قال النبي صلى الله عليه وآله : بنا فتح الله وبنا يختم
روى ابن حماد في كتابه الفتن : 1 / 370 ، عن علي عليه السلام قال : « قلت يا رسول الله ، المهدي منا أئمة الهدى أم من غيرنا ؟ قال : بل منا ، بنا يختم الدين كما بنا فتح ، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة ، كما استنقذوا من ضلالة الشرك ، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين ، بعد عداوة الفتنة ، كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك » .
ونحوه الطبراني الأوسط : 1 / 136 ، وقال عنه في شرح النهج : 9 / 206 خطبة 155 : « وهذا الخبر مروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قد رواه كثير من المحدثين عن علي عليه السلام أن رسولالله صلى الله عليه وآله قال له : إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين ، كما كتب عليَّ جهاد المشركين ، فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك ، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة ؟ فقال : بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل . فقلت : يا رسول الله ، أيدركهم العدل منا أم من غيرنا ؟ قال : بل منا ، بنا فتح وبنا يختم ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
ورواه الشافعي في البيان / 506 ، وقال : حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم . والسلمي في عقد الدرر / 25 ، وقال : أخرجه جماعة من الحفاظ في كتبهم ، منهم أبو القاسم الطبراني ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وأبو عبد الله نعيم بن حماد ، وغيرهم . ورواه في عقد الدرر / 145 ، وقال : أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي . والطبراني في المعجم الأوسط : 1 / 136 .
وقال عنه الحافظ المغربي / 535 : « رواه الطبراني من طريق عبد الله بن لهيعة ، عن عمرو بن جابر الحضرمي ، عن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، به . أما ابن لهيعة فسيأتي الكلام عليه ، وأما الحضرمي فقد روى له الترمذي وابن ماجة ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث عنده نحو عشرين حديثاً ، وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة ، وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات ، وصحح الترمذي حديثه » .
وفي فتن ابن حماد : 1 / 375 : « عن سالم قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن المهدي ، فقال : إن الله تعالى هدى هذه الأمة بأول أهل هذا البيت ، ويستنفذها بآخرهم ، لا ينتطح فيه عنزان ، جماء وذات قرن » !
ورواه من مصادرنا : الإمامة والتبصرة / 92 ، عن الحارث بن نوفل قال : « قال علي لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله أمنا الهداة أو من غيرن . . االخ .
وفي أمالي المفيد / 288 : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، قال لي : يا علي إنه قد جاء نصر الله والفتح . يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي ، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات ، واستحلوا الخمر بالنبيذ والبخس بالزكاة ، والسحت بالهدية ! قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك ، أهم أهل ردة أم أهل فتنة ؟ قال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ، فقلت : يا رسول الله العدل منا أم من غيرنا ؟ فقال : بل منا ، بنا فتح الله وبنا يختم الله ، وبنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف الله بين القلوب بعد الفتنة . فقلت : الحمد لله على ما وهب لنا من فضله » .
أقول : الختم في الحديث بمعنى بلوغ الأوج في إثمار المشروع الإلهي وتحقيق هدفه . والحديث يعني أن نبوة نبينا صلى الله عليه وآله كانت افتتاحاً لمشروع الإسلام ، وأنه سيصل إلى أوجه على يد الإمام المهدي عليه السلام . قال عز وجل بقوله : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ .
وما من سِرٍّ إلا والمهدي عليه السلام يختمه
روى ابن شعبة الحراني رحمه الله في تحف العقول / 171 ، وبشارة المصطفى / 24 ، خلاصة وصية أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد عليه السلام ، وهي طويلة مليئة بالعلم والحكمة ، جاء فيها : « عن سعيد بن زيد بن أرطاة ، قال : لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أخبرك بوصية أوصاني بها يوماً ، هي خير لك من الدنيا بما فيها ؟ فقلت : بلى . قال : قال لي علي عليه السلام : يا كميل ، سمِّ كل يوم باسم الله ، وقل : لاحول ولا قوة إلا بالله ، وتوكل على الله ، واذكرنا وسمِّ بأسمائنا . . .
يا كميل ، إن رسول صلى الله عليه وآله أدبه الله عز وجل وهو عليه السلام أدبني ، وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين . يا كميل ، ما من علم إلا وأنا أفتحه ، وما من سر إلا والقائم عليه السلام يختمه . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
يا كميل ، لا تأخذ إلا عنا تكن منا . يا كميل ، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة . . .
يا كميل ، أنتم مُمتعون بأعدائكم ، تطربون بطربهم ، وتشربون بشربهم ، وتأكلون بأكلهم ، وتدخلون مداخلهم ، وربما غلبتم على نعمتهم ، إي والله على إكراه منهم لذلك ، ولكن الله عز وجل ناصركم وخاذلهم ، فإذا كان والله يومكم وظهر صاحبكم لم يأكلوا والله معكم ، ولم يردوا مواردكم ، ولم يقرعوا أبوابكم ، ولم ينالوا نعمتكم ، أذلة خائبين ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً .
يا كميل ، لا تغتر بأقوام يُصلون فيطيلون ، ويصومون فيداومون ، ويتصدقون فيحسبون أنهم موفقون . يا كميل ، أقسم بالله لسمعت رسول صلى الله عليه وآله يقول : إن الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك من الخنا والمآثم ، حبب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود ، ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار ، ويوم القيامة لا ينصرون . . .
يا كميل ، إنه مستقر ومستودع ، فاحذر أن تكون من المستودعين ، وإنما تستحق أن تكون مستقراً إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ، ولا تزيلك عن منهج ، ما حملناك عليه وما هديناك إليه .
يا كميل ، لا غزو إلا مع إمام عادل ، ولا نفل إلا مع إمام فاضل !
يا كميل ، أرأيت لو لم يظهر نبيٌّ وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً ؟ بلى والله مخطئاً حتى ينصبه الله عز وجل ويؤهله له !
يا كميل ، الدين لله ، فلا تغترن بأقوال الأمة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت وجحدت بعد ما قبلت . يا كميل ، الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولاً أو نبياً أو وصياً ! يا كميل ، هي نبوة ورسالة وإمامة ، وليس بعد ذلك إلا متولون ومتغلبون ، وضالون ومعتدون .
يا كميل ، إن النصارى لم تعطل الله تعالى ولا اليهود ، ولا جحدت موسى ولا عيسى ، ولكنهم زادوا ، ونقصوا ، وحرفوا ، وألحدوا ، فلُعنوا ومُقتوا ولم يتوبوا . . .
يا كميل ، قال رسول صلى الله عليه وآله قولاً أعلنه والمهاجرون والأنصارمتوافرون يوماً بعد العصر ، يوم النصف من شهر رمضان ، وهو قائمٌ على قدميه من فوق منبره : عليٌّ مني ، وابناي منه والطيبون مني ومنهم ، وهم الطيبون بعد أمهم ، وهم سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هوى ، الناجي في الجنة والهاوي في لظى » .
ومعنى قوله عليه السلام : ما من علم إلا وأنا أفتحه : أن النبي صلى الله عليه وآله جاء بأصول العلوم التي يحتاج إليها الناس ، وفتح أصول بعضها ثم يفتح أمير المؤمنين عليه السلام وأبناؤه المعصومون عدداً منها حتى يصل الأمر إلى المهدي عليه السلام فيكملها ويختمها . ويكفي أن يكشف أسرار القرآن ، ويبني به المعرفة الإنسانية العالية ، والحياة المتطورة ، مادياً ومعنوياً .
وقد استدل ابن أبي الحديد في مقدمة شرحه على أن العلوم الإسلامية كلها ترجع إلى أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله ، فهو مؤسسها أو مرسيها .
أمير المؤمنين عليه السلام : بنا فتح الله وبنا يختم ، لا بكم
في ملاحم ابن المنادي / 64 ، عن الأصبغ بن نباتة قال : « خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن قريشاً أئمة العرب ، أبرارها لأبرارها وفجارها لفجارها ، ألا ولا بد من رحاً تطحن على ضلالة وتدور ، فإذا قامت على قطبها طحنت بحدِّها ، ألا وإن لطحنها رُوقاً ، ورُوقها حدتها ، وفَلُّها على الله عز وجل . ألا وإني وأبرار عترتي وأهل بيتي ، أعلم الناس صغاراً وأحلم الناس كباراً ، معنا راية الحق ، من تقدمها مرق ومن تأخر عنها محق ، ومن لزمها لحق . وإنا أهل بيت الرحمة ، وبنا فتحت أبواب الحكمة ، وبحكم الله حكمنا ، وبعلم الله علمنا ، ومن صادق سمعنا ، فإن تتبعونا تنجوا ، وإن تتولوا يعذبكم الله بأيدينا ، بنا فك الله ربق الذل من أعناقكم ، وبنا يختم لا بكم ، بنا يلحق التالي وإلينا يفئ الغالي .
ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر ، لحدثتكم بشباب من الموالي وأبناء العرب ونبذ من الشيوخ ، كالملح في الزاد وأقل الزاد الملح ! فينا معتبر ولشيعتنا منتظر ، وإنا وشيعتنا نمضي إلى الله عز وجل بالبَطَن والحُمى والسيف ، وإن عدونا يهلك بالداء والدبيلة ، وبما شاء الله من البلية والنقمة .
وأيم الله أن لو حدثتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة ما أكذب وأرجم ، ولو انتقيت منكم مائة قلوبهم كالذهب ، ثم انتقيت من المائة عشرة ، ثم حدثتهم فينا أهل البيت حديثاً ليناً لا أقول فيه إلا حقاً ، ولا أعتمد فيه إلا صدقاً ، لخرجوا وهم يقولون علي من أكذب الناس ! ولو اخترت من غيرهم عشرة فحدثتهم في عدونا وأهل البغي علينا أحاديث كثيرة ، لخرجوا وهم يقولون علي من أصدق الناس !
هلك خاطب الخطب ، وحاص صاحب العَصَب ، وبقيت القلوب تَقلَّب ، منها مشغب ، ومنها مجدب ، ومنها مخصب ، ومنها مشتت . يا بنيَّ لِيبرَّ صغاركم كباركم ، وليرأف كباركم بصغاركم ، ولا تكونوا كالغواة الجفاة ، الذين لم يتفقهوا في الدين ولم يعطوا في الله عز وجل محض اليقين ، كبيض في أداح .
وويحُ الفراخ فراخ آل محمد من خليفة جبار عتريف مترف ، مستخفٍّ بخلفي وخلف الخلف ! وبالله لقد علمت تأويل الرسالات ، وإنجاز العداة ، وتمام الكلمات .
وليكونن من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله ، قوي يحكم بحكم الله ، وذلك بعد زمان مكلح مفضح ، يشتد فيه البلاء ، وينقطع فيه الرجاء ، ويقبل فيه الرشاء ، فعند ذلك يبعث الله عز وجل رجلاً من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء ، قد كان في ستر وغطاء ، فيقتل قوماً هو عليهم غضبان شديد الحقد حران ، في سنة بخت نصر ، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مُصَبَّرة ، سوط عذاب ، وسيف دمار ، ثم يكون بعده هنات ، وأمور مشتبهات .
ألا إن من شط الفرات إلى النجفات باباً إلى القطقطانيات ، في آيات وآفات متواليات ، يحدثن شكاً بعد يقين ، يقوم بعد حين ، تبنى المدائن وتفتح الخزائن وتجمع الأمم ، ينفذها شخص البصر وطمح النظر ، وعنتُ الوجوه وكَسْفُ البال ، حين يرى مقبلاً مدبراً ، فيا لهفاه على ما أعلم ، رجب شهر ذكر ، رمضان تمام السنين ، شوال يشال فيه من القوم ، ذو القعدة يقتعدون فيه ، ذو الحجة الفتح من أول العشر .
ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى ورجب ، جمع أشتات وبعث أموات ، وحديثات هونات هونات ، بينهن موتات ، رافعة ذيلها داعية عولها معلنة قولها ، بدجلة أو حولها .
ألا إن منا قائماً عفيفةٌ أحسابه ، سادةٌ أصحابه ، تنادون عند اصطلام أعداء الله باسمه واسم أبيه ، في شهر رمضان ثلاثاً ، بعد هرج وقتال وضنك وخبال ، وقيام من البلاء على ساق ، وإني لأعلم إلى من تخرج الأرض ودايعها وتسلم إليه خزائنها ، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول أخرجوا من هاهنا بيضاً ودروعاً !
كيف أنتم يا بني هنات ، إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات ، ثم رملتم رملات ليلة البيات ، ليستخلفن الله خليفة يثبت على الهدى ، ولا يأخذ على حكمه الرشى ، إذا دعا دعوات بعيدات المدى ، دامغات المنافقين ، فارجات عن المؤمنين . ألا إن ذلك كائن على رغم الراغمين ، والحمد لله رب العالمين » . انتهى .
وروى الجاحظ في البيان والتبيين / 238 ، بعضها ، قال : « قال أبو عبيدة : وروى فيها جعفر بن محمد : إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ألا وإنا من أهل بيتٍ من عِلم الله علمنا ، وبحكم الله حكمنا ، ومن قول صادق سمعنا ، وإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا ، معنا راية الحق ، من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق . ألا وإن بنا ترد دبَرة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم ، وبنا فتح وبنا ختم ، لا بكم » .
ورواها في شرح النهج : 1 / 276 ، عن الجاحظ ، وقال / 281 : « وقوله في آخرها : وبنا تختم لا بكم ، إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان ، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه ، وقد صرحوا بذكره في كتبهم ، واعترف به شيوخهم ، إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق » . وكنز العمال : 14 / 592 .
ورواها في الإرشاد / 128 ، كالبيان والتبيين وقال : « ما رواه الخاصة والعامة عنه ، وذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته ، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر ، وذلك بعد قتل عثمان بن عفان » .
ورواها في المسترشد / 75 ، وقال إنه خطبها عندما ولي الأمر ، ونصها : « والذي نفسي بيده لتُخلخلن خلخلة ، ولتُبلبلن بلبلة ، ولتُغربلن غربلة ، ولتُساطن سوطة القدر ، حتى يعود أعلاكم أسفلكم وأسفلكم أعلاكم ، ولقد عدتم كهيئتكم يوم بعث فيكم نبيكم صلى الله عليه وآله ، ولقد نبئت بهذا الموقف وبهذا الأمر . . ألا إن أبغض عبد خلقه الله إلى الله لعبدٌ وكَلَه إلى نفسه ، ورجل قَمَش في أشباه الناس علماً فسماه الناس عالماً ، حتى إذا ورد من آجن ، وارتوى من غير طائل ، قعد قاضياً للناس لتخليص ما اشتبه من غيره ، فإن قاس شيئاً بشئ لم يكذب بصره ، وإن أظلم عليه شئ كتم ما يعرف من نفسه لكيلا يقال لا يعرف ، خباط عشوات ، ومفتاح جهالات ، لا يسأل عما لا يعلم فيعَلَّم ، ولاينهض بعلم قاطع ، يذري الرواية إذراء الريح الهشيم ، تصرخ منه المواريث ، يحل بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم بقضائه الفرج الحلال ، لامليٌّ بتصدير ما ورد عليه ، ولا ذاهل عما فرط عنه .
ألا إن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به الأنبياء عليهم السلام ، في عترة نبيكم ، فأين يتاه بكم وأين تذهبون . يا معشر من نجا من أصحاب السفينة ، هذا مثلها فيكم كما نجا في هاتيك من نجا ، فكذلك من ينجو في هذه منكم من ينجو ! ويل لمن تخلف عنهم ، إنهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف ، سموهم بأحسن أسمائهم ، وبما سموا به في القرآن ، هذا عذب فرات سائغ شرابه فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاحذروا ، إنهم باب حطة فأدخلوا .
ألا إن الأبرار من عترتي وأطائب أرومتي أعلم الناس صغاراً وأحلمهم كباراً . من عِلم الله علمنا ، ومن قول صادقٍ سمعنا ، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، وإن تدبروا عنا يهلككم الله بأيدينا أو بما شاء . معنا راية الحق ، من تبعها لحق ومن تخلف عنها محق ، وبنا ينير الله الزمان الكلف ، وبنا يدرك الله ترة كل مؤمن ، وبنا يفك الله ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا يختم الله لابكم » .
وروى بعضها ابن شعبة الحراني في تحف العقول / 115 ، وفيه : « بنا فتح الله عز وجل وبنا يختم الله ، وبنا يمحو الله ما يشاء ، وبنا يدفع الله الزمان الكَلِب ، وبنا ينزل الغيث . لا يغرنكم بالله الغرور ، لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها ، وذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات ، وعلى رأسها زنبيلها ، لايهيجها سبع ولا تخافه » .
أقول : روى مسلم « 3 / 84 » أن بلاد العرب تعود في عهده عليه السلام مروجاً وأنهاراً ، ومعنى أن المرأة تمشي بين العراق والشام والحجاز وزنبيلها على رأسها لا تخاف : أن الأمن يكون مستتباً ، والمواصلات متيسرة ، وقد قرَّبَ لهم ذلك بمَثَلٍ من عصرهم .
خاتم الأوصياء من ذرية خاتم الأسباط
في أمالي الطوسي : 2 / 113 ، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال : « كنت أمشي خلف عمي الحسن وأبي الحسين عليه السلام في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي الحسن عليه السلام ، وأنا يومئذ غلام لم أراهق ، أو كدت ، فلقيهما جابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريان ، في جماعة من قريش والأنصار ، فما تمالك جابر بن عبد الله حتى أكب على أيديهما وأرجلهما يقبلهما ، فقال رجل من قريش كان نسيباً لمروان : أتصنع هذا يا أبا عبد الله ، وأنت في سنك هذا وموضعك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان جابر قد شهد بدراً ، فقال له : إليك عني ، فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما ومكانهما ما أعلم ، لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب .
ثم أقبل جابر على أنس بن مالك فقال : يا أبا حمزة أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله فيهما بأمر ما ظننته أنه يكون في بشر . قال : له أنس : وبماذا أخبرك يا أبا عبد الله ؟ قال علي بن الحسين : فانطلق الحسن والحسين عليه السلام ووقفت أنا أسمع محاورة القوم ، فأنشأ جابر يحدث قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في المسجد وقد خفَّ مَن حوله إذ قال لي : يا جابر ادع لي حسناً وحسيناً ، وكان شديد الكلف بهما ، فانطلقت فدعوتهما وأقبلت أحمل هذا مرة وهذا أخرى حتى جئته بهما ، فقال لي وأنا أعرف السرور في وجهه لما رأى من محبتي لهما وتكريمي إياهما : أتحبهما يا جابر ؟ فقلت : وما يمنعني من ذلك فداك أبي وأمي وأنا أعرف مكانهما منك ؟ قال : أفلا أخبرك عن فضلهما ؟ قلت : بلى بأبي أنت وأمي . قال : إن الله تعالى لما أحب أن يخلقني خلقني نطفة بيضاء طيبة ، فأودعها صلب أبي آدم عليه السلام فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر ، إلى نوح وإبراهيم عليه السلام ثم كذلك إلى عبد المطلب ، فلم يصبني من دنس الجاهلية ، ثم افترقت تلك النطفة شطرين إلى عبد الله وأبي طالب ، فولدني أبي فختم الله بي النبوة ، وولد أبو طالب علياً فختمت به الوصية ، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنين ، فختم بهما أسباط النبوة ، وجعل ذريتي منهما ، وأمرني بفتح مدينة أو قال مدائن الكفر . ومن ذرية هذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام ، رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، فهما طاهران مطهران ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، طوبي لمن أحبهما وأباهما وأمهما وويل لمن حاربهم وأبغضهم » .
وبمهدينا تنقطع الحجج
روى المسعودي في مروج الذهب : 1 / 32 : « عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذَرْأَ البرية ، وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور كالهباء ، قبل دحو الأرض ورفع السماء ، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته ، فأتاح نوراً من نوره فلمع ، ونزع قبساً من ضيائه فسطع ، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية ، فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فقال الله عز من قائل : أنت المختار المنتخب ، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي ، من أجلك أسطح البطحاء ، وأمرج الماء ، وأرفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب ، والجنة والنار ، وأنصب أهل بيتك للهداية ، وأوتيهم من مكنون علمي ، ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي ، وأجعلهم حجتي على بريتي ، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي ، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية .
فبعد أخذ ما أخذ من ذلك ، شابَ ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ، وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله ، تقديماً لسنة العدل ، وليكون الإعذار متقدماً ، ثم أخفى الله الخليقة في غيبه ، وغيبها في مكنون علمه ، ثم نصب العوالم وبسط الزمان ، ومرج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان ، فطفا عرشه على الماء ، فسطح الأرض على ظهر الماء [ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة ، ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلى الله عليه وآله ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض .
فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم ، من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء ، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً ، وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار ، ثم نبه آدم على مستودعه ، وكشف له خطر ما ائتمنه عليه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة ، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا ، ولم يزل الله تعالى يخبأ النور تحت الزمان ، إلى أن فضل محمداً صلى الله عليه وآله في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعى التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .
ثم انتقل النور إلى غرائزنا ولمع في أئمتنا ، فنحن أنوار السماء ، وأنوار الأرض ، فبنا النجاة ، ومنا مكنون العلم ، وإلينا مصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، خاتمة الأئمة ، ومنقذ الأمة ، وغاية النور ، ومصدر الأمور . فنحن أفضل المخلوقين ، وأشرف الموحدين ، وحجج رب العالمين ، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا ، وقبض على عروتنا » . وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي / 128 : « وبمهدينا تقطع الحجج ، فهو خاتم الأئمة . . وغامض السرفليهنأ من استمسك بعروتنا ، وحُشر على محبتنا » . ومعنى تقطع الحجج : لا يبقى لأحد حجة مقابل أهل البيت عليه السلام .
الإمام العسكري عليه السلام : خاتم حجج الله وآخر خلفائه
في إثبات الهداة : 3 / 569 : « عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن عبد الجبار قال : قلت لسيدي الحسن بن علي عليه السلام : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك : أحب أن أعلم من الإمام وحجة الله على عباده من بعدك ؟ فقال : إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسولالله صلى الله عليه وآله وكنِيُّه ، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه ، قلت : ممن هو يا ابن رسول الله ؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم . ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر » .
وفي مصباح المتهجد / 287 ، عن الإمام الصادق عليه السلام في التوسل بالأئمة المعصومين عليهم السلام : « اللهم . . . وأتقرب إليك بالبقية الباقي ، المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك ، الطيب الطاهر الفاضل الخير ، نور الأرض وعمادها ، ورجاء هذه الأمة وسيدها ، الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، الناصح الأمين ، المؤدي عن النبيين ، وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين » .
وفي غيبة الطوسي / 165 ، « عن أبي سليمان داود بن عنان البحراني قال : قرأت على أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي : دخلت على أبي محمد في المرضة التي مات فيها وأنا عنده ، إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبياً ، قد خدم من قبله علي بن محمد ، وهو رَبِيُّ الحسن عليه السلام ، فقال : يا عقيد أغل لي ماء بمصطكى فأغلى له ، ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف عليه السلام « أي مربيته » فلما صار القدح في يديه وهمَّ بشُربه ، فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن ، فتركه من يده وقال لعقيد : أدخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به ، قال أبو سهل : قال عقيد فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد ، رافع سبابته نحو السماء فسلمت عليه ، فأوجز في صلاته فقلت : إن سيدي يأمرك بالخروج إليه ، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليه السلام ، قال أبو سهل : فلما مَثُلَ الصبي بين يديه سلَّم ، وإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان ، فلما رآه الحسن عليه السلام بكى وقال : يا سيد أهل بيته ، إسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي ، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكى بيده ، ثم حرك شفتيه ثم سقاه ، فلما شربه قال : هيئوني للصلاة ، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ، ومسح على رأسه وقدميه ، فقال له أبو محمد عليه السلام : أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان ، وأنت المهدي ، وأنت حجة الله على أرضه ، وأنت ولدي ووصيي ، وأنا ولدتك ، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولدك رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت خاتم الأئمة الطاهرين ، وبشر بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسماك وكناك ، بذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين ، صلى الله على أهل البيت ربنا إنه حميد مجيد ، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين » .
الإمام المهدي عليه السلام : أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء
في إثبات الوصية للمسعودي / 221 : « حدثني أبو نصر ضرير الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان فقال لي : علي بالصندل الأحمر فأتيته به ، فقال : أتعرفني ؟ قلت نعم قال من أنا ؟ فقلت أنت سيدي وابن سيدي . فقال ليس عن هذا سألتك ، قال ضرير فقلت : جعلت فداك فسر لي ، فقال : أنا خاتم الأوصياء ، وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي » .
الاكثر قراءة في الدولة المهدوية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة