بناء السلطان مراد الكعبة
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 545 - 548
27-11-2020
1920
بناء مراد الكعبة :
كان الجدار الشامي قد تشقق بسبب بعض الامطار في عام ١٠١٩ فلما انتهى الخبر الى الخليفة العثماني فكر في هدمه واعادة بنائه فلم ير علماء الأتراك رأيه واقترحوا ان تحزم الكعبة بحزام نحاس قوي يشد جدارها فوافق على ذلك وغلف الحزام بالذهب الخالص فبلغت نفقاته نحو ٨٠ الف دينار (1) ويذكر السيد احمد دحلان ان الخليفة العثماني كان ينوي اعادة بناء الكعبة بحجارة موشاة بالذهب والفضة فمنعه شيخ الاسلام من ذلك ، وفي ١٩ شعبان سنة ١٠٣٩ هطلت أمطار عظيمة استمرت طيلة اليوم المذكور وبعض الليل وكان يصحبه برد شديد وسال في أثناء ذلك وادي ابراهيم سيلا عظيما طغت مياهه على المسجد حتى بلغ ارتفاعها باب الكعبة ثم فاض حتى ملأ الكعبة من داخلها وارتفع الى نصف جدارها فانهار جدارها الشمالي والشرقي وثلثا الجدار الغربي وسقطت درجة السطح وبلغ عدد ضحايا السيل يومها نحو ألف انسان فعم ضجيج الناس وهرع أمير مكة الشريف مسعود الى المسجد فزعا يتبعه وجوه الناس فأمر بنقل محفوظات الكعبة من الهدايا الى دار آل الشيبي ثم دعا الناس لتنظيف المسجد وازالة ما تراكم فيه من الطين وشاركهم في ذلك ثم نقل ما هدم من حجارة الكعبة الى حواشي المطاف (2).
وفي يوم السبت ٢٢ منه عقد الأمير مجلسا حضره علماء مكة في المسجد فاستفتاهم فيما يجب عمله فاتفقوا على وجوب المبادرة ببناء الكعبة من أموالها صورة الكعبة عندما فاض السيل فهدم جدارها فى العهد العثمانى الأول وهى كما تخليها جير الددى غورى فى كتابه امراء مكة المحفوظة بعد هدم ما تقتضيه الضرورة من جدارها، وأن يكتبوا في الحال الى خليفة المسلمين ليبادر بالمساعدة اللازمة كما اتفق رأيهم على أن يستروا ما يحيط بالكعبة بأخشاب مكسوة بالحرير الى أن يتم البناء.
وفي ٢٥ رمضان وصلت الأخشاب الخاصة بالستر من جدة فشرع شمس الدين وهو مهندس من مكة في اقامتها حول الكعبة ثم أسدل عليها ستارا أخضر.
وشاع النبأ في بلاد المسلمين فأحدث هياجا شديدا وندب أمير مكة من يخبر والي مصر ليرسل بذلك الى الاستانة.
وفى ١٦ ربيع الثاني عام ١٠٤٠ وصل الى مكة مندوب السلطان مراد وبعد أربعة أيام رست في ميناء جدة سفينة تحمل المؤن والأخشاب وسائر الأدوات اللازمة للبناء.
وفي ٢٢ ربيع الثاني شرعوا النجارون يحيطون الكعبة بسياج من الخشب أوسع من السياج الذي نصبوه من قبل ليعمل البناؤون من ورائه في تعمير الكعبة.
وتوفي الشريف مسعود في أثناء قيام السياج وتولى الامر بعده الشريف عبد الله بن حسن بن أبي نمي فأشرف على أعمال الهدم والبناء وبدأ الحجارون يقطعون للكعبة أحجارا من جبل معروف في الشبيكة سمى جبل الكعبة ثم ينقلونها الى المسجد لتسويتها واصلاحها ، وقامت قيامة المعارضين فقد قيل لهم لابد بعد هدم الجدار الخربة أن يهدموا الجدار الباقي الذي تطرق اليه بعض الخراب من أساسه فاستنكروا ذلك وطلبوا أن يكتفي المهندسون بالترميم في الجدار الذي لم يصل الخراب الى أساسه ولكن المهندسين أجمعوا على التوسع في الهدم لتقوم الجدر على أسس متينة فاستشاط بعض المشائخ غيظا وألف الشيخ محمد علي بن علان الصديقي رسالة سماها «ايضاح تلخيص بديع المعاني في بيان منع هدم جدار الكعبة اليماني» ووزع سخا منها على المكلفين بالعمل (3) ومع هذا فالمفهوم أن جميع الجدر هدمت عن اخرها وبنيت من جديد على خلاف ما ظن المشائخ واعتقده بعض المؤرخين وبذلك (4) يكون بناء الكعبة الماثل اليوم هو بناء العثمانيين ويؤيد هذا ما نقله السيد احمد دحلان من قصيدة أنشأها شيخ المعارضين الشيخ محمد علي بن علان الصديقي وقد ذكر فيها الكعبة الى أن قال :
ومن بعد ذا قد بنى البيت (كله!!)
مراد بن عثمان فشيد رونقه.
وكان متعهدوا البناء من مهندسي مكة وهم المعلم علي بن شمس الدين والمعلم محمد زين الدين وأخوه عبد الرحمن وقد سجل قاضي مكة ذلك عليهم قبل مباشرة العمل، ثم أضيف اليهم أربعة من مهندسي مصر وبنائيها. وهكذا بدأوا العمل في نهاية جمادي الأولى سنة ١٠٤٠ بهدم الجدار الغربي ثم الجدار اليماني ثم نقلوا حجر الركن اليماني كما نقلوا بقية الاركان الا الحجر الاسود، وفي ٢٣ جمادي الثانية احتفلوا بوضع الأساس في الجدار الشامي وتقدم الشريف عبد الله بمباشرة ذلك ثم تبعه العلماء والأعيان ومندوبو العثمانيين والمصريين ووزعت الخلع والهدايا وذبحت الذبائح عند باب السلام وباب الصفا وباب الزيادة وباب ابراهيم ووزعت لحومها على الفقراء.
وقد ظل العمل مستمرا الى نهاية شعبان سنة ١٠٤٠ وفي غرة رمضان ألبسوا الكعبة كسوتها واحتفلوا بذلك ووزعوا الهدايا والخلع واستمروا بعد ذلك في عمل ملحقات البناء من تجصيص وترخيم ودهان واصلاح الى أن انتهت جميع الأعمال المتعلقة بذلك في ٢ ذي الحجة من السنة نفسها ١٠٤٠ (5).
وفي أثناء عملهم فيما يحيط بالحجر الأسود انفلق الحجر الى اربع شظايا فهالهم ذلك وأزعجهم فبادروا الى جمع الشظايا بمركب عجنوه بالعنبر واللادن فتماسك الى أمد طويل ثم تفكك فعالجوه بمركب من قلفونية واسبيداج وسندروس ومسك فتماسك أمدا ثم عاد الى التفكك فجيء بالمعلم محمود الدهان فاتخذ له مركبا خاصا تماسكت به القطع تماسكا تاما (6).
وأمر مراد خان بتجديد باب الكعبة وارسال القديم اليه.
وفي سنة ١٠٧٣ انكسرت خشبة في سقف الكعبة فعمروا السقف وبنوا افريزا لسطح الكعبة عام ١١٠٠ ثم أصلحوا السقف عام ١١٠٩ ورمموا الكعبة سنة ١١٣٨ وقاموا باصلاحات أخرى (7).
_______________
(١) عمارة المسجد ١٦٠
(2) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ٩٣
(3) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(4) ذكر ابن بشر في عنوان المجد في تأريخ نجد ج ١ ص ٤٦ ط ٢ ما نصه : استفتى محمد افندي الحاضرين من العلماء في نصب ساتر حول البيت تكون الفعلة من خلفه عند البناء ، فاختلفت آراء الحاضرين من قائل بالاستحسان ومن قائل بعدمه ، وكان من المستحسنين الامام علي بن عبد القادر الطبري ، وألف في ذلك رسالة لطيفة سماها سيف الامارة على مانع الستارة. الخ.
(5) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ١٠٧ وما بعدها
(6) المصدر نفسه ١٠٩ وما بعدها
(7) المصدر نفسه ٢٣٩ وما بعدها
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة