x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التفسير الترتيبي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

أخبار القرآن الكريم في المدينة

أخبار القرآن الكريم في مكة

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

القصة القرآنية

البلاغة القرآنية

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي ثمود وقومه

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

رسائل النبي والأئمة وعهودهم إلى الكتابيين

المؤلف:  أ.د محمد السيد محمود زوين

المصدر:  اهل الكتاب في تراث أئمة اهل البيت دراسة موضوعية قرآنية

الجزء والصفحة:  ص77-89

2023-08-14

719

من أهمّ مظاهر العلاقة بين الكتابيين وأهل البيت الرسائل التي وجهها النبي وذريته  إلى أهل الكتاب، منها رسائله عليه الصلاة والسلام في بدء الدعوة الاسلامية إلى أمبراطور الروم قيصر ومن في سلطته[1]، كالأسقف ضغاطر، والمقوقس صاحب مصر، والنجاشي، والحارث بن أبي شمر الغساني، ويوحنا بن روبة، وفروة بن عمرو الجذامي، وكتابه إلى اليهود، ولاسيما يهود خيبر، فضلاً عن أسقف نجران. وأرسل كذلك كتبه إلى كسرى الفرس، ومن كان في سلطته، ومنهم من كان على النصرانية واليهودية أمثال سروح ونعيم ابني عبد كلال الحميري، وهوذة بن علي الحنفي ملك الىمامة وغيرهم، وكل رسائلهُ تدعوا إلى معنى واحد وهو التوحيد والإسلام[2] مقررة قوله تعالى:

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران: 64.

والمتأمل في هذه الرسائل يجد ايضاً روح الدعوة إلى توحيد الله تبارك شأنه، فضلاً عن سمة السلام والتحية وبيان الحجة وإلقاء المسؤولية على المخاطب في هداية من يملكهم ويسوسهم من الناس؛ لذا فقد أجاب بعضهم بالإسلام وردّ على الرسالة النبوية بجميل الخطاب بعد التمحيص والتدبر والمشاورة، وبعضهم خاف على ملكه وسلطانه، وبعضهم أبى إلّا البقاء على دينه، وما يهمنا من شواهد ذلك التواصل بين الأديان الذي تتكامل حلقاتها، وتتواصل البشارة بها فيعلم الحاضر خبر السابق والبشارة بالآتي واللاحق، ويبدو أن الحال هكذا في ردود أهل الكتاب على رسائل النبي الاكرم ومنهم الأسقف ضغاطر الذي وصله كتاب النبي الاعظم  ونصه (سلام على من آمن: أما على أثر ذلك فإن عيسى بن مريم روح الله: ألقاها إلى مريم الزكية، وإني أؤمن بالله، وما أنزل إلىنا، وما أنزل إلى ابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، والسلام على من اتبع الهدي ) فما كان من جوابه إلا أن قال (يا معشر الروم إنه قد جاءنا كتاب أحمد يدعونا فيه إلى الله، وإني أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن أحمد رسول الله )[3].

وتأمل في منزلة النجاشي[4] الكتابي في خطاب النبي، وثقتهُ به، ومودته له وهي ظاهرة من كتابه له في أول هجرة المسلمين إلى الحبشة مانصه (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فكأنك من الرقة علينا منا، وكأنا من الثقة بك منك، لأنا لا نرجو شيئاً منك إلا نلناه، ولا نخاف أمراً منك إلا أمناه وبالله التوفيق)[5] ولك أن تنعم بصرك بلطائف الألفاظ الدالة على كرائم المعاني في خطاب آخر للنبي بعث به إلى النجاشي ينقله ثلة من أهل التأريخ وفيه نفحات التقديس والتعظيم لله تعالى ورسالاته وانبيائه والعاملين على نهجه ونص الخطاب:

(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة: سلام علىك؛ فإني أحمد إلىك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني ادعوك إلى الله وحده لاشريك له، والمولاة على طاعته، وان تتبعني فتؤمن بي، وبالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إلىكم ابن عمي جعفراً، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤك فأقر ودع التجبر، وإني ادعوك وجنودك إلى الله عزوجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا، والسلام على من اتبع الهدى)[6] فما كان من جوابه إلاّ الاسلام والإيمان. ومن جميل رد النجاشي على كتاب النبي قوله (... فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقاً[7] إنه كما قلت، ...)[8].

والظاهرة التي تحتم الاهتمام، وتستلزم العناية أن مجمل خطابات النبي إلى الكتابيين كانت تذكّر بأنبيائهم وبالبشارة التي له  في كتبهم ومطالبته عليه الصلاة السلام بإظهارها والتصديق برسالته فهو اخو الأنبياء وصاحبهم في الاجتباء والاصطفاء، من كتابه  إلى اليهود (من محمد رسول الله أخي موسى وصاحبه بعثه الله بما بعثه به:

إني أنشدكم بالله، وما أنزل على موسى يوم طورسيناء، وفلق لكم البحر وأنجاكم وأهلك عدوكم، واطعمكم المنّ والسلوى، وظلّل علىكم الغمام، هل تجدون في كتابكم إني رسول الله إلىكم وإلى الناس كافة؛ فإن كان كذلك فاتقوا الله وأسلموا وإن لم يكن عندكم فلا تباعة علىكم)[9].

أما الردود على رسائل النبي لأهل الكتاب فكانت في مجملها التصديق بما جاء به، فهو البشارة التي يعرفونها، والنبي الذي يتوقعون ظهوره فآمن كثير منهم بما يمثل وجهاً آخر يتكامل مع إيمانهم بكتبهم ورسالاتهم فكان ذلك مظهراً لتواصل التقاء الديانات وتفاعلها الروحي الايماني الذي كان مصداقه إيمان فروة بن عمر والجذامي عامل الروم على معان وما يليها في أرض الشام الذي اعتقد وصدق بالرسالات السماوية وتجانسها وبالإسلام ونبيه فما عاد عن اعتقاده حتى عذب وقتل[10].

وتتسع دائرة التبليغ الرسالي المكتوب للنبي لتؤسس معلماً مدنياً حضارياً، تسوده روح السلم والتآخي الإنساني مع الناس كافة ولاسيما مع أهل الكتاب، ولا أحسب تجلياً حقيقياً رسالياً لمثل ذلك مثل عهوده وكتبه وأماناته بعد أن تثبت دعائم الرسالة فمضى  ليخلق مجتمعاً مدنيا متماسكا تسوده نظم التعايش والحوار بين المتعددين فكراً وعقيدة، المتجانسين نوعاً إنسانياً والمؤتلفين في مجتمعات واحدة، فأعطي  بذلك نموذجاً مثالياً ما أحوجنا اليوم إلى استثماره، وترسيخه عصرياً، وأعني بذلك وثيقة المدينة أو ما تعارف عليه بـعهد المدينة وهو الذي نظم علاقات المسلمين فيما بينهم على أسس وقواعد كلية عملية، فضلاً عن علاقات المسلمين بغيرهم، فهي وثيقة دستورية لدولة ناشئة أساسها النظام المدني السلمي الذي يحفظ التعايش والتسالم بين الناس على اختلاف عقائدهم وأُصولهم[11].

وبعبارة أُخرى:

 دأب النبي بنهجه الرسالي أن يوحد الناس في نزوعهم الإنساني نحو المثل التي يعتقدونها ويعملون من اجل تحقيقها سواءً كانوا تحت ظل دين الاسلام أو غيره من الأديان السماوية الاخرى، فمن جانب حاول اكثر من مرة إلغاء الفوارق وتحجيم الاختلافات، وتعضيد التآلف بين المسلمين فيما بينهم بأن سن ظاهرة المؤاخاة بين المسلمين قبل الهجرة وبعدها وجددها مرة بعد أخرى رغبة في ترسيح دلالاتها بين افراد الدين الواحد الذات، نحن ومن جانب آخر أقر نظاماً دستوراً عهداً، وثيقة ينظم فيها، ويقنن بها علاقات المسلمين فيما بينهم من جهة تأكيداً للمؤاخاة بين المهاجرين وبين الانصار الاوس والخزرج والقبائل، وبينهم والآخر الخارجي، المختلف في العقيدة والدين أهل الكتاب وغيرهم في مسائل التعايش والاحتكاك بين الناس، وجعل فيها ضوابط ومعايير واحكاماً يمكن الاحتكام والاهتداء بها عند الحاجة فضلاً عن حفظها سبل التآخي المجتمعي ككل.

وأحسب أن النبي ثبّت بذلك منهجاً، وقرر بعمله هذا طريقاً جلّى فيه أُموراً متعدّدة من أهمها: حرصه على توحيد مجتمع يدين ويعترف لله تبارك شأنه بالألوهية والعبادة، والتوحيد واخراج ما دون ذلك الشرك إلى خارج بناء هذا المجتمع، فأضحى هذا المجتمع الموحد تحت ظل هذه الوثيقة مجتمعاً رسالياً يدين بالرسالات السماوية ويظهر ذلك من خلال بعض بنوده في تأكيد العلاقة بين المسلمين ومَن وادَعُوهم من اليهود ولاسيما يهود القبائل، والأمر الآخر أن هذه الوثيقة دعمت فهم وحدة المسلمين وثبتت (أنهم أمة واحدة من دون الناس)[12] على الرغم من اختلافاتهم القبلية وانتماءاتهم الجغرافية وتنوعاتهم الاجتماعية ففيهم المهاجرين والانصار على تعددهم[13].

فحري بنا نبذ الاختلاف والتطرف فكراً لترسيخ مبدأ وجود المختلف، وواقعية العمل في حدود الاختلاف والتعدد، وألاّ نقيم وجودنا على الاختلاف أو نقض الآخر، فهذا أمر مفروغ منه بل اثبات الوجود أحرى به أن يقام وينتج في حدود التقارب والتسامح والتعايش ولا أخالك تخالف هذا المعنى، ومابين أهل الدين الواحد من المشتركات عملياً اكثر من المفرقات بين الأمة الواحدة الآخر الموآلف، وكذا الأمر بالنسبة للآخر المغاير ؛فإن الحكمة والعقلانية تقتضي التكامل مادام الدين لله تعالى والهدف المرجو للجميع رضاه تبارك اسمه، وجل وتنزه عن أن يكون طرفاً في نزاع[14] أو عنواناً في تخاصم سواءً بين المنتمين لدين واحد أو المنتسبين للأديان المتعددة.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة عهود وكتب وأمانات كتبها النبي لشخصيات كتابية يؤمّنهم بها على انفسهم واموالهم ودينهم الذي يدينون به، وهي بمثابة اتفاقيات ومعاهدات يتم التوافق عليها تضمن التسالم والتعايش والتناصر في الحق وحفظ الانفس وحق حرية الفكر والاعتقاد، منها ما كتبه  ليوحنا بن رؤبة وسروات وأهل إيلة [15]، وكتابه لأهل مقنا وبني جنبة[16]، وكتابه لأبي الحارث علقمة أسقف نجران ونصه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى الأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم : أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم، وصلواتهم، ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانية، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه، على ذلك جوار الله ورسوله أبداً، ما نصحوا وصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين)[17].

ولا اعتقد حاجة لبيان دلالات هذا النص وما فيه من معالم إنسانية في التمدن والتعايش بين الأديان.

وكتب  عهداً لبني عريض وهم قوم من اليهود، جاء فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني عريض: طعمة من رسول الله عشرة أوسق قمحا، وعشرة أوسق شعيرا في كل حصاد، وخمسين وسقا تمرا يوفون في كل عام لحينه لا يظلمون شيئاً)[18]، وكتب عهوداً أُخرى للنصارى أنبأت عن سمو التعامل الإنساني بين الأديان ومرجعيتها الرسالية في التكامل، ولا يغيب عن اللبيب اسلوب الخطاب الإنساني النبوي الموجه لكل الناس، فهو  يجمع بين المسلمين وغيرهم، وفيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيرا ونذيرا، ومؤتمنا على وديعة الله في خلقه، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزا حكيما، كتبه لأهل ملته، ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وعجميها، معروفها ومجهولها، كتابا جعله لهم عهدا، ومن نكث العهد الذي فيه، وخالفه إلى غيره، وتعدى ما أمره، كان لعهد الله ناكثا، ولميثاقه ناقضا، وبدينه مستهزئا، وللعنة مستوجبا، سلطانا كان أم غيره من المسلمين المؤمنين، وإن احتمى راهب أو سائح في جبل أو واد أو مغارة أو عمران أو سهل أو رمل أو ردنة أو بيعة، فأنا أكون من ورائهم ذاب ذابا ؟ عنهم، من كل عدة لهم: بنفسي وأعواني وأهل ملتي واتباعي، كأنهم رعيتي وأهل ذمتي، وأن أعزل عنهم الأذى في المؤن التي تحمل أهل العهد من القيام بالخراج إلا ما طابت به نفوسهم، وليس عليهم جبر ولا إكراه على شيء من ذلك ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا حبيس من صومعته، ولا سائح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم، ولا يدخل شيء من مال كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المسلمين، فمن فعل شيئا من ذلك فقد نكث عهد الله، وخالف رسوله، ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزية ولا غرامة، وأنا أحفظ ذمتهم، أينما كانوا: من بر أو بحر، في المشرق والمغرب، والشمال والجنوب، وهم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه، وكذلك من ينفرد بالعبادة في الجبال والمواضيع المباركة، لا يلزمهم ما يزرعوه، لا خراج ولا عشر، ولا يشاطرونه لكونه برسم أفواههم ويُعَانوا عند إدراك الغلة باطلاق قدح واحد، من كل أردب برسم افواههم ولا يلزموا بخروج في حرب، ولا قيام بجزية، ولا من أصحاب الخراج، وذوي الأموال والعقارات والتجارات، مما أكثر [من] اثني عشر درهم درهما ؟[19] بالحجة في كل عام، ولا يكلف أحدا أحد منهم شططا، ولا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، ويخفض لهم جناح الرحمة، ويكف عنهم أدب المكروه، حيثما كانوا وحيثما حلوا، وإن صارت النصرانية عند المسلمين فعليه برضاها، وتمكينها من الصلوات في بيعها ولا يحيل بينها وبين هوى دينها، ومن خالف عهد الله واعتمد بالضد من ذلك، فقد عصى ميثاقه ورسوله، ويعانوا على مرمة بيعهم ومواضعهم، ويكون ذلك معونة لهم على دينهم ومعا وفقا؟ وفاء؟[20] لهم بالعهد ولا يلزم أحدا منهم بنقل سلاح، بل المسلمين يذبوا عنهم، ولا يخالفوا هذا العهد أبدا إلى حين تقوم الساعة، وتنقضي الدنيا. وشهد بهذا العهد الذي كتبه محمد بن عبد الله رسول الله  لجميع النصارى، والوفاء بجميع ما شرط لهم عليه)[21].

وعلى منوال رسول الله  سار أئمة الهدى مقتدين بنهجه وعلى ملته في التعامل مع أهل الكتاب ويظهر ذلك من موارد علاقتهم بأهل الذمة [22]، وكيف كانوا يوصون بهم ويؤكّدون حقوقهم ورعاية عهودهم عهد الله ورسوله فيهم ففي رسالة الامام علي لعامله قرظة بن كعب الانصاري يقول فيها:

(أما بعد فإن رجالاً من أهل الذمة من عَملِكَ ذكروا نهراً في أرضهم قد عفا وادّفن، وفيه لهم عمارة على المسلمين، فانظر انت وهم ثمّ اعمر وأصلح النهر، فلعمري لأن يَعمُر أحبُّ إلىنا من أن يخرجوا وأن يَعجَزُوا أو يقصِّروا في واجب من صلاح البلاد، والسلام)[23].

فلم يمنع أميرالمومنين  عن الوصية بهم، وتقرير حقهم ؛ اختلافهم عنه عقيدياً أو دينياً، بل العكس إنما أمر  عامله أن يشاورهم فانظر انت وهم، وأن يصلح لهم النهر الذي عليه عمرانهم وحياتهم، وما في ذلك من احياء للحرث والنسل، وأهم من هذا وذاك اظهرت هذه الرسالة أهل الذمة في الاسلام ـ في نهج علي ـ أنهم متساوون في المواطنة مع المسلمين، ولاسيما في إقامة البلاد وصلاحها فهو واجب على الجميع لايختلف في مبدأ المواطنة مَنْ يختلف في الاعتقاد أو الدين ؛ لأن قاعدة التعايش والسلم الأهلي مشروع بناء الإنسان في فكر الإمام . وموضوع الاختلاف من أوجب الدواعي على حفظ الآخر وحقوقه، فهم في ذمة الله ورسوله.

وهذه الحقيقة كامنة في عقيدته  ظاهرة على لسانه ، مشخصة في افعاله ، فالجمع بين المفهوم الإنساني للآخر مع مصداقه العملي الواقعي الموضوعي مُجسد عنده ولا أدلّ من كلمته التي اتخذت شعاراً أميماً في عصرنا الحاضر، وهي جزء يسير من وصيته وكتابه للأشتر عندما ولاّه مصر يقول : (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولاتكن عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)[24].

وهو يعلم  أن الرعية متعددة الاعتقادات والأديان، ولاسيما أن مصر جمعت اطيافاً من المتنوعين دينياً، ففيها المسلمون والاقباط واليهود وغيرهم. فالمحبة والرحمة واللطف وعدم الاستغلال للناس إنَّما هي من مواطن التآخي والتآلف في المجتمع والأمة الواحدة المتعددة في اصولها وجذورها، فإذا كان أمر الاعتقاد بالدين والافكار أيا كانت تجعل من الناس أو المعتقدين فئات وطوائف ومجاميع ولو بشكل ظاهري فإن مبدأ الاخوة الإنسانية هي اكمل مقاماً في توحيدهم وترسيخ توائمهم وتجانسهم لأنهم نظراء في مرجعية خلقهم وعودهم لذا فالراعي كفيل بتحقيق هذه النظرة الكونية الشمولية الإنسانية للرعية إذا أراد بناء مجتمع مدني مواطني تسوده العدالة وتحوطه القيم الإلهية الرسالية.

وليس ببعيد عن علي ترى حفيده الامام علي بن الحسين زين العابدين يثبت قواعد الحقوق الإنسانية في رسالة هي اليوم من أنفس المواثيق والعهود الإنسانية نص فيها على كل ما يتصل بحقوق الإنسان في نفسه، ومحيطه، ونظم ما له، وما عليه بالدلائل والحجه العقلية البرهانية، منها حق أهل الذمّة قال : فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله، وتَفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من انفسهم وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين من ظلمهم من رعاية ذمة الله، والوفاء بعهده وعهد رسول الله حائل، فإنه بلغنا أنه قال: من ظلم معاهداً كنت خصمُهُ فاتق الله، ولا حول ولا قوة الا بالله [25].

ينبئُك هذا النص عن صدوره وما سبق من فيض معين واحد، أساسه الموضوعية والعدالة والتسالم بين الأديان، وجعل نفس المسلم بمقام غيره من أهل الأديان الأُخر في الحكم ورعاية دفع الظلم عنهم؛ لأنهم يقعون منك موقع نفسك من اخيك في الدين وأنهم ذمة الله تعالى التي عهد بها رسول الله للمسلمين فمن لا يؤدي عهد رسوله وذمة ربه فهو خائن والاستشهاد بالحديث في نهاية النص دليل ذلك والله تبارك وتعالى العالم[26].

 


([1]) معنى (من كان في سلطته): اي متحالفاً معه، ولعله داخلاً ضمن ملكه وامبراطوريته.

([2]) ظ: في ذلك مكاتيب الرسول : 1/187، 2/316، 390. ولا بدّ من القول أن الرسائل التي وصلت الينا نصوصها جاءت في بعض الاحيان بروايات متعددة والفاظ مختلفة.

([3]) مكاتيب الرسول/2/405-406 وانظر مصادره.

([4]) ذهب بعض الباحثين إلى القول بتلاحق شخصيتين في ملك الحبشة النجاشي الأول والثاني ومن هو الذي كتب إليه النبي ؟؟ في هذا القول تحقيق/ظ: مكاتيب لرسول : 2/437.

([5]) ظ: مكاتيب الرسول  :  2/452. وانظر مصادره.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) ثفروق: الأقماع التي تلزق بالبسر.

([8]) مكاتيب الرسول: 2/448 .

([9]) مكاتيب الرسول : 2/482، وانظر: رسالته  إلى يهود خيبر برواية ابن هشام، ورسالته  إلى أسقف نجران كذلك وانظر مصادره.

([10]) ظ: مكاتيب الرسول :  2/460، وانظر مصادره.

([11]) ظ: الصحيح من سيرة النبي الاعظم: 5/127.

([12]) ظ: نص وثيقة المدينة «كتابه  بين المهاجرين والأنصار ويهود يثرب: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.أنهم امة واحدة من دون الناس. المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، كل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو عمرو بن عوف

=    على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين»/ ظ: مكاتيب الرسول: 3/6 وانظر مصادره، الصحيح من سيرة النبي الاعظم: 5/128.

([13]) ظ: الصحيح من سيرة النبي الاعظم : 5/136.

([14]) عنوان مقال غير منشور للدكتور أميل جودة الماروني «الله ليس طرفاً في نزاع».

([15]) يوحنا بن رؤبة/ أسقف إيلة، وإيلة مدينة على ساحل بحر القلزم ممايلي الشام وهي مدينة ليهود، وسراوات جمع سراة، هي اعلى كل شيء والمعنى جاء رسول الله اهل المدينة والمالىها.

([16]) مقنا: بالشام قرب أيلة واصلها لليهود، وبني جنبة عشيرة من اليهود بـ(مقنا).

([17]) ظ: مكاتيب الرسول : 3/148، وكتب عهداً لأهالي نجران. مكاتيب الرسول: 3/152، وانظر مصادره.

([18]) المصدر نفسه/3/255.

([19]) ما بين القوسين تصحيح لما سبق من اللفظ، وهو من نص المؤلف الميانجي.

([20]) ما بين القوسين تصحيح لما سبق من اللفظ، وهو من نص المؤلف الميانجي.

([21]) مكاتيب الرسول: 3/758، وانظر مصادره.

([22]) مصطلح اهل الذمة: الذمة: الأمان والعهد، فأهل الذمة: اهل الأمان والعهد، والذمي هو المعاهد وعند الفقهاء: الذميون والذمي: نسبة إلى العهد من الإمام ـ أو من ينوب عنه ـ بالأمن

=    علي نفسه وماله نظير التزامه الجزية ونفوذ أحكام الإسلام، ولا تلازم بين أهل الذمة وأهل الكتاب، فقد يكون ذمياً غير كتابي، وقد يكون كتابياً غير ذمي، وهم مَن كانوا في غير دار الإسلام من اليهود والنصارى. ظ: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية/1/329.

([23]) مكاتيب الائمة: 3/45، وانظر مصادره، وللرسالة رواية أُخرى اطول عند البلاذري في أنساب الأشراف: 2/390.

([24]) نهج البلاغة: 3/83.

([25])   مكاتيب الأئمة/3/212.

([26]) ومن جميل التواصل المسيحي الاسلامي تجد علما من أعلام النصارى يشير إلى تلك الكتب والعهود بين أئمة الهدى واهل الكتاب آنذاك يقول ميشال جحا «ولابد من الإضاءة على الروابط الصادقة بين الرسول، والبطريك مارايشو عياب الثاني الجدالى العربي (628-644 م) كيف كان يكاتب نبي الاسلام  ويسأله الوصاية برعيته في نواحيه فيجبه إلى ذلك ويكتب إلى أصحابه بالحفظ والوصاية، وكيف كان الامام علي بن ابي طالب  في صداقة متينة وصحبة روحانية خالصة مع البطريك (مار أمه) (644-650م) حيث كتب له الامام علي  كتاباً بوصايته على المسيحين ورعاية ذمتهم وكان يظهره لكل من يتولى من رؤساء الجيوش وامرائهم فيتمثلونه» ظ: مسيحيون وشيعة / ص3.