1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : البلاغة : البيان :

الحذف والزيادة

المؤلف:  عبد القاهر الجرجاني

المصدر:  أسرار البلاغة

الجزء والصفحة:  ص: 377-384

15-2-2022

2922

 

فصل في الحذف والزيادة

وهل هما من المجاز أم لا  

واعلم أن الكلمة كما توصف بالمجاز، لنقلك لها عن معناها، كما مضى، فقد توصف به لنقلها عن حُكمٍ كان لها، إلى حُكْمٍ ليس هو بحقيقة فيها، ومثالُ ذلك أن المضاف إليه يكتسي إعرابَ المضافِ في نحو: "وَاسْئَلِ القَرْيَةَ" "يوسف: 82"، والأصل: واسئل أهل القرية، فالحكم الذي يجب للقرية في الأصل وعلى الحقيقة هو الجرُّ، والنصبُ فيها مجازٌ، وهكذا قولهم: بنو فلانٍ تَطَؤُهم الطريقُ، يريدون أهلَ الطريق، الرَّفع في الطريق مجاز، لأنه منقول إليه عن المضاف المحذوف الذي هو الأهل، والذي يستحقّه في أصله هو الجرُّ، ولا ينبغي أن يقال: إن وجهَ المجاز في هذا الحذفُ، فإن الحذفَ إذا تجرَّد عن تغيير حُكْم من أحكام ما بقي بعد الحذفِ لم يُسَمَّ مجازاً، ألا ترى أنك تقول: زيدٌ منطلق وعمرٌو، فتحذف الخبر، ثم لا توصف جملة الكلام من أجل ذلك بأنه مجازٌ? وذلك لأنه لم يُؤَدِّ إلى تغيير حكم فيما بقي من الكلام، ويزيدُه تقريراً أن المجاز إذا كان معناه: أن تجوزَ بالشيء موضعَه وأصلَه، فالحذفُ بمجرَّده لا يستحقّ الوصف به، لأنَّ تَرْك الذكر وإسقاطَ الكلمة من الكلام، لا يكون نقلاً لها عن أصلها، إنما يُتصوَّر النقل فيما دخل تحت النطق، وإذا امتنع أن يوصف المحذوفُ بالمجاز، بقي القولُ فيما لم يحذف، وما لم يُحْذَف ودخل تحت الذكر، لا يزول عن أصله ومكانه حتى يُغيَّر حُكمٌ من أحكامه أو يغيَّر عن مَعَانيه، فأما وهو على حاله، والمحذوفُ مذكورٌ، فتوهُّمُ ذلك فيه من أبعد المحال فاعرفه. وإذا صحَّ امتناعُ أن يكون مجرَّدُ الحذفِ مجازاً، أو تحِقَّ صفةُ باقي الكلام بالمجاز، من أجل حذفٍ كان على الإطلاق، دون أن يحدُث هناك بسبب ذلك الحذف تغيُّرُ حكمٍ على وجهٍ من الوجوه علمتَ منه أنّ الزيادة في هذه القضية كالحذف، فلا يجوزُ أن يقال إن زيادة ما في نحو: "فَبِمَا رَحْمَةٍ" "آل عمران: 951" مجازٌ، أو أن جملة الكلام تصير مجازاً من أجل زيادته فيه، وذلك أنّ حقيقة الزيادة في الكلمة أنْ تَعْرَى من معناهَا، وتذكرَ ولا فائدة لها سوى الصّلة، ويكون سقوطُها وثبوتُها سواءً، ومحالٌ أن يكون ذلك مجازاً، لأن المجاز أن يُراد بالكلمة غير ما وُضِعت له في الأصل أو يُزَادَ فيه أو يُوهَم شيءٌ ليس من شأنه، كإيهامك بظاهر النَّصب في القرية أن السؤال واقعٌ عليها، والزائد الذي سقوطه كثبوته لا يُتصوَّر فيه ذلك. فأمَا غير الزائد من أجزاء الكلام الذي زِيدَ فيه، فيجب أن يُنظَر فيه، فإن حدَثَ هناك بسبب ذلك الزائِد حكمٌ تزول به الكلمة عن أصلها، جاز حينئذٍ أن يُوصَف ذلك الحكم، أو ما وَقَع فيه، بأنه مجاز، كقولك في نحو قوله تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" "الشورى: 11" إن الجرّ في المِثْل مجازٌ، لأن أصله النصب، والجرُّ حكمٌ عَرَض من أجل زيادة الكاف، ولو كانوا إذ جعلوا الكاف مزيدة لم يُعملوها، لما كان لحديث المجاز سبيلٌ على هذا الكلام، ويزيده وضوحاً أن الزيادة على الإطلاق لو كانت تستحق الوصفَ بأنها مجاز، لكان ينبغي أن يكون كل ما ليس بمزيد من الكلم مستحقّاً الوصف بأنه حقيقة، حتى يكون الأسد في قولك: رأيت أسداً وأنت تريد رجلاً حقيقةً. فإن قلت: المجاز على أقسام، والزيادة من أحدها، قيل هذا لك إذَا حدَّدتَ المجاز بحدٍّ تدخل الزيادة فيه، ولا سبيلَ لك إلى ذلك، لأن قولَنا: المجاز، يفيد أن تجوز بالكلمة موضعَها في أصل الوضع، وتنقلها عن دِلالة إلى دِلالة، أو ما قَارَب ذلك، وعلى الجملة فإنه لا يُعقَل من المجاز أن تَسْلُب الكلمة دِلالتَها، ثم لا تُعطيها دِلالةً، وأن تُخلِيَها من أن يُرَاد بها شيء على وجهٍ من الوجوه، ووصفُ اللفظة بالزيادة، يفيد أن لا يُرَاد بها معنًى، وأن تُجعَل كأن لم يكن لها دلالة قطُّ، فإن قلت: أَو ليس يُقال إن الكلمة لا تَعْرَى من فائدة مّا، ولا تصير لَغْواً على الإطلاق، حتى قالوا إنّ ما في نحو فبما رحمة من اللَّه، تفيد التوكيد. فأنا أقول إنَّ كونَ مَا تأكيداً، نقلٌ لها عن أصلها ومجازٌ فيها، وكذلك أقول: إن كون الباء المزيدة في ليس زيد بخارج، لتأكيدِ النفي، مجازٌ في الكلمة، لأن أصلها أن تكون للإلصاق فإنّ ذلك على بُعده لا يقدح فيما أردتُ تصحيحَه، لأنه لا يُتصوَّر أن تصفَ الكلمة من حيث جُعلت زائدة بأنها مجازٌ، ومتى ادّعينا لها شيئاً منالمعنى، فإنَّا نجعلها من تلك الجهة غير مزيدة، ولذلك يقول الشيخ أبو علي في الكلمة إذا كانت تزولُ عن أصلها من وجه ولا تزول من آخر مُعْتدٌّ بها من وجهٍ، غيرُ مُعْتدٍّ بها من وجهٍ، كما قال في اللاّم من قولهم: لا أبا لِزَيْدٍ، وجعلها من حيث مَنعت أن يتعرَّف الأبُبزيدٍ، معتدّاً بها من حيث عارضها لام الفعل من الأب التي لا تعود إلا في الإضافة نحو: أبو زيد وأبا زيد، غير معتدٍّ بها، وفي حكم المُقحَمة الزائدة، وكذلك توصف لا في قولنا مررت برجلٍ لا طويلٍ ولا قصيرٍ، بأنها مزيدةٌ ولكن على هذا الحدّ، فيقال: هي مزيدة غيرُ مُعْتدٍّ بها من حيث الإعراب، ومعتدٌّ بها من حيث أوجبت نفي الطول والقِصَر عن الرجل، ولولاها لكانا ثابتين له. وتطلق الزيادة على لا في نحو قوله تعالى: "لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أن لا يَقْدِرُونَ" "الحديد: 29"، لأنها لا تفيد النفي فيما دخلت عليه، ولا يستقيم المعنى إلاّ على إسقاطها، ثم إنْ قلنا إنّ لا هذه المزيدةَ تُفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعدُ في قوله: "أن لاَ يَقْدِرُونَ"، وتؤذن به، فإنّا نجعلها من حيث أفادت هذا التأكيد غيرَ مزيدة، وإنما نجعلها مزيدة من حيث لم تُفد النفي الصريح فيما دخلت عليه، كما أفادته في المسألة، وإذا ثبتَ أنَّ وصفَ الكلمة بالزيادة، نقيضُ وصفها بالإفادة، علمت أن الزيادة، من حيث هي زيادة، لا توجب الوصف بالمجاز، فإن قلت: تكون سبباً لنقل الكلمة عن معنًى هو أصلٌ فيها إلى معنًى ليس بأصلٍ كدتَ تقول قولاً يجوز الإصغاء إليه، وذلك، إن صَحّ، نظير ما قدّمتُ من أن الحذف أو الزيادة قد تكون سبباً لحدوث حكم في الكلمة تدخل من أجله في المجاز، كنصب القرية في الآية وجرّ المِثْل في الأخرى فاعرفه. واعلم أن من أصول هذا الباب: أن مِن حقّ المحذوف أن المزيد أن يُنسَب إلى جُملة الكلام، لا إلى الكلمة المجاورة له، فأنت تقول إذا سُئلت عن: اسأل القرية: في الكلام حذفٌ، والأصل: أهل القرية، ثم حُذف الأهل، تعني حُذف من بين الكلام، وكذلك تقول: الكافُ زائدة في الكلام والأصلُ: ليس مثلَه شيءٌ، ولا تقول هي زائدة في مثل، إذ لو جاز ذلك، لجاز أن يقال إنّ ما في فبما رحمة، مزيدةٌ في الرحمة، أو في الباء وأن لا مزيدة في يعلم، وذلك بَيِّنُ الفساد، لأن هذه العبارة إنما تصلح حيث يُرَاد أن حرفاً زيد في صيغة اسم أو فعل، على أن لا يكون لذلك الحرف على الانفراد معنًَى، ولا تعُدّه وحده كلمةً، كقولك: زيدت الياء للتصغير في رُجيل، والتاء للتأنيث في ضَارِبَة، ولو جاز غيرُ ذلك، لجاز أن يكون خبر المبتدأ إذْ حُذف في نحو: زيد منطلق وعمرو، محذوفاً من المبتدأ نفسه، على حدِّ حذف اللام من يَدٍ ودَمٍ، وذلك ما لا يقوله عاقل، فنحن إذا قلنا إن الكاف مزيدة في مثل، فإنما نعني أنها لمّا زيدت في الجملة وُضعت في هذا الموضع منها، والأَصحُّ في العبارة أن يقال: الكاف في مثل مزيدة، يعني الكاف الكائنة في مثل مزيدةٌ، كما تقول الكاف التي تراها في مثل مزيدةٌ وكذلك تقول: حُذِفَ المضافُ من الكلام، ولا تقول: حذف المضاف من المضاف إليه، وهذا أوضح من أن يخفى، ولكنيِّ استقصيتُه، لأني رأيت في بعض العبارات المستعملة في المجاز والحقيقة ما يُوهم ذلك فاعرفه. ومما يجب ضبطه هنا أيضاً: أن الكلام إذا امتنعَ حمله على ظاهره حتى يدعو إلى تقديرِ حذفٍ، أو إسقاطِ مذكورٍ، كان على وجهين: أحدهما أن يكون امتناع تركه على ظاهره، لأمرٍ يرجع إلى غرض المتكلم، ومثاله الآيتان المتقلدم تلاوتهما، ألا ترى أنك لو رأيت اسأل القرية في غير التنزيل، لم تقطع بأن هاهنا محذوفاً، لجواز أن يكون كلام رجل مرَّ بقرية قد خَرِبت وباد أهلها، فأَراد أن يقول لصاحبه واعظاً ومذكّراً، أو لنفسه مُتَّعظاً ومُعْتبراً اسأل القرية عن أهلها، وقلْ لها ما صنعوا، على حد قولهم: سَلِ الأرض مَن شَقَّ أنْهارَك، وغَرَس أشجارك، وجَنَى ثمارك، فإنها إن لم تُجِبْك حِواراً، أجابتْك اعتباراً وكذلك: إن سمعت الرجل يقول: ليس كمثل زيدٍ أحدٌ، لم تقطع بزيادة الكاف، وجوّزت أن يريد: ليس كالرجل المعروف بمماثلة زيد أحدٌ، الوجه الثاني أن يكون امتناعُ تَركِ الكلام على ظاهره، ولزومِ الحكم بحذفٍ أو زيادةٍ، من أجل الكلام نفسِه، لا من حيث غَرَض المتكلم به، وذلك مثل أن يكون  المحذوف أحدَ جزءي الجملة، كالمبتدأ في نحو قوله تعالى: "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" "يوسف: 18-83"، وقوله: "مَتَاعٌ قَلِيلٌ" "النحل: 117"، لابُدَّ من تقدير محذوف، ولا سبيل إلى أن يكون له معنى دونه، سواءٌ كان في التنزيل أو في غيره، فإذا نظرتَ إلى: صَبْرٌ جميلٌ في قول الشاعر:ف أحدَ جزءي الجملة، كالمبتدأ في نحو قوله تعالى: "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" "يوسف: 18-83"، وقوله: "مَتَاعٌ قَلِيلٌ" "النحل: 117"، لابُدَّ من تقدير محذوف، ولا سبيل إلى أن يكون له معنى دونه، سواءٌ كان في التنزيل أو في غيره، فإذا نظرتَ إلى: صَبْرٌ جميلٌ في قول الشاعر:

يشكو إليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى

 

صَبْرٌ جَمِيلٌ، فكِلانَا مُبْتَلَـى

 

وجدته يَقْتضي تقديرَ محذوفٍ، كما اقتضاه في التنزيل، وذلك أن الداعي إلى تقدير المحذوف هاهنا، هو أن الاسم الواحدَ لا يفيدُ، والصفة والموصوف حكمهما حكم الاسم الواحد، وجَميلٌ صفة للصَبْر. وتقول للرجل: مَنْ هذا?، فيقول: زيدٌ، يريد هو زيد، فتجد هذا الإضمار واجباً، لأن الاسم الواحد لا يُفيد، وكيف يُتصوَّر أن يفيد الاسم الواحد، ومَدَارُ الفائدة على إثبات أو نفي، وكلاهما يقتضي شيئين: مُثَبتٌ ومُثَبتٌ له، ومَنْفيٌّ ومنفيٌّ عنه. وأما وجوب الحكم بالزيادة لهذه الجهة، فكنحو قولهم: بحَسْبك أنْ تفعل، و: "كَفَى باللَّه" "سورة النساء: 6"، وآيات أخر، إن لم تقضِ بزيادة الباء، لم تجد للكلام وجهاً تصرفه إليه، وتأويلاً تتأوله عليه ألبتة، فلا بدَّ لك من أن تقول إن الأصل حَسْبُكَ أن تفعل، وكفَى اللَّه، وذلك أن الباء إذا كانت غير مزيدة، كانت لتعدية الفعل إلى الاسم، وليس في بحسبك أن تفعل فعلٌ تعدّيه الباء إلى حسبَك، ومنْ أين يتصوّر أن يتعدَّى إلى المبتدأ فعلٌ، والمبتدأ هو المعرَّى من العوامل اللفظية؛ وهكذا الأمر في كفى أو أقوى، وذلك أن الاسم الداخلَ عليه الباء في نحو: كفى بزيد، فاعل كَفَى، ومحالٌ أن تُعَدِّيَ الفعل إلى الفاعل بالباء أو غير الباء، ففي الفعل من الاقتضاءِ للفاعل ما لا حاجة معه إلى مُتَوَسِّط ومُوصِل ومُعَدٍّ، فاعرفه.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي