الحاكمية على نظام الجمع والفرق
المؤلف:
الشيخ عبدالله الجوادي الطبري الاملي
المصدر:
تسنيم في تفسير القران
الجزء والصفحة:
ج4 ص 419 - 420
2023-04-21
1981
مثلما أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الوصل، فهو خالق الفصل أيضاً، وكما أن نظام "الجمع" في يده، فإن زمام "الفرق" أيضاً تحت سيطرته، وهو الفارق للبحر: وإذ فرقنا بكم البحر، ورب الفلق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وفالق الصبح: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96]، وفالق الحبّة والنواة: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95]؛ تلك النواة التي تظهر على شكل نخلة باسقة: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] والحبة التي تنمو لتصير سنبلة رائعة غضة: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64].
وبتعبير اخر، فإن زمام جميع الأشياء في يد قدرته تعالى ولا يكون شيء إلا كما يريده هو؛ فالأرض التي تكون في الظروف العادية، غير صالحة للزراعة أو غير ذات زرع تتحول بشقها وتفجير عين الماء من جوفها، إلى أرض مزروعة وصالحة للزراعة وذات ماء وكلأ تجتذب إليها أفئدة الناس وتنهمر عليها الثمرات والبركات: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] والرحم الذي لا يكون بطبيعته - بسبب العقم من ناحية، والشيخوخة من ناحية أخرى - مؤهلاً لأن يترعرع الجنين في كنفه يصبح، بإرادته ومشيئته عزت أسماؤه، معداً لتربية يحيى النبي : {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 40] والماء الذي تتصل أجزاؤه حسب القوانين الطبيعية لعالم المادة تراه ينشق فيلتهم ذلك الشخص الذي كان بالأمس يتبجح بجريان هذا الماء تحت قصره وينادي: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51].
وأخيراً فإن الماء الذي يكون مجلبة للحياة يتحول بإرادته سبحانه إلى سبب للهلاك بحيث يُغرق ذاك القائل: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] في قعره إذعاناً للقهر الإلهي. فيوماً يكون وسيلة لنجاة تابوت موسى الرضيع، ويوماً يكون سبباً في خلاص بني إسرائيل بفرقه وشقه وانفصاله، ومسبباً لهلاك آل فرعون بجمعه واتصاله.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة