الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإمام السجاد (عليه السلام) وردود فعله مع المعتدين عليه
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص111 ـ 116
20-8-2022
2191
إن حياة قادة الدين دروس من الكرامة والشرف والعفو والصفح والإنسانية، وقد تجلت مزاياهم الروحية في حياتهم وفي دروسهم هذه العملية لنا في أسمى الصور الممكنة.
كان علي بن الحسين (عليه السلام)، جالسا بين جلسائه يوماً إذ وقف عليه رجل من أهل بيته (هو الحسن بن الحسن المثنى) فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه الإمام (عليه السلام)، فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه. قالوا نفعل، ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول. فأخذ الإمام نعليه ومشى وهو يقول: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 134].
فعلم أصحابه أنه لا يقول له شيئاً إلا جميلاً، فلما أتى منزل الرجل قال: قولوا له: هذا علي بن الحسين. فخرج الرجل متوثباً للشر، وهولا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه. فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): (يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت... فإن كنت قد قلت ما في فأنا استغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك!، فقبل الرجل بين عينيه وقال: بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به(1)، إن كلمات الإمام (عليه السلام)، أثرت في روح الرّجل فمحت عنه عذابه وأبدت على محيّاه سيماء الندم والتوبة متأسفاً على ما كان منه إليه. وبهذا أعطى الإمام (عليه السلام)، لمن كان بصحبته درساً في العفو والصفح والإغماض، وأراهم التوبة السعيدة التي حصلت لذلك الرجل بسبب العفو عنه.
وقال الإمام امير المؤمنين علي (عليه السلام): (قلة العفو أقبح العيوب والتسرع إلى الانتقام اعظم الذنوب)(2).
إن ذوي المروءة يغضّون النظر عن زلاّت اخوانهم ويعفون عنهم بكرامتهم.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (معالجة الذنوب بالغفران من أخلاق الكرام)(3).
والقرآن قبل ذلك أوصى المسلمين بالعفو والصفح فقال: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور: 22].
وقال عز من قائل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: 34].
إن العفو عند المقدرة من الصفات القيمة النفيسة جداً حتى ان الإمام الصادق (عليه السلام) عدّه من صفات الأنبياء والمتقين: (العفو عند المقدرة من سنن المرسلين)(4).
وعد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، العفو من أحسن الأسلحة لرد كيد الأشرار والفجّار إذ قال: (عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه)(5).
لقد كشف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، حقائق حساسة في موضوع الحقد ببيان فصيح ومختصر جامع، منها أن الحقود يصاب بنوع من القساوة وفقدان العواطف الرحيمة: (اشد القلب غلا قلب الحقود)(6).
ويقول أحد علماء النفس: (أن الحقود يصبح سريع الغضب قسياً في الخصومة، من الذين يحرقون السوق نقمة لضياع منديلهم. وأن المنتقمين وإن كانوا مؤدبين ومهذبين وذوي لين طبع في الظاهر ولكنه يكمن في باطنهم بحر موّاج من نيران الحقد والانتقام، كبر كان ينطوي على الانفجار فهو يفور في أول فرصة ممكنة فيحرق الرطب واليابس وكل عدو وصديق)(7).
إن الحقود يعذبه اضطراب عميق بعذاب روحي دائم ومستمر: (الحقود معذب النفس متضاعف الهم)(8).
ويقول الدكتور دايل كارنيجي في كتابه (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس): (إننا حينما نضمر الحقد والعداء لأعدائنا في صدورنا نكون قد سلطناهم بأيدينا على أكلنا وشربنا ونومنا وصحّتنا وسرورنا بل وحتى على دمائنا ودرجة ضغطها، إننا نقدرهم بذلك على هذه الأمور في أنفسنا. إن حقدنا لهم لا يؤذيهم شيئاً بل أننا نبدل به حياتنا إلى جحيم لا يطاق).
إن علماء النفس اليوم أصبحوا يكشفون عن الأمراض الروحية والنفسية في اللاشعور عن طريق التحقيق التجريبي ثم يبادرون بعلاجها، وقبل ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عند تصحيح الضمائر يبدو غل السرائر)(9).
وأن من خصائص الحقودين النفسية أنهم ما لم ينتقموا من خصمهم لا تنطفئ فيهم نيران حقدهم، وقديماً قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحقد نار كامنة لا تطفئ إلا بالظفر)(10).
ويقول أحد علماء النفس: (أن الحقود يحمل الآخرين على طاعته والتمكين له والصمت أمامه بوسائل التهديد والعتاب والخطاب الشديد غالباً وأن هذه الطريقة في الانتصار والظفر على الآخرين مشروعة لدى المنتقمين بل يحسبونها ضرورية وهينة وهي عند الله عظيمة، حتى انهم إذا التجأوا يوماً ما إلى العفو بدل الانتقام لاموا أنفسهم على ذلك بشدة واتهموها بالضعف والوهن.
أعرف أحد كبار الضباط الدارسين، ردمت سيارته يوماً دراجة هوائية كان يسوقها فقير حمل في الشبكة التي على العجلة الخلفية جرتين خزفيتين من اللبن، فطرحه مع لبنه الذي كان يحمله صريعاً على الأرض فبيّض اللبن وجه الشارع الأسود وأصبحت العجلة الخلفية المدورة مثلثة من شدة الصدمة! ولعله كان الخاطئ هو المسكين صاحب العجلة، ولكن حالته حينئذ كانت - بحق - تستحق الرقة والعطف والحنان لا الفحش والشتم والسباب المقذع الذي كان ينشره عليه ذلك الضابط الكبير المثقف. ولكن المسكين صاحب الدراجة قام من على الأرض جريحاً يحبو على رجليه آيساً من الحياة عازماً على الموت غير عاجز عن إجابة الضابط صاحب السيارة، فكان يكيل له كل بغضه الذي كان بقلبه منذ اعوام مديدة تحمل في طوالها كثيراً من ظلم المقتدرين، بأقبح الألفاظ وأشنعها وأخسها. وأراد صاحبي أن ينزل من سيارته كي يؤدب ذلك المسكين صاحب اللبن الذي كان قد تجرا على أن يشتم ضابطاً كبيراً، فمنعته انا وصديقي الآخر الذي كان معنا في السيارة، ولم ينصرف عن ذلك إلا لخاطرنا. ولكنه في طول تلك المدة التي قضيناها معه في ضيافة، في تلك الليلة كان يلومنا ويلوم نفسه على انه لماذا لم يكافئه بجرمه. واخيراً لم يعف عنا ولا عن نفسه ضعفه الذي تحمله لخاطرنا بعفوه وإغماضه عن ذلك المسكين)(11).
نعم إن الحقد يثير الغضب كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحقد مثار الغضب)(12).
ويقول أحد علماء النفس: (أن الحقود إذا لم تقض له ما يريد – ولو كان ما يريده في غير محله - غضب لذلك غضباً شديداً ولم يسترح باله حتى ينتقم من خصمه الذي لم يقض له ما يريد)(13).
وإنما يصل الإنسان إلى راحة الروح والضمير والفكر والنفس فيما إذا محا صورة الحقد عن قلبه.
فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أطرح الحقد استراح قلبه ولبه)(14).
ويقول أحد علماء النفس: (أن الإنسان كلما كان يضبط نفسه عن الإفراط والطغيان في الغضب والحقد، ابتعد بنفس تلك النسبة عن الإصابة بأنواع الأمراض العصبية التي تجر إلى فقدان التوازن الروحي للإنسان)(15).
وبكلمة نقول: أن السعيد من نزّه باطنه ودخيلة نفسه عن العداء وحب الانتقام.
فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (خلو الصدر من الغل والحسد من سعادة العبد)(16).
وفي الختام يجب علينا أن ننبه إلى نقطة مهمة، وهي أن الإسلام في بعض الموارد لا يبيح الصفح والإغماض عن بعض الأعمال، فحيث أن الإسلام جعل حفظ النظام هدفا نصب عينيه، عد الجزاء ضروريا لازما فيما إذا كان العمل السيء الشخصي من نوع التعدي والتجاوز على شؤون المجتمع والإخلال بالأمن الاجتماعي، كموارد (الحدود) دون (القصاص والديات)، فإن الديات والقصاص من حقوق الناس المباح أخذها وتركها، والحدود من حقوق الله المفروضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد للشيخ المفيد: ص257، طبعة النجف الأشرف.
2ـ غرر الحكم: ص537.
3ـ المصدر السابق: ص768.
4ـ سفينة البحار: ج2، ص702.
5ـ نهج البلاغة المترجم: ص115.
6ـ غرر الحكم: ص178.
7ـ عن الفارسية: روانكاوي.
8ـ غرر الحكم: ص85.
9ـ المصدر السابق: ص490.
10ـ المصدر السابق: ص106.
11ـ عن الفارسية: روانكاوي.
12ـ غرر الحكم: ص21.
13ـ عن الفارسية: روانكاوي.
14ـ غرر الحكم: ص666.
15ـ القسم النفسي من مجلة سلكسيون.
16ـ غرر الحكم: ص399.