x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الهندسية

الفيزياء الحيوية

الحاسوبية

الفيزياء الطبية

طرائق تدريس الفيزياء

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

مخفي الفيزياء

الهواء والفراغ

المؤلف:  فرانك كلوس

المصدر:  العدم

الجزء والصفحة:  الفصل الأول (ص19- ص28)

2-2-2023

1493

حين كنا أطفالا كنا نعي النظام الطبيعي للأشياء هكذا؛ الأشياء المتحركة تبطئ في حركتها والأشياء الأخف كالورق تسقط إلى الأرض أبطأ من الأحجار أرست تجارب جاليليو (التي قادت إلى قانون نيوتن القائل إن الأجسام تستمر في حالة حركة منتظمة وفي خط مستقيم ما لم تعترضها قوة خارجية).

 كان جاليليو أول من أثبت أن الهواء له وزن. لقد استغل حقيقة أن الهواء الساخن يرتفع ومن ثم يخرج من الوعاء المفتوح عند تسخينه. وبوزن الوعاء قبل وبعد التسخين اكتشف أن الهواء المتصاعد يأخذ معه بعض الوزن. أثبت هذا أن الهواء له وزن، غير أنه لم يستطع أن يحدد كثافته نظرًا لأنه لم يعرف الحجم المتصاعد بالتحديد. وبوزن بالون مملوء بالهواء أولا، ثم بالماء ثانية، استخلص أن وزن الهواء أخف 400 مرة من وزن الماء، وهو الأمر المثير للدهشة في ظل أن التجربة غاية في البدائية: إذ إن القيمة الدقيقة المعروفة اليوم هي معامل يصل إلى نحو 800 عند مستوى سطح البحر.

وكأي شخص سار وسط رياح الهواء العاتية، كان مدركًا أيضًا أن الهواء له قوة، وكان هذا قبل أن يربط إسحاق نيوتن القوة والوزن والعجلة على نحو واف بعقود. يقاوم الهواء الحركة كما الحال عندما تعصف الريح بريشة خفيفة الوزن، وحتى لو كان الهواء ساكنا، فإن الريشة لا تستقر على الأرض إلا ببطء في حين تسقط الصخرة سريعا. يسقط الحجر وكتلة الرصاص اللذان لهما نفس الحجم لكن لهما وزنان مختلفان بنفس المعدل وأدرك جاليليو بالبداهة أن هذا هو الوضع الطبيعي؛ فمقاومة الهواء هي التي تؤثر في الريشة.

قد تكون تأثيرات الهواء مدهشة. إن مقاومة الهواء للحركة هي التي تدفعنا إلى أن نثبت قدمنا على دواسة البنزين كي نبقي على السيارة متحركة بسرعة ثابتة. ودواسة البنزين هي وسيلة التزويد بالقوة التي من شأنها أن تدفع السيارة إلى الأمام، ولو لم تكن هناك مقاومة للهواء، فستزيد هذه القوة من سرعة السيارة على نحو هائل لكن كلما تحركنا أسرع، زادت القوة المقاومة. وعندما توازن قوة التسارع قوة الهواء المقاومة بالضبط، عندئذ فقط تتحرك السيارة بسرعة ثابتة.

يندفع الهواء المزاح حول السيارة تاركًا طبقات الهواء «الأخف» خلفها مباشرة. والفارق بين الضغط المرتفع بالأمام والضغط المنخفض بالخلف يساوي قوة المقاومة الصافية. إذا كان شكل السيارة مصممًا بحيث يتجمع الهواء سريعا خلفها مباشرة عندئذ يقل فارق الضغط هذا وتقل معه أيضًا مقاومة الهواء. إن تصميم السيارات، أو الخوذات التي يرتديها متسابقو الدراجات البخارية أو متزلجو المنحدرات، على نحو يقلل من مقاومة الهواء يعد صناعة هائلة.

لم تكن مثل هذه الأمثلة الواضحة متوافرة في القرن السابع عشر، مما يسلط الضوء على عبقرية جاليليو في تحليل المشكلة إلى أساسياتها. إن الحصوة التي تسقط في سائل لزج، تكاد تتوقف في الحال، وتقل المقاومة في الماء وتقل أكثر في الهواء. استخلص جاليليو من هذا أنه لو لم تكن هناك أدنى مقاومة للهواء، لسقطت كل الأجسام بنفس المعدل. ومع أن جاليليو لم يستطع أن يصنع فراغًا، فمن الواضح أنه لم يكن لديه أدنى مشكلات فلسفية متعلقة بإمكانية وجود هذه الحالة من حيث المبدأ؛ كل ما هنالك أنه يصعب جدًّا صنعها. وقد أثبت هذا أمام الجميع بعدها بثلاثمائة عام عندما أسقط رواد فضاء أبولو ريشة وحجرًا على سطح القمر، ويبدو أن أول إثبات تجريبي لهذا المبدأ قام به جيه ديزا جيليير في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1717 في الجمعية الملكية بلندن أمام إسحاق نيوتن.

 

صنع فراغ

أدرك جاليليو أن مضخات السحب لا يمكنها أن ترفع المياه أكثر من عشرة أمتار تقريبا. تقاوم الطبيعة تكوين الفراغ، لكن إلى حد معين على ما يبدو؛ فبعد عشرة أمتار من المياه يفشل الشيء الذي يمنع تكوين الفراغ، أيا كانت ماهيته في دوره. وتساءل جاليليو ما الذي سيحدث لو استخدمنا الزئبق، الذي هو أكثر السوائل كثافة، بدلا من المياه؟ توصل إيفانجيلستا تورشيللي، أحد تلاميذ جاليليو، إلى الإجابة عام 1643 بناءً على نصيحة جاليليو. وقد برهن هذا عن طريق إجراء تجربة بسيطة باستخدام أنبوب زجاجي مجوف طوله حوالي متر مسدودًا عند إحدى طرفيه، ووعاء مملوءا بالزئبق.

قد تصور الكتب المدرسية الحديثة التجربة على النحو الآتي: استخدم أولا أنبوبا قصيرًا، طوله عشرة أو عشرون سم، واملأه بالزئبق. سد بإصبعك الطرف المفتوح ونكس الأنبوب. اخفض الأنبوب بحذر إلى وعاء من الزئبق ولا ترفع إصبعك إلى أن يكون طرف الأنبوب المفتوح تحت سطح الزئبق بالوعاء عندما يصبح طرف الأنبوب المفتوح مغمورًا يظل السائل الموجود داخل الأنبوب في مكانه فينتصب عمود من الزئبق فوق سطح السائل. أجرى تورشيللي التجربة باستخدام الزئبق، مع أن خصائصه السامة تجعله أقل شيوعا في إجراء التجارب اليوم. وقد أدرك أن قدرة السائل على التماسك ارتبطت بالأوزان النسبية للزئبق داخل الأنبوب وللجو الذي يعلوه مباشرة. وعلى نحو أكثر دقة، لمعادلة الضغط الذي يبذله الضغط الجوي على الزئبق الذي في الوعاء، لا بد أن يصل ارتفاع الزئبق داخل الأنبوب إلى مستوى معين.

اتضح في تجربة تورشيللي أن هذا الارتفاع يبلغ حوالي 76سم، وهنا يكمن اللغز: إذا نكس أنبوب طوله متر مليء بالزئبق ثم وضع في وعاء من الزئبق، فإن الزئبق الذي في الأنبوب يهبط إلى أن يصير طول العمود 76 سنتيمترًا فحسب ثم يسكن. ماذا يوجد في الأربعة والعشرين سنتيمترًا التي تعلو الزئبق في الجزء العلوي من الأنبوب؟ يبدو أن الجزء الذي كان يوجد فيه الزئبق في وقت ما أصبح فارغًا الآن؛ إذ يعجز الهواء عن الدخول وعليه أدرك تورشيللي أنه صنع فراغا.

 

شكل 1-2: أنصاف كرات ماجديبورج .(1)

عند مستوى سطح البحر يضغط علينا الجو بقوة تبلغ نحو كيلوجرام في كل سنتيمتر مربع، أي بما يعادل 10 أطنان لكل متر مربع. ثمة تجربة شهيرة تثبت كم يمكن أن يكون الهواء قويًا أجراها أوتو فون جوريك، عمدة ماجديبورج لثلاثين عاما والعالم صاحب الموهبة الواضحة في تبسيط العلوم. في عام 1654 أجرى عالمنا استعراض الفراغ الذي تضمن ستة عشر حصانًا، ونصفي كرة برونزيين مجوفين نصف قطر كل منهما حوالي متر مع الاستعانة بخدمة الإطفاء المحلية. وضع نصفا الكرة معًا لعمل كرة مجوفة. وأوضح فون جوريك أولًا أنه يسهل وضع نصفي الكرة معًا مثلما يسهل فصلهما. وبمهارة استعراضية يحسده عليها السحرة دعا أفرادا من جمهور المشاهدين للتأكد من أنه يسهل فصلهما. ثم بدأ العرض الحقيقي. وصلت مضخة تفريغ تكرم بتقديمها قسم الإطفاء، بصمام في أحد نصفي الكرة، وسحب الهواء الذي بالداخل. وبعد بضع دقائق أعلن العمدة أنه جرت إزالة الهواء، ثم أُغلق الصمام، وأزيلت المضخة، ودعا الجمهور إلى فصل نصفي الكرة. لكن الأمر كان مستحيلا. ولجعل المسألة أكثر إثارة - ولهذا السبب ظلت هذه المناسبة عالقة في الأذهان - أحضر فريقين كل منهما مكون من ثمانية أحصنة مربوطين معا، وربط كل فريق بأحد نصفي الكرة. اكتفت الكتب الدراسية عند هذه النقطة بالإشارة إلى أن الفريقين تجاذبا في اتجاهين معاكسين وظل نصفا الكرة متلاصقين كما هما. لكن الحقيقة كانت أكثر عشوائية؛ فكل حصان على حدة كانت لديه فكرته الخاصة فيما شاء أن يفعل فكانت الأحصنة تجذب في مختلف الاتجاهات. استغرق الأمر ستة محاولات قبل أن يستطيع فون جوريك أن يجعل أحصنة كل فريق تشد معا في نفس الاتجاه. أخيرًا بدأت لعبة شد الحبل الصحيحة، وشدَّ الفريقان في الاتجاهين المعاكسين بكل قوتهم، وظل نصفا الكرة يرفضان الانفصال. عندئذ فتح الصمام وسُمح للهواء بدخول الكرة فانفصل نصفا الكرة بسهولة! في تجربة فون جوريك، عندما أُزيل الهواء من داخل الكرة، ضغط الوزن الكامل للجو على الجانب الخارجي من الكرة بقوة تعادل عشرة أطنان للمتر المربع، دون أن يوجد ضغط معادل داخل الكرة ليصد هذه القوة. كان النحاس قويًّا بالدرجة الكافية لتجنب الانسحاق، لكن ولا حتى فريق مكون من ثمانية أحصنة كان قويا بما يكفي لتوفير أطنان القوة اللازمة للتغلب على الضغط الخارجي.

بم يمكن تشبيه الفراغ؟

صنع تورشيللي فراغا، أو على الأقل مسافة خالية من الهواء تبدو في ظاهرها فراغا. لكن ماذا كان هذا ما خصائص العدم؟

في إنجلترا صنع روبرت هوك مضخات التفريغ التي استخدمها روبرت بويل لتفريغ مساحات أكبر كثيرًا من تلك التي استطاع تورشيللي أن يفرغها، مما مكنه من أن يستكشف خصائص الفراغ. وقد أثبت أن الهواء قد اختفى بالفعل من خلال مشاهدة طيور وفئران تختنق كانت الفلسفة الأخلاقية مختلفة وقتذاك. وظل بالإمكان رؤية مصباح متوهج عند النظر إليه عبر الفراغ، مما أثبت أنه يمكن للضوء أن ينتقل خلال المساحات الفارغة، غير أن صوت الجرس تلاشى مع إزالة الهواء.

وفي فرنسا تمكن بليز باسكال من وزن الفراغ؛ إذ صمم أنبوبا موصلا بأحد طرفيه محقنًا استخدمه في سحب الزئبق من وعاء ارتفع العمود إلى أن بلغ ارتفاعه 76سم، وعندئذ توقف حتى هذه اللحظة تشبه تجربته تجربة تورشيللي. لكن باسكال استمر في سحب مكبس المحقن، فظل ارتفاع عمود الزئبق كما هو لكن إجمالي طول أنبوب المحقن زاد؛ أي إن مقدار المساحة الفارغة فوق الزئبق تزيد. أثناء إجراء التجربة، كان باسكال يضع الجهاز بأكمله على ميزان وطيلة إجراءات التجربة بأكملها ظل الوزن ثابتًا. في أثناء دخول الزئبق إلى الأنبوب كان هذا منطقيًّا لأن كمية الزئبق ظلت ثابتة؛ كل ما هنالك أنها انتقلت من الوعاء إلى الأنبوب. لكن حالما وصل ارتفاع عمود الزئبق إلى 76 سنتيمترًا وتوقف، زادت مساحة الفراغ فوق العمود. وكانت هذه المساحة مليئة بـ «الفراغ». هكذا أوضح باسكال أن الفراغ ليس له وزن يُذكر. (فعليًّا، لم يكن ميزانه حساسًا بما يكفي. ففي الواقع، ينخفض الوزن مع استطالة المحقن وحلول الفراغ محل الهواء الذي كان بداخله في الأساس. من ثم ينخفض الوزن الحقيقي. لكن وفق أهداف باسكال كانت النتيجة مثيرة: فأيًا كان ما يشغل مساحة تورشيللي المفرغة، فليس له وزن يُذكر).

 

ضغط الهواء

نطلق على الوزن الواقع على وحدة المساحة لسطح ما «الضغط». يمكن للمرء أن يطفو على الجليد باستخدام الزلاجات في حين أنه قد يغوص فيه إذا ارتدى حذاءه العادي؛ يُعزى ذلك إلى أن وزنه يُوزّع فوق مساحة أعرض في حالة الزلاجات وبالتالي يقل الضغط؛ أي الوزن لكل وحدة من المساحة. وضغط الجو عند مستوى سطح البحر هو نفسه الضغط الذي يبذله عمود الزئبق البالغ ارتفاعه 76 سنتيمترًا أو عمود الماء البالغ ارتفاعه 11 مترا. إذا وضع عمود من الزئبق ارتفاعه 76 سنتيمترًا باتزان على رأسك، فإن إجمالي الضغط الذي تشعر به هو ضغطان جويان؛ أحدهما من الهواء والآخر من الزئبق المساوي له في القيمة. وبشكل أكثر عملية تدبر ما يحدث عند الغوص في البحر: إذ إن الماء المالح يزيد قليلا في كثافته عن ماء الصنبور، فإن ١٠ أمتار منه كافية لمضاعفة الضغط الجوي. وعليه، كلما غصت فيه عشرة أمتار إضافية، أُضيف ضغط آخر معادل للضغط الجوي. كل التأثيرات المنسوبة للحكمة المقدسة القائلة إن الطبيعة تمقت الفراغ ترجع إلى ضغط الهواء الخارجي.

بما أن مساحة سطح جسم الإنسان تبلغ حوالي متر مربع، فهذا يعني أنه تضغط على جسم الإنسان عشرة أطنان من القوة عند مستوى سطح البحر، وطن آخر مع كل متر يغوصه في البحر. لماذا إذن لا تشعر بهذا؟ الضغط يحدث نتيجة تراكم جزيئات الهواء بعضها على بعض. وفي حالة التوازن، تضغط الجزيئات الأجناب وإلى أعلى وأسفل بنفس المقدار، وإلا سيكون هناك قوة صافية وعجلة. ينطبق هذا أيضًا على الضغط في السوائل كالماء يضغط الهواء الموجود داخل رئتينا نحو الخارج مثلما يضغط علينا الجو من الخارج. تنشأ حالة الارتياح (عدم شعورنا بالضغط) نتيجة للتوازن بين الضغط الخارجي والضغط المضاد الداخلي. والتغير المفاجئ في الضغط، كما الحال عند هبوط المصعد بسرعة أو إقلاع الطائرة أو الغوص المفاجئ أثناء السباحة، يمكن أن يسبب الإزعاج والأذن تتألم من اختلاف الضغط الشديد.

 يسبب التغير المفاجئ في الارتفاع حدوث تغير في الضغط. يُعزى هذا إلى أن الغلاف الجوي محدود؛ فالضغط يقل على الارتفاع العالي لأن الثقل الواقع على المرء يقل مع اقترابه من «سطح» الغلاف الجوي. وفي حين أن سطح البحر يكون محددا بدقة، فإن سطح الغلاف الجوي يكون متدرجًا وتقل كثافته إلى أن نصل في آخر المطاف إلى فراغ الفضاء الخارجي. كان هذا هو التصور الأول للغلاف الجوي. أجرى بليز باسكال تجربة إبداعية في عام ١٦٤٨ أثبت بها أن مستوى السائل في البارومتر يعتمد على الارتفاع، ومن هنا استنتج أن ضغط الهواء يلعب دورًا مهما. قاس صهره فلورين برير ارتفاع عمود الزئبق على قمة هضبة «بوي دي دوم»، على ارتفاع 850 مترا فوق سطح البحر، وفي نفس الوقت أُجري قياس مشابه عند السفح. كان ارتفاع عمود الزئبق عند القمة أقل بثمانية سنتيمترات من الارتفاع الطبيعي البالغ 76 سنتيمترًا عند السفح. أثبت هذا أن عمود الزئبق ينخفض كلما زاد الارتفاع؛ بسبب انخفاض الضغط الجوي كلما ارتفعنا لأعلى، وهذا يرجع بدوره إلى أنه كلما ارتفعنا قل ثقل الهواء الذي يضغط علينا.

هكذا اخترع مقياس الارتفاع «الألتيمتر»؛ يستخدم لقياس ارتفاع الفرد من خلال قياس الضغط النسبي لمحيط الهواء فوقه. إلا أن التأثير الأعمق لهذا الاكتشاف كان متعلقًا بطبيعة الغلاف الجوي نفسه؛ إذ أوحى بأن الأرض تغلفها طبقة محدودة من الهواء، فمحيط الهواء له سطح يكمن خلفه الفراغ كما يُظن. (كان أرسطو أيضًا يعتقد أن الهواء يشبه المحيط الذي له سطح، لكن ما وراءه هو نار). كانت هذه فكرة هرطقية من وجهة نظر بعض الفلاسفة الدينيين الذين لم يستطيعوا قبول فكرة أن الله يمكن أن يخلق خلقًا عديم النفع كالفراغ. غير أن المنهج التجريبي قام بدور في كشف نقائص مثل هذه الخرافات، كما سيفعل عبر القرون التالية في العديد من الحالات الأخرى.

يمكننا اليوم أن نختبر تأثيرات الضغط الجوي بطرق شتى. ينخفض الضغط الجوي مع الارتفاع؛ إذ يقل الضغط ثلاث مرات على قمة جبل إفرست عنه على مستوى سطح البحر؛ إذ لن يرتفع عمود الزئبق إلا بمقدار 25 سنتيمترًا فحسب. هكذا يكون الحال على ارتفاع 10 كيلومترات فوقنا. تحلق الطائرات على مثل هذا الارتفاع، ولا بد من تعديل الضغط داخل الكبائن ليتطابق مع مستوى مشابه للضغط الطبيعي عند ارتفاع ميل تقريبًا. يعني هذا أن القوة الواقعة على كل متر مربع من الهواء المعدل ضغطه داخل الطائرة أكبر بكثير من القوة في الهواء الأخف خارج الطائرة. ونتيجة لذلك ثمة قوة قدرها أطنان عديدة تضغط أبواب الطائرة إلى الخارج في المرة القادمة التي تكون فيها على متن طائرة، لاحظ كيف صُممت الأبواب ببراعة بحيث لا يمكن أن تفتح نحو الخارج مباشرة؛ لا بد من أن تُشد إلى الداخل أولا ثم تُدار لتفتح في واقع الأمر يساعد الضغط المتجه نحو الخارج على إبقاء الأبواب في موضعها بثبات أثناء التحليق.

وعلى ارتفاع 100 كيلومتر يكون الضغط أقل من واحد على ألف مليون من الضغط على سطح الأرض، وعلى ارتفاع 400 کيلومتر يكون واحد على مليون مليون، وفي الطريق إلى القمر في الفضاء يقل الضغط ليصل إلى 1019، أي أقل من حجم البروتون مقارنة بالكيلومتر. عندئذ يمكن القول إن الغلاف الجوي بأسره يكمن في الأساس في قشرة رفيعة لا يتجاوز سمكها واحدًا على الألف من نصف قطر الأرض. لو كان هذا الأمر معروفًا جيدًا، لاهتم بعض الساسة بالضرر الواقع على ذلك الغاز الإعجازي الذي تعتمد عليه حياتنا. عندما نقترب أكثر من قمة الغلاف الجوي، يقل الثقل الواقع علينا وينخفض الضغط. وعندما ينطلق رواد الفضاء إلى القمر، فإنهم يجتازون في أول عشرة كيلومترات كمية من المادة تفوق تلك التي يجتازونها خلال بقية الرحلة. ولو سافروا إلى أبعد النجوم فسيظل الوضع كذلك أيضًا.

حتى على سطح الأرض يتنوع الضغط أيضًا؛ إذ يرتفع في الجو المعتدل وينخفض في الجو العاصف. إن الاستعارة التي تقول «الزئبق ينخفض» صحيحة حرفيا. أما القول إن الطبيعة تمقت الفراغ الذي شدد عليه الفلاسفة الدينيون والتاريخيون، فقد صار نسيًا منسيا. وكما أشار باسكال نفسه، لا تمقت الطبيعة الفراغ على قمة الجبل بدرجة أقل مما تمقته عند الوادي، أو في المناخ الرطب أكثر من المناخ المشمس: إنما وزن الهواء هو المسؤول عن حدوث كل الظواهر التي أرجعها الفلاسفة إلى «سبب خيالي».

هوامش

(1) Mary Evas Picture Library.

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+