هل خلق العالم في ستّة أيّام ؟
المؤلف:
ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
تفسير الامثل
الجزء والصفحة:
ج4 ، ص390-392
8-10-2014
2128
لقد ورد البحث عن خلق العالم وتكوينه في ستّة أيّام، في سبعة موارد من آيات القرآن الكريم (1)، ولكنّه في ثلاثة موارد أضيف إلى السماوات والأرض لفظة «وما بينهما» أيضاً. والتي هي في الحقيقة توضيح للجملة السابقة، لأنّ جميع هذه الأشياء تدخل في معنى السماوات والأرض، لأنّنا نعلم أنّ السماء تشمل جميع الأشياء التي توجد في الأعلى، والأرض هي النقطة المقابلة للسماء.
وهنا يتبادر هذا السؤال فوراً وهو : قبل أن تخلق السماوات والأرض لم يكن ليل ولا نهار ليقال: خلقت السماوات والأرض فيهما، لأنّ الليل والنهار ناشئان من دوران الأرض حول نفسها في مقابل الشمس.
هذا مضافاً إلى أنّ ظهور المجموعة الكونية في ستّة أيام ـ يعني أقل من اسبوع ـ يخالف العلم، لأنّ العلم يقول : لقد استغرق تكوّن الأرض والسماء حتى وصل الى الواضع الحالي ملياردات من السنوات والأعوام.
ولكن نظراً إلى المفهوم الواسع للفظة «يوم» وما يعادلها في مختلف اللغات، يكون جواب هذا السؤال واضحاً، لأنّه كثيراً ما يستعمل اليوم بمعنى الدورة، سواء استغرقت مدة سنة، أو مائة سنة، أو مليون سنة أو ملياردات السنين، والشواهد التي تثبت هذه الحقيقة، وتفيد أنّ أحد معاني اليوم هو الدورة، كثيرة :
1 ـ لقد استعملت لفظة اليوم والأيّام في القرآن الكريم مئات المرات، وفي كثير من الموارد لم تكن بمعنى الليل والنهار، مثلا يعبر عن عالم البعث بيوم القيامة، وهذا يشهد بأنّ مجموع عملية القيامة التي هي دورة طويلة الأمد والمدّة، تسمى يوم القيامة.
ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ يوم القيامة ومحاسبة أعمال الناس يستغرق خمسين ألف سنة (سورة المعارج الآية 4){ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.
2 ـ نقرأ في كتب اللغة أيضاً أنّ اليوم ربّما يطلق على الزمن بين طلوع الشمس وغروبها، وربّما على مقدار من الزمان مهما كان قدره، قال الراغب في المفردات: «اليوم يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعبّر عن مدة من الزمان أي مدّة كانت».
3 ـ جاء في روايات أئمّة الدين وأحاديثهم ـ كذلك ـ استعمال اليوم بمعنى الدهر، كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة أنّه قال: «الدّهر يومان: يوم لك، ويوم عليك»(2).
ونقرأ في تفسير البرهان في تفسير هذه الآية، عن تفسير علي بن إبراهيم الإمام(عليه السلام) قال : «في ستة أيّام، أي في ستة أوقات»، أي في ست دورات (3).
4 ـ كثيراً ما نشاهد في المحاورات اليومية، وأشعار الشعراء في اللغات المختلفة، أنّ كلمة اليوم وما يعادلها قد استعملت بمعنى الدورة والعهد، مثلا نقول يوم كانت الكرة الأرضية حارة ومشتعلة، ويوم صارت باردة وظهرت فيها آثار الحياة، في حين أنّ فترة سخونة الأرض واشتعالها استغرقت ملياردات من الأعوام.
أو عندما نقول غصب آل أُمية الخلافة الإسلامية يوماً، وغصبها بنو العباس يوماً آخر. في حين أنّ فترة اغتصاب الأمويين للخلافة استغرقت عشرات السنين وفترة اغتصاب العباسيين لها استغرقت المئات.
من مجموع الحديث السابق نستنتج أنّ الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ست دورات متوالية، وإن استغرقت كل دورة من هذه الدورات ملايين أو ملياردات السنين، والعلم الحديث لم يبيّن أي أمر يخالف هذا الموضوع.
وهذه الدورات ـ احتمالا ـ هي على الترتيب :
1 ـ يوم كان الكون في شكل كتلة غازية الشكل، فانفصلت منها أجزاء بسبب دورانها حول نفسها، وتشكلت من المواد المنفصلة الكرات والأنجم.
2 ـ هذه الكرات قد تحولت تدريجاً إلى هيئة كتلة من المواد الذائبة المشعة أم الباردة القابلة للسكنى.
3 ـ في دورة أُخرى تألفت المنظومة الشمسية وانفصلت الأرض عن الشمس.
4 ـ في الدورة الرّابعة بردت الأرض وأصبحت قابلة للحياة.
5 ـ ثمّ ظهرت النباتات والأشجار على الأرض.
6 ـ وبالتالي ظهرت الحيوانات والإنسان فوق سطح الأرض.
_______________________
1- وهي : الآية المبحوثة هنا ، ويونس :3 ، وهود :7 ، والفرقان :59 ، والسجدة :4 ، و ق:38 ، والحديد:4.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج18 , ص60.
3- تفسير علي بن أبراهيم القمي ، ج1 ، ص236 ؛ وتفسير نور الثقلين ، ج2 ، ص38.
الاكثر قراءة في مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة