1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الاخلاق و الادعية : آداب :

الإنسان بين فناء الجسد وبقاء الروح.

المؤلف:  الشيخ علي حيدر المؤيّد.

المصدر:  الموعظة الحسنة

الجزء والصفحة:  ص 505 ـ 519.

2023-03-15

2195

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "يا علي إذا مات العبد قال الناس: ما خلّف؟ وقالت الملائكة ما قدّم" (1).

 

الروح والبدن:

عندما خلق الله سبحانه الإنسان منحه بعدين:

1- البدن.

 2- الروح.

 

أمّا البدن فهو فانٍ وينتهي بالموت بعد أن يعيش في الدنيا سنين معدودة كما في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].

أنشد الإمام الهادي (عليه السلام) في مجلس المتوكّل العبّاسي:

أين الوجوه التي كانت منعّمة *** من دونها تضرب الأستار والكلل

 فأفصح القبر عنهم حين سائلهم *** تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهراً وقد شربوا *** وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا

وأمّا الروح فهي باقية لرفعتها عن الجسد وبقائها بعد فناء البدن.

 قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّما خلقتم للبقاء لا للفناء» (2) ومعنى ذلك أنّ الإنسان باقٍ وليس فانياً ومن الواضح أنّ البقاء من ناحية الروح.

أمّا الذي يفنى فهو البدن، ولكن الكلام يقع في أمرين:

أولاً: إنّنا لو ربطنا الباقي (أي الروح) بالفاني (أي البدن) لبقيت الروح ولم يبقَ للإنسان حصيلة وعمل صالح وذلك لأنّ الروح تتعلّق بالفضائل والأخلاق وتسمو بالإنسان إلى درجة الملائكة المقدسة، بينما البدن يرتبط بالمادّيات كالبيت والسيارة ونحو ذلك وبهذه العلاقة الجسميّة يعيش لفترة قصيرة، فإذا عاش بجسمه والتذّ بما يرتبط به البدن دون أن يعيش بروحه وينتقل بها إلى كمالاته فإنّه لا شكّ بفناء البدن لم يبقَ له بعد الموت شيء سوى روحه الخاوية التي تعلّقت ببدنه ولم تنل كمالها في العلم والمعرفة والفضائل.

 

إشباع الروح والبدن:

ومع أنّ المال والحاجات البدنيّة تفنى لكن الإسلام لم ينه عنها ولكن جعل الحاجة المرتبطة بالبدن خادمة لكمال الروح ولم يرد من الإنسان أن يعيش فقط بروحه وإنمائها بالفضائل دون الحاجات الجسديّة من مأكل ومشرب ونكاح ومعاشرة الناس وتحصيل المعاش بل جعل هذه الحاجات في خدمة الإنسان للوصول إلى السعادة ولقد اختلف الحكماء في هذا الأمر فمنهم من ذهب إلى ناحية الروح فقط دون البدن لنيل السعادة ومنهم من جمع بين الأمرين كما عليه حكماء الإسلام وأمّا السعادة فعند الأقدمين من الحكماء راجعة إلى النفوس فقط، وقالوا ليس للبدن فيها حظ، فحصروها في الأخلاق الفاضلة واحتجّوا على ذلك بأنّ حقيقة الإنسان هي النفس الناطقة والبدن آلة لها فلا يكون ما يعدّ كمالاً له سعادة للإنسان. وعند المتأخّرين منهم ك(أرسطو) ومن تابعه راجعة إلى الشخص حيث التركيب، سواء تعلقت بنفسه أو بدنه؛ لأنّ كل ما يلائم جزءاً من شخص معيّن فهو سعادة جزئية بالنسبة إليه، مع أنّه يتعسّر صدور الأفعال الجميلة بدون اليسار، وكثرة الأعوان والأنصار، والبخت المسعود، وغير ذلك ممّا لا يرجع إلى النفس، ولذا قسّموا السعادة إلى ما يتعلّق بالبدن من حيث هو كالصحة واعتدال المزاج، وإلى ما يتوصّل به إلى إفشاء العوارف، ومثله ممّا يوجب استحقاق المدح كالمال وكثرة الأعوان، وإلى ما يوجب حسن الحديث وشيوع المحمدة، وإلى ما يتعلّق بإنجاح المقاصد والأغراض على مقتضى الأمل. وإلى ما يرجع إلى النفس من الحكمة والأخلاق المرضيّة، وكمال السعادة لا يحصل إلّا بما تعلّق بالبدن والنفس وبقدر النقصان فيها تنقص، وقالوا فوق ذلك سعادة محضة لا تدانيها سعادة، وهو ما يفيض الله سبحانه على بعض عباده من المواهب العالية، والإشراقات العلميّة، والابتهاجات العقليّة بدون سبب ظاهر، وأمّا المعلّم الأول أرسطو وأتباعه فقالوا: إنّ السعادة العظمى تحصل للنفس مع تعلّقها بالبدن أيضا، لبداهة حصولها لمن استجمع الفضائل بأسرها، واشتغل بتكميل غيره. وما أقبح أن يقال مثله ناقص وإذا مات يصير تامّاً، فالسعادة لها مراتب، ويحصل للنفس الترقّي في مدارجها بالمجاهدة إلى أن تصل إلى أقصاها وحينئذٍ يحصل تمامها وإن كان قبل المفارقة وتكون باقية بعدها أيضاً. أمّا المتأخّرون عن الطائفتين من حكماء الإسلام فقالوا: إنّ السعادة في الأحياء لا تتم إلّا باجتماع ما يتعلّق بالروح والبدن، وأدناها أن تغلب السعادة البدنيّة على النفسيّة بالفعل، إلّا أنّ الشوق إلى الثانية، والحرص على اكتسابها يكون أغلب، وأقصاها أن تكون الفعلية والشوق كلاهما في الثانية أكثر، إلا أنّه قد يقع الالتفات إلى هذا العالم وتنظيم أموره بالعرض.. (3).

ولذا فإنّ هناك علاقة بين الروح والبدن ناشئة من ابتغاء السعادة التي لا تتم إلّا بالفضائل وتكميل النواقص وهذا لا يحصل إلّا من التعاون بين الروح والبدن إذ المنافع لخدمة الروح وابتغاء الأعمال الصالحة التي ستبقى مع الروح بعد فناء البدن لأن المال يفنى، وكذلك ما شابهه من الأجسام والماديات ولا يبقى إلّا الروح وإذا لم يعمل البدن لأجل الفضيلة وتكميل الروح وإملائها بالصالحات فإنّ الروح ستأتي يوم القيامة وهي خاوية...

 

الباقيات الصالحات:

ثانياً: أمّا لو ربطنا الباقي (أي الروح) بالباقي (أي العمل الصالح) من طاعة الله والأخلاق الفاضلة وحسن المعاشرة ومساعدة الناس، فإنّ هذه الأعمال ستبقى لنا كما في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].

وقد جاء في تفسير الآية الكريمة: «وهي الطاعات لله تعالى وجميع الحسنات؛ لأنّ ثوابها يبقى أبداً {خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} أي: أفضل ثواباً وأصدق أملاً من المال والبنين وسائر زهرات الدنيا فإنّ من الآمال كواذب وهذا أمل لا يكذب؛ لأنّ من عمل الطاعة وجد ما يأمله عليها من الثواب، وفي كتاب ابن عقدة أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال للحصين بن عبد الرحمن: يا حصينُ لا تستصغر مودّتنا فإنّها من الباقيات الصالحات.

 قال: يا ابن رسول الله ما أستصغرها ولكن أحمد الله عليها، وإنّما سُمّيت الطاعات صالحات؛ لأنّها أصلح الأعمال للمكلّف من حيث أمر بها ووعد الثواب عليها وتوعّد بالعقاب على تركها..» (4).

لكن بعض الناس لقصر نظرهم وتعلّقهم بالدنيا ينظرون إلى الفاني من مال وثروة وجاه وأولاد ويتعلّقون بها لذلك نجدهم عندما يموت الإنسان يقولون ما خلف؟ ولا يقولون ما قدّم؟ إذ إنّ الحياة الأخرى هي الحياة الباقية ولأجلها خلقنا ونعمل في هذه الدنيا لأجل الفوز بتلك الحياة الأبدية، أمّا الملائكة فقد تجرّدت عن المادة وعوالقها فهي تنظر إلى أبعد من هذه الحياة ولهذا تقول ما قدّم ولذلك كان أئمتنا (عليهم السلام) يعملون ونظرهم إلى أبعد من الدنيا ويقدّمون لحياتهم الآخرة ولم يجمعوا من حطام الدنيا شيئاً وأحياناً ينتقلون إلى عالم الجنان وهم مديونون لأنّهم يتسابقون مع الدنيا لأجل أن لا يفوتهم يوم أو ساعة دون عمل صالح أو موعظة أو منفعة اجتماعية وقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له: أنا يوم جديد وأنا عليكم شهيد، فقل فيّ خيراً واعمل في خيراً أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعده أبداً» (5).

 

ما حقيقة الموت:

هل الموت هو الفناء والعدم أم تحوّل وانتقال من عالم لآخر؟ هذا السؤال كثيراً ما يجول بخاطر الناس ونحن المسلمون نؤمن بالمعاد والعودة يوم القيامة لغرض الحساب والجزاء فعندنا الموت حقّ كما أنّ القرآن الحكيم والسنة الشريفة قد وضّحت لنا حقيقة الموت وقد عبّر القرآن الكريم عن الموت (بالتوفّي) وهو مأخوذ من الوفاء، فعندما يحصل أحد على شيء بتمامه وكماله دون أي نقص يعني أنّه يستوفيه والعرب يقولون: (توفّيت المال) أي أنّني حصلت على المال تماماً بدون نقص أي استوفيته.

 وقد ورد هذا التعبير في آيات كريمة عديدة منها قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]

وقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] ونستنبط من ذلك أنّ الموت يعني الانتقال والتحوّل من هذا العالم إلى عالم آخر وليس فناء أو عدماً.

الموت باب وكلّ الناس داخله *** يا ليت شعري بعد الموت ما الدار

الدار دار نعيم إن عملت بما *** يرضي الإله فإن خالفت فالنار

ولذا فإن الأصالة في الإسلام للروح مع ملاحظة كون المادة تدخل في خدمة الروح وتعد وسيلة للوصول إلى التكامل والفوز بالآخرة ولذا جاء في الحديث الشريف: "نعم العون على تقوى الله الغنى"(6) وإنّ إنكار الروح في الحقيقة هو من اختراع الغرب المادّي إذ تمسّك بالمادّة وعوالقها ووصلت به الأمور إلى الفساد والانحلال بفعل إنكاره للروح وما يرتبط بها من أخلاق ومحاسن ولمّا أنكروا الروح أنكروا معها المعاد والبعث للحساب وجرّ عليهم هذا التفكير الويلات والعذاب في الآخرة - ومن خطبة لأمير المؤمنين (عليهم السلام) أنّه قال: «فلو أنّ أحداً يجد إلى البقاء سُلّماً أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود (عليهما السلام) الذي سُخّر له ملك الجنّ والإنس مع النبوّة، وعظيم الزلفة، فلمّا استوفى طعمته واستكمل مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطّلة، وورثها قوم آخرون» (7).

 وجاء في الديوان المنسوب للإمام علي (عليه السلام):

رأيت الدهر مختلفاً يدور *** فلا حزن يدوم ولا سرور

 وقد بنت الملوك به قصوراً *** فلم تبقَ الملوك ولا القصور (8)

 

الموت والحياة والابتلاء:

ولذا فإنّ الموت حقّ والحياة الدنيا جاءت لغرض الامتحان ونيل الجزاء في الآخرة قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2] وقد جاء في تفسير الآية الكريمة: الحياة كون الشيء بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك، لكن الموت على ما يظهر من تعليم القرآن انتقال من نشأة الحياة إلى نشأة أخرى كما تقدّم استفادة ذلك من قوله تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 60، 61] فلا مانع من تعلق الخلق بالموت كالحياة، على أنّه لو أخذ عدميّاً كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظ من الوجود يصحّ تعلّق الخلق به كالعمى من البصر والظلمة من النور. وقوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] غاية خلقه تعالى الموت والحياة والبلاء والامتحان والمراد أنّ خلقكم هذا النوع من الخلق وهو أنّكم تحيون ثم تموتون خلق مقدميّ امتحانيّ يمتاز به منكم من هو أحسن عملاً من غيره ومن المعلوم أنّ الامتحان والتمييز لا يكون إلا لأمر ما يستقبلكم بعد ذلك وهو جزاء كلّ بحسب عمله.. (9).

 ومن وصايا الإمام أمير المؤمنين لابنه الحسن (عليهما السلام):

"اعلم يا بنيّ أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللموت لا للحياة وأنّك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة، وأنّك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، ولا بدّ أنّه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيّئة قد كنت تحدّث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك (10).

 

مع الحياة موت:

روى الصدوق (ره) بإسناده عن قيس بن عاصم قال: وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فدخلت وعنده الصلصال بن الدلهمس فقلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها فإنّا قوم نعبر (نعمر) في البرية.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا قيس إنّ مع العزّ ذلاً، وإنّ مع الحياة موتاً وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكلّ شيء حسيباً، وعلى كلّ شيء رقيباً، وإنّ لكلّ حسنة ثواباً، ولكلّ سيّئة عقاباً، ولكلّ أجل كتاباً. وإنّه لا بدّ لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلّا معك ولا تبعث إلّا معه، ولا تسأل إلّا عنه فلا تجعله إلّا صالحاً فإنّه إن صلح أنست به وإن فسد لا تستوحش إلّا منه وهو فعلك.

فقال: يا نبي الله أحبّ أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على من يلينا من العرب وندّخره فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) مَن يأتيه بحسان قال: فأقبلت أفكّر فيما أشبه هذه العظة من الشعر فاستتبّ لي القول قبل مجيء حسان فقلت: يا رسول الله قد حضرتنى أبيات أحسبها توافق ما تريد فقلت:

تخيّر خليطاً من فعالك إنّما *** قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

ولا بدّ بعد الموت من أن تعدّه *** ليوم ينادى المرء فيه فيقبل

فإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن *** بغير الذي يرضى به الله تشغل

فلن يصحب الإنسان من بعد موته *** ومن قبله إلّا الذي كان يعمل

ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله *** يقيم قليلاً بينهم ثم يرحل (11)

 

فائدة الموت:

وكما أنّ للموت أثراً ومصيبة على الأهل والأحبة والأقرباء كذلك له فائدة اجتماعيّة أيضاً وفي ذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ قوماً أتوا نبيّاً لهم فقالوا: ادعُ لنا ربّك يرفع عنّا الموت، فدعا لهم فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت، وكثروا حتّى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل وكان الرجل يصيح فيحتاج أن يطعم أباه وأمه وجدّه وجدّ جدّه ويوضّيهم ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش، فأتوه فقالوا: سل ربّك أن يردّنا إلى آجالنا التي كنّا عليها، فسأل ربّه عزّ وجلّ فردّهم إلى آجالهم» (12) فلا بدّ إذن من ملاقاة الموت والنشور إلى ملاقاة الله تعالى يوم الحساب ولا يقف معنا إلّا العمل الصالح وهو النجاة والفوز وهناك شواهد لطيفة على بقاء العمل الصالح نذكرها باختصار.

 

شراء بيت في الجنة:

روى القطب الراونديّ وابن شهر آشوب عن هشام بن الحكم أنّه قال: كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق (عليه السلام) في حجّة كلّ سنة فينزله أبو عبد الله (عليه السلام) في دار من دوره في المدينة وطال حجّه ونزوله (في بيت الإمام لحبّه الشديد له) فأعطى أبا عبد الله (عليه السلام) عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً (في المدينة حتّى لا يزاحم الإمام بكثرة مجيئه والبقاء)، وخرج إلى الحجّ فلمّا انصرف (من الحجّ أتى إلى الإمام) قال: جعلت فداك اشتريت لي الدار؟ قال: نعم، وأتى بصك فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى جعفر بن محمد لفلان ابن فلان الجبليّ له دار في الفردوس حدّها الأول رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحدّ الثاني أمير المؤمنين (عليه السلام) والحد الثالث الحسن بن علي (عليه السلام) والحدّ الرابع الحسين بن علي (عليه السلام) فلمّا قرأ الرجل ذلك قال: قد رضيت جعلني الله فداك، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن والحسين وأرجو أن يتقبّل الله ذلك ويثيبك به الجنّة. قال: فانصرف الرجل إلى منزله وكان الصكّ معه ثم اعتلّ علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهله وحلفهم أن يجعلوا الصك معه ففعلوا ذلك. فلما أصبح القوم غدوا إلى قبره فوجدوا الصك على ظهر القبر مكتوب عليه: (وفى لي والله جعفر بن محمد بما قال) (13).

 

العمل الخالد:

ومن الذين نالوا درجة رفيعة، معتمد الدولة الحاج فرهاد ميرزا بن ولي العهد العباسي ميرزا ابن فتحعلي شاه القاجار وقد قام ببناء الكاظميّة سنة 1298 هـ وذهّب مناراته وكان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرّخاً جامعاً للفنون وله كتاب اسمه (القمقام الزخّار) باللغة الفارسيّة في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وجملة من أحوال الإمام الحسين (عليه السلام) من الولادة إلى الشهادة، وله آثار خيريّة عديدة ولما توفّي سنة 1305 هـ في إيران حُمل إلى الكاظميّة ودُفن في حجرة يمين الداخل إلى الصحن الشريف وهناك باب معروفة باسمه ومقبرته مشهورة بمقبرة الفرهاديّة (14) فاستطاع فرهاد ميرزا من خلال منصبه أن يذخر له عملاً صالحاً ويقدّمه لآخرته ليكون له شافعاً يوم القيامة ويخدم مذهب أهل البيت (عليه السلام) ولا يحاول كباقي السلاطين والأمراء استغلال مناصبهم ومواقعهم لأجل مصالحهم الدنيويّة وأغراضهم الشخصيّة وخلّفوا وراءهم ثروات طائلة وقصوراً وحشماً وتمتّعوا باللهو واللعب وأوغلوا في سفك دماء الناس وظلمهم وسلب حقوقهم ونصبوا العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) حتّى إذا ما حضرتهم الوفاة وأيقنوا بالخسارة انتبهوا وندموا وأنّى ينفع الندم بعد أن خرّبوا آخرتهم ولم يقدّموا شيئاً إلّا السوء والندامة بينما فرهاد ميرزا وبفضل أعماله الصالحة والخيريّة نال مرتبة عظيمة عند أهل البيت (عليه السلام) بحيث نال مجاورة الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام) ونجى من عذاب القبر لأنّ مجاورة الأئمة تدفع عن الإنسان عذاب القبور وقدّم لحياته الأخرى عملا كبيراً وبناء شامخاً يرتاده المؤمنون ليل نهار للتقرّب إلى الله تعالى بالوسيلة ويستغفرون لبانيه ويطلبون له الشفاعة وفي ذلك فوز عظيم.

ونقل أنّ أبناء العائلة المالكة القاجاريّة في إيران اجتمعوا يوماً فتذاكروا الحديث عن ثرواتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة من عقار وذهب وجواهر وغيرها، فكلّ واحد منهم ذكر ما يمتلك حتّى جاء دور فرهاد ميرزا فسكت ولم يذكر شيئاً من ثرواته فقيل له ما ذكرت عن ثروتك شيئاً قال: أنا لا أملك شيئاً من المال ولكن عندي في بنك الإمام الحسين (عليه السلام) كتاب القمقام وفي بنك الإمام موسى بن جعفر والإمام الجواد (عليهما السلام) الصحن الذي بنيته ولا أملك غير هذا.

وصدق فرهاد ميرزا في كلامه فقد انقرضت الدولة القاجاريّة ولم يبقَ منهم أحد ولم يبقَ لهم أثر تاريخيّ يذكر ولكن بقي الكتاب وصحن الإمامين (عليهما السلام).

وقد أجاد الشاعر حين قال:

أنت للمال إذا أمسكته *** وإذا أنفقته فالمال لك

 

من كلام المحتضرين:

وهناك أناس لم يقدّموا لآخرتهم شيئاً وقد خلّفوا وراءهم تيجاناً وأموالاً ولكنّها لم تنفعهم ولذا كانوا يتفوّهون بالأسف عند الاحتضار وساعة الندم

نذكر هنا شيئاً من كلامهم أثناء الإحتضار:

* لمّا حضرت معاوية الوفاة قال: أقعدوني فأقعد فجلس فقال: الآن تذكر ربّك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط ألا كان هذا وغصن الشباب نضر ريان.

* ولمّا حضر عبد الملك بن مروان الوفاة نظر إلى غسّال بجانب دمشق يلوي ثوباً بيده ثم يضرب به المغسلة فقال عبد الملك: والله ليتني كنت غسّالاً لآكل كسب يدي يوماً بيوم ولم ألِ من أمر الناس شيئاً فبلغ ذلك أبا حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الوفاة يتمنّون ما نحن فيه.

* وحكي عن هارون الرشيد أنّه انتقى أكفانه عند الموت بيده وكان ينظر إلى قبره ويقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28، 29].

 * وفرش المأمون رماداً واضطجع عليه وكان يقول: (يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه).

* وكان المعتصم يقول عند موته: (لو علمت أنّ عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت).

* وكان المنتصر يضطرب على فراشه عند موته فقيل له: (لا بأس عليك فقال: ليس إلّا هذا لقد ذهبت الدنيا والآخرة).

* وقال عمرو بن العاص في الوفاة وقد نظر إلى صناديق في بيته فيها ماله: (مَن يأخذها بما فيها وليتني كنت أبرأ) وليكن لنا من هذا الكلام عبرة قبل أن تفوتنا الفرصة ولا نجد أمامنا شيئاً من العمل الصالح نتمسّك به إلّا المال والجاه والثروة والتي ستفنى وتزول في الدنيا ولا تحضر معنا في يوم الحساب.

التمسّك بأهل البيت (عليه السلام):

ومن الأعمال الصالحة التي تنقذنا عند الإحتضار وفي القبر ويوم الحساب التمسّك بأهل البيت (عليه السلام) وولايتهم ونشر فضائلهم والاقتداء بأفعالهم وهناك شواهد عديدة لحضور الأئمة مع شيعتهم عند المحتضر وفي القبر ويوم الحساب.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة: عند الوفاة وفي القبر وعند النشور وعند الكتاب وعند الحساب وعند الميزان وعند الصراط» (15).

ونذكر هنا قصة السيد الحميريّ: قال الحسين بن عون دخلت على السيد ابن محمد الحميريّ عائداً في علته التي مات فيها فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد، ثمّ لم تزل تزيد وتنمى حتّى طبقت وجهه بسوادها، فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة وظهر من الناصبة سرور وشماتة فلم يلبث بذلك إلّا قليلاً حتّى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضاً وتنمى حتّى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكاً مستبشراً فقال:

كذب الزاعمون أنّ عليّاً *** لن ينجي محبه من هنات

قد وربّي دخلت جنّة عدن *** وعفا لي الإله عن سيّئاتي

فأبشروا اليوم أولياء عليّ *** وتولّوا الوصيّ حتّى الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحداً بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا: «أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً وأشهد أنّ محمداً رسول الله حقا حقاً وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً حقاً، أشهد أن لا إله إلا الله» ثم أغمض عينيه لنفسه فكأنّما كانت روحه ذبالة طفيت أو حصاة سقطت (16).

 

حكمة الموت:

وقد تبيّن ممّا تقدّم أنّ الموت ملاقٍ الإنسان لا محالة ولا شكّ في ذلك والإنسان العاقل هو الذي يفكّر فيما يقوم به من أعمال قياساً إلى صلاحها وبقائها ذخيرة ليوم الحساب، أمّا الإنسان غير العاقل فهو الذي غلبته قواه الشهوية والغضبيّة حتّى إنّه لا يفكّر إلّا فيما خلّف من أموال وبنين وثروات ومناصب بينما العاقل يتجرّد عن الشهوات والخبائث ويترفّع عن المادّيّات حتّى يرقى في بعض الأحيان إلى مصاف الملائكة والصالحين.

ولذلك يكون جلّ اهتمام العقلاء والفاضلين بما قدّموا لا بما خلّفوا حتى يرحلوا عن الدنيا بميزان ثقيل {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] أمّا الإنسان الماديّ فحينما يرى المحتضر أو يسمع بموت فلان يقول ما خلّف وراءه ولا يقول ما قدّم لحياته لأنّ تفكيره منحصر في المادة وعند موته يظهر ندمه على تفكيره الضيق وحياته التي أفناها في الهوامش.

وقد صوّر لنا القرآن الكريم حالة أصحاب النظرة الضيّقة المحدودة بهوامش الحياة وتوافه الأمور في الآخرة فيقول سبحانه:

{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 17 - 26].

وأمّا أهل المعرفة الذين ينظرون إلى الدنيا بمنظار عميق يترفّع عن التوافه ويشغلهم ما يقدّمونه لأخرتهم فيخاطبهم سبحانه ساعة الموت بخطاب الأمان والسلام والرضا فيقول سبحانه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 ـ 30].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كلمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ص156.

(2) تصنيف غرر الحكم: ص133، ط 1.

(3) جامع السعادات: ج 1، ص 36، الباب الأول، ط 3.

(4) مجمع البيان: المجلّد الرابع، ص 473.

(5) جامع الأخبار: ص 233.

(6) وسائل الشيعة: ج 2، ص 16، باب 6، ح1.

(7) نهج البلاغة: خطبة 182.

(8) ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص 67.

 (9) الميزان في تفسير القرآن: ج 19، ص 349.

(10) نهج البلاغة: كتاب 31.

(11) أمالي الصدوق: ص 12، المجلس الأول، ح 4.

(12) البحار: ج 6، ص 116، باب 1، ح 1 ط ـ بيروت.

(13) منتهى الآمال: ج 2، ص 202، والمناقب ج 4، ص 233، ونحوه في الخرائج: ج1، ص 303، وفي المناقب والخرائج (وفى ولي الله جعفر بن محمد).

(14) راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 17، ص 171، ودائرة المعارف الإسلامية: ج23، ص220.

(15) درر الأخبار فيما يتعلّق بحال الإحتضار: ج 1، ص 217 ـ 218.

(16) الخصال: ج 2، ص360.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي