تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
هل نغيّر الفيزياء؟
المؤلف: ديفيد والاس
المصدر: فلسفة علم الفيزياء
الجزء والصفحة: ص 115 – ص 119
2024-09-01
427
ثمة طريقة بديلة ومباشرة للغاية (من الناحية المفاهيمية) للتعامل مع مفارقات الكم: بإمكاننا أن نقرّر أنها ليست مجرد مفارقات، بل «تناقضات» وبراهين أن نظرية الكم «خاطئة». فأي نظرية تتنبأ بأن القطط حية وميتة في الوقت نفسه – في حين أن الظاهر يناقض ذلك – يمكن القول عنها إنها نظرية قد دحضت نفسها: ربما لا تكمن المشكلة في فهم ميكانيكا الكم، بل في طريقة تعديلها – أو تبديلها – حتى لا تصبح في حالة تناقض صريح مع الحقائق. ونظرًا للنجاح الباهر الذي حققته النظرية، فلا بد من مراعاة العناية البالغة عند إجراء أي من مثل هذه التعديلات للحفاظ على النجاحات السابقة، لكن قول ذلك أسهل من تنفيذه.
يوجد عدد كبير من الاستراتيجيات المقترحة لكيفية تعديل ميكانيكا الكم، لكني سأركز هنا على مثالين بارزين وهما «الانهيار الديناميكي» و«المتغيرات الخفية». سنبدأ في المثال الأول من حالة قطة شرودنجر، والتي يمكن كتابتها (بعد التعميم بعض الشيء المراعاة السعات المتغيرة) بالصيغة التالية:
|CAT STATE> = a|ALIVE> + b|DEAD>
بما أن هذه الحالة (كما يُزعم) ليست هي الحالة التي نجد عليها القطة حين ننظر إليها، فينبغي تعديل النظرية كي لا تظهر هذه الحالات، أو لا تستمر على أي حال عند رصدها يؤدي هذا إلى تغيير معادلات ميكانيكا الكم لتضم تطورًا جديدًا يمكن كتابته بالصيغة التالية:
|CAT STATE> → |ALIVE> (with probability |a|2)
|CAT STATE> → |DEAD> (with probability |b|2)
إذا حدث هذا الانتقال دومًا بحلول الوقت الذي نرصد فيه القطة بالفعل، فإنه يحلُّ مسألة القياس – إذ إننا نجد القطة إما حية أو ميتة (وليست في حالة تراكب غريبة تجمع بين الحالتين)، واحتمالية كلٌّ منهما تتطابق مع ما تتنبأ به قاعدة بورن. يمكن أن نطلق على هذه العملية اسم «انهيار الحالة الكمية» (ومن المصطلحات الأخرى التي تُطلق عليها أيضًا: «انهيار الدالة الموجية» و«انهيار متَّجه الحالة»، وهي مصطلحات تمثل أساليب رياضية مختلفة متَّبعة في التفكير بشأن الحالة الكمية).
طرحت فكرة انهيار الحالة الكمية في بداية نشأة نظرية الكم، وقد اقترح بول ديراك، أحد مؤسسي النظرية أنها تحدث «تحديدًا» عند قياس النظام. معنى وهو هذا أنه يوجد صنفان مختلفان من ديناميكا ميكانيكا الكم الصنف العادي (ويُطلق عليه علماء الفيزياء «الصنف الوحدوي») وينطبق حين لا يكون النظام قيد القياس؛ أما الصنف الآخر فهو قاعدة الانهيار التي تحدث عند إجراء القياس. إذا اعتمدنا القراءة الاحتمالية للحالة الكمية (حيث لا تعبر حالة قطة شرودنجر إلا عن احتمالية أن تكون القطة حية أو ميتة)، فلن يكون لها أهميةٌ؛ إذ إنها لن تناظر إلا معلوماتنا المحدثة حين نكون قد اكتشفنا بالفعل ما إن كانت القطة على قيد الحياة أم لا. على الرغم من ذلك، فلا يجدر بنا التفكير فيها بهذه الطريقة بما أنها تعديل على نظرية الكم لحل مسألة القياس؛ وإنما ينبغي التفكير فيها على أنها تغيير فوري وعشوائي للحالة التي تكون عليها القطة، حيث تتحول من الحالة غير المؤكدة لعدم موتها إلى حالة أشهر وهي إما أنها حية أو ميتة، لكنها مؤكدة على أي حال. (وبناءً على هذا، إذا استخدمنا انهيار الحالة الكمية لحل مسألة القياس، فإننا نفعل ذلك باعتباره جزءًا من تفسير «مادي» للحالة الكمية – وبذلك تحدث الاحتمالات بسبب العشوائية في قاعدة الانهيار – وليس بوصفه جزءًا من تفسير الحالة نفسه.)
لا تزال هذه الطريقة لتقديم ميكانيكا الكم موجودةً في الكتب الدراسية التمهيدية، لكنها لم تعد تُستخدم غالبًا في الممارسة الفعلية لميكانيكا الكم. تتمثل المشكلة الأساسية لهذه الطريقة في أنها تعامل «القياس» على أنه مفهوم أولي خام، وقد رأينا في القسم السابق أن هذه الفكرة تتعارض مع رغبة علماء الفيزياء في معاملة القياسات على أنها عمليات فيزيائية، يمكن دراستها باستخدام أدوات نظرية الكم نفسها. ثمة طريقة أخرى لتبيان المسألة، وهي أن النظرية التي يكون أحد مبادئها الجوهرية أنَّ «القياس يؤدي إلى انهيار الحالة الكمية» هي نظرية يُستبعد فيها أي تحليل اختزالي للقياس باستخدام مصطلحات أبسط؛ ومع ذلك، يبدو أن علماء الفيزياء يقومون بمثل هذه التحليلات طوال الوقت، بل يعتمدون عليها في واقع الأمر في بناء الأجهزة المعقدة التي تُستخدم بالفعل في مختبرات الفيزياء.
على الرغم من ذلك، فثمة طريقة بديلة للتعبير عن انهيار الحالة الكمية: بدلًا من إدراج الطرح الجوهري المتمثل في حدوث الانهيار عند القياس، يمكننا تخيل نظرية أخرى يحدث فيها الانهيار لسبب آخر وفي ظروف أخرى، ويمكن تحديد هذا السبب ووصفه بدقة في سياق الفيزياء المجهرية، لكن تلك الظروف تضمن في الحقيقة حدوث الانهيار قبل اكتمال القياسات الفعلية. تُعرف النظريات من هذا النوع باسم «نظريات الانهيار الديناميكي»؛ حيث تشير لفظة «الديناميكي» إلى آلية ديناميكية حقيقية ومحددة مجهريا، بدلًا من التعامل مع الانهيار بوصفه ظاهرةً تنتج عن المفهوم العياني: «القياس».
إنَّ القيود التي تُفرض على أي نظرية من هذا القبيل صارمة. إذا حدث الانهيار بسرعة أكبر من اللازم، فسيمنع تأثيرات التداخل التي تعتمد عليها نظرية الكم في تنبؤاتها وتفسيراتها، ومن ثم ستدحض نفسها. وإذا تأخر حدوثه أطول من اللازم، فلن يفي بمهمته في كبح حالات قطة شرودنجر. على الرغم من ذلك، فقد صيغ بعض من مثل هذه النظريات، وإن كان ذلك في النسخ البسيطة من ميكانيكا الكم على الأقل. تطرح هذه النظريات تنبؤات تحيد عن تنبؤات ميكانيكا الكم «العادية» (حيث إنها تتنبأ بأنَّ التداخل لا يحدث في ظروف غريبة معيَّنة، لكنها قابلة للاختبار من حيث المبدأ)؛ وصحيح أنَّ التجارب لم تكشف حتى الآن عن أي انحرافات من هذا القبيل، لكن إجراء مثل هذه التجارب صعب للغاية، ولا يمكننا أن نستبعد حدوث مثل هذا التقدم في المستقبل.
تبدأ الاستراتيجية الثانية لتعديل نظرية الكم بالطبيعة المزدوجة الواضحة للحالة الكمية، سواء أكانت مادية أم احتمالية تفسِّر الاستراتيجية هذه الطبيعة المزدوجة تفسيرًا منطقيا من خلال تزويد نظرية الكم بـ «متغيرات خفية» إضافية، وظيفتها في النظرية هي وصفُ النتائج الفعلية للقياس في حالة قطة شرودنجر على سبيل المثال، تظل الحالةُ الكمية غير محددة لكن لا تعود تتخذ مهمة التعبير عن العالم العياني المرصود. فتلك المهمة تقع على عاتق المتغيرات الخفية، التي تمثل حالة القطة بأنها إما حية أو ميتة، ولكن إلى أن نعرف القيم الخاصة بهذه المتغيرات، فقد تكون القطة حية أو ميتة. وفي هذه النظريات التي تستخدم «المتغيرات الخفية»، تدخل الاحتمالية في النظرية بالطريقة (المثيرة للجدل!) نفسها التي تدخل بها في الميكانيكا الإحصائية، وبهذا فإنَّ الجوانب الاحتمالية لنظرية الكم تنتقل من الحالة الكمية إلى المتغيرات الخفية.
صِيغَت بعض النظريات التي تُقدِّم عامل المتغيرات الخفية، وأؤكد مجددًا على أنها للنسخ البسيطة من ميكانيكا الكم (ومن أشهرها «نظرية دي بروي-بوم»، ويُطلق عليها في بعض الأحيان «نظرية الموجة الدليلية» أو «ميكانيكا بوم» نسبةً إلى عالمي الفيزياء لوي دي بروي وديفيد بوم). تحظى هذه النظريات برواج بين الفلاسفة؛ أما علماء الفيزياء الذين يميلون إلى تعديل ميكانيكا الكم، فغالبًا ما يفضّلون نظريات الانهيار الديناميكي، وأظن أن السبب في ذلك هو أن نظريات المتغيرات الخفية لا تطرح في المعتاد تنبؤات تتعارض مع ميكانيكا الكم التقليدية؛ ولهذا (وفقًا للكثير من علماء الفيزياء) فإن المتغيرات الخفية تزيد من تعقيد النظرية من دون أي مردود تجريبي. ويردُّ أنصار النظرية بأن المردود يتمثل في وجود نظرية مفهومة في الأساس.
(ثمة مشكلة أخرى بشأن نظريات المتغيرات الخفية، وهي مشكلة فلسفية بشكل كبير. تتمثل المشكلة في أنَّ هذه المتغيرات تعتمد – أو تُمثل في المعتاد على الأقل – على افتراض أن القياسات العيانية تكشف عن المتغيرات الخفية في واقع الأمر، لا عن خصائص الحالة الكمية. (على سبيل المثال، لا بد للقياسات الخاصة بالقطة أن تكشف عن المتغيرات الخفية التي تمثل «القطة حية» أو «القطة ميتة»، وليس عن الحالة الكمية التي ستمثل قطة حية وميتة في الوقت نفسه، إن هي مثلت أي شيء مفهوم). وفي أشهر التنويعات التي نوقشت من نظريات المتغيرات الخفية، فإن هذا يُعد افتراضًا أساسيا للنظرية، وليس شيئًا يمكن اشتقاقه ديناميكيا من أي تحليل لعمليات قياس متاحة ضمن النظرية. ويبدو. مرةً أخرى أن هذه العملية تتطلب مفهومًا أوليًا يوضّح كيفية ارتباط القياس بالفيزياء، وذلك على غرار المفهوم الذي يتطلبه مذهب الذرائعية. الحق أنَّ تلك مسألة يحتد فيها الجدال في فلسفة الفيزياء، وتُثير أسئلة عميقةً إلى حد ما بشأن ما يعنيه تفسير نظرية فيزيائية.)
إنَّ نظريات المتغيرات الخفية والانهيار الديناميكي تطرح ألغازا فلسفية مثيرة للاهتمام، لكن المشكلة الأساسية في أي منهما هي النجاحات الضخمة التي حققتها نظرية الكم. وحتى الآن، لم ينجح أي من فئتي النظريات – ولا أيُّ نهج يعتمد على تعديل نظرية الكم – في إعادة إنتاج تنبؤات نظرية الكم خارج مجموعة صغيرة نسبيًّا من التطبيقات، وتنحصر هذه التطبيقات تقريبًا فيما يتعلق بفيزياء المادة التي تتحرك بسرعات غير نسبية في المواقف التي يمكن تجاهل الضوء فيها. فعلى سبيل المثال، لا توجد استراتيجية تعديلٍ في الوقت الحاضر بإمكانها أن تعيد إنتاج تجربة الشق المزدوج (التي تستخدم فوتونات الضوء)، أو أن تشرح آلية عمل الليزر، فضلا عن أن تُمكِّننا من فَهم فيزياء الجسيمات الحديثة. على الرغم من ذلك فقد شهدت هذه المسألة إحراز بعض التقدم (وإن كان مقداره الدقيق محل جدال، وأنا نفسي لم أزل متشككا إلى حدٍّ كبير بشأن هذه المسألة)، لكن على أي حال، فإنَّ أنصار تعديل نظرية الكم لحل مشكلة القياس عاكفون على مشروع ضخمٍ حقا لإعادة التأسيس؛ يعيدون فيه بناء فيزياء القرن العشرين على أساس جديد.