1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الاخلاق و الادعية : الرذائل وعلاجاتها : الكذب و الرياء واللسان :

الرياء.

المؤلف:  محمد حسن بن معصوم القزويني.

المصدر:  كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء.

الجزء والصفحة:  ص 300 ـ 313.

2024-02-24

954

الرياء تسخير قلوب الناس بخصال الخير أو آثارها مطلقاً أو في العبادة خاصّة، والباعث عليه إمّا حبّ الجاه بنيل الحكومة أو القضاء وأخذ الرشى والائتمان على الودائع والصدقات وأموال اليتامى، فيكون من رذائل الشهويّة، أو للتسلّط والترفّع على الناس فيكون من رذائل الغضبية، وإمّا الطمع فيما هو عادم له من المشتهيات كحضور المجالس لمشاهدة النسوان والصبيان وإظهار الزهد والورع ليبذل له الأموال ويرغب فيه النساء فيكون من رذائل الشهوية، أو الخوف من أن ينظر إليه بعين الحقارة أو ينسب إلى البطالة والكسالة كترك العجلة والضحك بعد اطّلاع الناس عليه والقيام بالتهجّد وسائر النوافل إذا جلس مع الصالحين وتركه في الخلوة وغير ذلك.

ثم الرياء إمّا في أصول العقائد وهو كفر النفاق سواء كان في الشهادتين أو في ضروريات الدين بالإقرار بها ظاهراً مع اعتقاد طي بساط الشرع باطناً ميلاً إلى عقائد الملاحدة وأهل الاباحة، وهذا أسوء من المحارب لجمعه بين الكفر والنفاق.

أو في العبادة الواجبة مع التصديق بأصل الدين كالصلاة والصوم في الخلاء دون الملأ، وهو وإن لم يكن كافراً الا أنّه شرّ المسلمين لبطلان عبادته أوّلاً، فإنّ الأعمال بالنيّات، فلا يكون ممتثلاً خارجاً عن عهدة التكليف فكأنّه لم يصلّ، واقترانه (1) بالرياء المأثوم صاحبه والممقوت عند الله تعالى ثانياً، فهو أسوء حالاً من التارك للعبادات حيث جمع بين معصية الله مع الاستهزاء به تعالى والاستحقار بمالك الملوك وتحقيره بالنسبة إلى أدنى مملوك (2)، والتلبيس على خلق الله بتخيّل كونه من أهل التقوى والديانة.

أو في السنن المستحبّة وهو أيضاً مهلك وإن لم يكن كالثاني لوجود الجهة الثانية فيه.

أو في أوصافها كفعل ما في تركه نقصان أو كراهة وبالعكس.

أو في زيادات خارجة عن نفسها كحضور الجماعة قبل القوم وقصد الصف الأوّل وغير ذلك، وهو أيضاً مذموم.

أو في فعل الأفعال المباحة أو ترك المكروهة أو ما يستتبع الذّم من الناس أو سقوط الوقار في أعينهم كترك العجلة في المشي إذا رآه أحد أو تزيّنه بالملابس الفاخرة خوفاً من نسبتهم له إلى البخل وغير ذلك، وهذا بعضه مباح وبعضه مستحبّ، وبعضه واجب لوجوب صيانة المؤمن من عرضه، فلا يليق بذي المرؤات ارتكاب الأمور الخسيسة بأنفسهم عند مشاهدة الناس وإن جاز في الخلوة لكونها منافية للمرؤة، فتتنافي العدالة أيضاً، الا أنّها تختلف باختلاف البلاد والأشخاص والأوقات.

وفي الخبر: أنّ الصادق عليه‌السلام نظر إلى رجل من أهل المدينة اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله، فلمّا رآه استحى منه فقال عليه‌السلام: «اشتريته لعيالك وحملته إليهم، أما والله لولا مخافة أهل المدينة لأحببتُ أن أشتري لعيالي الشيء وأحمله إليهم» (3).

ثمّ إنّه إمّا أن يتجرّد عن قصد القربة بحيث لولاه ترك العمل فهو الأعظم إثماً المبطل للعمل جزماً، وكذا مع ضعف قصدها عن قصده، وكذا مع المساواة لظواهر الأخبار الآتية.

وأمّا مع رجحان قصد القربة حيث لو لم يكن لم يترك العمل لكنّه ممّا يقوّي نشاطه فقيل: إنّه لا يحبط أصل العمل ولكن ينقص الثواب أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد القربة.

ويشهد له قول الباقر عليه‌السلام لمّا سئل عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك: «لا بأس، ما من أحد الا ويحبّ أن يظهر الله له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (4).

وفي الخبر: أنّ رجلاً قال رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله: «إنّي أسرّ العمل لا أحبّ أن يطّلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرّني، قال: لك أجران، أجر السرّ وأجر العلانية» (5).

والأظهر البطلان أيضاً لدلالة الظواهر السمعية على اشتراط الاخلاص في النية والبطلان مع قصد الرياء والنهي عن الشرك في العبادة الموجب للفساد فيها، كما حقّق في محلّه.

ولا دلالة للخبرين على المدّعى، بل على صحّة عبادة من أراد إخفاؤها، لكن سرّ مع حصول الاطّلاع اتّفاقاً، وهو ممّا لا بأس به، سيّما إذا كان باعث سروره حسن صنع الله به بإظهاره الجميل وستره القبيح.

قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] فكأنّه اعتبر بحسن صنيعه به في الدنيا حسنه به في الآخرة.

قال النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله: «ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه في الآخرة» (6).

أو رغبة المطّلعين في التأسيّ به فيضاعف له الأجر بقصده السرّ أوّلاً ثم القصد الثاني.

وبهذا يظهر أنّه لو كان سروره من ظهورها ابتداء لأحد هذه المقاصد الصحيحة لم يضرّ أيضاً.

وهذا كما أنّ كتمان المعاصي والاغتمام عن ظهورها كذلك أيضاً، كما أشرنا إليه سابقاً، وإن كان الأصل في الاخلاص استواء السرّ والعلانية، ولذا قيل: عليك بعمل العلانية، أي ما لو ظهر لم تستحِ منه الا أنّه ليس شريعة لكلّ وارد ومسلكاً يسلكه كلّ قاصد، نعم يشترط أن لا يكون الباعث على إخفائها التلبيس على الناس باعتقاد الورع فيه، بل إمّا الانقياد للأمر به أو النهي عن الوقاحة والتهتّك، أو دلالة ستر الدنيا على الستر في الآخرة، أو ايجاب ظهورها الذمّ واللوم المؤلمين للقلب، والألم شاغل من الحضور والتوجّه إلى ما خلق لأجله، ولذا جاز إخفاء ما يؤدّي إلى حدوثه مطلقاً نعم كمال الصدق استواء المدح والذمّ، الا أنّه عزيز الوجود.

أو كون الخلق شهداؤه في الآخرة، كما ورد.

أو الخوف من قصدهم إيّاه بالأذى ومعاداتهم له إذا اطّلعوا على ذنبه.

أو الخوف من صيرورة السامع بذمّه له عاصياً وهو من كمال الإيمان، ويعرف بمساواة ذمّه وذمّ غيره.

أو الخوف من سقوط وقع المعاصي عن نظره.

أو اقتداء الناس به ويختصّ بمن يقتدى به.

أو مجرّد الحياء الذي هو من كرم الطبع، فمن جمع بين الفسق والتهتّك كان أسوء حالاً من الفاسق المستور، ولذا يجوز غيبته.

وما اشتهر من كون بعض أفراده من ضعف النفس يراد منه الاستحياء ممّا ليس بقبيح، بل مستحبّ أو واجب شرعاً كالإمامة والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدون عذر شرعي، ككون العاصي شائباً، فقد ورد إجلال ذي الشيبة.

وقد يشتبه الرياء بالحياء كمن طلب من صديقه قرضاً، فإن الرّد صريحاً من الوقاحة، والاعطاء لمجرّد انقباض النفس من استشعار قبح ردّه مشافهة من دون رغبة في الثواب ولا خوف من الذمّ أو رجاء للمدح ـ حتّى لو كان الطلب على سبيل المراسلة ردّه ـ من محض الحياء. وإن أشكل عليه الردّ للحياء والاعطاء للبخل، فإن أعطى خوفاً من نسبته إلى البخل أو ذمّ الناس له فقد مزج الحياء والرياء، وكان الباعث للرياء وإن [أعطى] (7) لمجرّد الاخلاص وطلب الثواب بإدخال السرور في قلب أخيه المؤمن وغير ذلك فقد مزجه بالإخلاص.

وكالرياء في المباحات على ما أشير إليه سابقاً، فربّما يظنّ أنّ الباعث عليه هو الحياء وهو غلط لاختصاصه بالقبائح العقليّة أو الشرعيّة أو العرفيّة، فليس ذلك إلا من الرياء.

ثم الرياء الجليّ ما يبعث على العمل لولا قصد الثواب، والخفيّ ما لا يبعثه بمجرّده الا أنّه يخفف ما اريد به التقرّب في الخلوة، ويعرف بالسرور باطّلاع الناس عليه لطلب منزلة في القلوب فيستبعد على نفسه تقصير الناس في إكرامه كأنّه يتقاضاه على عمله مع أنّه لم يطّلع عليه أحد، فهذا لا يخلو عن شوب خفي والا لم يكن وجه لتوقّعه. فعلامة الخلوص ألّا يفرّق بين حضور الانسان والبهيمة.

ثم إنّ الباعث إمّا حبّ المدح أو كراهة الذمّ أو الطمع، ولمّا عرفت انّ المدة في إزالة شيء إزالة علله ودواعيه فأنفع شيء في علاجه قطع الثلاثة بما ذكر سابقاً.

ومن جملة العلاج العلمي له التذكّر لما ورد في ذمّه والتشديد فيه من الآيات والأخبار، ثم لما يدلّ على قبحه من الاعتبار، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7].

وقال تعالى: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].

وقال تعالى: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264].

وعن النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قيل: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة للمرائين إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون لهم فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء» (8).

وعنه صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله: «يقول الله تعالى: من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو له كلّه وأنا بريء منه» (9).

وعنه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: «لا يقبل الله عملاً فيه مقدار ذرّة من رياء» (10).

وعنه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله: «أدنى الرياء شرك» (11).

وقال صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله: «إنّ المرائي ينادى يوم القيامة يا فاجر! يا غادر يا مرائي! ضلّ عملك وحبط أجرك، اذهب فخذ أجرك ممّن كنت تعمل له» (12).

وقال صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله في حديث طويل: «يصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصيام وحجّ وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر الله وتشيّعه ملائكة السماوات حتّى يقطع الحجب كلّها إلى الله تعالى فيقفون بين يديه ويشهدون له بالعمل الصالح المخلص لله، فيقول الله: أنتم الحفظة على عمل عبدي، وأنا الرقيب على نفسه، إنّه لم يردني بهذا العمل وأراد به غيري فعليه لعنتي، فيقول الملائكة كلّها: عليه لعنتك ولعنتنا، وتقول السماوات كلّها: عليه لعنة الله ولعنتنا وتلعنه السماوات السبع ومن فيهنّ» (13).

وقال علي عليه‌السلام: «من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله» (14).

وقال الصادق عليه‌السلام: «من أراد الله بالقليل من عمله أظهر الله له أكثر ممّا أراد، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى الله عزّوجلّ الا أن يقلّله في أعين من سمعه» (15) وغير ذلك ممّا لا تحصى.

هذا، مع أنّ العاقل لا يرغب فيما لا نفع له فيه فضلاً عمّا كان مضرّاً له، ولو قابل ما يفوته من صلاح القلب وسلب التوفيق والبعد عن الله تعالى والتعرّض لمقته وعذابه وتشتّت الهمّ وتفرّق البال في ملاحظة القلوب (16) حيث إنّ رضاهم غاية لا تدرك، إذ كلّما رضي به قوم سخطه آخرون، بما يحصل له من الناس لو سلم له ذلك لم يجده الا ضرراً محضاً خالصاً من شوائب النفع.

على أنّ ايثار رضى الخلائق على رضى الخالق إنّما يتصوّر لجلب نفع أو دفع ضرّ منهم، وأيّ قدرة لهم عليهما مع كونهم شركاؤه في العجز والحاجة إليه تعالى وكونهم عبيداً مملوكين لا قدرة لهم على صلاح أنفسهم في الدنيا فكيف بغيرهم فيها وفي الأخرى، والمسخّر لقلوبهم بالمنع والاعطاء هو الله تعالى الرازق لهم والمتكفّل لحوائجهم والمتمّم لنقائصهم بقدر قابليّاتهم، فلو كان قابلاً لما يطمعه من غيره الّذي لم يصل إليه الا من الله تعالى لما رجّحه عليه لأنّه الفيّاض الذي لا يبخل في الاعطاء والناس بالنسبة إليه سواء.

فلو كان قلبه مستنيراً بنور الايمان وصدره مشروحاً بحقيقة الاسلام والايقان وكمال العرفان بحقيقة الوجوب والإمكان وأنّ الواجب تامّ وفوق التمام، فما سواه إمّا شؤونات لذاته الأعلى ومظاهر لصفاته وأسمائه الحسنى كما يدّعيه طائفة محقّقون عارفون أو ماهيّات إمكانيّة اعتباريّة علماً وعيناً صادرة عنه بوجودات خاصّة ارتباطية بمحض الارادة والمشيّة كما زعمه قوم آخرون، وأنّه لو لم يكن كذلك لم يتم دعوى كونه فوق التمام، أو كان ما يستند إليه الأشياء بالنهج المذكور أتمّ منه وأقوى وأكمل وأبهى، تيقّن بأنّه ليس في عالم الوجود سواه وأنّ ما سواه أعدام محضة في نفسها، فكيف يرفع اليد عنه تعالى ويطمع فيما في يد مثله في الحاجة، ويرضى لنفسه بالذلّة والمهانة؟ ولو أعطوه شيئاً لم يخل إعطاؤهم عن المنّة والاهانة.

فلو قرّر هذه المطالب في نفسها فترت رغبته وهان ميله إلى الرياء وانقطع بشراشره إلى من إليه يرجع كلّ الأشياء. هذا مع شهادة التجربة بأنّ من آثر رضى الخلائق واقتفى أثر مدحهم وخاف من لومهم وذمّهم أخافه الله منهم وكشف عن سرّه فمقتوه وأبغضوه، ومن آثر رضاه تعالى وأخلص له في قرباته كشف الله لهم عن إخلاصه وحبّبه إليهم وأطلق ألسنتهم بمدحه وكفّ ألسنة السوء عنه بقدرته النافذة.

ومن جملة معالجاته العمليّة تعويد نفسه على إخفاء العبادات وإغلاق الأبواب دونها كما تغلق في الفواحش حتّى لا تنازعه نفسه وإن شقّ عليه ذلك في بداية الأمر، لكنّه يهوّن عليه بعد تدريجاً ويساعده لطف الكريم تحقيقاً، ويمدّه من فضله وكرمه تأييداً وتوفيقاً، والله لا يضيع أجر المحسنين.

وهاهنا فوائد يحسن التنبيه عليها:

الأولى: لو عقد العمل على الإخلاص واستمرّ عليه إلى الفراغ لم يحبطه السرور بظهوره بعده لا من قبله، ولا يعصي به أيضاً إن كان لأحد المقاصد الصحيحة والا كان عاصياً وإن كان من نفسه بالتحدّث بعده قيل بإحباطه؛ لأنّ حبّ التحدّث يدلّ على انعقاد خفيّ من الرياء حال الاشتغال، وأُيّد بقوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله لمن قال: إنّي صمت الدهر: «لا صمت ولا أفطرت» (17).

وقول ابن مسعود لمن قال: قرأت البارحة سورة البقرة: «ذلك حظّه منها» (18).

وفيه نظر؛ لأنّ المؤاخذة على الخفي الذي لا يشعر به صاحبه تكليف بالمحال أو بما يلزم منه الحرج المنفي.

وليس في الخبرين كون الانكار لأجل المفروض، فلعلّه لشيء آخر.

نعم يدل عليه قول الباقر عليه‌السلام: «الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قيل: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق لله بنفقة فيكتب له سرّاً ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء» (19).

والحق أنّه وإن ارتفع به اشتغال الذمّة ظاهراً فلا يجب عليه القضاء والاعادة الا أنّه لا يؤجر عليه ولا يرفع بسببه في ميزان عمله، بل يذمّ ويعاتب عليه.

ولو كان في الأثناء فإن كان بحيث لو لم يحدث أتمّ على إخلاصه، لكن كان سروره لمقصد غير صحيح، فقيل بالإثم والابطال للعمومات.

وفيه نظر؛ لأنّ المتبادر من الإشراك أو كون العمل لغير الله هو كونه باعثاً أو شريكاً في البعث وليس الأمر كذلك، فهو كقصد التبريد بالوضوء إذا لم يكن هو الباعث عليه، فالظاهر أنّه يرتفع به اشتغال الذمّة، لكن ليس بذاك المرفوع في ميزان الحسنات.

وإن كان باعثاً فهو الرياء المحرّم سواء كان راجحاً أو مرجوحاً أو مساوياً.

ثم لا يذهب عليك أنّ هذا يختصّ بالعبادة المركّبة من أجزاء يتوقّف صحّتها على صحّة كلّ منها كالصلاة والصيام، وأمّا ما لا يكون أجزاؤه كذلك كالصدقة والقراءة، فليس كذلك، بل يختصّ الفساد بما طرأ عليه الرياء دون السابق. ولو انعكس الأمر بأن عقد على الرياء ثم ندم في الأثناء فالحكم متّحد في جميع الشقوق.

الثّانية: اختلفت الأخبار والأقوال في ترجيح عمل (20) السرّ على العلانية وبالعكس وأنت في سعة من استخلاص نفسك بعدما نبّهناك على كون المناط الأصلي في الصّحة والفساد هو القصد، فإنّ الأعمال بالنيّات، وإنّ لكلّ امرىء ما نوى، فما كان أبعد عن شوائب الرياء وأقرب إلى الاخلاص كان أرفع وأثقل في ميزان الأعمال سرّاً كان أو علانية، وما كان عن الإخلاص أبعد كان خفيفاً فيه كذلك فهما سيّان بالذات.

نعم لمّا كانت بواعث الرياء في الاعلان أكثر وأجلى مع نهاية غموض شعبها وخفاء مداركها مع ضعف أغلب النفوس عن مدافعتها ولابدّ للحكيم من إجراء الحكم على وفق طباع النفوس الضعيفة رفقاً بها كما أشرنا إليه في بحث الفقر والغنى، فلذا فضّل الإسرار على الإعلان، لكنّه مرجّح عرضي يحصل بالنسبة إلى بعض الأشخاص لا في جميع الأحيان، كما أنّ من كان عالماً بشعبة بأسرها فطناً بمزالق أقدام العباد في مواقعها وكانت له نفس قويّة لا يتفاوت بالنسبة إليها الإسرار والإعلان واقتداء الناس به وبغيره من الأمثال والأقران يكون الإعلان بالنسبة إليه أفضل حتّى يرغب الناس بسببه إلى الخيرات ويتنبّهوا على الاقتداء به في الطاعات.

ويظهر لك بهذا وجه الجمع بينها ولو تعارض فائدة اقتداء الناس به بغائلة الشوائب الخفيّة من الرياء كان الإسرار أرجح وأتمّ؛ لأنّ محافظة نفسه عن الهلاك أهمّ من إرشاد غيره حتّى لا يكون حسرته في يوم القيامة أشدّ وأدوم.

الثالثة: لا بدّ للسالك أن يعلم أنّ الشيطان باذل منتهى جهده بأقصى جدّه ـ لشدّة عداوته بصيرورته طريداً لأجله ـ في حرمانه عن السعادات المنحصر حصولها له في العبادات لما عرفت من أنّها هي التي بها يحصل التقرّب إلى الله تعالى حتّى يحبّه فيصير سمعه وبصره ويده ورجله، وأنّها الباب الذي به يفوز المرء بالمعرفة الحقيقية المخلوق لأجلها فهي السعادة الواقعيّة، فكيف لا يبذل جهده في حرمانه عنها وخذلانه وقد حلف بعزّته سبحانه وعظمة شأنه ليغوينّهم أجمعين الا المخلصين من عباده الفائزين بحقيقة عرفانه فيدعوه أوّلاً إلى ترك العمل، فإن لم يجبه دعاه إلى الرياء ثم بعد يأسه عنه يقول: هنا مظنّة رياء لا ينفع معه العمل فالأحسن لك تركه، فكما يجب للسالك ترك إجابته في الأوّلين فكذا الثالث.

فإن كان مطلوبة طاعة غير متعدّية إلى الغير كالصلاة والصوم والحجّ، فإن كان باعثه الرياء من أوّل الأمر لم يشرع فيه الا بعد خلاصه عن هذه الغائلة، وإن دخله بعد العقد أو في أثنائه فلا ينبغي له الترك لأنّه حصل له باعث دينيّ أوّلاً وباعث الرياء طارئ فليجاهد في دفعه وتحصيل الإخلاص وقهر نفسه عليه بالمعالجات السابقة، فإنّه إذا كان في مقام المجاهدة مع نفسه وقهرها على ذلك سامحه الله بعظيم عفوه ورحمته ودفع عنه كيد الشيطان بجسيم منّه ورأفته.

وإن كان ممّا (21) لا يتعدّى كالإمامة والوعظ والقضاء والتدريس والافتاء، ففوائدها جسيمة وغوائلها عظيمة، فمن منّ الله عليه بالوصل إلى مرتبة ينتفع به الناس حقيقة فإن كان ذا نفس قدسيّة وقوّة عقليّة قويّة بحيث يكون الخلق في نظره ـ لاشتغاله بمراتب الاخلاص ومعرفته بعظمة الله سبحانه ـ كالبهائم أو دونها، وجودها كعدمها ـ وما أقلّ من هذا شأنه ـ كان اللازم لمثله التزام هذه المناصب حتى لا يكون ممّن ألجمه الله بلجام من نار، بل يستحقّ بهدايته للناس إلى سبيل ربّهم أعظم المثوبات في دار القرار. وإن لم يأمن على نفسه فالأحوط له تركها، ولذا ورد ما ورد في عظم خطرها وآفتها، ونقل التجنّب التامّ عن السلف عنها والاهتمام مهما أمكن في مدافعتها، وقد أشرنا إلى بعض ما يمكن الاشارة إليه في هذا الكتاب من ذمّ علماء السوء ونقل ما ورد في شأنهم، فإن كنت منصفاً سالكاً سبيل ربّك كفتك الاشارة، والا فلا يتأتّى لك الاهتداء ولو بألف عبارة.

ومن علامة القسم الأوّل عدم التفاوت في طريق التكلّم مع حضور الأكابر من أهل الدنيا في مجلسه وعدمه تغيّر حاله في تكلّمه، ولو حصل من مثله أو من هو أحسن منه في فنّه وقبله الناس أكثر منه فرح به ولم يحسده وغير ذلك ممّا لا يخفى على الناظر البصير.

الرابعة: لو صار صدور العمل من واحد سبباً لصدوره عن الآخر لم يكن ذلك من الآخر رياء، فلو حضر من ليس من عادته التهجّد مثلاً مجلس الصلحاء فشاهدهم يتهجّدون فرغب فيه وتهجّد معهم ولو في ذلك المجلس خاصّة لم يكن رياء الا أن يكون قصده التلبيس عليهم والفرار من ذمّهم ولومهم أو الرغبة في مدحهم، فإنّ الرياء كما يبعث على العمل فكذا الدين، فإنّ كلّ مسلم آمن بالله ورسوله يرغب إلى الطاعات والأعمال الصالحة لولا الغفلة أو عوائق الدنيا.

الخامسة: الوساوس الحادثة في النفس المحدثة في القلب ميلاً خفيّاً إلى الرياء لا تفسد العبادة مع الكراهة لذلك الميل ومدافعة الشيطان في دفعها؛ لأنّ الله لا يكلّف عباده الا بما يطيقونه ويقدرون عليه، وغايته المقابلة بالكراهة والمجاهدة بتذكّر المعالجات المقرّرة. والأخبار دلت أيضاً على عدم المؤاخذة على الوساوس كما أشرنا إليه فيما سبق. لكن قد عرفت أنّ السالك لا بدّ له من المجاهدة في قلع الوساوس كلية بما أشير إليه سابقاً.

ومراتبه في خصوص المقام أربعة أدناها الاشتغال بالمجادلة مع الشيطان في دفعها وإطاعتها إلى الفراغ، وهذا مانع عن الحضور والتوجّه التامّ إلى الله تعالى وفيه إجابة ما لغرض الشيطان وتفريج لغمّه بصدّه إيّاه عن التوجّه، فحاله كالذي أراد التوجّه إلى مجلس خير ينال به فائدة فعارضه فاسق في الطريق يدعوه إلى مجلس فسق فلم يجبه فلمّا أيس منه أطال معه الجدال حتّى يحرمه عن الخير، فهو يظنّ أنّه مصلحة له في ردّ ضالّ عن ضلاله مع أنّ فيه تحصيلاً لمرامه الذي هو حرمانه عن علوّ مقامه.

ثم الاقتصار على تكذيبه ودفعه من غير اشتغال بالمجادلة، بل يصرف الفكر بعده إلى التوجّه والحضور بالقدر الميسور، فهو كالذي توقّف في دفع الفاسق الداعي له إلى مجلس الفسق بأدنى الدفع، ثم ذهب ماشياً في حاجته ففيه أيضاً إجابة ما لما يتمنّاه منه في دعوته.

ثم عقد الضمير على كراهة الرياء بدون الاشتغال بالتكذيب، فمثله كالذي لم يقف عن مشيه بدعوة الفاسق، بل استمرّ على ما كان عليه فحرمه عن مدّعاه وآيسه عمّا كان يتمنّاه.

ثم مقابلة وسوسته بفعل خير آخر وازدياد في الاخلاص والتوجّه رغماً لأنفه وحرصاً فيما يقنّطه بل يغيظه فلا يعود إلى وسوسة أخرى خوفاً من اقتنائه لفائدة أخرى، فمثله كالذي يستعجل في مشيه بعد دعوة الفاسق، وهذا أعلى مراتبه المفيد في دفع وساوسه، فينبغي للسالك أن يعوّد نفسه عليه في جميع ملكاته وأخلاقه.

واعلم أنّه قد يحدث الرياء في كيفية العبادة كالتأنّي والخضوع، فيكتفي ناقص الحظّ من العرفان في دفعه بتركها، وهذا كالأوّل، فإنّه وإن دفعه بذلك عمّا دعاه إليه من الرياء الا أنّه أجابه فيما أراد منه من حرمانه عن المقام الأعلى.

 

__________________

(1) كذا، والظاهر: اقترانها.

(2) في «ألف» كتب فوق هذه الجملة هكذا: «التفضيل لأدنى ل » والظاهر أنّ مراد الكاتب أنّ في بعض النسخ: «والتفضيل لأدنى مملوك» بدل «وتحقيره بالنسبة إلى أدنى مملوك» وفي «ب» كتبه أوّلاً ثمّ شطب عليه.

(3) الكافي: 2 / 123، كتاب الإيمان الكفر، باب التواضع، ح 10، مع اختلاف.

(4) الكافي: 2 / 297، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح 18.

(5) المحجة البيضاء: 6 / 166.

(6) المحجة البيضاء: / 164 ـ 165، وفيه: «على عبد ذنباً في الدنيا».

(7) ساقط من «ج».

(8) المحجة البيضاء: 6 / 140، مع اختلاف.

(9) المحجة البيضاء: 6 / 140 مع اختلاف وزيادة.

(10) المحجة البيضاء: 6 / 141.

(11) المحجة البيضاء: 6 / 141.

(12) المحجة البيضاء: 6 / 141.

(13) المحجة البيضاء: 6 / 143 ـ 144.

(14) الكافي: 2 / 297، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح 17 مع زيادة.

(15) الكافي: 2 / 296، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح 13، وفيه: «في عين».

(16) في ج: «في قلوب الخلق ملاحظة» بدل «في ملاحظة القلوب».

(17) المحجة البيضاء: 6 / 166.

(18) المحجة البيضاء: 6 / 166.

(19) الكافي: 2 / 296 ـ 297، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح 16 مع اختلاف.

(20) في «ج»: علل.

(21) كذا في النسخ، والظاهر زيادة «لا».

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي