الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
سكرة الشباب
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص122 ــ 128
2023-05-18
1471
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال وسكر القدرة وسكر العلم وسكر المدح وسكر الشباب ، فإن لكل ذلك رياحاً خبيثة تسلب العقل وتستخف الوقار(1).
وعنه (عليه السلام) أصناف السكر أربعة : سكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك)(2).
وإذا ما تمعنا في الروايات الثلاث الأنفة الذكر نجد أنها جاءت لتوضح ما يلي:
1- إن نمو الدماغ والسلسلة العصبية لدى الفتيان وهما أساس التعقل والتدبر والتفكر لم يبلغ كماله خلال مرحلة البلوغ.
2- ومن خلال الاختبارات التي أجريت على عقول الشباب وذكائهم تبين أن عقولهم لن تشهد خلال فترة البلوغ تفتحاً جديداً ، وأن ما وصلت إليه عقولهم من النباهة والذكاء اكتسبتها خلال فترة ما قبل البلوغ .
3- تتفاوت نسبة الاختلالات النفسية وجنون الغرور لدى الشباب نتيجة ضعف العقل وهذا ما يجعلهم غافلين عن واقع الحياة، غارقين في عالم التخيلات الموهومة كالمجانين ، يرتكبون أعمالاً غير عقلانية وجنونية.
إذ ما التفت الشباب إلى النقاط المذكورة جيداً ، فإنهم سيتعرفون على حالاتهم النفسية وضعف عقولهم وقصر تفكيرهم ، وسيلمسون حاجتهم للهداية من قبل من هم أكبر منهم وأعقل. كما أنهم سوف لا يتمسكون بآرائهم الارتجالية وغير المدروسة والتي قد تتسبب بشقائهم وضياعهم .
إن ضعف عقول الفتيان والاضطرابات التي تشل أفكارهم خلال فترة البلوغ ليست منحصرة بدولة ما أو بمجتمع ما ، بل إنها تشمل جميع أبناء البشر في مختلف أصقاع الأرض .
إن الشباب إذا لم يكن بمقدورهم التعامل مع قضايا الحياة بشكل صحيح واتخاذ القرارات الصحيحة والعقلانية، فإن لذلك مبرراً ، وهو الضعف الطبيعي للعقل خلال فترة البلوغ .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : جهل الشاب معذور ، وعلمه محصور(3).
قيل إن هناك مثلا شائعاً في احد البلدان الغربية يقول : «ليت الشبان كانوا يعلمون والشيوخ كانوا يستطيعون» .
فالشبان قادرون على القيام بأي عمل مهما كانت صعوبته بسبب قدرتهم البدنية ، لكنهم لا يعلمون ما يفعلون بسبب ضعف عقولهم ، أما الشيوخ فإنهم يتمتعون بعقول نيرة ، ويعلمون كل ما يفعلونه بسبب تجاربهم الطويلة ، لكنهم لا يقدرون على القيام بأي عمل بسبب ضعف أبدانهم ، لكن أمير المؤمنين (عليه السلام) يفضل رأياً صائباً وعقلاً نيراً لشيخ على قدرة وعنجهية الشاب ، حيث يقول (عليه السلام) : رأي الشيخ احب إلي من جلد الغلام(4).
خطأ الشبان:
إن بعض الفتيان والفتيات عندما يقطعون مرحلة البلوغ وتنهر عليهم علامات الرجولة أو الأنوثة يقعون في خطأ ، حيث يتصورون أنهم أصبحوا بمساواة رجال ونساء المجتمع، ويسألون أنفسهم، ما الفرق بيننا وبين رجال ونساء المجتمع؟ ، ألا يمكننا ان نكون مثلهم أو في مصافهم ؟ أليس من حقنا أن نبدي آراءنا أينما كان كما يفعلون وأن نستفيد من جميع المزايا الاجتماعية مثلهم .
وقد تأخذ هذه الأفكار منهم مأخذها فيصبحون متطرفين إلى درجة أنهم يستهزئون من يكبرهم سناً ، ويحاولون بشتى الوسائل فرض آرائهم الخام ، ويجبرون غيرهم على قبولها.
مثل هؤلاء ينظرون إلى ظاهرهم ولا يعرفون ما في باطنهم، يرون أن أجسامهم قد كبرت وأصبحت كأجسام آبائهم وامهاتهم ، ويشعرون بأن الرغبات الجنسية قد ولدت فيهم وأنهم قادرون على الزواج والإنجاب، متغافلين عن أن البلوغ الجنسي من الناحية الدينية والعلمية يختلف عن البلوغ العقلي الذي لن يصلوا إليه إلا بعد عدة سنوات من البلوغ الجنسي.
«إن البلوغ الجنسي لوحده ليس كافياً ، إذ يجب أن يصل الإنسان إلى البلوغ الفكري وتكتمل عواطفه وأحاسيسه، وذلك لن يحصل قبل مرور عدة سنوات على البلوغ الجنسي»(5).
إن الفرق بين الآباء والامهات وسائر نساء المجتمع ورجاله وبين الفتيان والفتيات هو أن عقول الآباء والامهات قد بلغت نموها النهائي وبلغوا بدورهم حد الكمال ، لكن الفتيان والفتيات الذين بلغو جنسياً لم تبلغ عقولهم نموها النهي.
الفصل بين البلوغين الجنسي والعقلي :
لقد وضع التشريع الإسلامي قانوناً خاصاً حول الاستقلال الاقتصادي والتحرر المالي على أساس الفصل بين البلوغين الجنسي والعقلي .
وينص هذا القانون على منح صلاحيات مالية إلى أشخاص بلغت عقولهم إضافة إلى بلوغهم الجنسي، أما الأشخاص البالغون جنسياً ولكنهم لم يبلغوا عقلياً فإنهم يحرمون من التحرر الاقتصادي والصلاحيات المالية . قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].
وتشير الآية المباركة صراحة إلى أن الاستقلال الاقتصادي والتحرر المالي لا يعطيان إلى اليتامى إلا بعد بلوغهم الجنسي والعقلي ، حيث عبر القرآن الكريم عن البلوغ الجنسي بكلمة «النكاح» وعن البلوغ العقلي بكلمة «رشدا» .
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده وإن آحتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليه ماله (6).
عن ابن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : متى يدفع إلى الغلام ماله ، قال إذ بلغ واونس منه رشد . ولم يكن سفيهاً او ضعيفاً(7) .
وعن أخي علي (عليه السلام) قال: سألته عن اليتيم متى ينقطع يتمه، قال إذ احتلم وعرف الأخذ والعطاء(8) .
الصلاحيات المالية:
من خلال الآية المباركة والأحاديث الآنفة الذكر نتبين أن الباري سبحانه وتعالى قد فصل بين البلوغين الجنسي والعقلي وخصص منح الصلاحيات المالية للفتيان الذين بلغو عقلياً إلى جانب بلوغهم الجنسي ، ولكن يجب الالتفات إلى أن المقصود بالبلوغ العقلي هنا والذي يخول صاحبة الاستفادة من الاستقلال المالي لبس النمو الكامل للعقل، بل يكفي أن يعي الفتى معنى النفع والضرر المالي ويكون قادراً على التصرف بثروته بعقلانية ، وهذا يكفي لمنحه حق التصرف بماله من وجهة نظر القانون .
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مشكلة عدم نضوج عقل الفتى وهو موضوع بحثنا هذا لا يمكن اعتبارها محلولة لمجرد أن يصل الفتى إلى ما يخوله لإحراز الاستغلال المالي ، لأن معظم الشباب يتمتعون في بداية شبابهم بهذا الشرط لكنهم لا يستطيعون أن يميزوا جيداً بين الخير والشر ويدركوا القضايا الحياتية بالشكل المطلوب.
إن العامل الوحيد الذي يمكنه أن يسوي مشكلة الشباب ويعوض لهم قصر تفكيرهم هو تفتح العقل ونموه الكامل ، وهذا لن يتحقق إلا بعد فترة طويلة .
إن أكثر الأخطار التي يواجهها جيل الشباب هي في الفترة ما بين البلوغين الجنسي والعقلي. فطوال هذه الفترة يكون الشباب عرضة للأخطار والسقوط والضياع أحياناً ، لأن عقولهم تكون ضعيفة وأحاسيسهم قوية .
وغالباً ما يحصل أن يتخذ الفتى قراراً متسرعاً وسلبياً ويقدم على أعمال لا تعود عليه سوى بالضرر، وبالتالى يورط نفسه والآخرين بمصائب وويلات ، وذلك نتيجة تهيج غريزة الغضب او الشهوة أو أي من الرغبات النفسية الاخرى لديه .
إذا ما أدرك الفتيان هذه الحقيقة وهي أن عقولهم تكون ضعيفة أيام البلوغ وما يصاحبه من أزمات ، فإنهم سيدركون أيضاً الأخطار التي تترتب على أي قرار متسرع وغير مدروس يتخذونه ، وسيعمدون إلى اتخاذ الحيطة والحذر في مسيرتهم الحياتية . كما أنهم سيشعرون بحاجتهم إلى مربين أكفاء يرشدونهم إلى الطريق السوي .
وفي نهاية هذه المحاضرة لا بد لنا من الإشارة إلى وصيتين من وصايا الإمام الصادق (عليه السلام)، وذلك لتعريف الشباب على مخاطر القرارات والتصميمات العجولة ومنزلقات الحياة . ويبدو أن الشباب الأعزاء إذا ما عملوا بهاتين الوصيتين فإنهم سيكونون قادرين على اجتياز أزمة البلوغ بسلام ، وسيكونون مصانين من الأعمال السلبية الناجمة عن قصر في التفكير وضعف في العقل ، وهاتان الوصيتان هما :
عمق التفكير:
أولاً: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلا اتى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال يا رسول الله أوصنى . فقال له رسول الله : فهل أنت مستوص إن أنا أوصيك ؟ حتى قال له ذلك ثلاثاً وفي كلها يقول الرجل نعم يا رسول الله . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته ، فإن يك رشداً فأمضه ، وإن يك غياً فانته عنه(9).
إذا ما عمل شبابنا الأعزاء بهذه الوصية القيمة ، وفكروا للحظات بنتائج كل عمل يودون القيام به فإنهم لن يرتكبوا ذنباً ولن يقترفوا حراماً ، وإلا كانوا كالكثير من الشباب الذين يقبعون في السجون ويعضون أصابعهم ندماً يوم لا ينفع فيه ندم على جرم ارتكبوه نتيجة تهور مؤقت .
إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يوصينا بالتفكير بمساوئ ومحاسن كل عمل قبل القيام به حتى لا نندم على ذنب اقترفناه .
ثانياً: عندما يعجز الشباب عن التمييز بين محاسن أعمالهم ومساوئها نتيجة ضعف عقولهم وقصر بصيرتهم ينبغي عليهم أن يستفيضوا من أفكار الكبار، ويستشيروا منهم أكثر منهم تجربة ، وينيروا دروب الحياة بنور عقول الكبار، قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): الشيخ في قومه كالنبي في أمته(10).
لقد كان انبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم هداة أممهم ، ويجب على الشيوخ والمسنين أن يكونوا هداة للشباب في أسرهم .
_______________________________
(1) غرر الحكم، ص862.
(2) تحف العقول ، ص 126.
(3) غرر الحكم، ص 372 .
(4) نهج البلاغة، الفيض ،ص 1114.
(5) رشد زندكى (نمو الحياة) ، ص 293 .
(6) وسائل الشيعة ج 4 ، ص 199 .
(7) المستدرك ج2، ص496.
(8) بحار الأنوار ج23 ص 39 .
(9) روضة الكافي، ص 150.
(10) المحجة البيضاء ج1 ، ص 170.