1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الياء : سورة يس :

تفسير الآية (55-68) من سورة يس

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

9-10-2020

12018

قال تعالى : {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُو مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَو نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَو نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس : 55 - 68] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذكر سبحانه أولياءه فقال {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} شغلهم النعيم الذي شملهم وغمرهم بسروره عما فيه أهل النار من العذاب عن الحسن والكلبي فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم وإن كانوا أقاربهم وقيل شغلوا بافتضاض العذارى عن ابن عباس وابن مسعود وهو المروي عن الصادق (عليه السلام) ) قال وحواجبهن كالأهلة (2) ، وأشفار أعينهن كقوادم النسور وقيل باستماع الألحان عن وكيع وقيل شغلهم في الجنة سبعة أنواع من الثواب لسبعة أعضاء فثواب الرجل بقوله ادخلوها بسلام آمنين وثواب اليد يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها وثواب الفرج وحور عين وثواب البطن كلوا واشربوا هنيئا الآية وثواب اللسان وآخر دعويهم الآية وثواب الأذن لا يسمعون فيها لغوا ونظائرها وثواب العين وتلذ الأعين .

{فاكهون} أي فرحون عن ابن عباس وقيل ناعمون متعجبون بما هم فيه قال أبوزيد الفكه الطيب النفس الضحوك رجل فكه وفاكه ولم يسمع لهذا فعل في الثلاثي وقال أبو مسلم أنه مأخوذ عن الفكاهة فهو كناية عن الأحاديث الطيبة وقيل فاكهون ذوو فاكهة كما يقال لاحم شاحم أي ذو لحم وشحم وعاسل ذو عسل قال الحطيئة :

وغررتني وزعمت أنك *** لابن في الصيف تأمر

 

 أي : ذو لبن وتمر ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال {هم وأزواجهم} أي هم وحلائلهم في الدنيا ممن وافقهم على إيمانهم في أستار عن وهج (3) الشمس وسمومها فهم في مثل تلك الحال الطيبة من الظلال التي لا حر فيها ولا برد وقيل أزواجهم اللاتي زوجهم الله من الحور العين {في ظلال} أشجار الجنة وقيل في ظلال تسترهم من نظر العيون إليهم {على الأرائك} وهي السرر عليها الحجال وقيل هي الوسائد {متكئون} أي جالسون جلوس الملوك إذ ليس عليهم من الأعمال شيء قال الأزهري كلما اتكىء عليه فهو أريكة والجمع أرائك .

{لهم فيها} أي في الجنة {فاكهة ولهم ما يدعون} أي ما يتمنون ويشتهون قال أبو عبيدة تقول العرب ادع لي ما شئت أي تمن علي وقيل معناه إن كل من يدعي شيئا فهوله بحكم الله تعالى لأنه قد هذب طباعهم فلا يدعون إلا ما يحسن منهم قال الزجاج هو مأخوذ من الدعاء يعني أن أهل الجنة كلما يدعونه يأتيهم .

ثم بين سبحانه ما يشتهون فقال {سلام} أي لهم سلام ومنى أهل الجنة أن يسلم الله عليهم {قولا} أي يقوله الله قولا {من رب رحيم} بهم يسمعونه من الله فيؤذنهم بدوام الأمن والسلامة مع سبوغ النعمة والكرامة وقيل إن الملائكة يدخل عليهم من كل باب يقولون سلام عليكم من ربكم الرحيم .

ثم ذكر سبحانه أهل النار فقال {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} أي يقال لهم انفصلوا معاشر العصاة واعتزلوا من جملة المؤمنين وقيل معناه كونوا على حدة عن السدي وقيل معناه إن لكل كافر بيتا في النار يدخل فيردم بابه لا يرى ولا يرى عن الضحاك ثم خصهم سبحانه بالتوبيخ فقال {أ لم أعهد إليكم يا بني آدم} أي أ لم آمركم على ألسنة الأنبياء والرسل في الكتب المنزلة {ألا تعبدوا الشيطان} أي لا تطيعوا الشيطان فيما يأمركم به {إنه لكم عدو} أي وقلت لكم إن الشيطان لكم عدو{مبين} ظاهر عداوته عليكم يدعوكم إلى ما فيه هلاككم وفي هذه الآية دلالة على أنه سبحانه لا يخلق عبادة الشيطان لأنه حذر من ذلك ووبخ عليه .

ثم قال سبحانه في حكايته ما يقوله الكفار يوم القيامة {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} فوصف عبادته بأنه طريق مستقيم من حيث كان طريقا إلى الجنة ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان ببني آدم فقال {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا} أي أضل الشيطان عن الدين خلقا كثيرا منكم بأن دعاهم إلى الضلال وحملهم على الضلال وأغواهم {أ فلم تكونوا تعقلون} أنه يغويكم ويصدكم عن الحق فتنبهون عنه صورته استفهام ومعناه الإنكار عليهم والتبكيت لهم وفي هذا بطلان مذهب أهل الجبر في أن الله أراد إضلالهم ولوكان كما قالوه لكان ذلك أضر عليهم وأنكر من إرادة الشيطان ذلك .

{هذه جهنم التي كنتم توعدون} بها في دار التكليف حاضرة لكم تشاهدونها {اصلوها اليوم} أي ألزموا العذاب بها وأصل الصلاء اللزوم ومنه المصلي الذي يجيء في أثر السابق للزومه أثره وقيل معناه صيروا صلاها أي وقودها عن أبي مسلم {بما كنتم تكفرون} جزاء لكم على كفركم بالله وتكذيبكم أنبياءه .

{اليوم نختم على أفواههم} هذا حقيقة الختم فتوضع على أفواه الكفار يوم القيامة فلا يقدرون على الكلام والنطق {وتكلمنا أيديهم} بما عملوا {وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} أي نستنطق الأعضاء التي كانت لا تنطق في الدنيا لتشهد عليهم ونختم على أفواههم التي عهد منها النطق .

واختلف في كيفية شهادة للجوارح على وجوه (أحدها) أن الله تعالى يخلقها خلقة يمكنها أن تتكلم وتنطق وتعترف بذنوبها (وثانيها) أن الله تعالى يجعل فيها كلاما وإنما نسب الكلام إليها لأنه لا يظهر إلا من جهتها ( وثالثها) أن معنى شهادتها وكلامها أن الله تعالى يجعل فيها من الآيات ما يدل على أن أصحابها عصوا الله بها فسمى ذلك شهادة منها كما يقال عيناك تشهدان بسهرك وقد ذكرنا أمثال ذلك فيما سلف .

ثم أخبر سبحانه عن قدرته على إهلاك هؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانيته فقال {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} أي لأعميناهم عن الهدى عن ابن عباس وقيل معناه لتركناهم عميا يترددون عن الحسن وقتادة والجبائي {فاستبقوا الصراط} أي فطلبوا طريق الحق وقد عموا عنه {فأنى يبصرون} أي فكيف يبصرون عن ابن عباس وقيل معناه فطلبوا النجاة والسبق إليها ولا بصر لهم فكيف يبصرون وقد أعميناهم وقيل طلبوا الطريق إلى منازلهم فلم يهتدوا إليها .

{ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} أي على مكانهم الذي هم فيه قعود والمعنى ولو نشاء لعذبناهم بنوع آخر من العذاب فأقعدناهم في منازلهم ممسوخين قردة وخنازير والمكانة والمكان واحد وقيل معناه ولو شئنا لمسخناهم حجارة في منازلهم ليس فيهم أرواحهم {فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} أي فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء لو فعلنا ذلك بهم وقيل معناه فما استطاعوا مضيا من العذاب ولا رجوعا إلى الخلقة الأولى بعد المسخ وهذا كله تهديد هددهم الله به .

ثم قال سبحانه {ومن نعمره ننكسه في الخلق} أي من نطول عمره نصيره بعد القوة إلى الضعف وبعد زيادة الجسم إلى النقصان وبعد الجدة والطراوة إلى البلى والخلوقة فكأنه نكس خلقه وقيل ننكسه ونرده إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في ضعف القوة وعزوب العلم عن قتادة {أ فلا يعقلون} أي أ فلا يتدبرون في أن الله تعالى يقدر على الإعادة كما قدر على ذلك وإنما قال على الخطاب لقوله أ لم أعهد إليكم من قرأ بالياء فالمعنى أ فليس لهم عقل فيعتبروا ويعلموا ذلك .

______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص282-287 .

2- جمع الهلال .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرائِكِ مُتَّكِئوُنَ لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ ولَهُمْ ما يَدَّعُونَ} . ان أغلى أمنية للإنسان الصحة والأمان وراحة البال من المشاغل والمتاعب ، وان يتوفر له ما لذ وطاب من مأكل ومشرب ومسكن وملبس ومتعة بالنساء والأشجار والأنهار ، وكل ذلك وما إليه متوفر لأهل الجنة ، وفوق كل شيء { سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وسلام اللَّه أمان ورحمة ، ورضوانه منتهى السعادة والنعمة . . ومن هنا قال الإمام علي (عليه السلام) : كل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية .

{وامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} . كان المجرمون في الحياة الدنيا يتظاهرون بالصلاح ويلبسون مسوح الرهبان ، ويختلطون مع أهل التقى والخير . . ويخفى حالهم على الكثير من الناس ، أما في يوم الفصل والجزاء فيباعد اللَّه بينهم وبين الصالحين ، ويقول لهم : ادخلوا النار مع الداخلين {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأَقْدامِ} - 41 الرحمن .

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} . حذّر سبحانه العباد من الشيطان ووسوسته ، ونهاهم عن طاعته ، وأرشدهم إلى طريق الخير والهداية ، فأطاع الكثير منهم الشيطان وعصوا الرحمن ، وإلى هذا أشار بقوله :

{ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} . الجبلّ الخلق ، وكل من سلك مسلك الهالكين بعد أن حذّر وأنذر فهو في عمى عن نور العقل وهدايته ، ولا جزاء لمثله إلا العذاب الذي أشار إليه سبحانه بقوله : {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} بها على ألسنة الرسل ، وتسخرون منها ومنهم {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} . وهذا مصير كل من ضيع وفرط .

{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} .

كل جارحة للعصاة الطغاة ينطقها اللَّه غدا لتشهد على صاحبها بما اجترح من السيئات ، فاليد تشهد عليه بما ضرب وسرق وكتب وأشار ، والرّجل بما سعى ، والعين بما نظر . . وهكذا .

وتسأل : كيف تجمع بين قوله تعالى هنا : {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ} وقوله في الآية 24 من سورة النور : {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} فقد أثبت لهم النطق هنا ونفاه هناك ؟

الجواب : ان للعباد غدا مواقف لا موقفا واحدا ، يؤذن لهم بالكلام في بعضها دون بعض ، قال تعالى : {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [هود - 105] .

{ولَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ولَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ} . لو أراد سبحانه أن يعاقب المجرمين في الدنيا لأعمى أبصارهم فلا يهتدون إلى شيء ، ولمسخهم تماثيل جامدة لا حراك فيها ولا حياة { ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} .

نكس الشيء هو جعل أسفله أعلاه ، وكلما تقدم الإنسان في السن تقهقر إلى الوراء ، فيخرف بعد الإدراك ، ويضعف بعد القوة . . والغرض من هذا البيان هو الإشارة إلى أن اللَّه سبحانه قد أمدّ الإنسان بحياة كافية وافية لأن يهتدي فيها ويعمل صالحا ، وانه لو عمّر أكثر من المعتاد لأقعده العجز والمرض ، وكان طول العمر عليه شرا ووبالا : {أَولَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر - 37] .

____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص320-322 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} الشغل الشأن الذي يشغل الإنسان ويصرفه عما عداه ، والفاكه من الفكاهة وهي التحدث بما يسر أو التمتع والتلذذ ولا فعل له من الثلاثي المجرد على ما قيل .

وقيل : {فاكهون} معناه ذوو فاكهة نحو لابن وتامر ويبعده أن الفاكهة مذكورة في السياق ولا موجب لتكرارها .

والمعنى أن أصحاب الجنة في هذا اليوم في شأن يشغلهم عن كل شيء دونه وهو التنعم في الجنة متمتعون فيها .

قوله تعالى : {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} الظلال جمع ظل وقيل جمع ظلة بالضم وهي السترة من الشمس من سقف أو شجر أو غير ذلك ، والأريكة كل ما يتكأ عليه من وسادة أو غيرها .

والمعنى : هم أي أصحاب الجنة وأزواجهم من حلائلهم المؤمنات في الدنيا أومن الحور العين في ظلال أو أستار من الشمس وغيرها متكئون على الأرائك اتكاء الأعزة .

قوله تعالى : {لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون} الفاكهة ما يتفكه به من الثمرات كالتفاح والأترج ونحوهما ، وقوله : {يدعون} من الادعاء بمعنى التمني أي لهم في الجنة فاكهة ولهم فيها ما يتمنونه ويطلبونه .

قوله تعالى : {سلام قولا من رب رحيم} سلام مبتدأ محذوف الخبر والتنكير للتفخيم والتقدير سلام عليهم أولهم سلام ، و{قولا} مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدير أقوله قولا من رب رحيم .

والظاهر أن السلام منه تعالى وهو غير سلام الملائكة المذكور في قوله : {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد : 23 ، 24] .

قوله تعالى : {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} أي ونقول اليوم للمجرمين امتازوا من أصحاب الجنة وهو تمييزهم منهم يوم القيامة وإنجاز لما في قوله في موضع آخر : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص : 28] ، وقوله {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } [الجاثية : 21] .

قوله تعالى : {أ لم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} العهد الوصية ، والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس ويأمر به إذ لا طاعة إلا لله أومن أمر بطاعته ، وقد علل النهي عن طاعته بكونه عدوا مبينا لأن العدو لا يريد بعدوه خيرا .

وقيل : المراد بعبادته عبادة الآلهة من دون الله وإنما نسبت إلى الشيطان لكونها بتسويله وتزيينه ، وهو تكلف من غير موجب .

وإنما وجه الخطاب إلى المجرمين بعنوان أنهم بنو آدم لأن عداوة الشيطان إنما نشبت أول ما نشبت بآدم حيث أمر أن يسجد له فأبى واستكبر فرجم ثم عاد ذريته بعداوته وأوعدهم كما حكاه الله تعالى إذ قال : {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء : 62] .

وأما عهده تعالى ووصيته إلى بني آدم أن لا يطيعوه فهو الذي وصاهم به بلسان رسله وأنبيائه وحذرهم عن اتباعه كقوله تعالى : {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف : 27] : وقوله : {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الزخرف : 62] .

وقيل : المراد بالعهد عهده تعالى إليهم في عالم الذر حيث قال : {أ لست بربكم قالوا بلى} .

وقد عرفت مما قدمناه في تفسير آية الذر أن العهد الذي هناك هو بوجه عين العهد الذي وجه إليهم في الدنيا .

قوله تعالى : {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} عطف تفسير لما سبقه ، وقد تقدم كلام في معنى الصراط المستقيم في تفسير قوله : {اهدنا الصراط المستقيم} من سورة الفاتحة .

قوله تعالى : {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أ فلم تكونوا تعقلون} الجبل الجماعة وقيل : الجماعة الكثيرة والكلام مبني على التوبيخ والعتاب .

قوله تعالى : {هذه جهنم التي كنتم توعدون} أي كان يستمر عليكم الإيعاد بها مرة بعد مرة بلسان الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وأول ما أوعد الله سبحانه بها حين قال لإبليس : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر : 42 ، 43] وفي لفظ الآية إشارة إلى إحضار جهنم يومئذ .

قوله تعالى : {اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون} الصلا .

اللزوم والاتباع ، وقيل : مقاساة الحرارة ويظهر بقوله : {بما كنتم تكفرون} أن الخطاب للكفار وهم المراد بالمجرمين .

قوله تعالى : {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} أي يشهد كل منها بما كانوا يكسبونه بواسطته فالأيدي بالمعاصي التي كسبوها بها والأرجل بالمعاصي الخاصة بها على ما يعطيه السياق .

ومن هنا يظهر أن كل عضو ينطق بما يخصه من العمل وأن ذكر الأيدي والأرجل من باب الأنموذج ولذا ذكر في موضع آخر السمع والبصر والفؤاد كما في سورة الإسراء الآية 36 .

وفي موضع آخر الجلود كما في سورة حم السجدة الآية 20 ، وسيأتي بعض ما يتعلق به من الكلام في تفسير سورة حم السجدة إن شاء الله .

 

وقوله تعالى : {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس : 66 - 68] .

 

بيان تلخيصي للمعاني السابقة في سياق آخر ففيه تهديد لهم بالعذاب ، والإشارة إلى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول وأن كتابه ذكر وقرآن وليس بشاعر ولا كتابه بشعر ، والإشارة إلى خلق الأنعام آية للتوحيد ، والاحتجاج على الميعاد .

قوله تعالى : {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون} قال في مجمع البيان ، : الطمس محو الشيء حتى يذهب أثره فالطمس على العين كالطمس على الكتاب ومثله الطمس على المال وهو إذهابه حتى لا يقع عليه إدراك ، وأعمى مطموس وطميس وهو أن يذهب الشق الذي بين الجفنين ، انتهى .

فقوله : {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} أي لو أردنا لأذهبنا أعينهم فصارت ممسوحة لا أثر منها فذهبت به أبصارهم وبطل أبصارهم .

وقوله : {فاستبقوا الصراط} أي أرادوا السبق إلى الطريق الواضح الذي لا يخطىء قاصده ولا يظل سالكه فلم يبصروه ولن يبصروه فالاستبعاد المفهوم من قوله : {فأنى يبصرون} كناية عن الامتناع .

وقول بعضهم : إن المراد باستباق الصراط مبادرتهم إلى سلوك طريق الحق وعدم اهتدائهم إليها ، لا يخلو من بعد .

قوله تعالى : {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} قال في المجمع ، : والمسخ قلب الصورة إلى خلقة مشوهة كما مسخ قوم قردة وخنازير وقال : والمكانة والمكان واحد . انتهى .

والمراد بمسخهم على مكانتهم تشويه خلقهم وهم قعود في مكانهم الذي هم فيه من غير أن يغيرهم عن حالهم بعلاج وتكلف بل بمجرد المشية فهو كناية عن كونه هينا سهلا عليه تعالى من غير أي صعوبة .

وقوله : {فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون} أي مضيا في العذاب ولا يرجعون إلى حالهم قبل العذاب والمسخ فالمضي والرجوع كنايتان عن الرجوع إلى حال السلامة والبقاء على حال العذاب والمسخ .

وقيل : المراد مضيهم نحو مقاصدهم ورجوعهم إلى منازلهم وأهليهم ولا يخلو من بعد .

قوله تعالى : {ومن نعمره ننكسه في الخلق أ فلا يعقلون} التعمير التطويل في العمر ، والتنكيس تقليب الشيء بحيث يعود أعلاه أسفله ويتبدل قوته ضعفا وزيادته نقصا والإنسان في عهد الهرم منكس الخلق يتبدل قوته ضعفا وعلمه جهلا وذكره نسيانا .

والآية في مقام الاستشهاد بتنكيس الخلق على إمكان مضمون الآيتين السابقتين والمراد أن الذي ينكس خلق الإنسان إذا عمره قادر على أن يطمس على أعينهم وعلى أن يمسخهم على مكانتهم .

وفي قوله : {أ فلا يعقلون} توبيخهم على عدم التعقل وحثهم على التدبر في هذه الأمور والاعتبار بها .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص84-90 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تنتقل الآيات لتتعرّض إلى جانب من مثوبة المؤمنين العظيمة ، وقبل كلّ شيء تشير إلى مسألة الطمأنينة وراحة البال فتقول : {إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شغل فاكهون} .

«شغل» : ـ على وزن سرر ـ و«شغل» ـ على وزن لطف ـ : كليهما بمعنى العارض الذي يذهل الإنسان ويصرفه عن سواه ، سواء كان ممّا يبعث على المسرّة أو الحزن ، ولكن لإلحاقه كلمة «فاكهون» التي هي جمع «فاكه» وهو المسرور الفرح الضاحك ، يمكن إستنتاج أنّ المعنى إشارة إلى الإنسان المشغول بنفسه والمنصرف تماماً عن التفكير في أي قلق أو ترقّب ، والغارق في السرور والسعادة والنشاط بشكل لا يترك أي مجال للغمّ والحسرة أن تعكّر عليه صفوه ، وحتّى أنّه ينسى تماماً هول قيام القيامة والحضور في محكمة العدل الإلهية ، تلك المواقف التي لولا نسيانها فإنّها حتماً ستلقي بظلالها الثقيلة من الغمّ والقلق على القلب ، وبناءً على ذلك فإنّ أحد الآثار المترتبة على إنشغال الذهن بالنعمة هو نسيان أهوال المحشر (2) .

وبعد التعرّض إلى نعمة الطمأنينة وراحة البال التي هي أساس جميع النعم الاُخرى وشرط الإستفادة من جميع المواهب والنعم الإلهية الاُخرى ، ينتقل إلى ذكر بقيّة النعم فيقول تعالى : {هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} (3) .

«أزواج» تشير إلى الزوجة التي يعطيها الله في الجنّة ، أو الزوجة المؤمنة التي كانت معه في الدنيا .

وأمّا ما احتمله البعض من أنّها بمعنى «النظائر» كما في الآية ـ 22 سورة الصافات { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات : 22] الآية فيبدو بعيداً . خصوصاً أنّ (أرائك) جمع «أريكة» وهي الحجلة على السرير . كما يقول أرباب اللغة (4) .

التعبير بـ «ظلال» إشارة إلى أنّ أشجار الجنّة تظلّل الأسرة والتخوت التي يجلس عليها المؤمنون في الجنّة ، أو إشارة إلى ظلال قصورهم ، وكلّ ذلك يدلّل على وجود الشمس هناك ، ولكنّها ليست شمساً مؤذية ، نعم فإنّ لهم في ذلك الظلّ الملائم لأشجار الجنّة سروراً ونشاطاً عظيمين .

إضافةً إلى ذلك فإنّ {لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون} .

يستفاد من آيات القرآن الاُخرى أنّ غذاء أهل الجنّة ليس الفاكهة فقط ، ولكن تعبير الآية يدلّل على أنّ الفاكهة ـ وهي فاكهة مخصوصة تختلف كثيراً عن فاكهة الدنيا ـ هي أعلى غذاء لهم ، كما أنّ الفاكهة في الدنيا ـ كما يقول المتخصّصون ـ أفضل وأعلى غذاء للإنسان .

«يدعون» أي يطلبون ، والمعنى أنّ كلّ ما يطلبونه ويتمنّونه يحصلون عليه ، فما يتمّنوه من شيء يحصل ويتحقّق على الفور .

يقول العلاّمة «الطبرسي» في مجمع البيان : العرب يستخدمون هذا التعبير في حالة التمنّي ، فيقول : «ادع عليّ ما شئت» أي تمنّ عليّ ما شئت . . .

وعليه فإنّ كلّ ما يخطر على بال الإنسان وما لا يخطر من المواهب والنعم الإلهية موجود هناك معدّ ومهيّأ ، والله عنده حسن الثواب .

وأهمّ من كلّ ذلك ، المواهب المعنوية التي أشارت إليها آخر آية بقولها : {سلام قولا من ربٍّ رحيم} (5) .

هذا النداء الذي تخفّ له الروح ، فيملؤها بالنشاط ، هذا النداء المملوء بمحبّة الله ، يجعل الروح الإنسانية تتسلّق الأفراح نشوى بالمعنويات التي لا يرقى إليها وصف ولا تعادلها أيّة نعمة اُخرى . نعم فسماع نداء المحبوب ، النداء الندي بالمحبّة ، المعطّر باللطف ، يغمر سكّان الجنّة بالحبور . . . الحبور الذي تعادل اللحظة منه جميع ما في الدنيا ، بل ويفيض عليه .

ففي رواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : «بينا أهل الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرف من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنّة ، وذلك قول الله تعالى : (سلام قولا من ربٍّ رحيم) قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتّى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» (6) .

نعم فإنّ جذبة مشاهدة المحبوب ، ورؤية لطفه ، تبعث اللذّة والشوق في النفس بحيث أنّ لحظة واحدة من تلك المشاهدة العظيمة لا يمكن مقارنتها بأيّة نعمة ، بل بالعالم أجمع ، وعشّاق رؤيته والنظر إليه هائمون في ذلك إلى درجة أنّه لو قطعت عنهم تلك الإفاضة المعنوية فإنّهم يحسّون بالحسرة والألم ، وكما ورد في حديث لأمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام «لو حجبت عنه ساعة لمتّ» (7) .

الملفت للنظر أنّ ظاهر الآية يشير إلى أنّ سلام الله الذي ينثره على المؤمنين في الجنّة ، هو سلام مستقيم بلا واسطة ، سلام منه تعالى ، وأي سلام ذلك الذي يمثّل رحمته الخاصّة ! أي أنّه ينبعث من مقام رحيميته وجميع ألطافه وكراماته مجموعة فيه ، ويا لها من نعمة عظيمة !!

 

وقوله تعالى : {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس : 59 - 62]

 

لماذا عبدتم الشيطان ؟!

مرّ في الآيات السابقة جانب من المصير المشوّق لأهل الجنّة ، وفي هذه الآيات مورد البحث جانب بئيس من مصير أهل النار وعبدة الشيطان .

أوّلا : يخاطبون في ذلك اليوم خطاباً تحقيرياً {وامتازوا اليوم أيّها المجرمون} .

فأنتم ربّما دخلتم في صفوف المؤمنين في الدنيا وتلونتم بلونهم تارةً ، واستفدتم من حيثيتهم وإعتبارهم ، أمّا اليوم «فامتازوا عنهم» وأظهروا بشكلكم الأصلي الحقيقي .

هذا في الحقيقة هو تحقّق للوعد الإلهي الوارد في الآية (28) من سورة ص حيث يقول الباري عزّوجلّ : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص : 28] .

وعلى كلّ حال ، فظاهر الآية هو التمييز في العرض بين المجرمين والمؤمنين ، وإن كان بعض المفسّرين قد احتمل إحتمالات اُخرى من جملتها : تفريق صفوف المجرمين أنفسهم إلى مجموعات فيما بينهم ، أو إنفصال المجرمين عن شفعائهم ومعبوداتهم ، أو إنفصال المجرمين كلّ واحد عن الآخر ، بحيث يكون ذلك العذاب الناتج عن الفراق مضافاً على عذاب الحريق في جهنّم .

ولكن شمولية الخطاب لجميع المجرمين ، ومحتوى جملة «وامتازوا» تقوّي المعنى الأوّل الذي أشرنا إليه .

الآية التالية تشير إلى لوم الله تعالى وتوبيخه المجرمين في يوم القيامة قائلا : {ألم أعهد إليكم بابني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدو مبين} .

إنّ هذا العهد الإلهي أُخذ على الإنسان من طرق مختلفة ، وكرّر على مسمعه مرّات ومرّات : {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 27] .

جرى هذا التحذير وبشكل متكرّر على لسان الأنبياء والرسل : {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الزخرف : 62] وكذلك في الآية (168) من سورة البقرة نقرأ : {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [البقرة : 168] .

ومن جانب آخر فإنّ هذا العهد اُخذ على الإنسان في عالم التكوين ، وبلسان إعطاء العقل له ، إذ أنّ الدلائل العقلية تشير بشكل واضح إلى أنّ على الإنسان أن لا يطيع من تصدّى لعداوته منذ اليوم الأوّل وأخرجه من الجنّة ، وأقسم على إغواء أبنائه من بعده .

ومن جانب ثالث فقد اُخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهيّة للناس على التوحيد ، وإنحصار الطاعة في الله سبحانه ، وبهذا لم تتحقّق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد ، بل بعدّة ألسنة وأساليب ، واُمضي هذا العهد والميثاق .

والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ «العبادة» الواردة الإشارة إليها في جملة {لا تعبدوا الشيطان} بمعنى «الطاعة» ، لأنّ العبادة لا تنحصر بمعنى الركوع والسجود فقط ، بل إنّ من مصاديقها الطاعة . كما ورد في الآية (47) من سورة «المؤمنون» { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون : 47] وفي الآية (31) من التوبة نقرأ : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة : 31] .

والجميل أنّه ورد في رواية عن الصادق (عليه السلام) تعليقاً على الآية بقوله : «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون» (8) .

وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : «من أطاع رجلا في معصية فقد عبده» (9) .

وعن الباقر (عليه السلام) أنّه قال : «من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (10) .

الآية التالية تأكيد أشدّ وبيان لوظيفة بني آدم ، تقول الآية الكريمة : (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) .

اُخذ على الإنسان العهد بأن لا يطيع الشيطان ، إذ أنّه أعلن له عن عداوته بشكل واضح منذ اليوم الأوّل ، فهل يطيع عاقل أوامر عدوّه!؟ . . هذا من جانب .

ومن جانب آخر ، اُخذ عليه العهد بطاعة الله سبحانه وتعالى ، لأنّ سبيله هو الصراط المستقيم ، وهذا في الحقيقة أعظم محرّك للبشر ، لأنّ الإنسان ـ مثلا ـ لوكان في وسط صحراء قاحلة محرقة ، وكانت حياته وحياة عياله في معرض خطر قطّاع الطرق والضواري ، فأهمّ ما يفكّر به هو العثور على الطريق المستقيم الآمن الذي يؤدّي إلى المقصد ، الطريق السريع والأسهل للوصول إلى منزل النجاة .

ويستفاد كذلك من هذا التعبير ضمناً بأنّ الدنيا ليست بدار القرار ، إذ أنّ الطريق لا يُرسم لأحد إلاّ لمن يريد الذهاب إلى مقصد آخر .

وللتعريف بهذا العدو القديم أكثر فأكثر يضيف تعالى : {ولقد أضلّ منكم جبلاّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون} .

ألا ترون ماذا أحلّ بأتباعه من المصائب .

ألم تطالعوا تأريخ من سبقكم لتروا بأعينكم أي مصير مشؤوم وصل إليه من عبد الشيطان؟ آثار مدنهم المدمّرة أمام أعينكم ، والعاقبة المؤلمة التي وصلوا إليها واضحة لكل من يمتلك القليل من التعقّل والتفكّر .

إذن لماذا أنتم غير جادّين في معاداة من أثبت أنّه عدو لكم مرّات ومرّات؟ ولا زلتم تتّخذونه صديقاً بل قائداً ووليّاً وإماماً!!

«الجبلّ» الجماعة تشبيهاً بالجبل في العِظم (كما يقول الراغب في مفرداته) .

و «كثيراً» للتأكيد على كثرة من اتّبع الشيطان من كافّة المستويات الإجتماعية في كلّ مجتمع .

ذكر بعضهم أنّ «الجبلّ» بحدود عشرة آلاف نفر ، أو أكثر ، وما دون ذلك لا يكون جبلاًّ (11) ، ولكن البعض الآخر لم يلتزم بتلك الأرقام (12) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ العقل السليم يوجب على الإنسان أن يحذر بشدّة من عدوٍّ خطر كهذا ، لا يتورّع عن أي شيء ، ولا يرحم أي إنسان أبداً ، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى ، فلا ينبغي له أن يغفل عنه طرفة عين أبداً ، ولنقرأ ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام :

«فاحذروا ـ عباد الله ـ عدو الله ، أن يعديكم بدائه ، وأن يستفزّكم بندائه ، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله ، فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد ، وأغرق إليكم بالنزع الشديد ، ورماكم من مكان قريب ، فقال : ربّ بما أغويتني لاُزينّن لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين» (13) .

 

وقوله تعالى : {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس : 63 - 68]

 

يوم تسكت الألسن وتشهد الأعضاء !!

تعرّضت الآيات السابقة ، إلى قسم من التوبيخات والتقريعات الإلهيّة وإلى مخاطبته سبحانه المجرمين في يوم القيامة .

هذه الآيات تواصل البحث حول الموضوع نفسه أيضاً .

نعم ، ففي ذلك اليوم وحينما تظهر جهنّم للمجرمين الكافرين يذكّرهم الله بوعده ، والآية تشير إلى ذلك فتقول : {هذه جهنّم التي كنتم توعدون} .

فقد بُعث إليكم الأنبياء واحداً بعد واحد ، وحذّروكم من مثل هذا اليوم ومن مثل هذه النار ، ولكنّكم لم تأخذوا أقوالهم إلاّ على محمل السخرية والإستهزاء {اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون} (14) .

ثمّ يشير تعالى إلى شهود يوم القيامة . . . الشهود الذين هم جزء من جسد الإنسان ، حيث لا مجال لإنكار شهادتهم ، فيقول تعالى : (اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) .

نعم ففي ذلك اليوم لا تكون أعضاء الإنسان طوع إرادته وميوله ، فهي بأجمعها تتخلّى عن إمتثال أمره وتستسلم لأمر الله سبحانه ، ويالها من محكمة عجيبة تلك المحكمة التي شهودها نفس أعضاء الإنسان . تلك الأعضاء التي كانت الوسائل لإرتكاب المعاصي والذنوب .

ويحتمل أن تكون شهادة الأعضاء ، بسبب أنّ المجرمين حينما يرون بأنّهم سيصلون جهنّم جزاء أعمالهم ، يميلون إلى إنكار ما ارتكبوا ظنّاً منهم أنّه يمكن الإفلات بإخفاء الحقائق والإنكار ، إلاّ أنّ الأعضاء تبدأ هنا بالشهادة ، الأمر الذي يثير عجب اُولئك المجرمين ووحشتهم ويغلق عليهم جميع طرق الفرار والخلاص .

أمّا عن كيفية نطق تلك الأعضاء ، فثمّة تفسيرات وإحتمالات عديدة :

1 ـ انّ الله سبحانه وتعالى يجعل في كلّ واحد من تلك الأعضاء القدرة على التكلّم والشعور ، وهي تقوم بنقل الحقيقة بصدق ، وما هو العجب في ذلك؟ فمن جعل في قطعة من اللحم المسمّاة «لسان» أو «مخ الإنسان» القدرة على النطق ، يستطيع أن يجعل هذه القدرة في سائر أعضاء البدن أيضاً .

2 ـ أنّ تلك الأعضاء لا تُعطى الإدراك والشعور ، ولكن الله سبحانه وتعالى ينطقها ، وفي الحقيقة فإنّ تلك الأعضاء ستكون محلا لظهور الكلام ، وإنكشاف الحقائق بإذن الله .

3 ـ أنّ أعضاء البدن الإنساني تحتفظ بآثار الأعمال التي قامت بها في الدنيا ، إذ أنّ أي عمل في هذه الدنيا لا يفنى ، بل إنّ آثاره ستبقى على كلّ عضو من البدن ، وفي الفضاء المحيط بها ، وفي ذلك اليوم الذي هو يوم الظهور والتجلّي ، ستظهر هذه الآثار على اليد والقدم وسائر الأعضاء ، وظهور تلك الآثار هو منزلة الشهادة . وهذا تماماً كما يرد في لغتنا المعاصرة حينما نقول : «عينك تشهد على سهرك» ، أو «الجدران تبكي صاحب الدار» .

وعلى كلّ حال ، فإنّ من المسلّمات شهادة الأعضاء في يوم القيامة ، ولكن هل أنّ كلّ عضو يكشف عن فعله فحسب ، أو يكشف عن كلّ الأعمال؟ فلا شكّ أنّ الإحتمال الأوّل هو الأنسب ، لذا فإنّ الآيات القرآنية الكريمة الاُخرى تذكر شهادة الاُذن والعين والجلد ، كما في الآية (20) من سورة فصلت حين يقول تعالى : {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [فصلت : 20] أو ما ورد في الآية (24) من سورة النور من قوله تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور : 24] .

والجدير بالملاحظة أنّه تعالى في سورة النور يقول : {تشهد عليهم ألسنتهم} وفي الآية مورد البحث يقول : {اليوم نختم على أفواههم} ، ومن الممكن أن يكون ما يحصل هناك هو أن يختم على فم المجرم أوّلا لتشهد أعضاؤه ، وبعد أن يرى بنفسه شهادة أعضائه ، يفتح لسانه ، ولأنّه لا مجال للإنكار فإنّ لسانه أيضاً يقرّ بالحقيقة .

وكذلك يحتمل أن يكون المقصود من كلام اللسان هو الكلام الداخلي الذي ينبعث منه كما في سائر الأعضاء ، وليس نطقه العادي .

آخر ما نريد قوله بخصوص موضوع تكلّم الأعضاء هو أنّ ذلك خاص بالمجرمين ، وإلاّ فالمؤمنون حسابهم واضح ، لذا ورد في الحديث عن الباقر (عليه السلام) «ليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب ، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه ، قال الله عزّوجلّ : {فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا} (15) .

الآية التالية تشير إلى أحد ألوان العذاب التي يمكن أن يبتلي الله تعالى بها المجرمين في هذه الدنيا ، تقول الآية الكريمة : {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} (16) .

وفي تلك الحالة التي يبلغ فيها الرعب الذروة عندهم : {فاستبقوا الصراط فأنّى يبصرون} . فهم عاجزون حتّى عن العثور على الطريق إلى بيوتهم ، ناهيك عن العثور على طريق الحقّ وسلوك الصراط المستقيم!

وعقوبة مؤلمة اُخرى لهم : انّنا لو أردنا لمسخناهم في مكانهم على شكل تماثيل حجرية فاقدة للروح والحركة ، أو على أشكال الحيوانات بحيث لا يستطيعون التقدّم إلى الأمام ، ولا الرجوع إلى الخلف : {لو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيّاً ولا يرجعون} (17) .

«فاستبقوا الصراط» يمكن أن تكون بمعنى التسابق فيما بينهم للعثور على الطريق الذي يذهبون منه عادةً ، أو بمعنى الإنحراف عن الطريق وعدم العثور عليه ، على ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن «فاستبقوا الصراط» بمعنى «جاوزوه وتركوه حتّى ضلّوا» (18) .

وعلى كلّ حال ، فطبقاً للتفسير الذي قبل به أغلب المفسّرين الإسلاميين ، فإنّ الآيتين أعلاه ، تتحدّثان عن عذاب الدنيا ، وعن تهديد الكفّار والمجرمين بأنّ الله سبحانه وتعالى قادر على تعريضهم لمثل هذا العذاب في الدنيا ، ولكن للطفه ورحمته فإنّه يمتنع عن ذلك ، فقد ينتبه هؤلاء المعاندين ويرجعوا عن غيّهم إلى طريق الحقّ .

ولكن يوجد إحتمال آخر أيضاً ، وهو أنّ الآيات تشير إلى العقوبات الإلهيّة في يوم القيامة لا في الدنيا ، وفي الحقيقة فهو تعالى بعد أن أشار إلى «الختم على أفواههم» في الآية السابقة ، يشير هنا إلى نوعين آخرين من العقوبات التي لوشاء لأجراها عليهم :

الأوّل : الطمس على عيونهم بحيث لا يمكنهم رؤية «الصراط» أي طريق الجنّة .

الثاني : أنّ هؤلاء الأفراد بعد أن كانوا فاقدين للحركة في طريق السعادة فإنّهم يتحوّلون إلى تماثيل ميتة في ذلك اليوم ويظلّون حيارى في مشهد المحشر ، وليس لهم طريق للتقدّم أوللتراجع ، إنّ تناسب الآيات ـ طبعاً ـ يؤيّد هذا التّفسير الأخير ، وإن كان أكثر المفسّرين قد اتّفقوا على قبول التّفسير السابق (19) .

الآية الأخيرة من هذه المجموعة تشير إلى وضع الإنسان في آخر عمره من حيث الضعف والعجز العقلي والجسمي ، لتكون إنذاراً لهم وليختاروا طريق الهداية عاجلا ، ولتكون جواباً على الذين يلقون بمسؤولية تقصيرهم على قصر أعمارهم ، وكذلك لتكون دليلا على قدرة الله سبحانه وتعالى ، فالقادر على أن يعيد ذلك الإنسان القوي إلى ضعف وعجز الوليد الصغير . . قادر على مسألة المعاد بالضرورة ، وعلى الطمس على عيون المجرمين ومنعهم عن الحركة ، كذلك تقول الآية الكريمة : {ومن نعمّره ننكّسه في الخلق أفلا يعقلون} .

«ننكّسه» من مادّة «تنكيس» وهو قلب الشيء على رأسه . وهي هنا كناية عن الرجوع الكامل للإنسان إلى حالات الطفولة . فالإنسان منذ بدء خلقته ضعيف ، ويتكامل تدريجيّاً ويرشد ، وفي أطواره الجنينية يشهد في كلّ يوم طوراً جديداً ورشداً جديداً ، وبعد الولادة ـ أيضاً ـ يستمرّ في مسيره التكاملي جسمياً وروحياً وبسرعة ، وتبدأ القوى والإستعدادات التي أخفاها الله في أعماق وجوده بالظهور تدريجيّاً الواحدة تلو الاُخرى ، في طور الشباب ، ثمّ طور النضج ، ليبلغ الإنسان أوج تكامله الجسمي والروحي .

وهنا تنفصل الروح عن الجسد في تكاملها ونموّها ، فتستمر في تكاملها في حال أنّ الجسد يشرع بالنكوص ، ولكن العقل في النهاية يبدأ هو الآخر بالتراجع أيضاً ، فيعود تدريجيّاً ـ وأحياناً بسرعة ـ إلى مراحل الطفولة ، ويتساوق ذلك مع الضعف البدني أيضاً ، مع الفارق طبعاً ، فالآثار التي تتركها حركات وروحيات الأطفال على النفس هي الراحة والجمال والأمل ولهذا فهي مقبولة منهم ، ولكنّها من أهل الشيخوخة ، قبيحة ومنفّرة ، وفي بعض الأحيان قد تثير الشفقة والترحّم ، فالشيخوخة أيّام عصيبة حقّاً ، يصعب تصوّر عمق آلامها .

في الآية (5) سورة الحجّ أشار القرآن المجيد إلى هذا المعنى ، قائلا : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج : 5] . لذا فقد ورد في بعض الروايات أنّ من جاوز السبعين حيّاً فهو «أسير الله في الأرض» (20) .

وعلى كلّ حال فإنّ جملة (أفلا يعقلون) تشعّ تنبيهاً عجيباً بهذا الخصوص ، وتقول للبشر : إنّ هذه القدرة والقوّة التي عندكم لولم تكن على سبيل «العارية» لما أخذت منكم بهذه البساطة . اعلموا أنّ فوقكم يد قدرة اُخرى قادرة على كلّ شيء ، فقبل أن تصلوا إلى تلك المرحلة خلّصوا أنفسكم ، وقبل أن يتبدّل هذا النشاط والجمال إلى موت وذبول . اجمعوا الورد من هذا الروض ، وتزوّدوا بالزاد من هذه الدنيا لطريق الآخرة البعيد ، لأنّه لم يمكنكم أداء أي عمل ذي قيمة في وقت الشيب والضعف والمرض . ولذا فإنّ من ضمن ما أوصى به النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذرّ أنّه قال : «اغتنم خمساً : قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك» (21) .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص166-178 .

2 ـ يرى «الراغب» في مفرداته بأنّ «فاكهة» تطلق على كلّ أنواع الثمار والفواكه ، و«فاكه» الحديث الذي يأنس به الإنسان وينشغل به عن غيره . ويرى «ابن منظور» في لسان العرب أنّ «فكاه» بمعنى المزاح ، و«فاكه» يطلق على الإنسان المرح .

3 ـ هناك إحتمالات عديدة في إعراب الجملة ، وأفضلها أنّ «هم» مبتدأ ، و«متكئون» خبر ، و«على الأرائك» متعلّق به ، و «في ظلال» متعلّق به أيضاً أو متعلّق بمحذوف .

4 ـ لسان العرب ـ مفردات الراغب ـ مجمع البيان ـ القرطبي ـ روح المعاني ـ وتفاسير اُخرى .

5 ـ إختلف حول إعراب «قولا» وأنسب ما ذكر هو إعتبارها (مفعول مطلق) لفعل محذوف تقديره «يقول قولا» .

6 ـ تفسير روح المعاني ، مجلّد 23 ، صفحة 35 .

7 ـ روح البيان ، مجلّد 7 ، صفحة 416 .

8 ـ وسائل الشيعة ، ج18 ، ص89 ، حديث1 .

9 ـ وسائل الشيعة ، ج18 ، ص91 ، حديث8 و9 .

10 ـ المصدر السابق .

11 ـ اُنظر روح المعاني والفخر الرازي .

12 ـ المصدر السابق .

13 ـ نهج البلاغة ، خطبة 192 (القاصعة) .

14 ـ «أصلوها» من (صلا) أصل الصَّلي إيقاد النار ، ويقال صَلِيَ بالنار وبكذا ، أي بُلي بها واصطلى بها .

15 ـ تفسير الصافي ، مجلّد 4 ، صفحة 258

16 ـ «طمسنا» من طمس ـ على وزن شمس ـ بمعنى إزالة الأثر بالمحو ، هذه الإشارة إلى إزالة ضوء العين أوصورتها بشكل كلّي بحيث لا يبقى منها أثر .

17 ـ «مكانتهم» بمعنى محل التوقّف ، وهي إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخرجهم عن اْنسانيتهم في محل توقّفهم ، يغيّر أشكالهم ، ويفقدهم القدرة على الحركة ، تماماً كالتمثال الخالي من الروح .

18 ـ لسان العرب ـ قطر المحيط ـ المنجد «مادّة سبق» .

19 ـ ذكر صاحب تفسير «في ظلال القرآن» هذا التّفسير على انّه الوحيد ، في حين انّ التّفسير السابق إختاره كلّ من تفسير : مجمع البيان ـ التبيان ـ الميزان ـ الصافي ـ روح المعاني ـ روح البيان ـ القرطبي ـ التّفسير الكبير .

20 ـ ورد هذا الحديث في سفينة البحار مادّة (عمر) .

21 ـ بحار الأنوار ، مجلّد 77 ، صفحة 75 ، حديث ـ 3 .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي