x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

البيت المقدس

المؤلف:  الأستاذ مظاهري

المصدر:  الأخلاق البيتية

الجزء والصفحة:  ص87ــ92

2024-05-27

242

لقد حثّ القرآن الكريم، وروايات أهل بيت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على التخلّق بالأخلاق الفاضلة في البيت، وامتدحوا البيت الذي ترى الألفة فيه والانسجام.

إن البيت الذي يخدم أفراده بعضهم البعض، والذي تقام فيه الصلاة والصيام وذكر الله، ويقرأ فيه القرآن صباحاً ومساءً ولا تسمع منه غير أصوات الدعاء، عظيم، وعظيم جداً عند الله، ومبارك لأهله، وهو عند أهل السماء كالكوكب اللامع الذي يضئ لنا دروب النجاة في الليل الدامس.

وإن البيت الذي لا يُرى فيه غير العداوة والبغضاء، وعدم الانسجام والالتئام ولا يسمع منه صوتٌ للصلاة، ولا يقرأ فيه القرآن الكريم، ولا يدعى فيه إلاّ بدعوات الشر، بيت غير مبارك، وأن الشياطين لتغدو وتروح فيه، وأن الملائكة لتنفر وتهرب من هكذا بيوتات وضيعة، عكس تلك البيوتات المقدسة التي قال فيه الباري في محكم كتابه الحكيم:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36].

هذه البيوت يرفعها الباري تعالى معنوياً، كون ساكنيها يذكرون الله كثيراً من خلال التسبيح والدعاء الذي تسمعه ملائكة الله في عالم الملكوت.

إن لهذه الآية معنيين أحدهما ظاهري والآخر تأويلي، فالظاهري يعني: أن هذه البيوت مقدسة مثل المدارس والمساجد، لأن الذين يسكنون فيها مقدّسون، كونهم من المصلين والصائمين الذاكرين الله كثيراً، وأنهم مبتعدون عن المعاصي والآثام والاختلافات والنزاعات التي تذهب بركة تلك البيوت.

أما المعنى التأويلي الذي قل به الأئمة الطاهرون سلام الله عليهم فهو: إن لفظ البيوت لا يعني هذه البيوت المصنوعة من الطابوق أو الطين، بل عنى سبحانه وتعالى بها الأبدان المقدسة للمؤمنين، والأفراد الذي بلغوا الكمال من مثل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

دخل قتادة على الإمام الباقر محمد بن عليّ (عليه السلام) فشعر باضطراب في نفسه وذلك من هيبة وأبّهة الإمام سلام الله عليه، حينئذٍ قال: يا بن رسول الله لقد جلستُ إلى العلماء كثيراً، لكنني لم اضطرب مثلما اضطربت لديك؟ فقال الإمام (عليه السلام): (هل تعلم أنت بين يدي من؟ أنت بين يدي بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله(1).

إن هذا المعنى التأويلي لا يفهمه إلاّ الأئمة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنهم من يُفسِّر القرآن الكريم الذي له معنيان: ظاهري والذي هو حجّة على الجميع، وباطني يفهمه من له استعداد وقابلية على فهم ذلك الباطن.

نقل المرحوم الكليني رضوان الله عليه في (الكافي) وبالتحديد في كتاب فضل القرآن، روايات عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام من جملتها الرواية التالية:

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام):

(إن البيت الذي يقرأُ فيه القرآنُ، ويُذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يقرأُ فيه القرآن ولا يذكر الله عز وجل فيه تقلُّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين).

إن الدار التي يعصى فيها الباري تباركت أسماؤه، دار لا يسمع فيها غير أصوات النزاع والصراع، وإن أبناء تلك الدار لا يمكن أن يكونوا أبناء نافعين أو صالحين لأنهم كبروا على الخلافات والاختلافات، فأنى لهم أن يفكروا بنعم الله عليهم؟ وكيف يتأتى لهم أن يكونوا من ذوي القابليات والاستعدادات؟.

فإذا أراد الإنسان أن تكون داره مقدسة، عليه أن يهتم بالصلاة والصيام والذكر والدعاء وقراءة القرآن، وإذا رام أن تكون داره مباركة، فما عليه إلاَّ أن يحذر عمل المعاصي والآثام في تلك الدار، ويحاول جهد الإمكان تربية أبنائه وفق المناهج الإسلامية السامية التي جاء بها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم.

فالبيت المبارك، والمال المبارك، والعمر المبارك، والأولاد المباركون، لا ينالون إلا من خلال الابتعاد عن المعاصي، وقد أخبرتنا الروايات المتواترة عن أئمة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن البيت الذي يعصى فيه الله لن يبارك فيه، وكذا بالنسبة للعمر الذي يوظف لذلك البيت، والمال الذي يصرف في ذلك البيت، والأولاد الذي يتربون في ذلك المكان الموبوء، كل هذا وذاك لن يكون مباركاً ما دام يتصل بتلك الدار التي تحيط بها الشياطين من كل جانب، بل وتغدو فيها وتروح، والتي هجرتها الملائكة إلى غير رجعة.

إن جملة (ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض) تعني أن تلك الدار التي يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله بعيداً عن المعاصي والآثام تضيء لأهل السماء من الملائكة، عندها تستفيد الملائكة من تلك الدار، وتلتذّ بالدخول والخروج إليها منها، على العكس من تلك الدار التي حَوَت على كلب يُلْعَب معه، ويُؤكَل معه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(إنّ جبرئيل أتاني فقال: إنّا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب..)(2).

إن هذه الرواية تحمل في طيّاتها ثلاثة معانٍ، الأول ظاهري وهو: إذا اقتنى شخص كلباً ليتركه في الدار بدون تقييد، وبدون أن يكون مراده منه الحراسة كما يفعل الغربيون، أو التابعون للغرب، والمشبّهون بهم، حشره الله يوم القيامة مع يزيد الذي كان يلعب مع الكلاب والخنازير.

وعليه تكون هكذا أنواع من الكلاب سبباً في عدم ورود الملائكة إلى تلك الدار، وهذا المعنى كما ذكرنا ظاهري كما يبدو.

يوجد هناك معنًى آخر وردنا عن أئمة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أن المقصود من البيت، قلب الإنسان، أي أن القلب الحامل للصفات الرذيلة لا يدخله نور الله بالمرة، ولا تتواجد فيه الملائكة.

إن الملائكة توحي للإنسان، ذلك الإنسان الذي خلا قلبه من الكلاب، من الوحشية، من الحسد والمنّة والتكبر والعجب، وهذا معنى لطيف لهذه الرواية.

أما المعنى الثالث لهذه الرواية التي ترتبط ببحثنا هذا فهو:

إن البيوت التي تكون فيها النزاعات والاختلافات لن تكون محلاًّ لذهاب وإياب الملائكة، أي أن الذي تكون روحه وحشية، ونفسيته عدوانية يكون محل سكنه طريقاً لذهاب وإياب الشياطين، وهذا المعنى قريب من تلك الرواية.

على أية حال، إن أحد هذه المعاني الثلاثة سيكون ما عنته تلك الرواية التي وردتنا عن النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله)، وعلى حد قولنا نحن الطلبة: الجمع مهما أمكن أولى من الترك.

أظنّ أن بحثنا هذا كان مفيداً وجيّداً ونافعاً، ولكنه لا يخلو من التحذير! فلو تأتى أن لا تعبر الملائكة من عندنا، ولا تمرّ بدورنا، ولو لم تكن يد الله الرحيمة فوق رؤوسنا، ولو لم يكن فضل الله ورحمته شاملاً لحالنا، لكانت أوضاعنا بائسة، بل وسيئة، ولكن ليست أسوأ من أوضاع أولئك الأطفال الذين يسكنون في تلك المساكن الحاوية على الكلاب، والاشخاص البذيئين الذين يثيرون النزاعات والخلافات.

إن أولئك الأطفال لا يمكن أن يصبحوا طبيعيين، ولو سعى البعض لتأديبهم لكان من الصعب عليه أن يصل بهم إلى شاطئ النجاة الآمن.

لقد تحدث القرآن الكريم وفي مواضع عديدة عن مسألة البيت الآمن، وتطرق إلى أن الزوج يمكن أن يساهم في تأمين الراحة والهدوء في البيت، وكذا بالنسبة للمرأة، حيث جعل الله تبارك وتعالى الرجل سكناً للمرأة، وجعلها ـ المرأة ـ سكناً للرجل.

إن البيوت التي يُعصى الله فيها، لا تتنزَّل فيها الملائكة ولا تصيبها رحمة الله الواسعة، وإن البيوت التي اتخذت منها الشياطين محلاًّ لسكناها لا يمكن أن تهدأ فيها الأمور، لأن الحاكم فيها هو الاضراب، القلق، الظن، والشك.

{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].

إن هذه الآية الشريفة شبّهت لنا المعقول بالمحسوس، وهذا ما نلاحظه أحياناً في آيات القرآن الكريم، حيث يُراد من ذلك إفهامنا أحد المعاني المعقولة من خلال تشبيهه بأمر محسوس فيقول تبارك وتعالى: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على جانب يكاد يهوى في وادٍ سحيق من مثل البناء المستند إلى الكفر والنفاق والفِرقة، وهكذا بناء لا يكون إلا في معرض السيل الذي يأتيه من الجبل ليأخذه معه إلى قاع جهنم، وهذا هو حال أبنية الظلم والنفاق، وإن الله تبارك وتعالى لا يهدي القوم الظالمين.

فالذين أسسوا بنيانهم، بيوتاتهم، حياتهم على التقوى، على المحبة والألفة على الصلاة والصيام، وقراءة القرآن وذكر الله: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37].

وحينما يكون خوف الله هو الحاكم على قلوبهم، تكون تلك البيوت التي يسكنون فيها محكمة الأساس، وأن الأبناء الذين يتخرجون من مثل هذه البيوت سينفعون مجتمعاتهم كونهم مؤمنين وخيّرين، هذا بالإضافة إلى أن العيش في تلك البيوت مبارك، على العكس من تلك البيوت التي أسست على شفا جرفٍ هار.

وبناءً على ما تقدم، فمن أراد حياة سعيدة في الدنيا والآخرة عليه أن يبتعد عن المعاصي والآثام، وعليه أن يحفظ بيته طاهراً مطهراً بحيث لا يرى فيه شيئاً يخالف شرعة الإسلام الحنيف.

لقد أوصى الإسلام كثيراً بضرورة إقامة النوافل في البيت، وإقامة الصلاة الواجبة في المسجد، ولا بأس أن تكون جماعة، وقد حثت الروايات المسلمين على عدم التشبه بالنصارى واليهود الذين يستخدمون معابدهم وكنائسهم للصلاة بينما تخلو بيوتهم من العبادة وذكر الله لذا ينبغي لكم أن تهتموا بالنوافل في بيوتكم، وبالصلاة الواجبة في بيوت الله التي هي المساجد والتي قيل فيها إن لله أماكن يحب أن يذكر فيها.

________________________________

(1) فروع الكافي/ ج6، ص256.

(2) بحار الأنوار/ ج59، ص177.