ولاة مكة بعهد علي (عليه السلام)
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 89- 91
7-10-2020
1609
ولاة مكة :
واستتب الأمر لعلي(عليه السلام) على أثر تسليم أصحاب الجمل في مكة والحجاز وبقية الأمصار إلا إذا استثنينا أمر الشام الذي سنلم بأموره فيما بعد ، وقد ظل علي في مقامه بالكوفة على رأس جيوشه بعد أن عهد بامارة مكة إلى أبي فتادة الأنصاري ثم عزله وولاها قثم بن العباس (١) وقثم بن العباس من رجالات قريش الهاشميين كان قد أخلص العمل لعلي في مكة وأحسن في سيرته مع جيرة بيت الله وبذل كثيرا في سبيل الاصلاح مما سنلم به في فصل «النواحي الاجتماعية» ولم يتفق لعلي أن يحج بالناس في عهد خلافته لاشتغاله بالحروب فحج بالناس سنة ٣٧ عبد الله بن العباس وحج بهم في سنة ٣٩ قثم ابن العباس.
حركة معاوية:
عندما استتب الأمر لعلي(عليه السلام) في أهم أمصار الإسلام ظل الشام بقيادة معاوية خارجا على طاعته يعلن العصيان وأنه لا يبايع ما لم يتسلم معاوية قتلة عثمان ليقتلوا به (٢) وفي الشام جند ألف طاعة قواده طاعة عسكرية قل أن يناقش فيها، وعلى رأس هذا الجند معاوية وليس من يجهل تدبير معاوية وقدرته على امتلاك النواصي وكان في بلاط معاوية ، وكم يحسن أن لا ننسى ان لمعاوية بلاطا ، له في الشام أبهته الخاصة ومظهره الفخم لأنه كان الأمير الذي لم يبن امارته على غرار الامارات في الحجاز في مظاهرها المتواضعة.
أقول وكان في بلاط معاوية من ساسة بني أمية من أخلصوا الود لأمويتهم كما أخلصوا لمعاوية زعيمهم كما أخلصوا لمبدئهم الذي اتفقوا عليه ـ «انت يا معاوية لا تبايع عليا إلا إذا تسلمنا منه قتله عثمان» (3). وقتلة عثمان في رأي علي شائعون في جنده لم يقو سلطانه على حجزهم أو ادانتهم وهنا نرجو أن لا يفوتنا ـ وقد جاء السياق على جند علي ـ أن نعلق بشيء على نوع العلاقة التي تربط عليا (عليه السلام) بجنده فقد علمنا أن جند معاوية ألف طاعته وأسلس له قياده في أسلوب عسكري لا يناقش، أما الأمر في جند علي فقد كان على العكس تماما.
يقول الأستاذ عبد الوهاب النجار في تاريخه عن الخلفاء : «إن عليا لم يكن القوي على جنده ، المالك لزمام عسكره ، الحذر لكل ما يخاف ، الواقف على ما يحدث» وكان خيرا في رأيي أن يقول ان جند علي لم يكونوا جنودا بالمعنى المعروف في عسكر معاوية يدينون بطاعة قائدهم ولا يناقشونها بل كان مجموعة هائلة متطوعة من أصحاب دين نفروا لنصرة إمامهم متطوعين وقراء خرجوا لأنهم وجدوا لأنفسهم في القرآن ما يدفعهم إلى الخروج ، وأصحاب تقوى وصلاح اقتنعوا بالدفاع عن مبدأ رأوه ، ولسنا بهذا نريد أن ننفي الدين والتقوى والصلاح عن جميع جيش معاوية وانما نريد أن نقول أن هذه الخصال كانت أوضح في جيش علي ، وان العسكرية بمعناها المعروف كانت أظهر في جيش معاوية.
ونريد بعد هذا أن نقول ان النافرين مع علي بعقائدهم كانوا يستوحون في مواقف الخلاف ما يؤدي إليه اجتهادهم في العقيدة فكان على علي (عليه السلام) أن يقنعهم في كل موقف بما قال الله وما قال الرسول ، ولهذا رأينا عليا كثير الخطابة كثير الاستشهاد بآيات القرآن ، ولكن المغالين منهم قد يجدون في بعض الآيات خلاف ما استشهد به فلا يلبثون أن يعارضوا ولا تلبث المعارضة أن تأخذ شكل التجمهر فينشب الخلاف وتكون الفتنة ، ولهذا كانت العسكرية بأوامرها التي لا تناقش في كل زمان عمدة السلطان وعدته في التغلب.
ويظهر جيش علي (عليه السلام) في بعض الجهات من الميدان وتبرز أبطاله في مواقفها وعندئذ يرى أصحاب الرأي في جيش معاوية أن يرفعوا المصاحف في وجه الجيش المتقدم (4) وأن ينادوا إلى كتاب الله ولا يراها أهل العراق حتى يلقوا سلاحهم مستجيبين. قال الرواة: فصاح بهم علي أن أمضوا فليس في هذا إلا الدهاء والكيد فأبوا أن يسمعوا وصاح صائحهم : لا يسعنا أن ندعى الى كتاب الله فنأبى فكانت معارضة أوحاها اجتهادهم وكانت مخالفة عانى من جرائها علي(عليه السلام) ما لم يعانه معاوية في جيشه الذي رباه على الطاعة العسكرية» (5).
_______________
(١) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ١٦٥
(٢) الكامل ٣ / ١٥٠ وما بعدها.
(3) المصدر نفسه.
(4) الاخبار الطوال ١٩١ ، ١٩٢.
(5) الكامل ٣ / ١٦٢ وما بعدها
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة