تفسير {فذكر ان نفعت الذكرى}
المؤلف:
مركز نون للتأليف والترجمة
المصدر:
هدى القرآن
الجزء والصفحة:
ص29 -31
2024-09-02
1091
قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}:
ذَكَرَ المفسِّرون في معنى الآية أقوالاً، هي:
• الآية إخبار عن أنّ تذكير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينفع لا محالة في زيادة الطاعة، والانتهاء عن المعصية، كما يُقال: سله إنْ نفع السؤال. ومعنى "إنْ" في الآية، هو بمعنى "قد" أو "إذ".
ويُضعِف هذا القول: أنّ كون الذكرى نافعة مفيدة دائماً، حتّى في من يُعاند الحقّ بعد أن تمّت عليه الحجّة، ممنوع! كيف؟ وقد قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}[1].
• إنّ في الكلام إيجازاً بالحذف، والتقدير: فذكّر، إنْ نفعت الذكرى، وإنْ لم تنفع، وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بُعِثَ للتذكرة والإعذار، فعليه أن يُذكِّر، نفع أم لم ينفع، فالآية من قبيل قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}[2]، أي والبرد. وفيه: أنّ وجوب التذكرة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى في مَن لا يترتّب عليه أثر، هو أصل ممنوع عقلاً، لأنّه يستلزم اللغو في الفعل، للجزم بعدم التأثير وترتّب الأثر، وشرعاً، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}[3].
• إنّ الشرط مسوق للإشارة إلى استبعاد النفع في تذكرة هؤلاء المذكورين، والمعنى: افعل ما أُمِرْت به، لتوجر، وإنْ لم ينتفعوا به. وفيه: أنّه لا يناسب السياق، ولا سيما قوله تعالى بعده بلا فصل: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}.
• الآية تفريع على ما تقدّم من أمره صلى الله عليه وآله وسلم، بتنزيه اسم ربّه ووعده إقراء الوحي، بحيث لا ينسى، وتيسيره لليسرى، وهي الشرائط الضروريّة التي يتوقّف عليها نجاح الدعوة الدينيّة. والمعنى: إذا تمّ لك الأمر، بامتثال ما أمرناك به، وإقرائك فلا تنسى وتيسيرك لليسرى، فذكّر إن نفعت الذكرى. وقد اشترط في الأمر بالتذكرة، أن تكون نافعة، وهو شرط على حقيقته، فإنّها إذا لم تنفع كانت لغواً، وهو تعالى يجلّ عن أن يأمر باللغو، فالتذكرة لمن يخشى لأوّل مرّة، تُفيد ميلاً من نفسه إلى الحقّ، وهو نفعها، وكذا التذكرة بعد التذكرة، كما قال تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}. والتذكرة للأشقى الذي لا خشية في قلبه لأوّل مرّة تُفيد تمام الحجّة عليه، وهو نفعها، ويُلازمها تجنّبه وتولّيه عن الحقّ، كما قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}. والتذكرة بعد التذكرة له لا تنفع شيئاً، ولذا أمر بالإعراض عن ذلك، قال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[4].
والقول الأخير هو الأصحّ بين الأقوال المتقدّمة، لأنّه الأوفق بالسياق[5].
[1] سورة البقرة، الآيتان 6 - 7.
[2] سورة النحل، الآية 81.
[3] سورة البقرة، الآيتان 6 – 7.
[4] سورة النجم، الآية 29.
[5] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص330-331, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص268 -269.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة