1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية النفسية والعاطفية :

السعادة والحظ السعيد

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الحياة في ظل الأخلاق

الجزء والصفحة:  ص11ــ15

12-6-2022

2327

اعتبر علماء الأخلاق أن الغاية القصوى من علم الأخلاق هي تحصيل السعادة التي هي هدف جميع البشر من مساعيهم ومحاولاتهم المستمرة التي يعيشونها والتي غالبا ما يستاؤون من الإخفاق في الوصول إليها.

ما هي السعادة؟ يمكن تفسير كلمة السعادة بعبارة قصيرة وهي «وصول الإنسان بحركته الإرادية النفسية إلى كماله الكامن في جبلته».

وبعبارة أخرى هي استعمال القوى المادية والمعنوية المختلفة الموجودة عند الإنسان بصورة صحيحة.

ومن جهة فإن كلمتي «الكمال» و«الاستعمال» واضحتان من حيث المفهوم العام، لكنهما معقدتان من حيث المصاديق الجزئية، إذ غالباً ما يشتبه الكثيرون في فهم معنى السعادة، فيمكن لأحد الأغنياء مثلاً وقد أفنى روحه وجسمه طيلة عمره من أجل جمع الثروة، أن يشعر بأنه قد حقق السعادة، في حال اعتقاد ابنه العابث - الذي يبذر ثروة والده بعد موته ويصرفها في سبيل إرضاء شهواته وغرائزه - بأن هذه هي السعادة، مع أن كليهما على خطأ.

وعلى أية حال ينبغي الاستعانة في هذه المجالات بالتحليلات العقلية الصحيحة لمعرفة السبل الواقعية لتكامل الإنسان من جهة، والطريق الصحيح لاستعمال الطاقات المادية والمعنوية الموجودة لديه من جهة أخرى، وإن كانت هذه التشخيصات تحتاج إلى مطالعات وجهود مكثفة.

* هل للسعادة جانب روحي أم جسمي؟

اعتقد جماعة من فلاسفة اليونان القدماء (كالكلبيين) بأن للسعادة جانباً روحياً فقط وليس للبدن حظ فيها، لذا حصروها في الكمالات والأخلاق الفاضلة، بل اعتقدوا بأن لا سبيل لتحقيق السعادة الكاملة في هذا العالم، وصرحوا بأن السعادة العظمى لا تحصل للنفس ما دامت متعلقة بالبدن وملؤثة بالكدورات الطبيعية والشواغل المادية، وأن السعادة المطلقة لا تتحقق لها ما لم تنفصل الروح عن البدن.

ولذا فقد أهملوا جميع العوامل المادية في تحصيل السعادة.

وحالات ديوجانوس حكيم الكلبيين، ومعيشه في غار! عوضاً عن الغرف والبيوت، واكتفاؤه بإناء واحد لشرب الماء من بين جميع مستلزمات الحياة، معروفة ومشهورة، وقد قيل: إنه رأى ذات يوم رجلا يشرب الماء من النهر بيده فرمى إناءه!

وبإزاء هؤلاء تأتي عقيدة الماديين الذين يعتقدون بأن السعادة تنحصر في مزاولة اللذائذ المادية بلا قيد أو شرط وينكرون كل الموانع التي تعترض ذلك.

واعتقد الماديون بأن السعادة المطلقة تنحصر في اللذات المادية وأوغلوا في هذا الطريق إلى حد الجنون، وتمردوا على جميع القيود والآداب الأخلاقية والاجتماعية من أجل الوصول إلى السعادة.

وبديهي أن هذا الاعتقاد، الذي أخذ للأسف الشديد يشيع عند الغربيين والمتأثرين بالغرب، لا يمكن تسميته بالمذهب، بل هو نوع من الهذيان والمرض النفسي، ولكنه على ما هو عليه يمكن اعتباره رد فعل تجاه المذاهب الإفراطية كمذهب «الكلبيين»، الذي أهمل الجوانب الجسمية في موضوع السعادة بصورة كلية.

أما الطائفة الوسط فقد صرّحوا بأن الإنسان مركب من الروح والجسم معاً ، وحقيقة خلقته قائمة بهذين القسمين، لذا ينبغي عليه أن يحقق السعادة في كليهما. وطبيعي أن أي برنامج يعتني بأحدهما فقط لا يمكنه أن يسعده؛ لأنه لا يتطابق مع الواقع الخارجي.

ومن بين فلاسفة اليونان نجد أن المعلم الأول أرسطو وأتباعه، كانوا يميلون إلى هذا الرأي، والقوانين الإسلامية السامية قد دعمته بصورة واضحة ووضعت له أسساً جديدة.

وهذه الحقيقة يمكن لمسها في آيات عديدة من القرآن الكريم وأحاديث أئمتنا الأبرار. ويتلخص شعار الإسلام في هذه المسألة بالآية التالية: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة: 200 - 202].

ومما يجدر الانتباه إليه بصورة تامة في مثل هذه البحوث أن الآصرة والعلاقة بين الروح والجسد قوية لدرجة أن الانحراف في أحدهما يترك أثره في الآخر.

ولقد أثبت علم النفس اليوم أن قسماً من الانحرافات الاخلاقية والفكرية ناشئ من عدم إشباع الغرائز الجسمية والمادية بصورة صحيحة.

إن الميول والغرائز المكبوتة تتحول في الغالب إلى عقد نفسية تخلق مشاكل كبيرة لعلماء الأخلاق يتعسر عليهم حلها بالطرق التي يسلكونها في تربية النفوس، إذ يتعين التماس حلها من نفس الطريق الذي نشأت منه، أي إشباع الغرائز الجسمية بالطرق المشروعة.

فما أكثر المصابين بسوء الظن والخوف والحسد والتكبر والحقد وما شاكل هذه الرذائل وسببها هو حرمانهم وإخفاقهم في إشباع إحدى غرائزهم الجسمية بصورة صحيحة. لذا ينبغي اليوم على كافة علماء الأخلاق وعلماء الدين، لأجل معالجة الأمراض الأخلاقية، أن يأخذوا الحالتين الجسمية والروحية معاً بنظر الاعتبار، لكي يصلوا إلى مرادهم.

ولقد شمل الإسلام هذه المسألة الحساسة بنظرته الدقيقة وقال في صريح الآية ٣٢ من سورة الأعراف: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

فانظر بدقة إلى كلمة «عباد» و«الذين آمنوا» وإضافة كلمة زينة إلى لفظ الجلالة.

وقد ورد في الحكم القصار لأمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: «للمؤمن ثلاث ساعات فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرم معاشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل», وقد وردت تكملة للحديث في بعض النسخ «وذلك عون على سائر الساعات».