النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
مسؤوليات ومهام قبل ظهور صاحب الزمان
المؤلف: الشيخ محمد السند
المصدر: المشروع السیاسي للإمام المهدي علیه السلام
الجزء والصفحة: ص 139-156
2023-03-07
1254
مسألة قديمة بلغة عصرية
التزمت مدرسة الامامية في الحسن والقبح انهما عقليان ذاتيان وتبعهم في ذلك المعتزلة في قبال الاشاعرة الذين يقولون انهما شرعيان، وهذه المسألة تلقي بضلالها في تشخيص منهاج الحق في الغيبة الكبرى وفي مشروع الظهور.
والان على طاولة الحوار البشري مطروح للنقاش هل الصحيح او الحسن هو ما توافق عليه البشر في المواثيق الدولية وتصالحوا عليه فيما بينهم؟ أم انها واقعية تكوينية أصاب البشر ام اخطأ؟
في كل البيئات الحسن والكمال تكويني ذاتي ونفس هذا الموضوع القديم يثار الآن بلغة عصرية، والبصير من يبصر الموازنات بين الأبحاث العصرية المتداولة الآن، لأنه يجب موازاة هذه البحوث مع البحوث الاصلية والاصيلة في مبدأ الدين وهذا امر ليس بسهل.
ان الحسن ذاتي يعني أن صفة المعصوم عليه السلام لا تأخذه في الله لومة لائم، فالمعصوم لا يدور في مقام القبح والحسن على لوم البشر، ولا تعنيه ادانة منظمات الأمم المتحدة، او مؤسسات الإغاثة أو محكمة لاهاي، لأنه يرى ان خالق هذا الكون وخالق النظام الاجتماعي والحضاري للبشر يرى هذا الطريق نحو الكمال.
اصلاً غيبة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وانه ليس في عنقه بيعة لأحد، أي ليس في عنقه بيعة لأي عرف أو ميثاق دولي لأنه في عنقه بيعة لدين الله ولهذه المبادئ.
القانون الان هو تكريس للطبقية في المجتمعات، فثروات العالم الآن بيد اشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، وفي كل دول العالم اكثر أموال الأرض دولة بين الأغنياء، فلا الأمم المتحدة استطاعت إيجاد العدالة وإلغاء هذا التفاوت الطبقي، ولا الشيوعية قضت عليه، ولا الاشتراكية، ولا نظام السوق أو البورصة، ولا مؤسسات حقوق الانسان كلهم صفقة واحدة على ان تكون دولة بين الأغنياء منهم، هذه مواثيق البشر ومنظمة الأمم المتحدة والتي أدت الى ذلك التفاوت وتلك النتائج، فكيف يكون هذا المصلح الإلهي في عنقه بيعة لهذه التوافقات وهذه المواثيق.
جيل بشري ينقرض ويأتي جيل آخر، وينقرض الجيل الثاني بأعرافه ومواثيقه وعاداته، وتأتي عادات واعراف أخرى وهو سلام الله عليه لا يتأثر بكل تلك الأجيال، لا بعقولهم القاصرة ولا بتشخيصاتهم الخاطئة وتوافقاتهم الباطلة فأي روح هذه؟ وقد روي عن الامام الكاظم عليه السلام انه قال "علامة قوة العقل الصبر على الوحدة"[1].
وهذا ما يشير اليه دعاء الندبة وكيف ان هذه الشخصية الفذة صابرة
على وحدة الطريق اتى البشر اليها أم أبطأوا "لَيْتَ شِعْري ايْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ ايُّ ارْض تُقِلُّكَ اوْ ثَرى، ابِرَضْوى اوْ غَيْرِها امْ ذي طُوى، عَزيزٌ عَلَيَّ انْ ارَى الْخَلْقَ وَلا تُرى وَلا اسْمَعُ لَكَ حَسيساً وَلا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ انْ تُحيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوى وَلا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ وَلا شَكْوى، بِنَفْسي انْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي انْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا"
لم يؤويه احد لأنه لم يهادن، والايواء هنا إيواء علاقة وارتباط، وفي بعض المرويات يعبر عنه عجل الله فرجه الشريف "بالشريد الطريد والوحيد الذي لا يناغى"[2].
فالصبر على الوحدة لا تجعله يحسن ما حسنته الأجيال، ولا يكترث للقول أن الحسن والعرف الصالح ما تصالح عليه البشر، لذا أجيال من البشر تذهب وهذا الرجل لا يتأثر بها لأنه لا يأنس الا بطريق الحق ويستوحش طريق الباطل، هذا هو نفسه "لا تأخذه لومة لائم" ولكن بعبارة مختلفة، ومعناه انه ثابت على الدين الحقيقي الذي لا يصاب بالعقول ولا بتوافقات البشر ويمضي قدماً.
لذا يجب علينا نحن المؤمنون ان نتشبع بحقيقة الدين الواقعية ولا نتزلزل عنها بسبب ضغوطات البشر واستهزائهم، وبسبب التوافقات المضادة من الآخرين، لا بد من الثبات على أنه ليس الحسن ما حسنه الناس ولا القبيح ما قبحه الناس، بل أن الحسن ذاتي بغض النظر عمن أصاب أو اخطأ.
دور المؤمنين في التمهيد للظهور المقدس
هذا المحور ضمن سياق انه عليه السلام يخرج وليس في عنقه بيعة لأحد أو التزام أو تعهد على أي ميثاق سوى المواثيق الإلهية، وهو احد معاني غيبته، وهو ايضاً احد صعوبات الغيبة والظهور، لأن توثيق الجانب الغيبي دائماً يحتاج الى مؤونة الشهادة، وأكبر مسؤولية تقع على عاتق المؤمنين به والعارفين له هو تعريف البشرية على مشروعه عجل الله فرجه الشريف، وتوضيح الشعارات المهدوية للعقل البشري.
محاربة قوى الظلام ومافيات المال في العالم للمشروع المهدوي واضحة تماماً، وهناك وثائق لممارسات مشبوهة تريد ان تعطي طابعاً معيناً عن المشروع المهدوي وانه غير واضح المبادئ والشعائر والاهداف.
هذه الحرب المعلنة من خلال دعمها للفرق الضالة الذين يرفعون باسم الأمام المهدي عليه السلام شعارات مناقضة لمبادئ المشروع المهدوي ولمبادئ ضرورة الدين.
لذا من الأمور ذات المسؤولية العظيمة في تعبيد الطريق لرفع ستار الخفاء عن هذا المشروع العظيم المتجسد فيه هو صلوات الله عليه دوراً ونشاطاً ومسؤوليةً هو نشر هذه المبادئ الناصعة وعرفنة هذه المبادئ لتعرف الأمة ما هو العرف الصالح، فالعرف أشد تغليظاً في الالتزام من الرأي في الانتخابات، لأن الانتخابات سنوات قليلة وتنتهي، والعرف اشد من البيعة وأحكم لأنه عقد اجتماعي وهو من اعظم الالتزامات، وهذا العهد لا يحتاج حتى الى التلفظ وليس هو فكرة تفصيلية حتى تأتي به نفسه، بل العقل الباطن يتداوله ويتبناه ويجري عليه ارتكازاً.
فالعرف اذا كما يقولون قانون متطور ومفعل اعم من تفعيل القانون في الوزارات، ويعتبر العرف حكومة فاعلة حتى اكثر من الحكومات الفعلية الموجودة.
فإذا قمنا ببناء أعراف مبنية على ثقافة المشروع المهدوي من دون تحريف في المعاني نكون قد بنينا حكومة الظهور، سيما ان بناء الحكومة على مراحل.
كلمة يملأها قسطاً وعدلاً تحملنا المسؤولية
من الواضح ان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يمضي ولا يشرعن أي نظام أو عرف بشري الا بمقدار ما فيه من شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد فُرِض عليه عجل الله فرجه الشريف أن لا يهادن ولا يسالم حتى اقامته الدولة الإلهية في العلن، وان لا يعمل بالذرائع ولا بالعنوان الثانوي.
كثير من روايات الفريقين اكدت على انه يخرج بعد أن ملئت ظلماً وجوراً ليملأها قسطاً وعدلاً. وحسب هذا البيان الوحياني الموجود في روايات الفريقين يظهر أن الفارق بين الأعراف والمواثيق البشرية وما سينجزه ويبنيه صاحب الدولة الإلهية عجل الله فرجه الشريف أكبر مما يتصور فلا تصح بينهما مقارنة.
هذا التأكيد على هذه الخاصية تحملنا نحن المسؤولية في الغيبة الكبرى، وهي ان نكون حذرين ونحن نسعى لدولة الأمل المنشود للبشرية أن نذوب في أعراف ليس بالضرورة ان تكون سلبية فقط بل قد تكون مغلفة بعناوين حسنة، بل الحذر الأكبر ان تكون هناك اعراف حسنة فنقتنع بها ونقف عند ذلك الحد، ونعتقد اننا وصلنا الى نهاية المسير وكل ما عداه سيكون خاطئاً.
مثلاً لدينا في باب التوحيد في الصفات عندما تصف الله سبحانه وتعالى بصفات حسنة مؤقتة وحيانية فضلاً عن غير الوحيانية، وكما هو معروف في بحث التوحيد التسمية والاسماء توقيفية توقيتية، فتسمية الله بالأسماء يعني توصيفه ومع ذلك لا يظن احداً انه قادر على إحصاء أسماء الله جل شانه.
يعني هناك وظيفة معرفية وهي ان لا يتوهم الانسان انه يحيط بكل أسماء الله، وقد ورد بلسان الوحي ان لله عز وجل اسم مستأثر غيب في ذاته لم يظهره لأحد، وهذا الاسم هو مهيمن على كل الأسماء.
ومن الصفات العظيمة لأهل البيت عليهم السلام - رغم انهم يثنون على الله بثناء لم يثن به ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ويعجز الكل في الوصول الى قول ما قالوا الا ان يقتبس منهم، رغم ذلك هم انفسهم يقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ويظهرون عجزهم.
وفي توحيد الله حتى الكمال الذي نصف الله سبحانه به فأنه لا يجوز لنا معرفياً أن نحده بهذا الكمال الذي وصفناه به.
فاذا استوعبنا هذا المثل يكون الفارق هكذا بين اعراف صاحب العصر والزمان في دولته مع الأعراف البشرية حتى لو افترضنا انها صالحة.
فاذا وقفنا عند حدود تلك الأعراف الصالحة - مع فرض انها صالحة - لن تصل البشرية الى سعادتها الحقيقية الا بالظهور المقدس لصاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
تحمل المسؤولية والتدرج في التمهيد
يجب التعرف على المنهج المجموعي الذي ترسمه الادعية والزيارات الخاصة لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف لسيرته ومشروعه وهذا لا يتعلق به فقط، بل هو منهج يجب على المؤمنين اقامته حتى في زمن الغيبة الكبرى.
هناك معادلات قانونية أو معرفية في دعاء الندبة وبقية الادعية والزيارات، وهذه القواعد المذكورة هي تعليم تربوي في الفقه العقائدي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي، وهي قواعد عامة يراد منها الإنجاز ولكن بشكل تدريجي.
هناك الكثير من المحققين من أعلام الامامية يفسرون الظهور بانه تدرج البشرية في الالتزام بمقومات دولة الظهور حينئذ ينبثق نور الظهور لا ان دولة الظهور هو شروع من الصفر.
طبعا ما بعد الظهور ستتحقق إنجازات عظيمة، ولكن دولة الظهور هو كون البشرية ترتقي في تكاملها وتستعد الى ان تأتي ساعة الظهور.
ملاحم المستقبل التي ينبئ عنها سيد الأنبياء صلى الله عليه واله وسلم، ومن بعده امير المؤمنين والأئمة عليهم السلام هي من باب تعيين وظيفة ومسؤولية المؤمنين في زمن الغيبة، شبيه القائد العسكري الذي يبث العيون لرصد العدو لتأتيه أخبارهم ليرسم من خلالها خارطة عمل واستعداد وقائي.
هكذا هي الملاحم فليس المسار في الغيبة الكبرى ان نكون على ملعب فيه متسابقين ولسنا معنيين به، بل الظهور عبارة عن مسؤوليات ملقاة على عاتق جميع المؤمنين صغيرهم وكبيرهم ليسهموا في بناء الدولة المهدوية والتمهيد لها، فلكل مؤمن دوره واسهاماته في دولة الظهور[3].
وهذا الدور لا يسقط عن أي فرد، والمسؤولية لا تتوقف وهي لا تعتمد على آحاد بل هي مسؤولية جماعية[4] وطبيعة حديث الرسول صلى الله عليه واله واضحة: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
ومن أعظم المدارس في التاريخ في تحمل المسؤولية وفي حضارة النهضة والإصلاح سطرها مسلم بن عقيل تحت راية سيد الشهداء عليه السلام، العظمة في مدرسة بن عقيل القيمية والأخلاقية أن الكل تخاذل وهو بقي حيوياً ونشطاً وفعالاً كأنه وهو وحده جيش ليس عنده تردد أو تهاون، وهذه هي الروح الحيوية والمثابرة في القيام بالمسؤولية مع المعاناة والجراح، وهو في المعتقل لم يفقد التخطيط والتدبير وهذا يدل على روح المسؤولية ويقظتها ونشاطها في مسلم بن عقيل.
اذا طبيعة علائم الظهور المنطقية والعقلية أنها درجات نقترب فيها للأعداد للظهور، فالسماء ليست عاجزة لكن إرادة الله اقتضت ان لا يجبر البشر ولا يفوض، بل هو امر بين امرين وعلى كل فرد ان يقوم بدوره في التمهيد للظهور.
التمهيد الروحي أجّل وأعظم
كل هذا الازدهار المادي لدى البشر لا يقارن بما سيكشفه الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فيكون الانجاز العلمي والروحي في دولة الظهور (يملأها قسطاً وعدلاً) أعلى كماً وكيفاً عن العدل الذي يقام في بعده المادي بكثير.
وهذا يدل على حجم مسؤولية المؤمن في زمن الغيبة والتدريج في بناء تلك الدولة، وأحد الأمور العظيمة في بنائها هو العلم والتفقه في اسرار الدين وموازينه لا الجهل بها والصد عنها.
وطبعاً هذا بموازين، فهل الغيبة هي خفاء بدن الامام أم نوره؟ يعني الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يرون بدنه ونوره؟! وهل الغيبة هي لأهل زماننا فقط؟.
الحقيقة ان المعصومين عليهم السلام كانوا في غيبة عن أهل البشر لأنهم يشاهدون ابدانهم الشريفة فقط. لذلك كل المعصومين كانوا في ظهور بدني، وحقائقهم النورية ومناصبهم الروحية التي جعلها الله لهم غير معروفة عند اهل زمانهم، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتأوه على اخوانه الذين سيؤمنون به من بعده[5]، فالذين معه هم أصحابه لأنهم لم يتآخوا مع الروح والنور، وهذا يدل على ان نوره كان غائباً عن اهل زمانه لقصور فيهم.
ولهذا الكثير من الاعلام يقولون أن التشرف الروحي والنوري مع صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف بالمعرفة أعظم من تشرف البدن، وفي عالم العقل والنور ليس هناك حجب اذا تلطف الانسان وتنور كحجب البدن والجغرافيا.
إذن بنيان دولة الظهور النوري والعلمي وبنائها في هداية الروح والمعنى اعظم من البنيان المادي، فاين هذا من ذاك؟! ولهذا تقع علينا مسؤولية عظيمة وهي عرفنة هذا النور في عقول البشر وفي أرواحهم.
عرفنة المشروع المهدوي تفتح القلوب عليه، وهو أعظم فتح يمكن ان يسهل أمام هذا المشروع العظيم فتح البلدان جميعاً.
ولهذا عندما يقول الامام الصادق عليه السلام: كونوا دعاة لنا بغير السنتكم[6]، لأنه إذا تلألأنا في التقوى والنور سنكون قادرين على نشر ذلك النور، اذا تطهرنا وتعلمنا اكثر صرنا نماذج وبؤر لنشر النور بين البشر بطريقة اعظم من اللسان المادي.
وأهل البيت عليهم السلام دائماً قواعدهم وبياناتهم ونظمهم على هذا المستوى العالي: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة: 32] فتقوى المتقي تأثيرها أعظم في الآخرين.
مسؤوليتنا في إقامة الحكومة قبل الظهور
بات واضحاً في العلوم السياسية والإنسانية والاجتماعية أن السلطة اقسام وأنواع وليست سلطة واحدة، أحداها هي سلطة العرف وبناء الأعراف الصالحة.
سيما وأن البشرية الان تهتف بهذا الشعار، ونحن الآن نعيش حضارة ثورة المعلومات، والعرف الصالح حتى يقام فهو بأمّس الحاجة الى هذه الثورة المعلوماتية، وأتباع اهل البيت عليهم السلام طوال قرون يجرمون على تداول المعلومة، والى الآن قوى الظلام من الدول العظمى بطريقة وأخرى يحاربون الشيعة في ذلك لأن العلم له دور عظيم.
والامام المهدي عجل الله فرجه الشريف وهو يعيش في حالة الغيبة، ومع ذلك فهو ليس من قبيل المنظمات السرية الذين يستعملون المنهج المافيوي لإجبار الناس لما يريدون، هذا الشخص الذي اصطفاه الله طيلة اثنى عشر قرن هو ذو نفس طويل، فهو يلاحظ البشرية كطفل صغير يربيه شيئاً فشيئاً على نهج جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا الأسلوب يتعامل مع البشرية بلغة إنسانية وينمي فيهم النزعة الإنسانية للتكامل.
اذن طول الغيبة هو تدرج في البناء الى ان تحين ساعة الظهور، وربما جملة من الناس يظنون ان هذه الاناة عند صاحب العصر والزمان تفوت الفرص، أو تتأخر عن تلبية الضرورات، ولكن الحقيقة انه لا يريد العلاج المؤقت فعلاج الطوارئ ليس علاجاً جذرياً، بل هو يريد ان يبني أساساً طبيعياً وهذا يحتاج طول نفس، كيف ان الله سبحانه وتعالى لا يستفزه عصيان العصاة ولا تغريه طاعة المطيعين، لأن هناك مشروع كامل وخارطة واضحة، وهكذا مشروع يأخذ طبيعته وإدارة المشروع اولاً وبالذات بناء أعراف.
[1] من وصيته عليه السلام لهشام بن الحكم: يا هشام!.. الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند ربّه، وكان الله آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزَّه في غير عشيرة. (الحراني، تحف العقول، ص ١٥٣).
[2] جاء عن الأصبغ بن نباتة انه قال سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: "صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد" (الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج ١، ص ٣٠٣، ب ٢٦، ح ١٣).
وعن عيسى الخشاب قال: قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: "لا ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور بأبيه المكنى بعمه يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر". (الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج ١، ص ٣١٨، ب ٣٠، ح ٥)
[3] عن بشير النبال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفوا، ولا يهرق محجمة دم، فقال "كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته" (الشيخ ٍالنعماني، الغيبة، ص ٢٩٤).
[4] ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله انه توجه الى أصحابه بعد حجة الوداع في الجحفة فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون, وكأني قد دعيت فأجبت وأني مسؤول عما ارسلت به إليكم, وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجّته وأنكم مسؤولون, فما أنتم قائلون لربّكم؟ (الشيخ الصدوق، الخصال، ص ١٦٧).
[5] قال رسول الله (ص) ذات يوم: يا ليتني قد لقيت إخواني!.. فقال له أبو بكر وعمر: أوَ لسنا إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك؟.. قال: قد آمنتم وهاجرتم، ويا ليتني قد لقيت إخواني، فأعادا القول، فقال رسول الله (ص) أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني، وما رأوني، فيا ليتني قد لقيت إخواني " (مجالس المفيد، ص ١٣٢).
[6] ورد عن الامام الصادق عليه السلام احاديث كثيرة في هذا المضمون منها:" كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الْوَرَعَ وَ الِاجْتِهَادَ وَ الصَّلَاةَ وَ الْخَيْرَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ " (الكليني، الكافي، ج ٢، ص ٧٨).