x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : مشاكل و حلول :

أثر العزلة والانزواء في الأخلاق

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الحياة في ظل الأخلاق

الجزء والصفحة:  ص30ــ37

11-5-2022

1483

هل يمكن تهذيب النفس والحصول على الفضائل الأخلاقية بالمشاركة في الحياة الاجتماعية بصورة أفضل، أم في العزلة والانزواء؟ 

اعتقد جماعة بأن سلامة أخلاق الإنسان مرهونة بانزوائه وعزلته، لأن الكثير من الانحرافات الخلقية أو أكثرها تنشأ عند التعامل مع الآخرين، فالحسد والتكبر والكذب والغيبة والبهتان والرياء والحقد وغيرها تصيب الإنسان نتيجة لاختلاطه بالآخرين. فالذي لا يتعامل مع الآخرين لا يغتاب ولا يستمع الغيبة، ولا يَحسد ولا يُحسَد من قبل الآخرين، ولا يُبتلى بالرياء أو الكذب أو الحقد أو سوء الظن.

وجماعة العزلة والانزواء، الذي يُشاهد من بينهم قسم من علماء الأخلاق وجماعة من الزهاد والعباد المعروفين، يستدلون على فضيلة هذا العمل وأثره في تهذيب الأخلاق بأدلة أخرى علاوة على الدليل الذي ذكرناه.

فهم يقولون: إن الإنسان يتفرغ لعبادة ربه في العزلة بصورة أفضل، ويناجي ربه ويدعوه على حالة من حضور القلب.

ويستطيع أن يتفكر في أسرار الكون وفي أنواع العلوم بصورة أفضل ويميز الحقائق عن غيرها.

فالحب والبغض والمشاجرة والجدال والمراءاة التي تمنع من درك الحقائق والوقائع تقل في الانزواء، لذا نجد أن الكثير من المفكرين الكبار قد قضوا حياتهم بالعزلة والانزواء.

وعلاوة على هذا فإن الإنسان يواجه مواقف، أثناء المعاشرة ومخالطة الناس، غالباً ما تجلب له أعباء ثقيلة، وكثيراً ما يصادف أن يتقاعس في أدائها، فينحرف بالنتيجة، فمثلاً غالباً ما نواجه، في معاشراتنا وحياتنا الاجتماعية المنكرات والمعاصي وحالات ترك المعروف التي توجب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ننهض لمكافحتها، في حين أننا غير واثقين من إمكانية أداء واجبنا المفروض في هذا الموضوع. فالأفضل أن نختار العزلة لنتخلص من أعباء مثل هذه المسؤوليات! 

وعلاوة على جميع ذلك فقد ورد استحسان العزلة في بعض الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة نذكر بعضها كأمثلة :

1- «فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبياً» . تشير هذه الآية إلى أن جعل النبوة في ذرية إبراهيم عليه السلام كان أثناء عزلته عليه السلام.

2- «وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته».

تدل هذه الآية الشريفة على أن أصحاب الكهف قد شملوا بلطف الباري عز وجل بعد أن اعتزلوا الناس والمجتمع.

3- «قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس أفضل؟ قال مؤمن مجاهد بنفسه في سبيل الله تعالى، قيل: ثم من؟ قال: رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره»(1) .

لقد امتدحت هذه الرواية منزلة العزلة والانزواء وجعلتها في الرتبة التي تلي الجهاد في سبيل الله.

4- روي في مصباح الشريعة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: «صاحب العزلة متحصن بحصن الله ومحترس بحراسته، فيا طوبى لمن تفرد به سراً وعلانية».

* أضرار العزلة والانزواء: 

بإزاء منافع وفوائد العزلة التي ذكرناها، فإن فيها أضراراً عديدة، بينما هناك فوائد جمة في المعاشرة والمخالطة يمكن اتخاذها أدلة على أفضلية المعاشرة وفضيلتها :

1- إن أول ما يوضح أهمية وقيمة المعاشرة هو أن اكتساب أغلب الملكات الأخلاقية الفاضلة يتيسر في المجتمع فقط؛ لأن أغلبها يرتبط بنوعية العلاقة بالآخرين. فالتواضع والمحبة والإيثار والعفو والتسامح والسخاء والحلم وكظم الغيظ والعطف والتراحم وضبط النفس وغيرها من الملكات، تظهر أثناء التعامل مع الآخرين، واكتسابها يحتم الحضور في قلب المجتمع.

وإضافة إلى هذا فإن السلامة من الرذائل الأخلاقية، كالحسد والتكبر والكذب والغيبة وما شاكل، عن طريق العزلة والانزواء، ولا يعد فضيلة وفخراً في الحقيقة، بل إنها منتفية بآنتفاء الموضوع،... فالفضيلة هي أن يعيش الفرد في قلب المجتمع، ويصل في اللحظات الحرجة إلى هاوية السقوط، ولا يفقد السيطرة على نفسه ويرجع، كما رجع نبي الله يوسف عليه السلام (بشرط أن لا يتعمد الفرد إيجاد مثل هذه المواقف).

لذلك فلا سبيل لتحصيل الملكات الفاضلة، والتي تعتبر معيار القيم الإنسانية، إلا بالحياة الاجتماعية والاختلاط مع الناس.

وبعبارة أخرى، إن هذه الفضائل البارزة تحصل عن طريق مخالفة الهوى وعوامل الفساد، كما أن جذوع أشجار الصحراء تتصلب بترعرعها في العواصف والحوادث الصعبة، فلو ترعرعت في مكان مغلق محدود لفقدت تلك الصلابة، فالمنعزلون سوف يفقدون قدراتهم الروحية والأخلاقية بالتدريج.

ولعل الحديث التالي يشير إلى هذه الحقيقة:

«صعد أحد المسلمين إلى شعب من الشعاب واعتزل الناس، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: لا تفعل أنت ولا أحد منكم، لصَبرُ أحدكم في بعض مواطن الإسلام خيرٌ من عبادة أربعين عاماً».

فيتضح من هذا الحديث بطلان الاستدلال الأول لجماعة العزلة والانزواء.

2- إن الوحدة والانزواء مصدر لكثير من الانحرافات الفكرية والذوقية، لأن الإنسان، مهما كان مفكراً وصاحب ذوق مصيب، فإن له أخطاء لا تظهر إلا بالتعامل مع الآخرين، وسوف يلتفت إليها بصورة أسرع، أما في زاوية العزلة، وبسبب انسداد طريق الإصلاح، فسوف يواصل الإنسان طريق الانحراف كالتائه الذي لا تزيده مواصلة المسير إلا بعداً، فقد تصير الفكرة الانحرافية وحدها أساساً لاستنباطات أخرى، وبالتدريج تغزو فكره مجموعة من الاشتباهات التي تحط أفكاره بصورة تامة.

ومن هذه النقطة يتضح رد الاستدلال الثاني لجماعة العزلة والانزواء. عندما يقولون: إن التفكر في معزل أسهل منه في الاختلاط؛ إذ تبين لنا أن خطر الانحراف يهدد الفرد في الوحدة أكثر منه في الاختلاط.

3- والنقص الكبير الآخر الذي يصيب الإنسان في العزلة هو العُجب، فالإنسان بدافع غريزة حب الذات يحب نفسه ومتعلقاتها أكثر مما ينبغي، وهذه الغريزة تعمل في الحقيقة كعدسة مكبرة، وطبقاً لقدرتها التكبيرية، تقوم بتكبير أعمال وأفكار الإنسان في نظره بصورة أكبر مما هي في واقعها. إضافة إلى دورها في تقليل عيوب الإنسان في نظره لدرجة أصغر مما هي عليه. واجتماع هذين الجانبين يولد العجب والتكبر ويعد محيط العزلة والانزواء محيطاً مساعداً جداً على تنمية بذرة هذه الرذيلة. ويستطيع الإنسان بمعاشرته واختلاطه بالآخرين، أن يعرف قدر نفسه على ما هي عليه، فيطلع على الميزان الصحيح لكمالاته وفضائله، ويعرف عيوبه، بمواجهة من هم أكمل منه أخلاقاً، مما يؤدي إلى قلع جذور العجب من نفسه أو تقليلها إلى أدنى حد ممكن.

لذلك فكثيراً ما نرى أن يدعي الأفراد المنعزلون إدعاءات كبيرة أو عجيبة أحياناً، تفصح جميعها عن حالة العجب والكبرياء التي تعتريهم.

ويتضح من هذا فائدة أخرى من الفوائد الجمة لحالة المعاشرة والاختلاط بالآخرين، وهي معرفة عيوب النفس، ويُعَد الآخرون خصوصاً اعداءنا مرآة جيدة تعكس عيوبنا، ولعلنا بدونها لا نطلع على الكثير منها إلى الأبد، فلو كنا منعزلين. لتحطمت هذه المرآة، واتخذت نفوسنا صورة من لم يعرف المرآة أبداً.

٤- سوء لظن بالآخرين:

يُعد سوء الظن بالآخرين عيباً آخر من عيوب العزلة، وهو في الحقيقة ناجم عن العجب الذي يصيب أمثال هؤلاء الأفراد؛ لأن الإنسان بعد أن يصاب بالتكبر الشديد ويفرط في الاعتداد بالنفس، وعدم مشاهدته للانعكاس المناسب من الآخرين بقدر ما يتوقعه هؤلاء الأفراد، تنشأ لديه فكرة تدريجية أن الناس مخطئون في تعاملهم ويكنّون المكر والحيلة وغير ملتزمين بالقيم، وأمثال هؤلاء من ناكري الفضل والجميل والمغرضين وغير المهتمين بالفضائل ضالون ومنحرفون، ولا يستحقون أني نوع من المعاشرة والاختلاط.

وبناءً على هذا سيصير الانزواء دافعاً للمضي في هذا الطريق وتقوية هذه الروحية وزيادة الابتعاد عن الآخرين.

5- سوء الخلق والعصبية :

يترعرع الأفراد المنعزلون، سيئي الخلق ومفرطين في القوة الغضبية، ولا صبر لهم في الصدمات مع الآخرين وقد ينزعجون من أقل شيء أو عبارة لا توافق رغباتهم، ويبدون ردود فعل عنيفة وبالطبع لا يمكن تعميم هذه المسألة، لكنها تصح في كثير من الحالات.

ومقابل ذلك نجد اللين والهدوء والأخلاق الحسنة في الذين يعاشرون غالباً، ودليل هذا واضح أيضاً؛ لأن التحمل وسعة الصدر مَلَكَة تحصل من مواجهة المضجرات وتعود الروح عليها، ولكون الحياة الاجتماعية ممزوجة بالمواقف المزعجة فإنها تنمي حالة سعة الصدر لدى الإنسان تدريجياً.

وعلاوة على هذا، فغالباً ما يكون المنعزلون قليلي النشاط والضحك والمزاج والتنزه عند التعب، وحياتهم متعبة لا تعرف التغيير، مما يؤثر في نفوسهم ويخلق فيها نوعاً من الضجر. ولو وجدت العقد النفسية لتولدت حالة القلق والضجر النفسي المستمر لديهم، وذلك لانعدام الحلول، مما يزيد من توترهم العصبي وأخلاقهم السيئة.

6- الحرمان من العلوم والتجارب:

إن الكثير من العلوم يُستحصل عليها من ألسنة العلماء ومناهجهم وتُستَلهم من طرقهم في التفكير، وهذا لا يتحقق إلا بالمعاشرة.

أضف إلى ذلك أن النضوج والتجربة لا يمكن الوصول إليهما في زاوية العزلة والانزواء، بل بالحياء في قلب المجتمع، وكما نعلم جميعاً فإن ثمرة الحياة الاجتماعية السليمة ما هي إلا التجارب المفيدة.

وبالرجوع إلى الحقائق التي ذكرناها في خصوص فوائد وأضرار كل من المعاشرة والانزواء، تتضح لنا أفضلية وأرجحية منطق المعاشرة بصورة كاملة.

والجدير بالذكر على الرغم من أن الأساس في حياة أي فرد يجب أن يكون هو المعاشرة والاختلاط بالآخرين، فإن هناك حالات استثنائية لا علاج لها إلا الانزواء وقطع المعاشرة أو تقليلها على الأقل. كأن يعيش الإنسان في بيئات فاسدة ومنحطة جداً، بحيث لا ينجم عن المعاشرة سوى التلوث والانحراف، فبديهي يتحتم عليه الفرار من مثل هذه المجتمعات كما يفر من الأمكنة الموبوءة.

وكان اعتزال إبراهيم عليه السلام أو اعتزال أصحاب الكهف شيئاً من هذا القبيل أيضاً.

قال الإمام الصادق عليه السلام لسفيان الثوري: «فسد الزمان وتغير الإخوان فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد»... (سفينة البحار - باب الاعتزال).

ويعد هذا جواباً واضحاً ورذاً لكثير من أدلة جماعة العزلة.

وكذلك تستحب العزلة والانزواء في الحالات التي يكون الإنسان فيها ذا أخلاق سيئة لا يمكنه تركها، لكي يقي الآخرين سوء خلقه، ولعل حديث الرجل المعتزل في شعب من الشعاب، الذي ذكرناه سابقاً ضمن أدلة أصحاب العزلة، يشير إلى هؤلاء الأفراد.

والنقطة الأخرى التي يجدر بنا ذكرها هنا هي أن الإنسان في الوقت الذي يعاشر فيه الناس ويختلط بهم ينبغي عليه أن يخصص بعض ساعات ليله ونهاره ليختلي فيها بربه، ويتفكر ويتعمق في عواقب الأمور، ويفرغ لعبادة ربه ويتوجه بصورة تامة لخالقه، وقد كانت لكثير من علمائنا ساعات كهذه في برامجهم اليومية، وقد يمكن أن يكون هذا معنى العزلة المقصود في بعض الروايات أيضاً.

لذا فالمبدأ الأول في حياة الإنسان هو المعاشرة والمخالطة، أما العزلة والانزواء فلها أوقاتها الخاصة.

_______________________________

(١) إحياء العلوم - عن أبي سعيد الخدري، متفق عليه.