الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
عفّة النفس وعزّتها.
المؤلف: السيد عادل العلويّ.
المصدر: طالب العلم والسيرة الأخلاقيّة.
الجزء والصفحة: ص 115 ـ 126.
2023-12-19
1289
من أهمّ الخصائل التي يحتاجها طالب العلم في سيرته الأخلاقية عفّة النفس، وهي تعني ضبط النفس عن اللذات المشتركة بين عامّة الحيوانات من المأكولات والملموسات، والاعتدال في تناولها واستعمالها من دون إفراط، وليس معنى ضبط النفس رفض كلّ الشهوات والملاذّ وقهرها وكبتها على كلّ حال، فإنّ هذا يتنافى مع أصل خلقها وتكوينها في وجود الإنسان. فإنّ بقاء البدن بالمأكولات والمشروبات، وفي المناكح بقاء النسل، ولو كان يمكن الاستغناء عن الشهوة مثلا لكان خلقها في أصل التركيب الحيواني عبثاً، ووبالا على صاحبها، فمعنى عفّة النفس ضبطها بنحو معقول، بأن يستعملها على أربعة أنحاء: أن يتناول منها ما ينبغي، وفي الوقت الذي ينبغي، ومن المقدار الذي ينبغي، ومن الوجه الذي ينبغي، فتكون شهوته تحت طاعة عقله، والعفّة جارية في كلّ الأخلاق فهي بمعنى الحدّ الوسط من دون إفراط ولا تفريط في الصفات والسجايا الأخلاقيّة (1).
قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (2).
وقال تعالى: (وَلـْيَسْتَعْفِفِ الَّذينَ لا يَجِدونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (3).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«إنّ الله يحبّ الحييّ المتعفّف، ويبغض البذيّ السائل الملحف».
«من طالب حقّاً فليطلبه في عفاف واف أو غير واف».
«اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى».
«لمّـا نفذ المال حين تقسيمه عند رسول الله فسأله الأنصار، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغنِ يغنه الله».
«أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج».
«أكثر ما تلج به اُمّتي النار الأجوفان: البطن والفرج».
«ثلاثٌ أخافهنّ على اُمّتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلاّت الفتن، وشهوة البطن والفرج».
«أمّا العفاف: فيتشعّب منه الرضا والاستكانة والحظّ والراحة والتفقّد والخشوع والتذكّر والتفكّر والجود والسخاء، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«من سكن قلبه العلم بالله سكنه الغنى عن خلق الله».
ويقول مولانا أمير المؤمنين على (عليه السلام): «أفضل العبادة العفاف».
«ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد».
«ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة».
«العفّة شيمة الأكياس، الشره سجيّة الأرجاس».
«العفّة رأس كلّ خير».
«العفّة أفضل الفتوّة».
«العفاف يصون النفس وينزّهها عن الدنايا».
«عليك بالعفاف فإنّه أفضل شيم الأشراف».
«عليك بالعفّة فإنّها نعم القرين».
«إذا أراد الله بعبد خيراً أعفّ بطنه وفرجه».
«أصل العفاف القناعة، وثمرتها قلّة الأحزان».
«من قنعت نفسه أعانته على النزاهة والعفاف».
«الرضا بالكفاف يؤدّي إلى العفاف».
«قدر الرجل على قدر همّته، وعفّته على قدر غيرته».
«دليل غيرة الرجل عفّته».
«من عقل عفّ».
«الصبر عن الشهوة عفّة، وعن الغضب نجدة».
«الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة، والثاني: العفّة وقوامها في الشهوة، والثالث: القوّة وقوامها في الغضب، والرابع: العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس».
«ثمرة العفّة الصيانة».
«من عفّ خفّ وزره وعظم عند الله قدره».
«من عفّت أطرافه حسنت أوصافه».
«النزاهة آية العفّة».
«من اُتحف العفّة والقناعة حالفه العزّ».
قال الإمام الباقر (عليه السلام):
«ما عبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج».
«وقال لرجل: أي الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج».
وقال أمير المؤمنين في وصيّته لمحمّد بن أبي بكر لمّـا ولاّه مصر:
«يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أنّ أفضل العفّة الورع في دين الله والعمل بطاعته، وإنّي اُوصيك بتقوى الله في أمر سرّك وعلانيتك» (4).
فهذه نماذج من الأخبار الشريفة، وحقّاً كلام الأئمة أئمة الكلام، وإنّ كلامهم نور في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، لا يستغني السائر إليه منه.
وطالب العلم لا بدّ له من العفاف بكلّ ما للكملة من مغزى ومعنى ومصداق، فإنّما ينال عزّة الدارين، ويوفّق في حياته العلميّة والعمليّة، لو تمثّلت العفّة في وجوده وحقيقته. ولو عرف الدنيا لعفّ عنها وزهد فيها.
لقد سئل بعض العلماء عن رغبة الناس في دنياهم مع شدّة إتعابها إيّاهم، فقال: ذلك لقلّة معرفتهم بها، كالصبيّ الغِرّ أعجبه من لين الرقشاء ـ الحيّة ـ لونها ومسّها، فلم يبرح حتّى قتله نهشها، ولو أنّهم عرفوها حقّ معرفتها لنظروا إليها نظر المريض إلى وجوه العوّد، نظر الجزور إلى أشفار الجازر، فلا سماعه يطيق إن ذُكر بين يديه، ولا إذا اُحضر أمكنه النظر إليه.
قال بعض الصالحين: من عرف عفّ، ومن عفّ خفّ.
أجل إنّ عفّة النفس كرامة إنسانية، وشرف نبيل، وخلق رفيع، وموهبة قدسيّة، كان ولا يزال يتحلّى بها علماؤنا الأعلام، فعلّمونا بسلوكهم وسيرتهم الحسنة كيف يكون طالب العلم عفيف النفس، حتّى يحسبهم الجهّال أغنياء من التعفّف، فيقارعون الفقر ويكابدون الحرمان ويصبرون على البؤس بعفّة نفس وسداد.
نقل المرحوم الاُستاذ جلال همائي خلال مقابلة إذاعيّة معه القصّة التالية: كنت مع آية الله الشيخ هاشم القزويني ندرس في إصفهان فترة شبابنا، فذات يوم كنّا نتباحث في الدرس، وإذا بالشيخ يغمى عليه، فأتيت بالطبيب مسرعاً، فسقاه الماء المحلّى بالسكّر، فشرب قليلا ففتح عينه فجلس وفتح كتابه مباشرةً وهو يسألني: أين وصلنا في البحث؟ وكأنّه لم يحدث له طارئ! ثمّ الطبيب أشار عليَّ أنّ إغماء الشيخ من شدّة الجوع، ناوله طعاماً في أسرع وقت، فلمّـا حقّقت أمره وجدته لم يتذوّق طعاماً لمدّة يومين لشدّة الفقر وتعفّفه وعدم إخباره أحداً عن حاله وجوعه (5).
فلذّة العلم تغني طالب العلم، وتعلّمه الإباء وعزّة النفس وصرف النظر عن مال هذا وذاك وثروته، فيصون كرامته ويحفظ شخصيّته وعزّته، ويبقى متحرّراً من قيود الرقّية لفلان وفلان. فمن يطمع بمال الآخرين وعطائهم ويتقبّل هداياهم كيف يمكنه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويذبّ عن حياض الإسلام ويقف في وجه الظالمين بشجاعة.
وسلفنا الصالح من أخلاقهم الحسنة العفّة والسداد، وكانوا يرفضون هدايا أصحاب المناصب والأثرياء التي تشكّل في الحقيقة وثيقة عبوديّة ذلك العالم لصاحب تلك الهديّة. يقول الشهيد الثاني في منيته: فممّـا يلزم لكلّ واحد منهما (العالم والمتعلّم) بعد تطهير نفسه من الرذائل المذكورة وغيرها، توجيه نفسه إلى الله تعالى والاعتماد عليه في اُموره وتلقّي الفيض الإلهي من عنده، ولا يعتمد على الأسباب فيتّكل إليها وتكون وبالا عليه، ولا على أحد من خلق الله تعالى، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى في أمره ورزقه وغيرهما، يظهر عليه من نفحات قدسه ولحظات اُنسه ما يقوم به أوده ويحصل مطلبه، ويصلح به أمره، وقد ورد في الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى قد تكفّل لطالب العلم برزقه خاصّة عمّـا ضمنه لغيره، بمعنى أنّ غيره يحتاج إلى السعي، وطالب العلم لا يكلّف بذلك، إن أحسن النيّة وأخلص العزيمة.
وعندي في ذلك من الوقائع والدقائق ما لو جمعته بلغ ما يعلمه الله من حسن صنع الله تعالى بي، وجميل معونته منذ اشتغلت بالعلم. وبالجملة ليس الخبر كالعيان (6).
فعالم الدين لا بدّ له من أن يترفّع عن السفاسف، مرفوع الهام محلّقاً في سماء العفّة والعزّة والإباء، غنيّاً بقناعته وزهده وورعه، وفي نفس الوقت الذي يحرص على أن يكون متواضعاً، فإنّه يكون أبيّ النفس عزيزاً عفيفاً قنوعاً، ويدع الدنيا لأهلها.
اُنظر إلى قدوة العلماء شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري (قدس سره) لمّـا دفع إليه أحد أثرياء إيران مالا ليبني به بيتاً أو يشتري بيتاً لسكنه، فإنّه لعزّة نفسه لم يصرف ذلك المبلغ في شؤونه الخاصّة، وإنّما صرفه جميعه في شراء أرض وبناء مسجد عليها وهو أحد المساجد المعروفة في النجف الأشرف باسم مسجد الشيخ الأنصاري.
وعندما رجع ذلك الثريّ من الحجّ أراه الشيخ الأنصاري ذلك المسجد وقال له: هذا هو منزلي الذي كنت أنت السبب فيه.
كان الشريف الرضي (رحمه الله) شديد الالتزام بمبادئ الدين الحنيف وأحكام الشريعة، فكان شديد الاجتناب للتملّق والمداهنة، ولم يقبل الصِلات والهدايا من الملوك والسلاطين، فكان عفيف النفس عالي الهمّة لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة.
يقول أحد الوزراء المعاصرين للسيّد الرضي (رحمه الله): ولِد للسيّد الرضيّ مولود، فأرسلت إليه ألف دينار في طبق على ما هو المتعارف في مثل ذلك، فردّه الرضيّ قائلا: الوزير يعلم أنّي لا أقبل من أحد شيئاً. أرسلت ذلك الطبق ثانيةً وقلت: إنّ هذا المبلغ للمولود ولا علاقة لك به، فردّه ثانيةً وقال: أطفالنا أيضاً لا يقبلون من أحد شيئاً. أرسلته إليه ثالثةً وقلت: أعطِ هذا المبلغ للقابلة، فردّه وقال: إنّنا أهل بيت لا نطلع على أحوالنا قابلةً غريبة، وإنّما عجائزنا يتولّين هذا الأمر من نسائنا، ولسنَ ممّن يأخذن اُجرة، ولا يقبلنَ صلة. أرسلته إليه رابعةً وقلت: هذا للطلاّب الذين يدرسون عندك، فقال السيّد الرضيّ: ها هم الطلاّب جميعاً حاضرون ليأخذ كلّ منهم ما يريد.
عندها قام أحد الطلاّب وتناول ديناراً واقتطع منه مقداراً احتفظ به ثمّ ردّ الباقي إلى الطبق. وسأله السيّد الرضي عن سبب ذلك فقال: احتجت البارحة شيئاً من الزيت للمصباح ولم يكن المتولّي لنفقة المدرسة موجوداً، فاستدنت من البقّال حاجتي من الزيت، وقد أخذت هذا المقدار من الدينار لأداء ديني هذا، ثمّ ردّ الطبق.
بعد ذلك أمر السيّد بأن يكون مع كلّ طالب من طلاّب المدرسة مفتاح لصندوق ماليّة المدرسة ليأخذ حاجته عند الضرورة، ولا يضطرّ أحد لمراجعة المسؤول عن ذلك (7).
وهذا شيخنا القمّي صاحب مفاتيح الجنان، في إحدى السنوات طلب أحد المحسنين من المحدّث القمّي أن يقبل التزامه بدفع مبلغ خمسين ديناراً عراقياً بإزاء مجلس وعظ المحدّث وخطابته، وكان مصرف المحدّث آنذاك شهرياً ثلاثة دنانير، إلاّ أنّه رغم ذلك قال لهذا المحسن: أنا أرتقي المنبر لأجل الإمام الحسين (عليه السلام)، ورفض قبول ذلك المبلغ.
هكذا كان سلفنا الصالح، إلاّ أنّه نسمع اليوم بين آونة واُخرى ما يحزّ القلب ويقطع أنياطه، بأنّ فلان خطيب معروف يتعامل مع صاحب المجلس على منبره، وفي بعض الأحيان لا يتّفق معه، لأنّ هناك من يعطيه أكثر منه.
يحكى أنّ العالم الشيخ رضا الاسترآبادي قال: أيّام إقامتي في كربلاء والتشرّف بملازمة الوحيد البهبهاني، جاء أحد التجّار للزيارة وأحضر قطعة قماش ثمينة هديّة لسماحته، وحيث إنّه كان قد سمع أنّه لا يقبل شيئاً من أحد، فقد حاول أن يجد الطريقة المناسبة ليقبلها منه، فقيل له: إذا توسّط لك في قبول الهديّة الشيخ رضا الاسترآبادي فقد يقبلها الشيخ الوحيد لأنّه يكرمه، فجاءني فلم أقبل وساطة ذلك لعلمي بعدم قبول الهديّة، فقال التاجر: لو تمكّنت لأهديت له قطعةً اُخرى، فرضيت فأتيت الشيخ، وبعد أن فتح الباب وأخبرته بالواقعة، قبل أن اُكمل كلامي أغلق الباب عليَّ وقال: تصوّرت أنّك أتيت في هذا الحرّ الشديد لحلّ مشكلة علميّة، فطرقت الباب مرّة اُخرى وقلت له: لو قبلتها لأهدى إليَّ قطعةً اُخرى فلا تجعلني أخسرها، فضحك الشيخ وقال: بُني، عليك بالدرس ولا تصرف وقتك في هذه الاُمور العبثيّة، ثمّ قبل الهديّة وقال: بشرط أن لا تتوسّط بعد في مثل هذه الاُمور.
وأخيراً يقول العارف بالله الشيخ محمّد البهاري من تلامذة آية الله الشيخ حسين قلي الهمداني الكبار، ومن الواصلين إلى حريم القرب الإلهي، يتحدّث عن صفات العالم:
الثالث: لا بدّ أن يكون متوكّلا على مولاه، آيساً عمّـا في أيدي الناس، فلا يتملّق لأحد من الأغنياء، ويسمّي ذلك تواضعاً، فإنّ تواضع الفقير هو التكبّر عليهم من حيث أنّهم أغنياء.
الرابع: ألا يداهنهم بالخوض في الباطل طمعاً بما في أيديهم من حطام الدنيا.
السابع: ما يعطيه إيّاه غيره من المال، إن علم أنّه حرام وجب عليه الامتناع، وإن علم أنّه مشتبه أو حلال فيه منّة فردّه له راجح، وإن علم أنّه هديّة محلّلة بغير منّة استحبّ له القبول تأسّياً بالنبيّ والأئمة (عليهم السلام)، وإن كان من الصدقات وهو مستحقّ، فإن علم أنّه يعطي رياءً وسمعةً يمكن أن يقال بعدم جواز الأخذ إذا صدق أنّه إعانة على الإثم.
وينبغي له التعفّف عن السؤال ما استطاع، فإنّه فقر معجّل وحساب طويل لعدم خلوّه من الآفات غالباً، إذ هو متضمّن للشكوى وذهاب ماء الوجه، والذلّ عند غير الله وإيذاء المسؤول، وإعطائه استحياءً أو رياءً أو إلجاءً أمر يورث شتم السائل وإيذاءه، إلى غير ذلك من الآفات، ولذا روي: «أنّ مسألة الناس من الفواحش»، نعم لو كان في مقام الاضطرار، فله ذلك، بل قد يجب، إلاّ أنّ تشخيص درجات هذه المقامات في غاية الإشكال والصعوبة (8).
هذه بعض النماذج والوصايا من سيرة علمائنا الأعلام في عفّة النفس وعزّتها، والعفّة تعدّ من اُمّهات الأخلاق الحسنة، كما جاء في المحجّة البيضاء، قال بعض الأعلام:
«كما أنّ حسن الصورة الظاهرة مطلقاً لا يتمّ بحسن العينين دون الأنف والفم والخدّ، بل لا بدّ من الحسن في جميعها حتّى يتمّ حسن الخلق، فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق، وهي: قوّة العلم، وقوّة الغضب، وقوّة الشهوة، وقوّة العدل بين هذه القوى الثلاث، وحسن القوّة الغضبيّة واعتدالها يعبّر عنه بالعفّة، فإن مالت قوّة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة سمّي ذلك تهوّراً، وإن مالت إلى الضعف والنقصان سمّي ذلك جُبناً وخوراً، وإن مالت قوّة الشهوة إلى طرف الزيادة سمّي شرهاً، وإن مالت إلى النقصان سمّي خموداً، والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة، والطرفان مذمومتان. والعدل إذا فات فليس له طرفان زيادة ونقصان، بل له ضدّ واحد وهو الجور، وأمّا الحكمة فيسمّى إفراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبّاً وجربزة، ويسمّى تفريطها بلهاً، والوسط هو الذي يختصّ باسم الحكمة، فإذن اُمّهات الأخلاق واُصولها أربعة: الحكمة والشجاعة والعفّة والعدل، فمن اعتدال هذه الاُصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلّها (9).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تكمل المكارم إلاّ بالعفاف والإيثار (10).
ويقول الشهيد الثاني في منيته في الآداب التي يشترك فيها المعلّم والمتعلّم:
الخامس: أن يكون عفيف النفس عالي الهمّة منقبضاً عن الملوك وأهل الدنيا، لا يدخل إليهم طمعاً، ما وجد إلى الفرار منهم سبيلا، صيانة العلم عمّـا صانه السلف. فمن فعل ذلك، فقد عرض نفسه وخان أمانته، وكثيراً ما يثمر عدم الوصول إلى البُغْية، وإن وصل إلى بعضها لم يكن حاله كحال المتعفّف المنقبض، وشاهده مع النقل والوجدان.
قال بعض الفضلاء لبعض الأبدال: ما بال كبراء زماننا وملوكها لا يقبلون ولا يجدون للعلم مقداراً، وقد كانوا في سالف الزمان بخلاف ذلك؟ فقال: إنّ علماء ذلك الزمان كان يأتيهم الملوك والأكابر وأهل الدنيا، فيبذلون لهم دنياهم، ويلتمسون منهم علمهم، فيبالغون في دفعهم وردّ منّتهم عنهم، فصغرت الدنيا في أعين أهلها، وعظم قدر العلم عندهم، نظراً منهم إلى أنّ العلم لولا جلالته ونفاسته ما آثره هؤلاء الفضلاء على الدنيا، ولولا حقارة الدنيا وانحطاطها لما تركوها رغبةً عنها، ولمّـا أقبل علماء زماننا على الملوك وأبناء الدنيا، وبذلوا لهم علمهم التماساً لدنياهم، عظمت الدنيا في أعينهم، وصغر العلم لديهم لعين ما تقدّم.
وقد سمعت جملةً من الأخبار في ذلك سابقاً، كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الفقهاء اُمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»، وغيره من الأحاديث. واعلم أنّ القدر المذموم من ذلك ليس هو مجرّد اتّباع السلطان كيف اتّفق، بل اتّباعه ليكون توطئةً له، ووسيلة إلى ارتفاع الشأن، والترفّع على الأقران وعظم الجاه والمقدار، وحبّ الدنيا والرئاسة ونحو ذلك، أمّا لو اتّبعه ليجعله وصلةً إلى إقامة نظام النوع، وإعلاء كلمة الدين، وترويج الحقّ، وقمع أهل البدع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فهو من أفضل الأعمال فضلا عن كونه مرخّصاً، وبهذا يجمع بين ما ورد من الذمّ وما ورد أيضاً من الترخيص في ذلك، بل عن فعل جماعة من الأعيان كعليّ بن يقطين وعبد الله النجاشي وأبي القاسم بن روح أحد الأبواب الأربعة الشريفة، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيغ ونوح بن درّاج وغيرهم من أصحاب الأئمّة، ومن الفقهاء مثل السيّدين الأجلّين المرتضى والرضي وأبيهما والخواجة نصير الدين الطوسي والعلاّمة بحر العلوم جمال الدين بن المطهّر وغيرهم كالعلاّمة المجلسي والشيخ البهائي قدّس الله أسرارهم الزكيّة.
وأخيراً، يا طالب العلم ـ زاد الله في توفيقك ـ اجعل شعارك في الحياة قوله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (11).
__________________
(1) راجع في ذلك جامع السعادات للمرحوم المحقّق النراقي (قدس سره)، وكذلك المحجّة البيضاء للمحقّق الفيض الكاشاني (قدس سره).
(2) البقرة: 272.
(3) النور: 60.
(4) ميزان الحكمة 3: 2006، الطبعة الجديدة.
(5) تعليم وتعلّم: 76؛ قصص وخواطر: 246.
(6) منية المريد: 61.
(7) سيماء الصالحين: 337، وفيه قصص بديعة في هذا المضمون، فراجع.
(8) المصدر نفسه: 349.
(9) ميزان الحكمة 3: 144.
(10) المصدر نفسه: 147.
(11) البقرة: 272.