الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
عدم الاهتمام بالحس الديني
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص346 ــ 351
2023-05-10
1008
مما يؤسف له أن معظم البرامج التربوية الخاصة بجيل الشباب في عالمنا اليوم لا تولي اهتماماً برغبات الشباب الإيمانية وأحاسيسهم الدينية، وبات الحس الديني الذي يتفتح بشكل طبيعي خلال فترة البلوغ، طي النسيان، وهذا الحس يمكنه أن يصبح أكبر قوة لكبح الغرائز والأهواء النفسية، إذا ما تمت تنميته في أعماق الانسان بصورة سليمة.
ويتجه العالم اليوم إلى تنمية حس الجمال في الانسان بشتى الطرق والأساليب ، متغافلاً عن الحس الديني والرغبة الإيمانية فيه. كما أن المربين يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه المسؤولية الكبيرة، والنتيجة هي أن الشاب يربى غير مهتم لا بدينه ولا بإيمانه .
إن عدم الاهتمام بالحس الديني لدى الفتيان يعتبر مخالفة لقانون الخلقة ونظام التكوين ، والتنصل من هذا القانون لن يمر دون عقاب، والعقاب يكمن في غرور الفتيان والشباب وتمردهم وفلتانهم في شتى أصقاع الأرض .
«عقدت منظمة الأمم المتحدة مؤتمرها الثالث لمكافحة الجرائم ومعالجة المجرمين في ستوكهولم بمشاركة نحو ألف من القضاة وعلماء الاجتماع والشرطة، وقد أصدر المؤتمرون في ختام المؤتمر الذي استغرق أسبوعاً واحداً سلسلة من التوصيات ، ناشد فيها العالم السعي لمكافحة جرائم الشباب ، واتخاذ ما يلزم للحيلولة دون تفشيها ، لأن العالم بات يئن تحت وطأة هذه الجرائم»(1).
«نيويورك ترتجف من هول جرائم الشباب، تحت هذا العنوان كتبت صحيفة كيهان الإيرانية تقول: إن ازدياد عدد المجرمين في صفوف الشباب يزيد من حالة الخوف والقلق بين الناس. فقد ارتفعت الجرائم التي ارتكبها شبان وشابات لم تتجاوز أعمارهم الـ 16 عاماً بنسبة 15% خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1954 و1964 ، ويواجه الشبان الذين يقضون أحكاما بالسجن تهما مختلفة كالقتل والاغتصاب والسرقة والمشاركة في عمليات تهريب مخدرات وأخرى مسلحة. أما نسبة الشبان الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ 20 عاماً وارتكبوا جرائم مماثلة ، فقد بلغت خلال العام 1964 ثمانية وثلاثين بالمئة من المجرمين الموقوفين في نيويورك»(2) .
هبوط المستوى الأخلاقي :
«ألم تتسبب الحياة العصرية في هبوط المستوى الفكري والأخلاقي للناس؟، لماذا إذن تصرف البلايين من الدولارات سنوي لمكافحة الإجرام؟، ولماذا يواصل المجرمون ارتكاب السرقات والسلب والإغارة على البنوك والمصارف وخطف الأولاد والأطفال للمتاجرة بهم، رغم كل الأموال الطائلة التي تصرف لمكافحتهم؟، حري بنا ونحن نرى تقهقر المدنية نحو الأفول أن نسأل أنفسنا عما إذا كانت عوامل التقهقر والانحطاط قد تفشت فينا وفيمن حولنا»(3).
التربية من دون ايمان:
يعد «سيجموند فرويد» واحداً من كثير من علماء الغرب الذين تجاهلوا الرغبة الإيمانية في أعماق الشباب، واعتمدوا منهج التربية من دون إيمان .
فهو من جهة - ونقصد فرويد - يعترف بأن الدين نجح في كبح جماح الغرائز والأهواء النفسية بشكل ملحوظ ، فيقول :
«لقد قدم الدين خدمات مهمة للإنسانية والمدنية حين نجح في لجم غرائز الإنسان وميوله النفسية إلى حد كبير، لكنه - أي الدين - لم يستطع تحقيق مزيد من التقدم في هذا المجال.
«ومن جهة أخرى يقول فرويد : من المستحسن اختبار منهج تروي غير الدين، وذلك بهدف تعويد الناس وجعلهم ينصرفون عن هذه التسلية، ويخرجون من هذا الحصن ليواجهوا الأخطار والصعاب معتمدين على أنفسهم فقط».
لقد أحيت الحضارة المزيفة التي بلغتها البلدان الغربية قبل الحرب العالمية الاولى، والنظم الأخلاقية التي سادت المجتمعات الأوروبية آنذاك، الأمل في نفس فرويد بإمكانية تحقيق تمدن يستطيع لجم غرائز الإنسان المتمردة ، وضمان سعادته في الحياة ، وذلك باعتماد منهج تربوي لا يقوم على الإيمان والدين.
وقد تصور فرويد بعد أن لمس روح الإحساس بالمسؤولية لدى الشعوب الأوروبية نتيجة المنهج التربوي الحديث ، تصور أن الفرد الغربي بات إنساناً حقيقياً يتمتع بكافة الصفات الإنسانية والملكات لأخلاقية .
محو القيم الأخلاقية:
«وبينما فرويد غارق في أوهامه ، اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى لتربك أفكار فرويد الذي كان يقضي سنوات الشيخوخة، حيث رأى بأم العين كيف تمحى القيم الأخلاقية والمبادئ العقائدية التي عاش حياته في ظلها.
وسعى فرويد بعلمه ونظرياته إلى تهدئة الناس وإعدادهم نفسياً لتحمل الصعاب واجتياز العقبات التي قد تعترضهم نتيجة الحرب، ولكن مسعاه انهار وفقد كل أثر له مع دوي انفجار أول قذيفة مدفع ، وجاء الإنسان الذي كان يفخر بأنه أصبح كالطير يحلق في أعالي السماء ، جاء راكباً أول طائرة ليلقي بأول قنبلة من صنع الإنسان على رأس الإنسان .
وفي خضم الحرب ، كتب فرويد في أحد مؤلفاته عام 1915 م يقول : وأخيراً اندلعت الحرب التي لم نشأ حتى التفكير بها ، ولم تكن أكثر الحروب قتلا وتدميراً بسبب ما استخدم فيها من أسلحة هجومية فتاكة فحسب ، بل كانت أيضاً أسوأها شراسة وظلماً وحقداً».
«لقد ذهلنا وصعقنا لما رأينا من تصرفات بعض البلدان تجاه جاراتها ، والتي لم تتوافق والقوانين الأخلاقية ، وكذلك أعمال العنف التي صدرت عن الأفراد ، إذ لم نكن نتوقع أبداً مثل ذلك من أناس يعتبرون سفراء المدنية والحضارة .
التراجع الثقافي:
«وبسبب المجازر الجماعية التي ارتكبت في أوروبا والتي هددت العالم يومها بتراجع وتقهقر ثقافي وحضاري ، وكذلك بسبب حالة الاضطراب والخوف من اندلاع حرب جديدة، لجأ فرويد إلى التفكير والتعمق بمستقبل العالم ، وأصدر كتاباً تحت عنوان
لقد أربكت المجازر الوحشية والأعمال غير الإنسانية التي حصلت في الدول الغربية إبان الحرب العالمية الاولى، حالة فرويد النفسية، وتركن أثراً بالغاً في أفكاره ونظرياته العلمية. وتبلورت في نفسه قناعة تامة بأن التربية التي لا تقوم على أساس من الإيمان والدين، لم تنجح في جعل شعوب أوروبا متمدنة متحضرة لا تقدم على ارتكاب الجرائم والممارسات اللاإنسانية.
«لقد عاش فرويد كغيره من الناس أجواء الفتك والقتل الجماعي والتدمير التي عمت فجأة كل أوروبا صيف عام 1914 م وتركت تلك الأحداث أثراً بالغاً في نفس كل عالم ومتفكر وفيلسوف ومن بينهم فرويد طبعاً ، وذات مرة نظر فرويد وهو في مكتبه إلى الخارج ، فلم يجد أمامه سوى عالم يعيش أقصى درجات الخوف والاضطراب والتهديد. وقد آلت تلك الأحداث إلى حصول تغييرات في أفكار فرويد وهو في الـ 60 من عمره، فأخذ ينظر بواقعية وتعمق إلى الأمور التي لم يكن يتطلع إليها إلا من منظار علمي».
«كتب فرويد عام 1917م يقول: لقد دفعتنا الممارسات الوحشية التي تتعارض والحياة المدنية لأن ننظر إلى العالم على أنه عالم مجرم فاسد ومخرب ، لأنه لم يجلب لنا سوى اليأس والألم والمرارة .
وهذا ما جعلنا نعتبر كافة شعوب العالم غارقة في بحر من الانحطاط والحقارة .. بعد أن كنا نتصور خطأ قبل الحرب بأنها بلغت مستوى عال من الأخلاق والمعنويات».
«يقول «إدغار بش» : لحسن الحظ أن فرويد لم يعاصر ممارسات هتلر الرهيبة من قتل وفتك وتنكيل، ولم ير كبريات المجازر التي شهدها التاريخ ، ولا حرق الملايين من الناس ، ولا عمليات القصف التي طالت المدن ومحت الكثير منها عن بكرة أبيها ، ولا عمل الطوربيدات والقنابل الذرية».
لقد انبهر فرويد بالمدنية المزيفة التي حققتها الأمم الغربية ، فتصور أنه يمكن أن نجعل من الإنسان إنساناً متمدنا متحلياً بأفضل الصفات ، ونكبح غرائزه وميوله ونهديها نحو الفضيلة والرشاد ، إذا ما أهملنا رغباته الوجدانية وأحاسيسه الدينية ، ووفرنا له برنامجاً تربوياً لا يقوم على أساس الإيمان بالله والدين . إلا أن المجازر الوحشية والممارسات اللاإنسانية التي حصلت في عالم الغرب المتمدن خلال الحرب العالمية الاولى والثانية في حياة فرويد وبعد مماته ، قد أبطلت نظريته، وأثبتت أن المنهج التربوي الذي لا يستند إلى الإيمان بالله والدين عاجز عن كبح غرائز الإنسان وتعديل ميوله النفسية وهدايتها لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع والبشرية.
وما نريد أن نتوصل إليه من خلال بحثنا هذا ، هو أن الإسلام قد اعتمد في منهجه التربوي لجيل الشباب على معرفتهم الفطرية وضميرهم الأخلاقي وأحاسيسهم الدينية.
______________________________
(1) صحيفة إطلاعات الإيرانية ، العدد 11765.
(2) صحيفة كيهان الإيرانية، العدد 6596 .
(3) الإنسان ذلك المجهول ، ص 265 .