علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
نبذة عن حياة ثقة الإسلام الكليني (رض).
المؤلف: كمال السيّد.
المصدر: ذلك الشيخ الوقور (الشيخ محمد بن يعقوب الكليني).
الجزء والصفحة: ص 5 ـ 12.
2024-03-20
788
منذ صعود المتوكّل إلى السلطة في 232 هـ ـ 846 م استشرى الفساد والارهاب الحكومي، وفي فترة مبكّرة جدّاً من حكمه الذي امتدّ إلى 15 عاماً تأسّس جهاز للأمن الخاص وجهاز للأمن العام، الأوّل يراقب المسؤولين والآخر يراقب أفراد الشعب.
وقد حصل المتوكّل على لقب «محيي السنّة» بعد اطاحته بالمعتزلة الذين كانوا يسيطرون على مفاصل الدولة؛ وفي طليعتها سلطة القضاء واغلاقه ملف ما عرف تاريخيّاً بـ«محنة خلق القرآن» وتكريمه «أحمد بن حنبل» وكان الأخير قد تعرّض لمعاملة قاسية في بغداد لرفضه القول بـ«خلق القرآن».
وما زاد في شعبيّة المتوكّل في بغداد أوامره بإنزال جثمان «أحمد بن نصر الخزاعي» الذي أعدم قبل شهور حيث قام الخليفة الواثق باعتقاله؛ فسيق مخفوراً من بغداد إلى العاصمة سامراء؛ وقد استجوبه الخليفة شخصيّاً ونفذ فيه حكم الاعدام! وأمر بصلب الجثمان في بغداد.
وقد اشترك المئات في تشييعه وربّما الآلاف ما يشير إلى أن تجربة المعتزلة في الحكم واستغلالهم للدولة وابتداعهم «مسألة خلق القرآن» واستشراء الفساد المالي والاداري افرز طاقة سلبيّة في العمق الاجتماعي وجنوح إلى تبني الفكر السلفي المتمثّل بالتيار الذي كان يقوده «أحمد بن حنبل» والذي راح يتفاقم يوماً بعد آخر.
وكان الإمام علي بن محمّد الهادي (عليهما السلام) قد وجّه شيعته وأنصاره إلى عدم الانجرار وراء هذه الفتنة، التي أحدثت مزيداً من التصدّع الاجتماعي وأمرهم بعدم الخوض في الجدل المحتدم حول خلق القرآن والاكتفاء في توصيفه بأنّه «كلام الله» فحسب.
من جانب آخر وجهت الدولة أجهزتها باتّجاه اضطهاد العلويّين من نسل الرسول (صلى الله عليه وآله) وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) وأنصارهم؛ وقد استدعي الامام الهادي وأجبر على مغادرة المدينة المنوّرة والحضور في سامراء؛ حيث فرضت عليه الاقامة الاجباريّة ليكون تحت المراقبة المباشرة وعيون رجال الأمن الخاص! كما فرض على الامام الهادي (عليه السلام) منذ ذلك الوقت ارتداء الزي الأسود وهو الزي الرسميّ للدولة العباسيّة والحضور يومَي الاثنين والخميس في قصر الخلافة!
وقد وصل الارهاب الحكومي والتشدّد في التعامل مع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ذروته في الحظر الرسمي على زيارة مرقد أهل البيت (عليهم السلام) ذروته في الحظر الرسمي على زيارة مرقد الامام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء، وبالرغم من المنع الحكومي فقد كانت كربلاء تشهد تدفق الزائرين خاصّة في منتصف شعبان من كلّ عام حتّى عرفت تلك الزيارة بـ«الحجّ».
وقد انتشرت هذه الظاهرة حتّى وصلت إلى قصر الخليفة المتوكّل الذي تحوّل إلى طاغية ما انفك يقيم حفلاته الساهرة حيث يستمتع احياناً بمشاهدة عروض مسرحيّة سخيفة تسخر من رموز وائمة أهل البيت (عليهم السلام).
وصادف ذات ليلة أن طلب الخليفة حضور احدى مطرباته فقيل ل: انّها ذهبت للحجّ! وعندما استغرب من ذلك! قيل له: انّها ذهبت لتزور الحسين في كربلاء! الأمر الذي ضاعف من قلقه فأصدر أوامره بهدم المرقد الطاهر وتخريب القبّة بل تحويل كربلاء إلى أرض جرداء.
وهي المهمّة التي امتنع المسلمون على اختلاف طوائفهم من القيام بها وكذلك المسيحيّون وتبنّاها بعض اليهود بقيادة إبراهيم الديزج الذي سيصبح قائداً للشرطة في سامراء! وقد قامت السلطة بمعاقبة المسيحيّين عقاباً جماعيّاً وهدمت بعض كنائسهم!
وما يثير التساؤلات ان المتوكّل ذهب في مناصبته العداء لأهل البيت (عليهم السلام) حدوداً خطيرة حتّى انّه قرّر اتّخاذ دمشق عاصمة للدولة العبّاسيّة في سنة 244 هـ ـ 858 هـ (1) لكنّه يعدل عن قراره بعد أسابيع خوفاً من الوباء الذي عصف بها؛ ولعلّه خوفاً من مؤامرات الضبّاط الأتراك في سامرّاء حيث توجد معسكرات الجيوش العبّاسيّة والتي تشكّل العناصر التركية فيها الغالبيّة الساحقة (2).
ولم تمضِ سوى بضعة أشهر على عودته إلى سامراء قام المتوكّل بجريمته الاُخرى في قتل العالم الأديب الكبير يعقوب بن إسحاق المعروف بـ«ابن السكّيت» وكان الأخير قد استقدم من بغداد للإشراف على تعليم أبناء الخليفة فسأله الأخير قائلاً:
ـ يا يعقوب! أيّهما أحبّ إليك ابناء هذان، أم الحسن والحسين؟!
فأجاب ابن السكّيت بشجاعة وبسالة:
ـ إنّ قنبرًا خادم عليّ خير منك ومن ابنيك!
فانقض عليه الجلاوزة وأشبعوه ركلاً على بطنه واستلّوا لسانه من قفاه، ولفظ أنفاسه بعد لحظات! ثمّ حمل جثمانه إلى بغداد ليواري الثرى (3).
وفي عام 245 هـ ـ 859 م استنزفت خزانة الدولة في بناء القصور وتأسيس مدينة جديدة شمال سامراء وشق نهر يتفرّع من دجلة كان يعمل فيه اثنا عشر ألف عامل؛ غير انّ المشروع فشل لأسباب فنيّة ترتبط بطبيعة الأرض والتضاريس ومع ذلك استمرّ العمل فيه؛ بالرغم من مرور شهور طويلة! (4).
ويبدو انّ المهندس المشرف على تلك المشاريع «دليل بن يعقوب النصرانيّ» على علم بما يجري في الخفاء وتحديداً الإعداد لمحاولة انقلابيّة خطيرة بقيادة نجل المتوكّل محمّد (المنتصر) وكان والده قد قام بإلغاء ولايته للعهد واسنادها إلى «المعتز» بتأثير محظيّته الحسناء «قبيحة».
ففي منتصف ليلة الثالث من شوال سنة 247 هـ ـ الثامن من كانون الأوّل 861 م اقتحمت قوّة مؤلّفة من الضباط الأتراك بقيادة «باغر» وانقضّت على الخليفة السكران ورئيس وزرائه الفتح بن خاقان وتقطّعهما ارباً ارباً وكان المتوكّل يحضر لاغتيال ابنه «المنتصر» في يوم 5 شوال! والاعلان عن تنصيب المعتز وليّاً للعهد (5).
وبعد ستّة أشهر فقط اغتيل المنتصر بمبضع مسموم! لتصبح الخلافة أُلعوبة بأيدي الضباط الأتراك الذين راحوا يتنازعون من أجل الاستحواذ على المزيد من الثروات والنفوذ ما أدّى إلى نشوب الحرب الأهليّة إثر هروب الخليفة المستعين إلى بغداد (6).
وفي إيران تمرّد ليث الصفّار ليؤسّس له دولة داخل دولة وقد بلغ من تفاقم قدراته العسكريّة انّه استولى على مناطق شاسعة من الشمال واتّجه جنوباً إلى فارس، ثمّ هو الآن يستعد للزحف باتّجاه بغداد منتهزاً انشغال الجيوش العبّاسيّة بمواجهة ثورة الزنوج في جنوب العراق!
وفي هذه الأجواء ولد محمّد بن يعقوب بن إسحاق في قرية «كلين» جنوب الري (طهران).
تلقّى تعليمه الابتدائي لدى والده الشيخ يعقوب الكلينيّ وكان من علماء الري المعروفين آنذاك وكذا خاله علي بن محمّد بن إبراهيم وكان من أساتذة علم الحديث.
وقد دفعه حبّ العلم والمعرفة إلى أن يشدّ الرحال إلى مدينة "الري" التي تقع على بعد 38 كم شمال قرية «كلين» وكانت الري يومذاك حاضرة علميّة معروفة تنسب إليها الشخصيّات التي تحمل لقب «الرازي».
الله وحده المطّلع على القلوب! ترى هل خطر على قلب ذلك الشاب انّه يودّع قريته «كُلين» إلى الأبد!
__________________
(1) موسوعة أحداث التاريخ الاسلامي للدكتور عبد السلام الترمانيني ج 1 م 2 ص 1358.
(2) موسوعة العتبات المقدّسة جعفر الخليلي كتاب سامراء.
(3) أحداث التاريخ الاسلامي ج 1 م 2 ص 1363.
(4) المصدر السابق ص 1365.
(5) تاريخ الطبري حوادث سنة 247 هـ.
(6) انظر فارس الزمن الغائب، كمال السيّد ص 33 ـ 142.