الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أحرقوا بيوت النفاق
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص63 ـ 66
9-6-2022
2103
حينما كان الإسلام يتقدم بسرعة إلى الأمام، أخذ حزب المنافقين - الذين رأوا موقعهم مهدداً بالخطر أكثر من سائر الأحزاب المعارضة - يسعون في تحطيم اركان الحكومة الإسلامية. أنهم كانوا يعاهدون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكنهم كانوا يتخلون عن وظائفهم عند العمل، وكانوا يستهزؤون بالمؤمنين، إن هذه الأقلية المفسدة المخربة التي لم يكن لها أية شخصية معنوية أو أخلاقية، لم تكن تتحمل إيمان الناس وإخلاصهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان على رأس هؤلاء (أبو عامر الراهب)، الذي كان قبل هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلى المدينة زعيم أهل الكتاب وكان قد حصل من هذا الطريق على سمعة بين الناس، وكان قبل قدوم النبي (صلى الله عليه وآله)، يبشّر الناس بقدومه، ولما قدم (صلى الله عليه وآله)، أسلم في أوائل الناس، ولكنه حينما رأى أنه سيفقد موقعه الاجتماعي بتوسعة نفوذ أمر النبي (صلى الله عليه وآله)، لم يستطع أن يتحمل هذا الوضع، فانتقل إلى مكة ، وأخذ يشترك مع المشركين في حروبهم في بدر وأحد، ثم هرب إلى الرّوم، وكان هناك يخطط الخطط لاقتلاع شجرة الإسلام، وبوحي منه بنى أصحابه بالمدينة (مسجد الضرّار)، ولم يكن لأحد ان يبني مسجداً إلا برخصة من النبي (صلى الله عليه وآله)، فتزعم أحدهم لأخذ الرخصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، وأذن لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنى المسجد، وحينما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من غزوة تبوك دعوه لافتتاح ذلك المسجد، وكانوا يترقبون أن يفعلوا ما نووا من الشر برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن الله أطلع رسوله على ذلك فامتنع من الذهاب إلى المسجد وأمر بتخريبه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة: 18]، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة: 107].
وهكذا فشل تخطيطهم الخيانّي، وأحرق أول بيت وضع للنفاق.
إن القرآن الكريم انتقد هذه العدة اليسيرة وهجم عليهم وطردهم ولامهم في موارد مختلفة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: 8 - 12].
إن النفاق نوع من الأمراض الروحية من قبيل عقدة الحقارة، ولعل أمير المؤمنين (عليه السلام) أشار إلى هذا حيث قال: (احذروا أهل النفاق فإنهم الضالون المضلون المولون، قلوبهم دوية، وصحافهم نقية)(1).
ويقول الدكتور هلن شاختر: (هناك من يخالف لا لشيء إلا ليعرف، لم يتحقق في عقيدته ولا يؤمن بها ولكنه يرجح النقد في عقائد الآخرين على الصمت والخمول، لأنه يعسر عليه أن يتحمل عدم اعتناء الآخرين به، وهناك من إذا رأى أن الناس لا يتوجهون إليه اتخذ طريق النفاق ستاراً للخلاف وإثبات الجود)(2).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (المنافق قوله جميل وباطنه عليل)(3).
وحيث لا يجد المنافق لنفسه سناداً يستند إليه فهو في حيرة دائمة ومن هنا نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد شبه المنافق مجسداً هذا المعنى إذ قال: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين)(4).
وقد بين لنا علائم المنافق فقال: (وللمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)(5).
وقال الأمام الباقر (عليه السلام): (بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً، إن أعطى حسده وإن ابتلى خذله)(6).
وأشار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى صفة أخرى من صفات المنافق فيقول عنه أنه يدافع دائماً عن نفسه ويطعن على الآخرين: (المنافق لنفسه مداهن، وعلى الناس طاعن)(7).
ويقول الدكتور صموئيل اسمايلز: (إن المرائين والمنافقين يفكرون في أنفسهم دائماً ولا يفكرون فيمن سواهم أبداً، يفكرون في أنفسهم وأعمالهم وأحوالهم حتى يصبح وجودهم الحقير والضئيل معبودهم العالمي الكبير)(8).
وعدّ الامام الصادق (عليه السلام)، من مواعظ لقمان لابنه أنه قال: (وللمنافق ثلاث علامات يخالف لسانه قلبه، وقلبه فعله، وعلانيته سريرته)(9).
إن أفكار المرء تبدي للملأ صورته الواقعيّة، فلو أراد أحد أن يخفي بالرياء والتصنع ما في قلبه لم يوفق إلى ذلك، فإن حقيقته وماهيته ستبدو في النهاية، بل منذ البداية.
فإنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) رجل: (عن الشخص يقول لي: أودك. فكيف أعلم أنه يودني؟ فقال: أمتحن قلبك، فإن كنت توده فإنه يودك. انظر قلبك فإن أنكر صاحبك فإن أحدكما قد أحدث شيئاً)(10).
ويقول الدكتور ماردن: (إن كنتم تتصورون أنكم تستطيعون ان تعرّفوا أنفسكم إلى الناس بأقوالكم فقط، فإنكم تكونون بتصوركم هذا قد غششتم أنفسكم وخدعتموها، فإن الآخرين سوف لا يحكمون فيكم بما تشاؤون أنتم من مقاييسكم، بل أنهم سيعرفونكم بأقوالكم وأفعالكم وأعمالكم وأحوالكم وضمائركم ودخيلة أنفسكم أن الذين تتحدثون معهم سيشاهدون قوة أفكاركم أو ضعفها، ورياءها أو حقيقتها من كلامكم بل حتى من سكوتكم، أنهم يكتشفون آمالكم ومقاصدكم، ثم يقطعون بما يعتقدون منها فيكم حتى أنكم مهما اعترضتم عليهم فيما يفكرون فيكم لم يغيروا من ذلك شيئاً، قد نسمع من أناس أنهم يقولون أنا لا نستطيع ان نتحمل فلاناً حتى صورته، إن هؤلاء لا يحبون أولئك - مع ما رأوا منهم من وجه وفعل جميل - لأنهم قد قرأوا أفكار أولئك وإحساسهم. ونحن أيضاً كذلك بالنسبة إلى الآخرين، فإن هذه من آثار الأفكار، فما نفكره من فكر أو نحسه من إحساس فإنه ينتشر من حولنا ويحسه الآخرون بأشعة أفكارهم)(11).
وقال علي (عليه السلام): (الضمائر الصحاح أصدق شهادة من الألسن الفصاح)(12).
ولا يخفى أن غرضنا من النفاق ما هو أعمّ من النفاق العقائدي والأخلاقي في الفعل أو القول. فإن الإسلام قد دعى المسلمين إلى الوحدة الكاملة التامة، لكي يقودهم إلى حياة صافية، عارية من قتام النفاق والرياء والدجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ غرر الحكم: ص146.
2ـ عن الترجمة الفارسية: رشد شخصيت.
3ـ غرر الحكم: ص60.
4ـ نهج الفصاحة: ص562.
5ـ بحار الأنوار: ص30، ج15.
6ـ المصدر السابق: ص172، ج15.
7ـ غرر الحكم: ص88.
8ـ عن الترجمة الفارسية: اخلاق.
9ـ بحار الأنوار: ص30، ج15.
10ـ الوافي: ج3، ص106.
11ـ عن الترجمة الفارسية: بيروزي فكر.
12ـ غرر الحكم: ص501.