أسلوب الجمل الاعتراضية في القرآن
المؤلف:
السيد بدري عباس محمد الاعرجي
المصدر:
كيف تدخل الى تفسير القران
الجزء والصفحة:
ص125 -129
2025-05-08
677
وهي مجيء كلمة أو جملة أو مجموعة جمل بين كلامين متصلين من حيث المعنى وهذه تكون لها معنى لا علاقة له بمعنى الكلامين اللذين جاءت بينهما حيث إن المعنى الأصلي للكلامين يتم بدونها. وهذه الجمل تكون فاصلة بين الكلامين أو هي جملة صغرى تأتي متخللة جملة كبرى.
مثال في قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} [آل عمران: 135] فإنها معترضة بين {فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ } [آل عمران: 135] وبين {وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} [آل عمران: 135] وتمتاز الجمل الاعتراضية عن الجمال الحالية بكونها طلبية وتكون أما توكيدية أو مشددة.
أسباب وجود الجمل الاعتراضية:
1- تقرير الكلام مثل قوله تعالى: {قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ} [يوسف: 73] لقد علمتم اعتراض في الجملة المراد به إثبات البرآءة من تهمة السرقة. وقوله تعالى: { قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} [النمل: 34] هذا من كلام مكلة سبأ وقول {وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} [النمل: 34] إعتراض بين كلامها من حيث المعنى.
2- بقصد التنزيه مثل قوله تعالى: {وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ ٱلۡبَنَٰتِ سُبۡحَٰنَهُۥ وَلَهُم مَّا يَشۡتَهُونَ} [النحل: 57] (فسبحانه) تنزيه وتعظيم وهو اعتراض وفيه زجر لمن جعل البنات لله في النص القرآني المذكور.
3- التبرك كقوله تعالى: {لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا} [الفتح: 27]
4- التأكيد كقوله تعالى: {فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ 75 وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ 76إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ} [الواقعة:75- 77]
وفيه إعتراض {وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76] وقع بين القسم وجوابه وكذلك (لو تعلمون) اعتراض بين الصفة والموصوف ويراد به تعظيم ما أقسم به من مواقع النجوم وتأكيد تعظيمه في النفوس.
وكذا قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا 30 أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} [الكهف: 30-31] فـ {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا } [الكهف: 30] اعتراض بين {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } [البقرة: 277] وبين {أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} [الكهف: 31]
5- يكون الثاني بيان للأول كقوله تعالى: {وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ 222 نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ فَأۡتُواْ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [البقرة: 222-223]
فجملة (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) اعتراض وقع بين {فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ} [البقرة: 222] وجملة {نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ} [البقرة: 223] والنصين قبل الاعتراض وبعده هما متصلان في المعنى لأن الثاني بيان للأول.
6- تخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد على أمر علق بهما مثل قوله تعالى: {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ
{حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ } [الأحقاف: 15] فقوله حملته أمه اعتراض بين الوصية والموصى به وفائدته تذكير الولد بما عانته الأم من المشقة في حمله وفطامه فذكر الحمل والفصال يفيد زيادة التوصية بالأم. وقوله تعالى: {وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ} [لقمان: 14] فجملة {حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ } [لقمان: 14] اعتراض بين الوصية والموصى به لتذكير الولد بمعناة الأم من المشقه في الحمل والولاده والارضاع ولزيادة التوصية بالأم. 7- زيادة الرد على الخصم مثل قوله تعالى: {وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰءۡتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ 72 فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَٰلِكَ يُحۡيِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} [البقرة: 72-73] فجملة {وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} [البقرة: 72] اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وفائدته أن يقرر في أنفس المخاطبين إن تدارء بني إسرائيل في قتل تلك النفس لم يكن نافع لهم في إخفائه وكتمانه لأن الله تعالى مظهر لذل ولوجاء الكلام {وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰءۡتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ 72 فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ} [البقرة: 72-73] وهذا لا يعطي الصورة البلاغية التي يريدها القرآن مثال آخر قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} [النحل: 101] فاعترض بين إذا وجوابها بقوله: {وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} [النحل: 101] فكأنه أراد أن يجيبهم عن دعواهم فجعل الجواب اعتراضا.
8- إعطاء الحجة مثل قوله تعالى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ 43 بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 43-44]
فاعترض بقوله تعالى: {فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43] بين نوحي إليهم وبين بالبينات والزبر إظهار لقوة الحجة عليهم.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة