علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الحديث الموضوع
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 245 ـ 250
2025-06-02
87
النوع الثاني من الضعيف:
وهو الذي ضعفه ليس لعدم اتِّصال إسنادِه، وذلك ستَّةُ أصناف:
الصنف الأول:
[الموضوع]:
الحديث الموضوع، وهو المصنوع، المختلق، وهو شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أيّ معنى كان؛ إلا إذا كان مقرونًا ببيان وضعه للطعن فيه، بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقُها في الباطن، فإنّه يجوز روايتها في الترغيب والترهيب (1)، دون التوحيد والأحكام، وينبغي مع ذلك أن يحترز عن لفظ الجزم، فلا يقول فيه: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وحدَّث، ونحو ذلك، بل يقول: روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وبلغني عنه، أو مثل ذلك من الألفاظ غير الجازمة (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ليس كذلك عند المحققّين، ومنهم ابن معين، فيما حكاه عنه ابن سيد الناس في "عيون الأثر" وهو مذهب ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي"، وبه جزم ابن حزم في "الإحكام" (1/ 136) بل هذا مذهب إمامَي الصنعة البخاري ومسلم، ونصّ عليه مسلم في (مقدّمة) "صحيحه" (1/ 29)، ونقله عنهم جميعًا القاسمي في "قواعد التحديث" (ص 94)، وينظر له كتابي "الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح" (2/ 586).
ومن قال بهذه القاعدة أجراها في محلّها، خلافًا لمن يتستّر وراءها، ويروّج الكذب على النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ من حيث يشعر أو لا يشعر. ووضّح شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/ 65 - 68) المحل الذي تجري فيه بقوله: "وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحتَجُّ به، فإنّ الاستحباب حكم شرعي، فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنّه يحبّ عملًا من الأعمال من غير دليل شرعيّ فقد شرّع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا لم يختلف العلماء في الاستحباب، كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع". ثم بيَّن مراد العلماء من العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، فقال: "وإنّما مرادهم بذلك أنْ يكون العمل ممّا قد ثبت أنّه ممّا يحبّه الله، أو ممّا يكرهه الله بنصٍّ أو إجماع؛ كتلاوة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والصدقة، والعتق، والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة، ونحو ذلك، فإذا رُوي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبّة وثوابها، وكراهة بعض الأعمال وعقابها؛ فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه، إذا روي فيها حديث لا نعلم أنّه موضوع؛ جازت روايته والعمل به؛ بمعنى أنّ النفس ترجو ذلك الثواب، أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أنّ التجارة تربح، لكن بلغه أنّها تربح ربحًا كثيرًا، فهذا إنْ صَدق نَفَعه، وإنْ كذب لم يضرّه". ثم ذكر مثالًا للعمل بالحديث الضعيف بشرطه، فقال: "ومثال ذلك: الترغيب والترهيب بالإسرائيليّات والمنامات، وكلمات السلف والعلماء، ووقائع العلماء، ونحو ذلك ممّا لا يجوز بمجرّده إثبات حكم شرعيّ؛ لا استحباب ولا غيره، ولكنْ يجوز أن يُذكَر في الترغيب والترهيب، والترجية والتخويف، فما عُلِمَ حسنه أو قبحه بأدلّة الشرع، فإنَّ ذلك ينفع ولا يضر، وسواء كان في نفس الأمر حقًّا أو باطلًا، فما عُلِمَ أنّه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه، فإنَّ الكذب لا يفيد شيئًا، وإذا ثبت أنّه صحيح أثبِتَتْ به الأحكام، وإذا احتمل الأمرين رُويَ لإمكان صدقه، ولعدم المضرَّة في كذبه، وأحمد إنّما قال: "إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد".
ومعناه: أنّنا نروي في ذلك بالأسانيد، وإن لم يكن محدّثوها من الثقات الذين يحتجّ بهم، وكذلك قول مَن قال: يُعمَل بها في فضائل الأعمال، إنّما العمل بها بما فيها من الأعمال الصالحة؛ مثل التلاوة والذكر، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيّئة.
ونظير هذا قول النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو: "بلّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار".
مع قوله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ في الحديث الصحيح: "إذا حدّثكم أهل الكتاب فلا تُصَدِّقوهم ولا تُكَذِّبوهم"؛ فإنّه رخَّص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخّص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرّد الإخبار لما نهى عن تصديقهم؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع" ثم قرّر أنّه: لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل، فقال: "فإذا تضمّنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرًا وتحديدًا؛ مثل صلاة في وقت معيّن بقراءة معيّنة، أو على صفة معيّنة لم يجز ذلك؛ لأنّ استحباب هذا الوصف المعتن لم يثبت بدليل شرعيّ، بخلاف ما لو رُويَ فيه: "مَن دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا"؛ فإنّ ذكر الله في السوق مستحبّ؛ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين.
فأمّا تقدير الثواب المرويّ فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته.
فالحاصل؛ أنّ هذا الباب يُروَى ويُعمَل به في الترغيب والترهيب، لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه، وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقّف على الدليل الشرعيّ".
وهذا تحرير بديع، وكلام دقيق، وتصوّر عميق، قلَّ أن تجده مجموعًا بهذا التحرير والتحقيق، وهو ليس خاصًّا به، وإنّما قال به جمع حتّى من المتساهلين في إيراد الأحاديث الضعيفة، من مثل علي القاري، قال في "المرقاة" (2/ 381): "إنّ الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد إجماعًا" كما قاله النوويّ، محلّه الفضائل الثابتة من الكتاب والسنّة".
ومن المهم هنا أن يعلم مطلقو الاستدلال بهذه العبارة أنّ العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه عند القائلين به، فقد قال الحافظُ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص 3 - 4): "اشتُهر أنّ أهل العلم يتساهلون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراطُ أن يعتقدَ العاملُ كونَ ذلك الحديثِ ضعيفًا، وأن لا يُشهَر ذلك؛ لئلّا يعملَ المرءُ بحديث ضعيف فيُشرِّعٌ ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهَّال فيظن أنّه سنّة صحيحة، وقد صرّح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "مَن حدَّث عنّي بحديث يُرى أنّه كذب، فهو أحد الكاذبين"، فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل؛ إذ الكل شرع".
فهذه شروط ثلاثة مهمّة لجواز العمل به:
1 - أن لا يكون موضوعًا.
2 - أن يعرف العاملُ به كونه ضعيفًا.
3 - أن لا يُشهَر العمل به.
ومن المؤسف أن نرى كثيرًا من العلماء - فضلًا عن العامّة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحّته من ضعفه، وإذا عرفوا ضَعْفَه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسيرٌ أو شديد يمنع العملَ به، ثم هم يشهرون العملَ به كما لو كان حديثًا صحيحًا! ولذلك كثُرَت العبادات التي لا تصحُّ بين المسلمين، وصرفهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد الثابتة.
ثم إنَّ هذه الشروط تُرجِّحُ ما ذهبنا إليه من أنّ الجمهورَ لا يُريد المعنى الذي رجَّحناه آنفا؛ لأنَّ هذا لا يُشترَط فيه شيءٌ من هذه الشروط كما لا يخفى.
ويبدو لي أنَّ الحافظ يميل إلى عدم جواز العمل بالضعيف بالمعنى المرجوح لقوله فيما تقدّم: "…ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل؛ إذ الكلُّ شرعٌ". وهذا حق؛ لأنّ الحديث الضعيف الذي لا يوجد ما يعضدُه يحتمل أن يكون كذبًا، بل هو على الغالب كذب موضوع، وقد جزم بذلك بعض العلماء فهو ممَّن يشمله قوله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: " … يرى أنّه كذبٌ" أي: يظهر أنّه كذلك، ولذلك عقَّبه الحافظ بقوله: "فكيف بِمَن عمل به؟ "، ويُؤيِّد هذا ما قاله ابن حبّان في "صحيحه" على الحديث: "فكلّ شاكٍّ فيما يروي أنّه صحيح أو غير صحيح، داخل في الخبر".
فنقول كما قال الحافظ: "فكيف بِمَن عمل به…؟! ".
فهذا توضيحُ مراد الحافظ بقوله المذكور، وأمَّا حمله على أنَّهُ أراد الحديث الموضوع، وأنَّهُ هو الذي لا فرق في العمل به في الأحكام أو الفضائل، كما فعل بعض مشايخ حلب المعاصرين، فبعيد جدًّا عن سياق كلام الحافظ إذ هو في الحديث الضعيف لا الموضوع كما لا يخفى!
ولا ينافي ما ذكرنا أنَّ الحافظ ذكر الشروط للعمل بالضعيف كما ظنَّ ذلك الشيخُ؛ لأنّنا نقول: إنّما ذكرها الحافظ لأولئك الذين ذكر عنهم أنّهم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل ما لم تكن موضوعة، فكأنَّهُ يقول لهم: إذا رأيتم ذلك فينبغي أن تتقيَّدوا بهذه الشروط، وهذا كما فعلته أنا في هذه القاعدة، والحافظ لم يُصرِّح بأنّه معهم في الجواز بهذه الشروط، ولا سيما أنَّهُ أفاد في آخر كلامه أنّه على خلاف ذلك كما بيّنا، أفاد ذلك شيخنا الألباني، وله كلام بديع - غاية - حول هذه المسألة، جمعناه - ولله الحمد - من جميع كتبه في كتابنا "قاموس البدع" وهو مطبوع متداول. وينظر أيضًا "نقض قواعد في علوم الحديث" للعلامة أبي محمد الراشدي السندي (ص 82 - 86) مع تعليق محقّقه أخينا البحاثة النابه صلاح مقبول.
(2) هذا يؤكّد ما سبق أن نبّهنا عليه في الهامش السابق من ضرورة بيان ضعف الحديث في حال ذكره، ولو كان ذلك بطريق ما اصطلحوا عليه؛ مثل: (رُويَ) ونحوه، قال شيخنا الألباني في مقدّمة "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 52):) ولكنّي أرى أنّ هذا لا يكفي اليوم؛ لغلبة الجهل، فإنّه لا يكاد يفهم أحد من كتب المؤلّف، أو قول الخطيب على المنبر: "روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أنَّهُ قال: كذا وكذا…" أنَّهُ حديث ضعيف، فلا بُدَّ من التصريح بذلك، كما جاء في أثر علي [عليه السلام]، قال: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يُكذَّب الله ورسوله". أخرجه البخاري، ولنعم ما قال الشيخ أحمد شاكر في "الباعث الحثيث" (ص 101): "والذي أراه أنّ بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كلّ حال؛ لأنّ ترك البيان يوهم المطّلع عليه أنّه حديث صحيح، خصوصًا إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يُرجَع إلى قولهم في ذلك، وأنّه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حُجّة لأحد إلا بما صحّ عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ من حديث صحيح أو حسن".
وزاد المصنّف في كتابه "المعيار في علل الأخبار" (1/ 21 - 22) في هذا الموطن - قوله: "والحديث باعتبار الوضع والضعف على ثلاثة أقسام: "قسم مقطوع بوضعه: إمّا باعتراف واضعه بعد أن تابَ، إذ قبل التوبة لا يمكن أن يُجزَم بأنّه موضوع لجواز أن يكذب. وإمّا ببيان الجهابذة حيث استكشفوا حاله وتبيّنوا: إمّا بأنّه مخالف لصريح العقل مع عدم قبوله التأويل، وقسم ضَعُفَ لما بيّناه، وقسم متردّد بين النوعين لشدّة تزلزله وكثرة اضطرابه لشبه الموضوع، ولعدم تحقّق وضعه لشبه الضعيف الذي ليس له لقب خاص، والاحتياط في هذا القسم أن لا يجزم بأنّه موضوع، وكثير من هذا القسم عدَّهُ الحافظ أبو الفرج من "الموضوعات" فلذلك عابوه، وعند التحقيق مرجع الضعيف إلى القسمين موضوع وغير موضوع".