الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
حول فرصة الشباب
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص52 ــ 57
2023-05-15
1121
إن عهد الشباب يعتبر فرصة ثمينة تأتي الإنسان مرة واحدة طيلة حياته ، ومرحلة الشباب هي مركز القوة والنشاط ومظهر الحسن والجمال ، وفي هذه المرحلة يطفح الإنسان بالجد والنشاط والحب والأمل.
إن الاستعدادات والطاقات الكامنة في جسم وروح كل منا والأرضية المناسبة للرقي والسمو والتكامل الموجودة في طبيعة الإنسان، إذا ما استغلت بشكل مناسب ، فإن بإمكانها أن تكون أساس سعادة جيل الشباب لبقية مراحل العمر.
وانطلاقاً من هذ المبدأ ينبغي على الآباء والأمهات الذين يفكرون في إسعاد أبنائهم ، وكذلك ينبغي على الشباب الذين يطمحون إلى السعادة والموفقية والنجاح ان يغتنموا هذه الفرصة الثمينة من جميع جوانبها وأن يستفيدوا من الظروف المؤاتية أقصى استفادة .
لقد أكد أولياء الله تبارك وتعالى ورسله سلام الله عليهم أجمعين في كثير من الأحاديث والروايات على أهمية جيل الشباب، ودعوا الشباب إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة التي لا تعوض لتأمين سعادتهم .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :يا أباذر اغتنم خمساً قبل الخمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقدك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك(1).
وقال علي (عليه السلام) : بادر شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك(2) .
وروي عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) في قوله تعالى : {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]. قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك وغناك وأن تطلب به الآخرة(3) .
لقد أكدت الأحاديث الثلاثة الآنفة الذكر على أهمية الاستفادة من الفرصة الثمينة التي تدق باب الإنسان في مرحلة شبابه ، وقارنت بين هذه المرحلة مرحلة الشيخوخة والكهولة ، معتبرة إياها كالسلامة والعافية مقابل السقم والمرض ، إن الفرصة تعني استعداد الأرضية وتوفر الظروف لنيل الهدف ، واستغلال الفرصة يعني السعي والمثابرة من أجل الاستفادة من الظروف المؤاتية استفادة صحيحة . ليس هناك أي مخلوق على وجه الأرض خلق دون حساب، ولن يصل أي مخلوق إلى نتيجة دون القيام بمساع من أجل استغلال الفرص المؤاتية.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
الشعور بالمسؤولية :
قال أبو عبد الله (عليه السلام): إحم نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك(4).
إن المزارع الذي يريد الحصول على أفضل محصول وأوفره عليه أن يستغل فرصة وجود الماء والهواء والأرض، ويسعى لحرث الأرض ونثر البذور ويكثف من مراقبته، وخلاصة القول: عليه أن يقوم بعمله على أفضل وجه . والأمر كذلك بالنسبة للطالب الذي يطمح إلى بلوغ أرفع درجات العلم حيث يتوجب عليه أن يستغل وجود الكتاب والمعلم والمدرسة والمحيط الهادى، والسلامة البدنية ، ويجد ويجهد في علومه ودراسته . المريض أيضاً عليه أن يستغل فرصة وجود الطبيب والممرضة والمستشفى والدواء ويسعى إلى مراقبة نفسه والخلود إلى الراحة والامتناع عن كل ما يضره وذلك في سبيل التخلص من المرض الذي ألم به. كما أن المذنبين عليهم أن يستغلوا الفرصة ويحكموا عقولهم ويلتزموا بالأحكام الإلهية وتوجيهات أنبياء الله تبارك وتعالى وأوليائه عليهم أفضل الصلاة والسلام ويلتحقوا بركب الأطهار والأخيار وذلك تحقيقاً للسعادة الأبدية .
إن استغلال الفرص المناسبة والظروف الملائمة هو أساس موفقية الإنسان ونجاحه في جميع شؤون حياته المادية والمعنوية ، والإنسان العاقل هو ذلك الذي يستفيد من الفرص المؤاتية ولا يدع فرصة تذهب سدى .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها(5).
من المؤسف أن جميع الفرص التي يواجهها الإنسان في شؤونه الحياتية المادية والمعنوية هي فرص غير ثابتة وسريعة الزوال ، وربما فقد الإنسان أعظم فرصة تطرق بابه ، بسبب إهمال بسيط ولا مبالاة منه ، حينها لن يبقى للإنسان سوى الخسران والندامة .
ولهذا كان اهتمام الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) ضمن برامجهم التربوية منصبّاً على هذه المسألة، وكثيراً ما حذروا من خطر إضاعة الفرص .
روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه)(6).
وقال علي (عليه السلام) : الفرصة تمر مر السحاب ، فانتهزوا فرص الخير(7).
وعنه (عليه السلام) أنه قال : الفرصة سريعة الفوت وبطيئة العود(8).
وروي أن أحدهم سأل الإمام الهادي (عليه السلام) عن الحزم فقال له: هو ان تنتهز فرصتك وتعاجل ما أمكنك(9) .
إن عهد الشباب يشكل أفضل فرصة يستطيع الإنسان من خلالها تحقيق طموحاته وبلوغ أمانيه ، ومما لا شك فيه أن جسم الإنسان وروحه يكتنفان ثروات عديدة يمكن أن تشكل إذا ما استغلت بشكل جيد أساس سعادة الإنسان مدى حياته.
إن قوة البدن ونموه وتركيبة العظام والعضلات وشبكة الأعصاب الحديدية وغيرها من القوى الجسمية لدى جيل الشباب ، تشكل بمجموعها أفضل وسيلة يسخرها الإنسان في الجد والعمل والنشاط ، فالشباب بمقدورهم خوض أصعب المغامرات والتغلب على كل المشاكل والصعاب.
وتشكل قوة البدن وصلابته من وجهة نظر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) رمز السعادة لدى الإنسان ، وهذا الإنسان يتمتع بكل هذه النعم في مرحلة الشباب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافاً وقواه شداداً(10).
ومن القوى المعنوية التي تبرز جلياً على الإنسان في مرحلة الشباب، الحب والأمل والحماس والعنفوان، فإلى جانب نمو الجسم، تولد في داخل الإنسان الشاب عواطف وأحاسيس جياشة تشكل دافعاً مهماً في اندفاع الشباب نحو العمل والنشاط دون ملل أو كلل، وهذا ما يشكل ثروة اخرى تمنح إلى الإنسان في عهد شبابه .
«عندما نسمع بكلمة بلوغ نتصور فوراً سرعة نمو جسم الإنسان والتغييرات التي تطرأ على النظام الداخلي للجسم والتي تمنحه مزيداً من القوة والنشاط ، وما يلفت انتباهنا للوهلة الأولى النمو السريع للجسم ، وهذا ما يشكل انطلاقة على طريق دراسة مسألة البلوغ ، ولكن سرعان ما تبرز مسالة جديدة تشد إليها الاهتمام، وهي أن الشاب يصبح أكثر حساسية مع ولادة عاطفة الحب والشوق والأمل والحماس والاندفاع في باطنه، وهذه الحساسية المفرطة تشاهد حتى لدى الأشخاص المتسمين بالجد والوقار ، إذن هناك نمو قلبي يبدأ مع نمو الجسم» .
«إن تقارب هاتين الظاهرتين ليس من قبيل الصدفة بل يشكل ذليلاً على علاقة الحياة الباطنية بالحياة الظاهرية أو الخارجية والتي تبرز مظاهرها في كل مرحلة من مراحل الحياة».
إذا ما أدرك الشباب وضعهم الطبيعي وما مَنَّ عليهم الله سبحانه وتعالى من نعم عظيمة ، وإذا استطاعوا أن يستغلوا في عملهم ومسعاهم الثروات العظيمة الكامنة في نفوسهم وأجسامهم وأن يسخروا هذه الثروات في سبيل تأمين سعادتهم المادية والمعنوية ، يكونون قد نجحوا في الاستفادة من فرصة الشباب التي لا مثيل لها خير استفادة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، وفي الشبيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات(11).
وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن لله ملكاً ينزل في كل ليلة فينادي يا أبناء العشرين جدوا واجتهدوا(12).
_______________________________
(1) بحار الأنوار ج17، ص23.
(2) غرر الحكم؛ ص 340 .
(3) كتاب جعفريات، ص 176.
(4) الكافي ج2، ص454.
(5) المحجة البيضاء ج 5 ، ص 15.
(6) المستدرك ج2، ص350.
(7) نهج البلاغة فيض ، ص1086.
(8) غرر الحكم، ص 89 .
(9) المستدرك ج2، ص350.
(10) بحار الأنوار ج 15 ، ج 2 ، ص 236.
(11) وسائل الشيعة ج 4 ، ص 30 .
(12) المستدرك ج2 ص 353 .