تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
مَن الذي بنى سدّ مأرب ؟
المؤلف: محمد هادي معرفة
المصدر: شبهات وردود حول القرآن الكريم
الجزء والصفحة: ص 535-542 .
11-10-2014
6813
أمّا ومَن الذي بنى سدّ مأرب ، الذي حطّمه سَيلُ العَرِم ، على ما جاء ذِكره في القرآن الكريم ؟
مأرب ، وتُسمّى أيضاً ( سبأ ) هي أشهر مُدُن اليمن القديمة ، ويَلوح أنّ لفظها آرامي الأصل ، مركّب من ( ماء ) و( رأب ) أي الماء الكثير أو السيل الكبير ، ويُؤخذ ممّا عُثر عليه من أنقاضها أنّها كانت مستديرة الشكل ، قطرها نحو كيلومتر ، يُحدق بها سور منيع له بابانِ ، أحدهما شرقيّ والآخر غربيّ ، وبجانب الباب الغربيّ ، كتابة تفسيرها : أنّه من بِناء يثعمر بيين بن سمهعلي ينوف مكرب سبأ ، وفي وسطها آثار هيكل يُسمّيه أهل تلك الناحية الآن : هيكل سليمان .
وكان السيل في وادي ( أذنة ) يجري في شرقيّها ، ليَسقي مابين يديها وما حولها ، فتصير كأنّها في جنان وغياض ، غير ما كان فيها من الأبنية الضخمة من الرخام .
قال الطمحان يذكر مأرب :
أما ترى مأرِباً ما كان أَحصَنَه ومـا حواليه من سُور وبُنيانِ
وقال علقمة يصف بناياتها :
ومنّا الذي دانتْ له الأرضُ كلّها بـمأرب يُـبنى بالرُخام iiدياراً
وبذلك جاء تصديق قوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } [سبأ : 15]
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } [سبأ : 18] .
* * *
أمّا السّدّ ، فقد كثُر في بلاد اليمن بناء الأسداد ، وهي جدران ضخمة كانوا يُقيمونها في عرض الأودية لحجز السيول وخزن المياه ورفعها ، لريّ الأرضينَ المرتفعة ، كما يُفعل اليوم في بناء الخزّانات ، وإنّما عَمَد السبأيون إلى بناء الأسداد ؛ لقلّة الأنهار ومجاري المياه في بلادهم ( بل في الجزيرة كلّها ) مع رغبتهم في إحياء زراعتها ، فلم يَدعوا وادياً يمكن استثمار جانبيه بالماء إلاّ حجزوا سيله بسدّ ، فتكاثرت الأسداد بتكاثر الأودية التي تكثر فيها السيول ، حتى تجاوزت المئات ، وقد ذَكر الهمداني في ( يحصب العلوّ ) من مخاليف اليمن وحده ثمانين سدّاً ، وكانوا يُسمّون كلّ سدّ باسم خاص به .
وإلى ذلك أشار شاعرهم :
وبالبقعةِ الخضراء من أرض يَحصب ثـمانون سـدّاً تـقذف الـماء iiسائلاً
وأشهر أسداد اليمن ( العَرِم ) وهو سدّ مأرب الشهير ، هو أعظم أسداد بلاد العرب وأشهرها ، وقد كثُر ذِكره في أخبار العرب وأشعارهم على سبيل العِبرة ؛ لما أصاب مأرب بانفجاره ، وإليه أشار القرآن في سورة سبأ .
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ : 16]
{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ : 19] .
أمّا موضع هذا السدّ ، ففي الجنوب الغربي من مأرب سلسلة جبال هي شِعاب من جبل السراة الشهير ، تمتدّ مئاتٍ من الأميال نحو الشرق الشمالي ، وبين هذه الجبال أودية تصبّ في كبير يُعبّر عنه العرب بالميزاب الشرقيّ ، وهو أعظم أودية الشرق ، تمييزاً له عن ميزاب ( مور ) أعظم أودية الغرب المنشعبة من جبل السراة المذكور .
وشِعاب الميزاب الشرقيّ كثيرة تتّجه في مصابّها ومنحدراتها نحو الشرقيّ الشماليّ ، وأشهر جبالها ومواضعها في ناحية ( رداع العرش ) و( ردمان ) و( قَرَن ) والجبال المشرفة على ( سويق ) ، وفي ناحية ( ذمار بلد عنس ) جميعاً .
فشِعاب هذه المواضع وأوديتها ، إذا أمطرت السماء تجّمعت فيها السيول ، وانحدرت حتى تنتهي أخيراً إلى وادي ( أذنة ) وهو يعلو نحو ( 1100متر ) عن سطح البحر ، فتسير فيه المياه نحو الشرق الشمالي ، حتى تنتهي إلى مكانٍ قبل مدينة مأرب بثلاث ساعات ، هو مضيق بين جبلينِ ، يُقال لكل منها : ( بلق ) (1) ، يُعبّر عن أحدهما بالأيمن وعن الآخر بالأيسر ، والمسافة بينهما ( 600 ) ستمِئة خُطوة أو ( ذراع ) ويُسمّيها الهمداني : ( مأذمي مأرب ) يجري السيل الأكبر بينهما من الغرب الجنوبي إلى الشرقيّ الشماليّ في وادٍ هو وادي أذنة .
واليمن مثل سائر بلاد العرب ، ليس فيها أَنهر ، وإنّما يَستقي أهلها من السيول التي تجتمع من مياه المطر ، فإذا أمطرت السماء فاضت السيول وزادت مياهها عن حاجة الناس ، فيذهب معظمها ضياعاً في الرمال ، فإذا انقضى فصل المطر ظمئ القوم وجفّت أَغراسهم ، فكانوا إمّا في غريق أو حريق ، وقلّما ينتفعون حتى أيّام السيول من استثمار البقاع المرتفعة ( الهضبات ) عن منحدرات الجبال ، وكان قد يفيض السيل حتى يسطو على المُدن والقرى ، فينالهم من أذاه أكثر ممّا ينالون من نفعه ، فساقتهم الحاجة إلى استنباط الحيلة في اختزان المياه ورفعه إلى مستوى الهضبات وتوزيعه على قَدر الحاجة ، فاختار السبأيّون المضيق بين جبلي ( بلق ) وبنوا في عَرضه سوراً عظيماً عُرف بسدّ مأرب أو سدّ العَرِم ؛ لريّ ما يجاور مدينتهم ( مأرب ) من السهول والهضبات .
والجبلان المذكوران ، بعد أن يتقاربا عند مضيق بلق ، ينفرجان ويتّسع الوادي بينهما ، وعلى ثلاث ساعات منهما نحو الشمال الشرقي من مدينة مأرب أو سبأ ، في الجانب الغربي أو الأيسر من وادي أذنة ، فإذا جرى السيل حاذى بابها الشرقي ، وبين المضيق والمدينة متّسع من الأرض تبلغ مساحة ما يحيط به من سفوح الجبال نحو ( 300 ) ميل مربّع ، كانت جرداء قاحلة ، فأصبحت بعد تدبير وإلجام المياه بالسدّ غياضاً وبساتين على سفحي الجبلينِ ، وهي المعبّر عنها بالجنّتين بالشمال واليمين أو بالجنّة اليمنى والجنّة اليسرى ، على ما جاءت الإشارة إليه في القرآن .
والسدّ المشار إليه عبارة عن حائط ضخم أقاموه في عَرض الوادي ، على نحو ( 150 ) ذراعاً نحو الشمال الشرقي من المضيق ، سمّوه (العَرِم ) ، وهو سدّ أصمّ طوله من الشرق إلى الغرب نحو ( 800 ) ذراع ، وعلوه بضعة عشر ذراعاً ، وعرضه ( 150 ) ذراعاً ، لا يزال ثُلُثه الغربي أو الأيمن باقياً إلى اليوم .
ويظهر ممّا شاهدوه في جزئه الباقي أنّه مبنيّ من التراب والحجارة ينتهي أعلاه بسطحينِ مائِلَينِ على زاوية منفرجة ، تكسوهما طبقة من الحصى كالرصيف يمنع انجراف التراب عند تدفّق المياه .
فالعَرِم يقف في طريق السيل كالجبل المُستعرض ويصدّه عن الجري ، فتجتمع مياهه وترتفع ارتفاعاً عالياً يفي بريّ المرتفعات .
وقد جعلوا طرفي السدّ عند الجبلينِ أبنية من حجارة ضخمة متينة ، فيها منافذ ينصرف منها الماء إلى إحدى الجنّتين اليمنى أو اليسرى .
فأنشأوا عند قاعدة الجبل الأيمن بناءينِ بشكل المخروط المقطوع ، علوّ كلّ منهما
بضعة عشر ذراعاً ، سمّوهما الصَدفينِ ، إحداهما قائم على الجبل نفسه ، والآخر إلى يساره ، وبينهما فُرجة عَرضها خمسة أذرع ، وقاعدة الأيمن منهما تعلو قاعدة الأيسر بثلاثة أذرع ، والأيسر مبنيّ من حجارة منحوتة ، يمتدّ منه نحو الشمال والشرق جدار طوله 40 ذراعاً ينتهي في العرم نفسه ويندغم فيه ، وعلوّ الجدار المذكور مثل علوّ الصدف ومثل علوّ العَرِم .
وفي جانب كلّ من الصدَفينِ ، عند وجهيهما المتقابلينِ ، ميزاب يقابل ميزاباً في الصدف الآخر ، والميزابان مُدرّجان ، أي في قاع كلّ منهما دَرجات من حجارة كالسُّلَّم ، الدرجة فوق الأخرى ، ونظراً لشكل الصدَفينِ المخروطَينِ ، ولِما يقتضيه شكل الميزاب السُلّمي ، أصبحت المسافة بينهما عند القاعدة أقصر منها عند القمّة .
ويظهر من وضع المخروطَينِ أو الصدفَينِ على هذه الصورة ، أنّ أصحاب ذلك السدّ كانوا يستخدمون المسافة بينهما مَصرفاً يسيل منه الماء إلى سفح جبل بلق الأيمن فيسقي الجنّة اليمنى ، وأنّهم كانوا يقفلون المصرف بعوارض ضخمة من الخشب أو الحديد ، تنزل في الميزابَينِ عرضاً ، وكلّ عارضة في درجة ، فتكون العارضة السفلى أقصرها جميعاً فوقها عارضة أطول منها فأطول إلى العليا وهي أطولها جميعاً .
والظاهر أنّ تلك العوارض كانت مصنوعة على شكل تتراكب فيه أو تتداخل ، حتّى يتألّف منها باب متين يسدّ المصرف سدّاً محكماً يمنع الماء مع الانصراف إلاّ عند الحاجة .
فإذا بلغ الماء في علوّه إلى قمّة الصدفينِ رفعوا العارضة العليا ، فيجري الماء على ذلك العلوّ إلى سفح الجبل في أقنية مُعدَّة لذلك ، ونُقَرٌ أو أحواضٌ لخزن الماء أو توزيعه في سفح ذلك الجبل ، فلا يزال الماء ينصرف حتى يهبط سطحه إلى مساواة العارضة الثانية فيقف ، فمتى أرادوا ريّاً آخر نزعوا عارضة أُخرى ، وهكذا بالتدريج وعلى قدر الحاجة .
وفي الطرف الأيسر من العَرِم ـ وهو الغربي الذي ينتهي بالجنّة اليسرى ـ كالحائط ـ دعوناه السدّ الأيسر ـ عَرضه عند قاعدته ( 15 ) ذراعاً ، وطوله نحو ( 200 ) ذراع ، وبجانبه من اليمين مخروطانِ أو صَدفانِ أَيمنانِ ، أحدهما مُتّصل بالعَرِم نفسه والآخر بينه
وبين السدّ الأيسر ، فيتكوّن من ذلك مَصرفان ، مثل المصرف الأيمن ، لكلّ منهما ميزابان مُدرّجان متقابلان ، تنزل فيهما العوارض وتُنزع حسب الحاجة لصرف الماء إلى الجنّة اليسرى ، وينتهي العَرِم من حدّه الغربي بحائط مِنجليّ الشكل مبنيّ بحجارة منحوتة صُلبة ، لعلّه الذي وصفه الهمداني : العضاد .
فكان السيل إذا جرى في وادي أذنة حتى تجاوز المضيق بين جبلي بلق ، صدّه العَرِم عن الجري فيتعالى ويتحوّل جانب منه نحو اليسار إلى السدّ الأيسر ، فإذا أرادوا ريّ الجنّة اليُمنى رفعوا من العوارض بين الصدفينِ الأيمنينِ على قدر الحاجة ، وإذا أرادوا ريّ الجنّة اليسرى صرفوا الماء من المصرفينِ بنفس الطريقة ، فيجري الماء في أقنية وأحواض في سفح الجبل الأيسر حتّى يأتي مأرب ؛ لأنّها واقعة إلى اليسار من السدّ .
* * *
وأمّا مَن هو الذي بنى السدّ ( سدّ مأرب العظيم )... ومتى ؟
فقد عثر المنقّبون في أنقاض سدّ مأرب على نُقوش كتابية بالحرف المسند ( الخطّ الحميري ) استدلّوا منها على بانيه ، أهمّها نقشانِ ، أحدهما على الصَدف الأيمن المُلاصق للجنّة اليمنى ، تفسيره : ( أنّ يثعمر بيين بن سمه على ينوف مكرب سبأ ، خرق جبل بلق وبنى مصرف رَحِب لتسهيل الرّيّ ) ، والآخر على الصَدف الآخر ، تفسيره : ( أنّ سمه على ينوف مكرب سبأ اخترق بلق وبنى مصرف رحب لتسهيل الرّيّ ) .
( سمه على ) هذا هو والد ( يثعمر ) المذكور ، وكلّ منهما بنى صدفاً أو حائطاً ، وكلاهما من أهل القرن الثامن قبل الميلاد... فهما مُؤسِّساه ، ولم يتمكّنا من إتمامه ، فأَتمّه خلفاؤهما ، وبنى كُلٌّ منهم جزءً ونُقش اسمه عليه ، فعلى المخروط أو الصَدف في اليسار نَقش قرأوا منه : ( كرب إيل بيين بن يثعمر مكرب سبأ بنى... ) ، وعلى جزء آخر من السدّ اسم ( ذَمَر على ذَرَح مَلِك سبأ ) ، وفي محلّ آخر اسم ( يَدَع إيل وتار ) ، وعلى السدّ الأيسر مما يلي الجنّة اليسرى عدّة نُقوش بمِثل هذا المعنى ... ممّا يدلّ هذا السدّ لم يَستأثر
ببنائه مَلِك واحد ، تلك هي العادة في تشييد الأبنية الكبيرة في كلّ زمان... (2)
ويجدر بالذِكر أن نعلم أنّ اسم ( شمر يرعش ) قد حُكّ على صخر عُثر عليه في أنقاض مدينة مأرب ، وليس في أنقاض السدّ ، ويرجع تأريخه إلى سنة ( 270 ) بعد الميلاد (3) .
ومِن ثَمّ فنوجّه عتابنا اللاّذع إلى الأُستاذ أحمد موسى سالم ، في ذهابه إلى الرأي القائل بأنّ ذا القَرنَينِ ـ المذكور في القرآن والمُتّسم ببناء سدّ يأجوج ومأجوج ـ هو المَلِك الحميري ( شمر يرعش ) (4) ... بدافع عصبيّة عنصريّة... وليَحتكر كلّ شخصيّة عظمية لقوميّته العربيّة حتّى ولو خالف الواقع وعارضَه التأريخ .
فقد غضب الأُستاذ ( سالم ) ؛ لأنّهم قالوا بأنّه ( ذا القَرنَينِ ) فارسي أو يوناني أو رومي ، وليس عربيّاً ، وأغمض عينه عن كلّ شيء سِوى الميل بكونه عربياً من اليمن .
إنّ هذا إلاّ تعصّب مَقيت يتنافى وعصرنا الحاضر ، الذي تَبدَّى فيه كلّ شيء ، ولم يَبقَ جانب إبهام على قضايا التأريخ القديم ، كما كانت قبل اليوم .
كيف يرضى أُستاذ يعيش في عصر النور ، أن يجعل نفسه في غِطاء التعامي عن كلّ مقوّمات التحقيق المعاصر ، والتي دلّتنا على أنّ بناء السدّ ـ أَي سدّ كان : السدّ الحديدي في جبال قوقاز ، أو سور الصين ، أو سدّ مأرب ـ الذي يرجع تأريخه إلى قرون قبل الميلاد... ليجعله من بناء مَلِك عاش بعد الميلاد بقرون ...! (5)
فقد صحّ قولهم : ( حبّ الشيء يُعمي ويُصمّ ) ، والعصمة للّه .
_____________________________
(1) يقال : بَلَق السيل الأحجار بَلْقاً وبلوقاً : جرفها ، وقد كانت السيول جَرفت طرفَي سفح الجبلينِ ، فسُمّيا : البَلَقين .
(2) راجع : العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان ، ص162 ـ 163 و169 ـ 176 .
(3) راجع : تأريخ العرب للدكتور السيد سالم ، ص54 ، ( ذو القَرنَينِ لمحمّد خير رمضان ، ص181 ) .
(4) راجع : كتابه ( قَصَص القرآن ـ في مواجهة أدب الرواية والمسرح ـ ) ، ص220 ـ 221 ، ط 1978م . ( ذو القَرنَينِ لمُحمّد خير رمضان ، ص233 ) .
(5) كان بناء سدّ مأرب حسب الكتابات المنقوشة في أنقاضه ، ما يرجع تأريخه إلى ( 610 ـ 640 ق.م ) ، ومعنى ذلك أنّه كان وقبل ( شمر يرعش ) بحوالي ( 915 ) سنة .
وقبل ( تُبّع الأكبر ) بحوالي ( 960 ) سنة .
وقبل ( المَلِك الصعب ـ ذي القَرنَينِ عندهم ) بحوالي 940 سنة .
ومنه يتّضح عدم مشاركة أي واحد من الملوك الثلاثة في بناء سدّ مأرب ، مفاهيم جغرافيّة ، ص215 .