حب الدنيا رأس كل بلاء
المؤلف:
الحارث بن أسد المحاسبي
المصدر:
آداب النفوس
الجزء والصفحة:
ص 136 ـ 138
2025-06-09
560
ويُروَى عن النبيِّ [الأكرم] ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "حبّك الشيء يُعمِي ويُصِمُّ".
ويُروى عن [روح الله وكلمته] عيسى (عليه السلام) أنَّهُ قال: "حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة".
وأنفع ما عالج به المؤمن في أمر دينه: قطع حبّ الدنيا من قلبه، فإذا فعل ذلك هان عليه ترك الدنيا، وسهل عليه طلب الآخرة، ولا يقدر على قطعه إلّا بأداته.
أما إنّي لا أقول: أداته الفقر وقلّة الشيء وكثرة الصيام والصلاة والحجّ والجهاد، ولكن أصل أداته: الفكر وقصر الأمل ومراجعة التوبة والطهارة وإخراج العز من القلب ولزوم التواضع وعمارة القلب بالتقوى وإدامة الحزن وكثرة الهم بما هو وارد عليه.
وما أكثر من يعمل هذه الأعمال التي وصفنا وحب الدنيا في قلبه زائد وكثير من الناس من لا يكثر من هذه الأعمال وحبّه للدنيا في نقص؛ لأنَّهُ أخذه من وجهة أن يلزم نفسه الفكر ويقصر عليه من الأمل ولكن الأشياء من حيث أباحها الله فيضعها حيث أمره الله ويلزم قلبه ذكر قرب مفارقتها ومفارقة ما فيه وما يصير إليه من الشدائد من القبر والوقوف بين يدي الله (عزّ وجلّ) وطول الحساب ولا يدري في أيّ الصنفين عدده ولا في أيّ الزمرتين اسمه أفي الذين يحشرون الى الجنّة زمرًا أم في الذين يحشرون إلى جهنّم وردًا؟
وتفكّر في ذنوبه التي لو أخذ أهل الدنيا بذنب منها لهلكوا وطول خلود أهل النَّار في النَّار، وأشدّ من ذلك غضب الله على أهل النَّارِ.
ولما يخاف أن يفوته من رضا الله عن أهل الجنّة.
ويقل الفكر في الدنيا وفي نعيمها فإنّ القلب مع الفكر يحيا إن كانت الفكرة في الآخرة ويموت إن كانت الفكرة في الدنيا.
وقال: وما على العبد أن يعزم على أن يجعل حظّه من بقيّة عمره في الدنيا ما كان من جاهٍ أو ثناء أو محمدة من الناس أو قدر عندهم وما كان من فضول النعمة فيها فيعزم على أن يجعل ذلك كلّه لأعدى عدوّ له ولأحسد حاسد له لا يقسم على أقاربه وأصدقائه منها شيئًا بعد أن يرجو أن يكون ذلك كلّه فكاكه من النّار حتّى لو دعى إليه وحبس في الحبس الضيق ليقبله لم يقبله واختار الحبس عليه ولحذره ونفر منه كما كان يطلبه قبل ذلك.
فلعمري لو لم يكن فيه الا ما يرجو أن يدرك به صلاح ما أفسد فيما مضى من عمره فليصلحه وليتخلّص ممّا مضى ويجعل الحزن والهم وقلّة ملاقاة الناس عدّة له مع الدعاء والتضرّع ويجعل الموت نصب عينيه ويستعين بسرعة الخروج من الدنيا فما أهون عند من نزل منزلاً وهو يريد الارتحال منه تركه لجاره وما أقلّ شفقته عليه وما أشفق من نزل منزلاً وهو يريد المقام فيه وأحرص على عمارته.
الاكثر قراءة في حب الدنيا والرئاسة والمال
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة