1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاندلسي :

الرحلة إلى دمشق

المؤلف:  أحمد بن محمد المقري التلمساني

المصدر:  نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب

الجزء والصفحة:  ص: 58-68

2-3-2022

3054

الرحلة إلى دمشق

ثم استوعبت أكثر تلك المزارات المباركة كمزار موسى الكليم، على نبينا وعليهم وعلى سائر المرسلين والأنبياء أفضل الصلاة والتسليم، ثم حدث لي منتصف شعبان، عزم على الرحلة إلى المدينة التي ظهر وبان، دمشق الشام، ذات الحسن والبهاء والحياء والاحتشام، والأدواح المتنوعة، والأرواح المتضوعة، حيث المشاهد المكرمة، والمعاهد المحترمة، والغوطة الغناء والحديقة، والمكارم التي يباري فيها المرء شانئه وصديقه، والأظلال الوريفة والأفنان الوريقة، والزهر الذي تخاله مبسما والندى ريقه، والقضبان الملد، التي تشوق رائيها لجنة الخلد:

بحيث الروض وضاح الثنايا أنيق الحسن مصقول الأديم

وهي المدينة المستولية على الطباع، المعمورة البقاع، بالفضل والرباع:

تزيد على مر الزمان طلاوة دمشق التي راقت بحلو المشارب

لها في أقاليم البلاد مشارق منزهة أقمارها عن مغارب

ودخلتها أواخر شعبان المذكور، وحمدت الرحلة إليها وجعلها الله من السعي المشكور:

وجدت بها ما يملأ العين قرة ويسلي عن الأوطان كل غريب

وشاهدت بعض مغانيها الحسنة، ومبانيها المستحسنة:

نزلنا بها ننوي المقام ثلاثة فطابت لنا حتى أقمنا بها شهرا

ورأينا من محاسنها ما لا يستوفيه من تأنق في الخطاب، وأطال في الوصف

(58)

وأطاب، وإن ملأ من البلاغة الوطاب، كما قلت:

محاسن الشام أجلى من أن تسام بحد

لولا حمى الشرع قلنا ولم نقف عند حد:

كأنها معجزات مقرونة بالتحدي

فالجامع الجامع للبدائع يبهر الفكر، والغوطة المنوطة بالحسن تسحر الألباب لا سيما إذا حياها النسيم وابتكر:

أحب الحمى من أجل من سكن الحمى حديث حديث في الهوى وقديم

فلله مرآها الجميل الجليل، وبيوتها التي لم تخرج عن عروض الخليل، ومخبرها الذي هو على فضلها وفضل أهلها أدل دليل، ومنظرها الذي ينقلب البصر عن بهجته وهو كليل:

والروض قد راق العيون بحلة قد حاكها بسحابه آذار

وعلى غصون الدوح خضر غلائل والزهر في أكمامه أزرار

فكم لها من حسن ظاهر وكامن، كما قلت موطئا للبيت الثامن:

أما دمشق فخضرة لعبت بألباب الخلائق

هي بهجة الدنيا التي منها بديع الحسن فائق

لله منها الصالح؟ي؟ ة فاخرت بذوي الحقائق

والغوطة الغناء حي؟ ؟ ت بالورود وبالشقائق

والنهر صاف والنسي؟ م اللدائن للأشواق سائق

(59)

والطير بالعيدان أب؟ دت في الغنا أحلى الطرائق

ولآلئ الأزهار حل؟ ت جيد غصن فهو رائق

ومراود الأمطار قد كحلت بها حدق الحدائق

لا زال مغناها مصو نا آمنا كل البوائق

وكما قلت مرتجلا أيضا مضمنا الرابع والخامس:

دمشق راقت رواء وبهجة وغضاره

فيها نسيم عليل صح فوافقت بشاره

وغوطة كعروس تزهى بأعجب شاره

يا حسنها من رياض مثل النضار نضاره

كالزهر زهرا وعنها عرف العبير عباره

والجامع الفرد منها أعلى الإله مناره

وحاصل القول فيها لمن أراد اختصاره

تذكيرها من رآها عدنا وحسبي إشاره

دامت تفوق سواها إنالة وإناره

وكما ارتجلت فيها أيضا:

قال لي ما تقول في الشام حبر كلما لاح بارق الحسن شامه

قلت ماذا أقول في وصف قطر هو في وجنة المحاسن شامه

وقلت أيضا:

قال لي صف دمشق مولى رئيس جمل الله خلقه واحتشامه

قلت كل اللسان في وصف قطر هو في وجنة البسيطة شامه

(60)

وقلت أيضا؟:

وإذا وصفت محاسن الدنيا فلا تبدأ بغير دمشق فيها أولا

بلد إذا أرسلت طرفك نحوه لم تلق إلا جنة أو جدولا

ذا وصف بعض صفاته وهي التي تعيي البليغ وإن جاد وطولا

والغاية في هذا الباب، من الوصف لبعض محاسنها الفاتنة الألباب، قول أبي الوحش سبع بن خلف الأسدي يصف أرضها المشرقة، ورياضها المورقة، ونسيمها العليل، وزهرها الندي البليل:

سقى دمشق الشام غيث ممرع من مستهل ديمة دفاقها

مدينة ليس يضاهي حسنها في سائر الدنيا ولا آفاقها

تود زوراء العراق أنها تعزى إليها لا إلى عراقها

فأرضها مثل السماء بهجة وزهرها كالزهر في إشراقها

نسيم ريا روضها متى سرى فك أخا الهموم من وثاقها

قد ربع الربيع في ربوعها وسيقت الدنيا إلى أسواقها

لا تسأم العيون والأنوف من رؤيتها يوما ولا انتشاقها

(61)

وقول شمس الدين الأسدي الطيبي:

إذا ذكرت بقاع الأرض يوما فقل سقيا لجلق ثم رعيا

وقل في وصفها لا في سواها: بها ما شئت من دين ودنيا

وكأن لسان الدين ذا الوزارتين بن الخطيب، عناها بقوله المصيب:

بلد تحف به الرياض كأنه وجه جميل والرياض عذاره

وكأنما واديه معصم غادة ومن الجسور المحكمات سواره

وكنت قبل رحلتي إليها، والوفادة عليها، كثيرا ما أسمع عن أهلها زاد الله في ارتقائهم، ما يشوقني إلى رؤيتها ولقائهم، وينشقني على البعد أريج الأدب الفائق من تلقائهم، حتى لقيت بمكة المعظمة، أوحد كبرائها الذين فرائدهم بلبة الدهر منظمة؛ عين الأعيان، وصدر أرباب التفسير بها والبيان؛ صاحب القلم الذي طبق الكلى والمفاصل، والفتاوي التي حكمها بين الحق والباطل فاصل، والتآليف التي وصفها بالإجادة من باب تحصيل الحاصل؛ وارث العلم عن غير كلالة؛ ذو الحسب المشرق بدره في سماء الجلالة؛ صاحب المعارف التي زانت خلاله، وساحب أذيال العوارف التي أبانت على فضله دلالة، مفتي السلطان في تلكم الأوطان، على مذهب الإمام النعمان، مولانا الشيخ عبد الرحمن ابن شيخ افسلام عماد الدين، لا زال سالكا سبيل المهتدين؛ فكان جمل الله عصرا وأوانا، لقضية هذا القياس عنوانا، فلما حللت بدارهم، ورايت ما أذهلني من سبقهم للفضل وبدارهم، صدق الخبر الخبر، وتمثلت

(62)

فيهم بقول بعض من غبر:

ألمت بنا أوصافهم فامتلا الفضا عبيرا وأضحى نوره متألقا

وقد كان هذا من سماع حديثهم بلاغا فصح النقل إذ حصل اللقا

وقابلوني اسماهم الله بالاحتفال والاحتفاء، وعرفني بديع برهم فن الاكتفاء:

غمرتني المكارم الغر منهم وتوالت على منها فنون

شرط إحسانهم تحقق عندي ليت شعري الجزاء كيف يكون

وقابلوني بالقبول مغضين عن جهلي:

وما زال بي إحسانهم وجميلهم وبرهم حتى حسبتهم أهلي

بل الأولى أن أتمثل فيهم بما هو أبلغ من هذا المقول في آل المهلب، وهو قول بعض من نزل بقوم برق غير خلب، في زمن به تقلب:

ولما نزلنا في ظلال بيوتهم أمنا ونلنا الخصب في زمن محل

ولو لم يزد إحسانهم وجميلهم على البر من أهلي حسبتهم أهلي

لا سيما المولى الذي أمدحه تحلي أجياد الطروس العاطلة، وسماحه يخجل أنواء الغيوث الهاطلة، صدر الأكابر الأعاظم، الحائز قصب السبق في ميدان الإجادة بشهادة كل ناثر وناظم، الصديق الذي بوده أغتبط

