علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
مسألة شرب التتن والقهوة.
المؤلف: الشيخ الجليل محمد بن الحسن المعروف بـ(الحر العامليّ).
المصدر: الفوائد الطوسيّة.
الجزء والصفحة: ص 224 ـ 230.
2024-09-21
248
فائدة رقم (51):
اعلم انّ بعض المتأخّرين من علمائنا ذهب الى تحريم شرب التتن وألّف في ذلك رسالة استدل فيها بوجوه:
الأول: انّه من الخبائث التي دل على تحريمها الكتاب قال: والخبيث ما استخبثه الطبائع السليمة المستقيمة وتنفر عنه ابتداء قبل اعتياده وإدمانه بتوقع نفعه بتسويل الشيطان عدو الإنسان وكون الدخان كذلك في عهدة الوجدان والإنصاف.
الثاني: انّه من نزغات الشيطان بشهادة شدّة رغبته طبائع البطلة والجهلة والفسّاق وملازمتهم في أكثر الأزمان والمجالس وبه حصل التزايد في الفسق والفساد واستعمال آنية الذهب والفضة وقسوة القلوب الى غير ذلك والدخان المذكور انّما حدث ابتداءً من الكفّار ومشركي الفرنج ثم من المخالفين ثم من المستضعفين الذين أزلهم الشيطان عن قبحه وقد قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ}، وفي الحديث القدسي: ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (1).
الثالث: قاعدة الضرر المنفي فإنّ كل من أدمنه يخبر بضرره وكذا الأطباء وقد صرّح الصادق (عليه السلام) بأنّ الضرر علّة الحرمة بقوله: انّ الله خلق الخلق إلى أن قال: وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ثم أباحه للمضطر بقدر البلغة لا غير ذلك (2).
وقال أيضًا: إنّما الإسراف فيما أتلف المال وأضر بالبدن (3).
والإسراف حرام بل كبيرة لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ}.
الرابع: ضياع المال بسببه من دون ان يترتّب عليه نفع يعتد به، وإضاعة المال منهي عنه. قال أبو الحسن (عليه السلام): انّ الله نهى عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال (4).
الخامس : انّه يشبّه بالزمار وقد مرّ في الحديث القدسي: لا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي.
وقال الشهيد في قواعده: ذكر الأصحاب انّه لو شرب المباح تشبّها بشارب المسكر فعل حراما لا بمجرّد النية بل بانضمام فعل الجوارح إليها (5) وقد ورد النهي عن مجالسة أهل المعاصي ومصاحبة أهل الريب والبدع لئلا يسير الإنسان شبيها بهم وكواحد منهم، وفي الأحاديث الصحيحة دلالة على تحريم التشبيه بفاعل المحرم.
السادس: انّه تفأل بدخان مبيّن يغشى الناس وسعير الجحيم نعوذ بالله منه.
وقال الطبرسي في سورة الرحمن [بل في سورة الدخان]: قد عدّ من أشراط الساعة الدخان وأورد فيه حديثًا (6).
السابع: انّه لغو فإنّ المروّة توجب إلقاؤه وإطراحه والإعراض عن اللغو واجب بنصّ القرآن.
ثم أورد كلام ملا أحمد في آيات الأحكام الى أن قال: وقد وصف سبحانه طعام أهل النّار بأنّه لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ وفيه تأييد للمرام.
الثامن: سلوك سبيل الاحتياط وسلوك سبيله فيما نحن فيه واجب لقوله (عليه السلام): حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (7) ولا ريب انّ شرب الدخان المذكور ليس من الحلال البيّن مع ظهور خبثه فتركه واجب وقال (عليه السلام): "دع ما يريبك".
التاسع: وجوب اجتناب أكل الرماد فإنّ الدخان المذكور لا ينفك عنه قطعًا، وإدمانه يدخل في الحلق غالبًا ولمّا كان أكل التراب حرامًا بالنص والإجماع كان أكل الرماد لكونه خبيثًا بالحرمة أولى وتحريم شرب الدخان المذكور على الصائم ليس من باب إلحاق الدخان بالغبار كما ظن، بل من باب تعمّد شرب الدخان المشتمل على الرماد الذي هو في معنى أكل التراب المحرم والرماد موجود في ماء الغليان وقصبته الى آخرها.
العاشر: انّه من محدثات الأمور بعد عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وقال (عليه السلام): شر الأمور محدثاتها (8) رواه الصدوق في الفقيه وغيره فيكون بدعة.
وقد قال (عليه السلام): كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار (9).
الحادي عشر: كونه قبيحًا مذمومًا عند كافّة المسلمين من مدمنيه وغيرهم حتّى نظمه حكيم الشعراء ثم ذكر إشعاره وقد نقل العلّامة في نهاية الأصول عنه (عليه السلام) قال: ما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح.
الثاني عشر: اعتبار أولي الأبصار امتثالا لأمر {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} ومعلوم انّ صلاح الإنسان في التنزّل والتسفّل الى خروج القائم (عليه السلام) ولا يكون الا على رأس شرار الناس كما أخبر به الصادق (عليه السلام) وقد بعث الله الأنبياء والرسل في كل زمان يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم فلو كان في شرب الدخان صلاح وخير لهم لكان شائعا ومعمولا في الأزمنة الخالية أكثر من هذا الزمان ولما لم يكن كذلك ظهر انّه من شرور الأمور المحدثة المتزايدة في آخر الزمان.
ثم شرع في ذكر شأن المتّقين وطريقتهم والزهد والورع والاحتياط وذكر الآيات والروايات انتهى ملخّصا مختصرا.
واعلم انّ الرواية المنقولة عن النهاية من طريق العامّة لا يلتفت إليها ولا يعتمد عليها، وان أريد منها جميع المسلمين فلا يمكن الاطّلاع عليه وان أريد البعض فلا دلالة لها عليه.
وبعض علمائنا المتأخّرين ذهب الى تحريم القهوة المعمولة من البن وألف في ذلك رسالة استدل فيها بالوجوه السابقة بأدنى تغيير وزاد فيها ان استدل بأنّها في الغالب تحترق حتّى تصير أكثرها فحما والفحم من الخبائث واعترض على نفسه بأنّ فيها منافع كثيرة يدّعيها شرّابها كلّهم أو أكثرهم.
وأجاب بوجوه:
منها: انّ وجود المنافع لا يستلزم كون الشيء من الطيّبات فإنّ الخمر فيها منافع بنص القرآن ولا يلزم كونها من الطيّبات.
ومنها: انّ المنافع معارضة بالمضار وأكثر الأطبّاء على انّها باردة يابسة وانّها تنقص القوة ويحصل منها جملة من المضار والمفاسد.
ومنها: انّ المنافع التي يدّعونها انّما هي من الماء الحار ولما رواه الكليني في الروضة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما دخل جوف الإنسان شيء أنفع له من ثلاثة أشياء: الماء الفاتر والرمّان الحلو والحجامة.
واستدل أيضا بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق في آخره عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيّة له: سيأتي أقوام يأكلون طيب الطعام وألوانها ويركبون الدواب ويتزينون زينة المرأة لزوجها ويتبرجون تبرج النساء وزيهنّ مثل زي الملوك الجبابرة وهم منافقوا هذه الأمّة في آخر الزمان شاربون بالقهوات لاعبون بالكعبات راكبون الشهوات تاركون الجماعات راقدون عن العتمات مفرطون في الغداوات.. يقول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (10).
وما رواه الكراجكي في كتاب معدن الجواهر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: خمسة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب اليم وهم النائمون عن العتمات الغافلون عن الغداوات اللاعبون بالساعات الشاربون بالقهوات المتفكّهون بسب الآباء والأمهات.
واعترض صاحب الرسالة على نفسه بوجهين أحدهما: انّ القهوة من أسماء الخمر ولها أسماء كثيرة مبلغ الف اسم كما ذكره علماء اللغة. منها القهوة فلعلّ المراد بها الخمر فلا دلالة له على قهوة البن لبقاء الاحتمال.
وثانيهما: انّه يدل على الذم لا على التحريم فلعلّها مكروهة غير محرّمة بل لعلّ الذم متوجّه الى المجموع لا الى كل واحد.
وأجاب عن الأول بوجوه:
منها : انّ قوله سيأتي وقوله في آخر الزمان يدلان على انّه ليس المراد الخمر بوجودها في زمانه (عليه السلام) وقبله، وكثرة شربهم لها.
ومنها: قوله بالقهوات والجمع يدل على العموم هنا فدخلت قهوة البن ان لم يكن مراده وحدها لدخولها في إفراد العام.
ومنها: انّ تحريم الخمر كان معلومًا عند ابن مسعود وأمثاله فتعيّن المعنى الأخر؛ لأنّ التأسيس أولى من التأكيد صونًا لكلام المعصوم على الخلو من الفائدة.
وأجاب عن الثاني: بأنّه يشتمل على الذم البليغ والتشديد والتهديد المفهوم من الآية بقوله: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وذلك دليل التحريم لا الكراهة وأيضا فالأمور المذكورة أكثرها محرّم والباقي أكثر أفراده محرّم وينبغي كون الجميع على نسق واحد فلا وجه لذكر المكروه بينها ولا لتعلق الذم بالمجموع لا بكل فرد فإنّه لا يجوز من مثله (عليه السلام) الذم على ما لا يخالف الشرع.
والعجب انّ ذم العقلاء دليل على القبح والتحريم العقلي وذم الشارع لا يكون دليلا على القبح والتحريم الشرعي هذا ما ذكره في رواية الطبرسي.
وأمّا رواية الكراجكي فإنّها أبلغ ولا يتوجّه عليها كل ما ذكر ولم يتكلّم عليها ثمّ اعترض صاحب الرسالة بأنّ هذه الوجوه الخمسة عشر فيها احتمال وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
وأجاب بأنّ الاحتمال الضعيف لإتمامه (11) الدليل والا لم يبقَ دليل تام ألا ترى إلى أدلة الأصول والفروع لا تخلو من احتمالات أقوى ممّا أشير اليه.
وأيضًا فإنّ كثرتها وتعاضدها يرد الاحتمال ويحصل منه القوة.
وأيضا فإنّه لا معارض لها يقاومها عند الإنصاف ويوجهه المستدل على الإباحة لم يجد الا دليلا عامًّا يعارضه الأدلة العامة والخاصة فالعام يقاومه والخاص يخصصه والاحتياط يخالفه ولولا معارضة العادة والشهرة بين العوام لما توقف أحد في قبول أدلتنا فإنّ المحرّمات أدلة تحريمها منها ما يدل على المرجوحيّة والذم، ومنها ما يدل على المنع من الفعل وحقيقة التحريم مركّبة من القيدين.
وكذا أدلة الوجوب منها ما دل على الرجحان، ومنها ما دل على المنع من الترك والأدلة على المنع في المقامين أقل من الأدلة على الرجحان والمرجوحيّة، والله أعلم. انتهى ما نقلنا من الرسالة ملخصا مختصرا وأطال الكلام في آخرها في الورع والتقوى والاحتياط وجعله مؤيّدا لأدلته.
ولا يخفى انّه مع تعارض الأدلة أو عدم الدليل بالكليّة لا طريق أسلم ولا أقرب الى النجاة من التوقّف، والاحتياط يقتضي الترك مع عدم الجزم بالتحريم وبالكراهة لاحتمال تحريم الجزم بذلك بل قيام الدليل على عدم جواز القول بغير علم وكذا لا ينبغي الجزم بالإباحة ولا يجوز النهي عن مثل ذلك ولا الحكم بفسق فاعله لاحتمال كونه غافلا عن ذلك فلا يكون مكلفا به بدلالة العقل والنقل ولاحتمال كونه قد عرف الإباحة بدليل تام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطان بالعلم بالمعروف والمنكر بدلالة العقل والنقل والمفروض عدم العلم امّا لعدم الدليل أو لتعارض الأدلة.
وقد سألني الملك الأعظم أشرف ملوك العالم أيّده الله عن سبب عدم شربي القهوة والتتن فأجبته انّهما لا يوافقان مزاجي ولا يلائمان طبيعتي كراهة للبحث والخوض في المسائل الشرعيّة التي ليست لها أدلة واضحة فقال: قد بلغني أنّك تستشكلهما وتحتاط في تركهما فقلت: نعم، الأمر كذلك لكنّي لا أجزم بالتحريم ولا بالكراهة لعدم دليل واضح أيضا إذ لم يكونا في زمن النبي ولا في زمن الأئمة (عليهم السلام)، فليس فيهما نص خاص والعمومات متعارضة وأرى الاحتياط أولى. فقال : هذا الاحتياط واجب أم مستحب. فقلت: اختلف علماؤنا في ذلك على قولين واتفقوا على رجحان الاحتياط سواء كان واجبا أم مستحبا قد أتيته. فقال: أوليس الأصل إباحة؟! فقلت: هذه مسألة خلافية قد أجمعوا على رجحان التوقّف والاحتياط وعدم الجزم بالإباحة والتحريم في مثله فاستحسن الجواب واستصوب الاحتياط.
________________
(1) أورده المؤلف ره في الجواهر السنية عن الفقيه راجع ص 343.
(2) الكافي ج 6 ص 242.
(3) الوافي ج 1 ص 94 باب التدلك بالدقيق بعد النورة.
(4) الكافي ج 1 ص 60 ح 5
(5) في الفائدة الحادية والعشرون ص 107 « القسم الأول » والمراد ببعض الأصحاب أبو الصلاح الحلبي صاحب الكافي وطبع أخيرا بقم المحمية عش آل محمد (ص).
(6) مجمع البيان الجزء الخامس والعشرون ص 62.
(7) الوسائل ج 3 ص 387 كتاب القضاء.
(8) البحار ج 2 ص 298
(9) الكافي ج 1 ص 56
(10) أخرجه العلامة النوري ره في المستدرك ج 2 ص 390
(11) كذا في النسختين عندنا ولكن الظاهر: لا يمانع.