النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
يوم عاشوراء
المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر: أعلام الهداية
الجزء والصفحة: ج 5، ص191-200
26-7-2022
2279
انقضت ليلة الهدنة ، وطلع ذلك اليوم الرهيب ، يوم عاشوراء ، يوم الدم والجهاد والشهادة ، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين ( عليه السّلام ) وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ .
نظر الحسين ( عليه السّلام ) إلى الجيش الزاحف ، ولم يزل ( عليه السّلام ) كالطود الشامخ ، قد اطمأنت نفسه ، وهانت دنيا الباطل في عينه ، وتصاغر جيش الباطل أمامه ، ورفع يديه متضرعا إلى اللّه تعالى قائلا : « اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وأنت رجائي في كل شدّة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ ، أنزلته بك وشكوته إليك ، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة[1].
خطاب الإمام ( عليه السّلام ) في جيش الكوفة :
أخذ جيش عمر بن سعد يشدّد الحصار على الإمام ( عليه السّلام ) ولما رأى الحسين ( عليه السّلام ) كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية ، تعمّم بعمامة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وركب ناقته وأخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم بحيث يسمعون صوته وراح يقول : « يا أهل العراق - وجلّهم يسمعون - » فقال :
أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أعذر إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد ، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون ( إنّ وليّي اللّه الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) ، ثم حمد اللّه وأثنى عليه وذكر اللّه تعالى بما هو أهله وصلّى على النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وعلى ملائكته وأنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه » ثم قال : « أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بما جاء به من عند ربه ؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّي ؟ أوليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عمّي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول - وهو الحق - فو اللّه ما تعمدت كذبا منذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني فإنّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ . . . ثم قال لهم الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : « فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فو اللّه ليس ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم . ويحكم ! أتطلبونني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ؟ فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعي ! ويا حجّار بن أبجر ! ويا قيس بن الأشعث ! ويا يزيد بن الحارث ! ألم تكتبوا اليّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة » ؟ فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمّك . فقال له الحسين ( عليه السّلام ) : « لا واللّه ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد » . ثم نادى :
« يا عباد اللّه ! إني عذت بربّي وربّكم أن ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبرلا يؤمن بيوم الحساب »[2].
لقد أبى القوم إلّا الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم ، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيّهم كما حكى اللّه عز وجل عنهم في كتابه الكريم : ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ، وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً[3].
الحر يخيّر نفسه بين الجنّة والنار :
وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسين ( عليه السّلام ) وندم على ما سبق منه معه ، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود إلى موقفه أخرى وبدا عليه القلق والاضطراب . وعندما سئل عن السبب في ذلك قال :
« واللّه إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنة شيئا » ، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسين ( عليه السّلام ) ووقف على باب فسطاطه ، فخرج إليه الحسين ( عليه السّلام ) فانكبّ عليه الحرّ يقبّل يديه ويسأله العفو والصفح ، فقال له الحسين ( عليه السّلام ) : « نعم يتوب اللّه عليك وهو التّواب الرحيم » . فقال له الحر : واللّه لا أرى لنفسي توبة إلّا بالقتال بين يديك حتى أموت دونك . وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمام ( عليه السّلام ) ودعوتهم له وحثّهم على عدم مقاتلة الإمام ( عليه السّلام ) ثم مضى إلى الحرب فتحاماه الناس ، ثم تكاثروا عليه حتى استشهد[4].
المعركة الخالدة :
حصّن الإمام ( عليه السّلام ) مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أو قد فيه النار ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف ، وليحمي النساء والأطفال من العدوان المحقّق .
نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح : « يا حسين تعجّلت النار قبل يوم القيامة ، فرد عليه أنت أولى بها صليّا »[5] ، وحاول صاحب الحسين ( عليه السّلام ) مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم ، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا : « لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم »[6].
ويقول المؤرخون : إن بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الأولى ، وأنّ الإمام ( عليه السّلام ) أخذ مصحفا ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله : يا قوم ! إنّ بيني وبينكم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي صلّى اللّه عليه واله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله ، قالوا : طاعة للأمير عبيد اللّه ابن زياد ، فقال ( عليه السّلام ) : « تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا[7] والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم ، وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلبا[8] لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلّا - لكم الويلات - تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصف ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدّبا[9] ، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها فسحقا لكم يا عبيد الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن ، ويحكم ! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون ؟ أجل ! واللّه غدر فيكم قديم ، وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر ، شجى للناظر وأكلة للغاصب . ألا وإن الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذلة . وهيهات منا الذلة ! يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر . ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي :
فان نهزم فهزّامون قدما * وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما إن طبّنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رفّع عن أناس * كلاكله أناخ بآخرينا[10]
أما واللّه لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرّحى ، وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ[11] إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ[12]. ثم رفع يديه نحو السماء وقال : « اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير »[13].
كل ذلك وعمر بن سعد مصرّ على قتال الحسين ( عليه السّلام ) ، والإمام الحسين ( عليه السّلام ) يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن . ولما لم يجد النصح مجديا قال لابن سعد : « أي عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان ؟
واللّه لا تتهنّأ بذلك ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضا بينهم » فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضبا[14].
واستحوذ الشيطان على ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى باتجاه معسكر الحسين ( عليه السّلام ) وقال : « اشهدوا أني أول من رمى » ثم ارتمى الناس وتبارزوا[15].
فخاطب الإمام ( عليه السّلام ) أصحابه قائلا : « قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لا بد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم »[16].
فتوجهوا إلى القتال كالأسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء اللّه جل جلاله ، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين ، وكان لا يقتل منهم أحد حتى يقول : السلام عليك يا أبا عبد اللّه ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح ، واحتدمت المعركة بين الطرفين ، ( فكان لا يقتل الرجل من أنصار الحسين ( عليه السّلام ) حتى يقتل العشرة والعشرين )[17].
استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء ، واستمر معه شلّال الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود ، وأصحاب الحسين ( عليه السّلام ) يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح وأرهقوه بالقتل ، فتصايح رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب برازا بيننا وبينهم لأتوا على آخرنا . لنهجم عليهم مرة واحدة ، ولنرشقهم بالنبال والحجارة .
فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين ( عليه السّلام ) وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة .
وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة ، وها هو الحسين ( عليه السّلام ) ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محرابا للجهاد والعبادة ، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال .
ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل ، حتّى لم يبق مع الحسين ( عليه السّلام ) إلّا أهل بيته خاصّة . فتقدّم ابنه عليّ بن الحسين ( عليه السّلام ) - وامّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ - وكان من أصبح النّاس وجها ، فشدّ على النّاس وهو يقول :
أنا عليّ بن الحسين بن علي * نحن وبيت اللّه أولى بالنّبي
تاللّه لا يحكم فينا ابن الدّعي
ففعل ذلك مرارا وأهل الكوفة يتّقون قتله ، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال : عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ذلك إن لم اثكل أباه ؛ فمرّ يشدّ على النّاس كما مرّ في الأوّل ، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع ، واحتوشه القوم فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين ( عليه السّلام ) حتّى وقف عليه فقال :
« قتل اللّه قوما قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول ! » وانهملت عيناه بالدّموع ثمّ قال : « على الدّنيا بعدك العفا » وخرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي : يا أخيّاه وابن أخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط ، وأمر فتيانه فقال : « احملوا أخاكم » فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه .
ثمّ رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له : عمرو بن صبيح عبد اللّه بن مسلم بن عقيل ( رحمه اللّه ) بسهم ، فوضع عبد اللّه يده على جبهته يتّقيه ، فأصاب السّهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها ، ثمّ انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله .
وحمل عبد اللّه بن قطبة الطائي على عون بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
وحمل عامر بن نهشل التّيميّ على محمّد بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
وشدّ عثمان بن خالد الهمدانيّ على عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقتله .
قال حميد بن مسلم : فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما ، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ : واللّه لأشدّنّ عليه ، فقلت : سبحان اللّه ، وما تريد بذلك ؟ ! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون على أحد منهم ؛ فقال :
واللّه لأشدّنّ عليه ، فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ففلقه ، ووقع الغلام لوجهه فقال : يا عمّاه ! فجلى[18] الحسين ( عليه السّلام ) كما يجلي الصقر ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنّها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ، ثمّ تنحّى عنه الحسين ( عليه السّلام ) . وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّى مات .
وانجلت الغبرة فرأيت الحسين ( عليه السّلام ) قائما على رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين يقول : « بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك » ثمّ قال : « عزّ - واللّه - على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت - واللّه - كثر واتروه وقلّ ناصروه » ثمّ حمله على صدره ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته ، فسألت عنه فقيل لي : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) .
ثمّ جلس الحسين ( عليه السّلام ) أمام الفسطاط فاتي بابنه عبد اللّه بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين ( عليه السّلام ) دمه ، فلمّا ملأكفّه صبّه في الأرض ثمّ قال : « ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين » ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهله .
ورمى عبد اللّه بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السّلام ) فقتله .
فلمّا رأى العبّاس بن عليّ رحمة اللّه عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من امّه - وهم عبد اللّه وجعفر وعثمان - يا بني امّي ! تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله ، فإنّه لا ولد لكم . فتقدّم عبد اللّه فقاتل قتالا شديدا ، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه اللّه . وتقدّم بعده جعفر بن عليّ ( عليه السّلام ) فقتله أيضا هانيء . وتعمّد خوليّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّ ( عليه السّلام ) وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزّ رأسه .
وحملت الجماعة على الحسين ( عليه السّلام ) فغلبوه على عسكره ، واشتدّ به العطش ، فركب المسنّاة[19] يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه ، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنوه من الماء ، فقال الحسين ( عليه السّلام ) : « اللّهمّ أظمئه » فغضب الدّارميّ ورماه بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع الحسين ( عليه السّلام ) السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدّم ، فرمى به ثمّ قال : « اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك » ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدّ به العطش .
[1] الإرشاد : 2 / 96 .
[2] الإرشاد : 2 / 98 ، إعلام الورى : 1 / 459 .
[3] هود ( 11 ) : 91 .
[4] الإرشاد : 2 / 99 ، الفتوح : 5 / 113 ، بحار الأنوار : 5 / 15 .
[5] مقتل الحسين ، للمقرم : 277 .
[6] مقتل الحسين ، للمقرم : 277 ، تاريخ الطبري : 3 / 318 .
[7] استصرختمونا : طلبتم نجدتنا .
[8] إلبا : مجتمعين متضامنين ضدنا .
[9] الدّبا : الجراد الصغير .
[10] تاريخ ابن عساكر : 69 / 265 ، اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 59 و 124 .
[11] يونس ( 10 ) : 71 وهود ( 11 ) : 56 .
[12] يونس ( 10 ) : 71 وهود ( 11 ) : 56 .
[13] مقتل الحسين ، للمقرم : ص 289 - 286 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 6 ، تاريخ ابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 216 ، راجع إعلام الورى : 1 / 458 .
[14] مقتل الحسين للمقرم : 289 .
[15] الإرشاد : 2 / 101 ، اللهوف : 100 ، إعلام الورى : 1 / 461 .
[16] مقتل الحسين للمقرم : 292 .
[17] سيرة الأئمّة الاثني عشر : 2 / 76 .
[18] جلّى ببصره : إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد . « الصحاح - جلا - 6 : 2305 » .
[19] المسناة : تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية . « تاج العروس - سنى - 10 : 185 »