x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
حس الابداع والمبادرة
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج1 ص70 ــ 74
2023-04-24
1090
وبعبارة أخرى يمكن القول: إن الميول إلى التصورات البعيدة عن الواقع والتي يكون تحقيقها مستحيلاً هي ميزة طبيعية يتسم بها عهد الشباب ، ووجدت في طبائع الشباب بأمر من الله سبحانه وتعالى ، وهذه الحالة النفسية توسع من قوة الخيال لدى الشباب وتدفعهم نحو مزيد من الإبداع ، وهذه الحالة النفسية تثير حس الإبداع والمبادرة في ضمير الشباب وتؤهلهم لإعادة بناء الشخصية نحو مزيد من الكمال ، لكن هذه الرغبة وهذه الميول يجب أن تخضع لمراقبة صحيحة لكي لا يتجه الشاب نحو الإفراط والتفريط ، وينبغي على الشباب والمربين أن ينتبهوا إلى مسألة مهمة وهي أن لا تؤثر أوهامهم وتصوراتهم سلب على سائر ملكاتهم ، وأن لا تطغى تصوراتهم الموهومة لمستقبلهم على واقع حاضرهم .
ولحسن الحظ أن فترة بروز التصورات والتخيلات والأوهام عند الشباب قصيرة، فهي تظهر بشكل قوي عند الشباب في السنين الأولى من البلوغ، وكلما تقدم الشاب في العمر وزادت تجاربه الحياتية كلما انعتق من الأوهام والخيالات وعاد فكره إلى وضعه الطبيعي تدريجياً .
«إذا ما أراد الإنسان أن يتفحص مشخصات فكر الشاب فإنه سيتأكد من أن القوة الفكرية لديه لم تتفتح بشكل متزن وسليم ،
فالإفراط في عواطف الحب وقوة التجسم والذوق والاستدلالات غير المدروسة وانعدام التجربة ، كل ذلك يعطيه نوعاً خاصا من التفكير ويربك عوامل الفكر ويجعل العاطفة تتغلب على فكره».
«وعندما يبدأ الشاب بالاقتراب من النضوج والكمال تبدأ شخصيته أيضاً بالنمو في مسيرها الصحيح ، ويصبح من الممكن للشاب أن يتأقلم مع البيئة التي يعيش فيها ، وتزول عنه جميع الآلام النفسية والجسدية التي كان يعاني منها ، بعد أن كان ممكناً أن يؤدي عدم تأقلمه مع بيئته إلى وضع خطير لا يحمد عقباه».
«وإذا ما أردنا أن نقارن بين الفتى في أول طلعته والفتى في سن العشرين فإننا سنلحظ تغييرات كثيرة رافقت تقدم هذا الفتى في عمره ، فبعد أن برزت مصالحه الجديدة وتبلورت بدأ أولى تجاربه الشخصية بشكل حقيقي ، وأخذت صورة الشاب تتبلور لتصبح أكثر وضوحاً من ذي قبل» .
إن عهد الشباب من الناحية العلمية هو عبارة عن دورة مليئة بالأسرار في حياة الإنسان إن علماء اليوم وبفضل التقدم الذي حققوه في مجال تحليل نفسية الشاب يعترفون بأن هناك الكثير من الحقائق المجهولة في علم النفس الخاص بالشباب ، حيث لم يستطع علماء اليوم كشف جميع هذه الحقائق بشكل كامل، والتوصل إلى الأركان المظلمة والمجهولة في نفس الشاب، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن رجال العلم والمعرفة قد توصلوا بمساعيهم الحثيثة إلى اكتشاف الكثير من هذه الحقائق، ومعرفة الكثير من الصفات المجهولة في نفسية الشباب.
«يقول موريس دبس : كما أن الناظر إلى خريطة إفريقيا في أواسط القرن الماضي كان يشاهد بقعاً بيضاء متعددة ولم تكن جميع الخرائط متطابقة ومتشابهة، كذلك الأمر بالنسبة لعملية اكتشاف نفسية الشباب ، فإلى جانب البقع والحفر المجهولة هناك نقاط مكشوفة عديدة، وربما أدت الاكتشافات الجديدة إلى تغييرات جذرية في هذه النقاط ، إلا أنه ما تزال هناك أسراب متعددة وجبال وأنهار غامضة كغموض نهر النيجر بالنسبة لعلماء الجغرافيا في القرن الثامن عشر، ومع ذلك فإن هذه الاكتشافات وعلى الأقل فيما حققته قد أعطتنا نظرة دقيقة نسبياً حول وضع سني الشباب من عمر الإنسان» .
«إن تقدم علم البلوغ هو أبطأ مما هو متوقع ، حتى انه هناك معلومات بشأن الأطفال وتحليل نفسياتهم أفضل وأكثر مما هو موجود بشأن فترة البلوغ» .
«إن فترة البلوغ تعتبر فترة مليئة بالأسرار لا يمكن طرح أسئلة حولها تجد إجابات صحيحة وموثوقة عنها ، أضف إلى ذلك التقلبات الحاصلة في نفسية الإنسان في هذه الفترة والتي قد تغالط كل التوقعات والتحليلات بشأن الإنسان البالغ وتدفع بأصحابها إلى التخيلات الواهية«.
الاضطرابات النفسية:
إن العوامل الفاعلة للبلوغ تولد تحولات عظيمة في جسم الإنسان ونفسه وتفرض عليه ظروفا استثنائية ومعقدة ، فمن جهة يحصل الإنسان مع بداية مرحلة الشباب وتفتح قواه الجسمية والنفسية على افضل مسببات التطور والتكامل ، وسعادته تكمن في استغلال هذه المسببات بصورة صحيحة، ومن جهة ثانية يصاب الشاب باضطرابات نفسية وآلام عصبية قد تؤدي به إذا ما تغافل عنها إلى الانهيار والضياع.
وهذه الرغبات والميول التي يناقض بعضها البعض الآخر دفعت بعلماء اليوم إلى وصف مرحلة الشباب بأنها أكثر مراحل عمر الإنسان تعقيداً وغموضاً ، وجعل مشاكل الشباب في صدارة المشاكل الاجتماعية. ولكي يستطيع الشباب تجاوز مرحلة الشباب العاصفة والخطيرة بأمن وسلام وإنقاذ أنفسهم من السقوط في هاوية الحياة ومطباتها والاهتمام بما من عليهم الله سبحانه وتعالى من ثروة عظيمة والاستفادة من هذه الثروة أقصى استفادة ، ينبغي عليهم أن يلتفتوا إلى نقطتين مهمتين :
النقطة الأولى: معرفة طبيعة أوضاعهم والاضطرابات التي ترافقهم في مرحلة الشباب ، وعليهم أن يعلموا أن الشباب يعني ضعف العقل وحدّة الأحاسيس ، وكل ما يتخذونه من قرارات نابع من أحاسيسهم ، وهم قلما يحكمون عقولهم ، وهذا خطر كبير جداً يهدد سعادتهم ، وربما أودى قرار غير سليم يتخذه شاب إلى التعاسة والضياع.
«إن الفتيان ما زال أمامهم عمر طويل ، لذا فإن معرفة الذات معرفة جيدة ستفيدهم كثيراً ، لأنها ستجعلهم قادرين على ضبط أنفسهم وتحريرها من أي ردة فعل أو تصرف غير لائق إزاء ما يستجد عليهم من أوضاع، كما أنهم سيكونون قادرين على مواجهة نجاحات الحياة وفشلها ، لأن غرور النجاح ويأس الفشل يشكلان عاملين خطرين على الإنسان».
«وينبغي أن يعلموا أن تخطي مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والشباب ليس سهلاً كما يتصور البعض، إنها مرحلة صعبة تستغرق أحياناً سنين طويلة لتجاوزها بنجاح ،ولكن لو علم الشباب ماذا يحصل في باطنهم من تغييرات في هذه الفترة لتمكنوا من تخطي المرحلة بسهولة» .
النقطة الثانية : ينبغي على الإنسان أن يغتنم فرصة شبابه ويطرد من فكره الماضي الفائت والمستقبل الموهوم ويهتم بحاضره ، وأن يسعى للاستفادة من طاقاته في طلب العلم والأخلاق ، ويصنع من نفسه إنساناً لائقاً وكفوءاً ويجهز نفسه للعيش حياة شريفة وكريمة .