان قيامت كى كم است *** آن قيامت زخم واين چون مرهم است[10]
كما أن قيام الساعة، التي هي مصداق لاسم القهّار والمعيد، هي ظهور الفناء في الوجود، إذ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ}؛[11] يقول:
فتد يك تاب از آن بر سنگ خاره *** شود چون پشم رنگين پاره پاره[12]
أي أن الحجر قد تفتّت من وميض نور الذات الإلهيّة المتجلّية، وقد ركع أمام هيبة النور الإلهيّ وإشعاع التجلّي القدسيّ حجر الصوّان حتى أضحى كالعهن المنفوش والمتلاشي: {وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}.[13]
صارَ دَكَّاً مِنْهُ وانْشَقَّ الجَبَلْ *** هَلْ رَأيْتُمْ مِنْ جَبَلْ رَقْصَ الجَمَلْ؟!
الترغيب في المكاشفات والتجلّيات والسير في العوالم اللطيفة
و ذلك أن تحصيل الكمالات الحقيقيّة، والمعارف اليقينيّة، وهي هدف الوجود، غير متيسّر إلّا في هذه النشأة، يقول:
بدان اكنون كه كردن مىتوانى *** چو نتوانى چه سود آنگه كه دانى[14]
إن الشيخ في هذه الأبيات، يحثّ على السموّ إلى المراتب القلبيّة، والمكاشفات، والمشاهدات، والتجلّيات، والفناء، والتحليق، والعروج إلى الأفلاك، والعوالم اللطيفة. فقد ذكر هنا مقدّمة يمكنها أن تكون وسيلة للطالب الصادق الذي يودّ الحصول على تلك المعاني، وتزيد في فهمه وإدراكه لما هو واقع، وهي: اعلم أن الإنسان، وبسبب الشموليّة التي تشكّل أصل الفطرة فيه، يمكن لحقائق الامور بعد التنقية والتجلية أن تنكشف له، وأن يتوصّل إلى العروج والسير والطيران في الأفلاك والعوالم الملكوتيّة والجبروتيّة اللطيفة، وأن يسبح في بحر تجلّيات الآثار والأفعال والأسماء والصفات والذات، ليرى بعين البصيرة، ويمتّع ناظريه بجمال ذي الجلال الوهّاج، فيفنى الوجود المجازيّ والتعيّن للسالك في فيض نور تجلّيات الذات الأحديّة، وبعد أن يفنى في الله تعالى ويذوب فيه، يعود ويخلد به جلّ جلاله، يرى الحقّ ويعرفه حقّ معرفته، ويتمّ المراد من خلق الكون، وهو المعرفة. شعر:
اگر دمى بگُذارى هواى نااهلى *** ببينى آنچه نبيّ ديد وآنچه ديد وليّ[15]
[1] الآية 9، من السورة 86: الطارق.
[2] يقول: «إذا ما استيقظ المرء من القبر و جال *** سيعلم أنّما ما قد مضى كان خيال».
[3] «شرح منازل السائرين» ص 34، باب اليقظة، انتشارات بيدار: كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: النَّاسُ نِيَامٌ؛ و «مرصاد العباد» ص 468، التعليقة 7: النَّاسُ نِيَامٌ فإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و في ص 660، يقول في توضيحه «و هي الرواية المذكورة في «زهر الآداب» و المنسوبة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلّم، و المذكورة كذلك في «شرح التعريف» للإمام عليّ عليه السلام. راجع: «أحاديث مثنوى» ص 81. (تابع الهامش في الصفحة التالية...)
[4] (...تتمة الهامش من صفحة السابقة) و قد ذُكر في موضعين، في كتاب «الإنسان الكامل» لعزيز الدين النسفيّ: في ص 426 و 271؛ و كذلك في «أحاديث مثنوي» في موضعين: الأوّل في ص 81، رقم 222:
اين جهان وهم است، اندر ظنّ مايست *** گر رود در خواب دستى باك نيست
يقول: «إنّما عالمنا وهم و خيال *** كلّ ما فيه مباد و زوال»
و هو ما يناسب مضمون هذه الرواية: النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و التي وردت في «زهر الآداب» ج 1، ص 60، طبعة مصر، منسوبةً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله؛ و في «شرح التعريف» ج 3، ص 98 منسوبةً إلى مولى المتّقين عليّ عليه السلام. و الثاني في ص 141، رقم 438:
تا برآيد ناگهان صبح اجل *** وا رهد از ظلمت ظنّ و دغل
يقول: «فإذا ما جاءكم صبح الأجل زالت الظُّلمة عنكم و الضلل»
و هي أيضاً، تناسب فحوى الرواية النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، حيث ورد شرحها في ذيل الرقم 222».
[5] الآية 122، من السورة 6: الأنعام.
[6] الآية 48، من السورة 14: إبراهيم.
[7] يقول: «كنّا واحداً، لكنّا كُنّا نبدو اثنين، فتلاشى و انمحى ذلك البَداء الكينونة و التكوّن.
و لمّا التحق الظلُّ بالشمس تخلَّصَ و ارتاح من ظُلمة كينونته.
و إذا احترق الحطبُ جميعه لن تَرى له بعد ذلك دخان متصاعد».
[8] يقول: «لو ظَهرت لكَ الشمس و طلعت ما أبقتْ للزُّهرة نوراً و لا للقمر ضياءً».
[9] الآيتان 1 و 2، من السورة 81: التكوير.
[10] يقول: «و إذا سأل أحدهم: أيّان يوم القيامة يا صنم؟ انظُرْ إلى نفسك و تأمّلها فها أنا ذا القيامة.
فهذه القيامة لا تقلّ عن تلك شيئاً، و إذا كانت تلك القيامة جرح فهذه القيامة هي البلسم و الدواء الناجع».
[11] الآية 26، من السورة 55: الرحمن.
[12] يقول: «إن يسقط النور على العروش *** تكن جميعها عهنا منفوش»
[13] الآية 5، من السورة 101: القارعة.
[14] يقول: «فاسْعَ ما استطعتَ و لا تكُ لاهياً، إذ ما الفائدة من العلم حين تفقد الاستطاعة؟».
[15] يقول: «إذا تركتَ الانحراف و هَجرتَ سبيل الجَنف زمناً، لتمكّنتَ من رؤية ما قد رآه أيّ نبيّ و وليّ».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة