x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : مشاكل و حلول :

معالجة الانحرافات الخلقية

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الحياة في ظل الأخلاق

الجزء والصفحة:  ص17ـ21

19-5-2022

1961

حان الآن وقت دراسة جزئيات (الملكات الأخلاقية) وطريق معالجة الرذائل. ولكن نجد من الضروري جداً أن نشير إلى نقطتين:

الأولى: يجب علينا دائماً ان نتعامل مع المنحرفين خلقياً كمصابين أو مرضى، إن الانحرافات الخلقية هي في الحقيقة نوع من الأمراض الروحية التي قد تسبب الأمراض الجسمية في بعض الأحيان، أو بالعكس فإن بعضها قد تنشأ من الأمراض الجسمية، لذا يجب علينا مراعاة نفس الخطوات المتبعة في معالجة الأمراض الجسمية في هذا المجال أيضاً.

ولغرض معالجتها تُتبع الخطوات الثلاث التالية :

1- معرفة جنس المرض.

2- معرفة أسبابه وعلاماته.

3ـ كيفية العلاج.

ويستعان غالباً بأعراض المرض لتشخيص نوعيته، ويسهل ذلك في الأمراض الجسمية نوعاً ما خصوصاً بالوسائل والأجهزة الحديثة. لكن الموضوع في غاية التعقيد في المسائل الأخلاقية، حيث يصادف أن تتشابه أعراض الانحرافات الخلقية، أو تظهر أعراض سببها اختلاط عدة أنواع من الأمراض الخلقية، بنحو يتعسر معه تشخيصها، لذا ينبغي لعالم الأخلاق والطبيب الروحي أن يتأنى ويدقق جيداً عند معالجة نفسه أو معالجة الآخرين.

أما في المقطع الثاني فيجب دراسة تاريخ حياة الفرد المنحرف، خصوصاً في فترة الطفولة التي تعد قاعدة لشخصية الإنسان، وكذلك محيطه العائلي والاجتماعي وعمله ومكسبه وموقعه الجغرافي، بصورة كاملة لمعرفة العوامل المؤذية إلى نشوء ذلك المرض الخلقي، ولا ينبغي إهمال العامل الوراثي أيضاً، فقد يكون للرذائل جينات وراثية في بعض الأحيان كالأمراض الجسمية.

أما في المقطع الثالث، أي علاج المفاسد الخلقية، فإنها إذا كانت مزمنة وقد مضى عليها فترة طويلة، وجب الصبر وسعة الصدر والدقة والمراقبة لمعالجتها، وعدم الاستسلام لطول المدة. وكلما كانت الحالة سطحية وعارضة أمكن علاجها بمدة أقصر.

لذا فإن إصلاح المفاسد الخلقية عند الشباب والأحداث أسهل بكثير منه عند الكبار؛ لأن الزمرة الأولى تتلوث بسرعة وتشفى بسرعة أيضاً. قال الإمام الصادق عليه السلام: «عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى الخير».

* الصحة الروحية:

أما النقطة الثانية الضرورية الذكر: فهي أن الطب الحديث ينقسم إلى قسمين هما طب العلاج وطب الصحة، والمراد من طب العلاج واضح، أما المراد بطب الصحة فهو الوقاية من حدوث الأمراض ومكافحة أسبابها، ولكون الوقاية خير من العلاج، وللصحة أهمية استثنائية كبيرة في حياة الأفراد ومصير المجتمعات، لذا يتم رصد مبالغ طائلة لتحقيقها.

وهذان الفرعان موجودان أيضاً في المسائل الأخلاقية والأمراض الروحية، لذا يجب السعي لمنع حصول الانحرافات الخلقية ما أمكن ذلك، واتخاذ التدابير اللازمة للصحة الروحية الخاصة والعامة.

ولتحقيق ذلك يجب رعاية الأمور التالية :

1- اجتناب المعاشرات الفاسدة والمشكوكة :

فمن البديهي أن الكثير من الانحرافات الخلقية ناجمة عن المعاشرة بالضبط كالأمراض المعدية والسارية وخصوصاً فيما لو كانت هناك أرضية لاكتساب أخلاق الآخرين كحداثة السن أو قلة المعلومات أو ضعف الإيمان؛ فإن معاشرة الأشرار في مثل هذه الحالات تُعَد سُماً مهلكاً وقاتلا.

2ـ إصلاح البيئة:

ويزداد احتمال الابتلاء بالمفاسد الخلقية في الأماكن الملوثة، وعلى الأخص في المحيط الذي تكثر فيه مظاهر الفسق والمفاسد الأخلاقية، وهذه حقيقة غير قابلة للإنكار، لذا تُعتبر محاربة الموبوء ومنع التجاهر بالفسق والفساد الأخلاقي من أهم خطوات الصحة الروحية.

ويعتبر استعظام الذنب وتقبيحه في نظر الإنسان، واحداً من أهم الحواجز التي تمنعه من ارتكاب الذنوب والرذائل، والتجاهر بها يصغرها في عينه ويقلل من كراهيتها، ويروض القلب ويخلق فيه الاستعداد لارتكابها.

وإنما قرر الإسلام تنفيذ الحدود أمام الملأ العام فلغرض ترسيخ أهمية وعظمة الدين في نفوس الآخرين من جهة، ولترميم ذلك الحاجز الذي هدم من جهة أخرى، قال تعالى في محكم كتابه الكريم في سورة النور: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2].

ولقد أعار الإسلام أهمية فائقة لمسألة التجاهر بالفسق واعتبرها من مبررات هتك حرمة ذلك الشخص المتجاهر.

قال الصادق عليه السلام: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له» (وسائل الشيعة - كتاب الحج - أبواب العشرة) .

وقال الباقر عليه السلام: «ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع والإمام الجائر والفاسق المعلن بفسقه» (المصدر المذكور أعلاه).

وحتى نقل الكلام المرتبط بالفساد والفحشاء، والذي يؤدي إلى تلويث الأفكار وتهيئة الأجواء لتقبل الفساد، يعد حراماً في الإسلام.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سمع فاحشة فأفشاها كان كمن أتاها، ومن سمع خيراً فأمشاه كان كمن عمله» ... (وسائل الشيعة - كتاب الحج).

وخلاصة القول فإن إصلاح الأجواء الفاسدة والمسمومة ومحاربة نشر الفساد والتجاهر به يُعَد من إحدى وسائل الوقاية من الانحرافات الخلقية، وبدونها قَلما يتوقف الإنسان لإصلاح ذاته أو الآخرين بصورة تامة.

وكما يجب في مكافحة الأمراض الجسمية محو بؤر الجرائم وتطهير المحيط، والحد من تلوث الماء والهواء والغذاء يجب أيضاً تطهير البيئة الاجتماعية من التلوث بالانحرافات الخلقية والرذائل.

3- الهجرة والفرار من البيئات الملوثة:

يجب السعي بأقصى حد لإصلاح المحيط الفاسد والملوث فلو تعسر ذلك لأسباب معينة، وخيف من التلوث في حالة البقاء، فمع وجود المحيط الأنقى وإمكانية الهجرة إليه فلا حيلة سوى الهجرة.

والقضية نفسها موجودة في الأمراض الجسمية، إذ يسارع الأفراد الذين يحرصون على سلامتهم إلى الهجرة في مثل هذه الظروف.

والهجرة في الإسلام ذات أهمية خاصة، واللطيف أنها تعتبر أول خطوة من تاريخ الإسلام، إذ لم تكن هجرة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة إلا فراراً من بيئة ملوثة وفاسدة وغير ملائمة إلى بيئة أخرى أفضل لنشر الإيمان والفضيلة.

وتعتبر هجرة مجموعة من المسلمين الرساليين من مكة إلى الحبشة، امتثالا لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً آخر في هذا الموضوع.

ولقد تميز المهاجرون الأوائل في صدر الإسلام وذكرهم التاريخ الإسلامي باهتمام ونزلت بشأنهم آيات عديدة في القرآن الكريم. وقد وردت أحاديث كثيرة تحث على الهجرة من البيئات الملوثة بالمعاصي والذنوب كالشرك إلى البيئات السليمة، مما يوضح أهمية هذا الموضوع.

وقد جاء في مجمع البيان بشأن تفسير ذيل الآية (١٠٠) من سورة النساء: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} نقل عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً آستوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم)).

وعبارة (وإن كان شبراً) تدلل على أهمية الموضوع، والسر في مرافقة هذين الرسولين العظيمين هو إقدامهما على الهجرة، فقد هاجر إبراهيم عليه السلام من بابل عاصمة النمرود وعبدة الأصنام إلى فلسطين، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة.

وقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم لذيل الآية (٥٦ - العنكبوت) : {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: «لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فإن خفتوهم أن يفتنوكم عن دينكم - فإن أرضي واسعة -».

وتأكيد الإسلام، من خلال قوانينه، على عدم المشاركة في مجالس السوء والمعاصي، وعدم الخلوة بالأجنبية، وما شاكل ذلك يعد نوعاً من الهجرة القصيرة من منطقة الذنب والزلل، وذلك لأجل الوقاية من تفشي الرذائل.