(63)

والصدوق الذي بأسباب عهده أرتبط، الأوحد الذي ضربت البراعة رواقها بنادية، والماجد الذي لم يزل بديع البلاغة من كثب يناديه، السري الحائز من الخلال ما أبان تفضيله، اللوذعي الذي لم تزل أوصافه تحكم له بالسؤدد وتقتضي له، والحق أبلج لا يحتاج إلى زيادة براهين، الأجل المولى أحمد أفندي بن شاهين، لا زالت العزة مقيمة بواديه، ولا برحت حضرته جامعة لبواطن الفخر وبواديه، والسعد يراوح مقامه ويغاديه، والمجد يترنم بذكره حاديه، فكم له أسماه الله ولغيره من أعيان دمشق لدي من أياد، يعجز عن الإبانة عنها لو أراد وصفها قس إياد، ولو تعرضت لأسمائهم وحلاهم، أدام الله تعالى سعودهم وعلاهم، لضاق عن ذلك هذا النطاق، وكان من شبه التكليف بما لا يطاق، فليت شعري بأي اسلوب، أؤدي بعض حقهم المطلوب؟ أن بأي لسان، أثني على مزاياهم الحسان؟ وما عسى أن أقول في قوم نسقوا الفضائل ولاء، وتعاطوا أكواب المحامد ولاء؟ وسحبوا من المجد مطارف وملاء، وحازوا المكارم، وبذوا الموادد والمصارم، سؤددا وعلاء:

فما رياض زهر الربيع إذا بدت في وشيها البديع

ضاحكة عن شنب الأقاح عند سفور طلعة الصباح

غنى بها مطوق الحمام وصافحتها راحة الغمام

وباكرتها نسمة من الصبا فاصبحت كأنها عهد الصبا

نضارة ورونقا وبهجه تفدى بكل ناظر ومهجه

(64)

أطيب من ثناها عبيرا بين الورى، واسأل به خبيرا

دامت معاليهم على طول الزمن يروى حديث الفضل عنها عن حسن

وثابت وقرة وسعد وأسعفوا بنيل كل وعد

فهم الذين نوهوا بقدري الخامل، وظنوا مع نقصي أن بحر معرفتي وافر كامل، حسبما اقتضاه طبعهم العالي:

فلو شريت بعمري ساعة ذهبت عن عيشتي معهم ما كان بالغالي

فمتعين حقهم لا يترك، وحبهم لا يخالط بغيره ولا يشرك، وإن أط

لت الوصف فالغاية في ذلك لا تدرك:

يزداد في مسمعي ترداد ذكرهم طيبا ويحسن في عيني مكرره

وإذا كان المديح الصادق لا يزيدهم رفعة قدر، فهم كما قال الأعرابي الذي ضلت ناقته في مدح البدر، والبليغ وذو الحصر في ذلك سيان، والحق أبلج، والباطل لجلج، وليس الخبر كالعيان:

هب الروض لا يثني على الغيث نشره أتحسبه تخفى مآثره الحسنى

وقد تذكرت بلادي النائبه، بذلك المرأى الشامي الذي يبهر رائيه، فما شئت من أنهار ذات انسجام، أترع بها من جريال الأنس جام، وأزهار متوجة للأدواح، مروحة للنفوس بعاطر الأرواح، وحدائق تعشي أنوارها الأحداق، وعيانها للخبر عنها مصداق وأي مصداق:

(65)

فهي التي ضحك البهار صباحها وبكت عشيتها عيون النرجس

واخضر جانب نهرها فكأنه سيف يسل وغمده من سندس

وجنان، أفنانها في الحسن ذوات افتنان:

صافحتها الرياح فاعتنق السر و ومالت طواله للقصار

لائذ بعضه ببعض كقوم في عتاب مكرر واعتذر

وبطاح راق سناها، وكمل حسنها وتناهى، كما قلت مضمنا في ذلك المنحنى، لقول بعض من نال في البلاغة منا ومنحا:

دمشق لا يقاس بها سواها ويمتنع القياس مع النصوص

حلاها راقت الأبصار حسنا على حكم العموم أو الخصوص

بساط زمرد نثرت عليه من الياقوت ألوان الفصوص

ولله در القائل، في وصف تلك الفضائل:

إن تكن جنة الخلود بأرض فدمشق، ولا يكون سواها

أو تكن في السماء فهي عليها قد أمدت هواءها وهواها

بلد طيب ورب غفور فاغتنمها عشية أو ضحاها

وعند رؤيتي لتلك الأقطار، الجليلة الأوصاف العظيمة الأخطار، فتاءلت بالعود إلى أوطان لي بها أوطار، إذ التشابه بينهما قريب في الأنهار والأزهار، ذات العرف المعطار، وزادت هذه بالتقديس الذي همعت عليها منه الأمطار، وتمثلت بقول الأصفهاني، وإن غيرت يسيرا منه لما أسفرت وجوه التهاني:

(66)

لما وردت الصالحي؟ ة حيث مجتمع الرفاق

وشممت من أرض الشآ م نسيم أنفاس العراق

أيقنت لي ولمن أح؟ ب بجمع شمل واتفاق

وضحكت من فرح اللقا ء كما بكيت من الفراق

لم يبق لي إلا تج؟ شم أزمن السفر البواقي

حتى يطول حديثنا بصفات ما كنا نلاقي

وكنت قبل حلولي بالبقاع الشامية مولعا بالوطن لا سواء، فصار القلب بعد ذلك مقسما بهواه:

ولي بالحمى أهل وبالشعب جيرة وفي حاجر خل وفي المنحنى صحب

تقسم ذا القلب المتيم بينهم سألتكم بالله هل ينقسم القلب

فيا لك من صب مراع للذمام، منقاد لشوقه بزمام، يخيل له أنه سمع صوت قيان، بقول الأول:

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان

وفرد تعددت جموعه، ووشت، بما أكنت ضلوعه، دموعه، فأنشد وقد تحير، ما بدل فيه من عظم ما به وغير:

كتمت شأن الهوى يوم النوى فوشى بسره من جفوني أي نمام

كانت ليالي بيضا في دنوهم فلا تسل بعدهم عن حال أيامي

ضنيت وجدا بهم والناس تحسب بي سقما فأبهم حالي عند لوامي

وليس أصل ضني جسمي النحيل سوى فرط اشتياقي لأهل الغرب والشام

(67)

وحصل التحير، حيث لم يمكن الجمع ولا الخلو عند التخير، كما قال ابن دقيق العيد، في مثل هذا الغرض البعيد:

إذا كنت في نجد وطيب نعيمه تذكرت أهلي باللوى فمحمر

وإن كنت فيهم زدت شوقا ولوعة إلى ساكني نجد وعيل تصبري

فقد طال ما بين الفريقين موقفي فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري

وبالجملة فالاعتراف بالحق فريضة، ومحاسن الشام وأهله طويلة عريضة، ورياضه بالمفاخر والكمالات أريضة، وهو مقر الأولياء والأنبياء، ولا يجهل فضله إلا الأغمار الأغبياء، الذين قلوبهم مريضة:

أني يرى الشمس خفاش يلاحظها والشمس تبهر أبصار الخفافيش

ولله در من قال في مثل هذا من الأرضياء:

وهبني قلت إن الصبح ليل أيعمى العالمون عن الضياء

وقال آخر فيمن عن الحق ينفر:

إذا لم يكن للمرء عين بصيرة فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

وحسب الفاضل اللبيب، أن يروي قول البدر بن حبيب:

(68)

عرج إذا مشت برق الشآم وحي أهل الحي واقر السلام

وانزل بإقليم جزيل الحيا بارك فيه الله رب الأنام

العز والنصر لديه، وما لعروة الإسلام عنه انفصام

من أولياء الله كم قد حوى ركنا بمرآه بطيب المقام

وهو مقر الأنبياء الألى والأصفياء الأتقياء الكرام

كم من شهيد في حماه وكم من عالم فرد وكم من إمام

ولذلك اعتنت الجهابذة بتخليد أخباره في الدواوين، وابتنت الأساتذة بيوت افتخاره المنيفة الأواوين، وتناقلت أنباءه البديعة ألسن الراوين، وهامت بأماكنه المريعة هداة الشريعة فضلا عن الشعراء الغاوين، ومع ذلك فهم في التعبير عن عجائبه غير متساوين، أولا يرى أنهم يأتون من مقولهم، على قدر رأيهم وعقولهم، ولم يبلغ جمع منهم ما كانوا له ناوين:

على قدرك الصهباء توليك نشوة بها سيء أعداء وسر صحاب

ولو أنها تعطيك منها بقدرها لضاقت بك الأكوان وهي رحاب

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي