1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الفاء : سورة فصلت :

تفسير الآية (51-54) من سورة فصلت

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

2-10-2020

3489

قال تعالى : { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُو فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [فصلت : 51 - 54] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أخبر سبحانه عن جهل الإنسان الذي تقدم وصفه بمواقع نعم الله سبحانه فقال {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض} عن الشكر {ونأى بجانبه} أي بعد بجانبه تكبرا وتجبرا عن الاعتراف بنعم الله تعالى ومن قرأ ناء فإنه مقلوب من نأى كما في قول الشاعر :

أقول وقد ناءت بها غربة النوى *** نوى خيتعور لا تشط ديارك (2)

 {وإذا مسه الشر} أي الضر أو الفقر أو المرض {فذو دعاء عريض} أي فهو ذو دعاء كثير عند ذلك عن السدي وإنما قال {فذو دعاء عريض} ولم يقل طويل لأنه أبلغ فإن العرض يدل على الطول والطول لا يدل على العرض إذ قد يصح طويل ولا عرض له ولا يصح عريض ولا طول له فإن العرض الانبساط في خلاف جهة الطول والطول الامتداد في أي جهة كان وفي الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر القائلين بأنه ليس لله على الكافر نعمة فإن الله سبحانه أخبر بأنه ينعم على الكافر وأنه يعرض عن موجبها من الشكر والمراد بالآية أن الكافر يسأل ربه بالتضرع والدعاء أن يكشف ما به من الضر والبلاء ويعرض عن الدعاء في الرخاء .

{قل} يا محمد {أ رأيتم إن كان} القرآن {من عند الله} وقيل إن كان هذا الإنعام من عند الله {ثم كفرتم به} وجحدتموه {من أضل ممن هو في شقاق بعيد} أي في خلاف للحق بعيد عنه وهو أنتم والشقاق والمشاقة الميل إلى شق العداوة أي فلا أحد أضل منكم {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المعنى سنريهم حججنا ودلائلنا على التوحيد في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والبحار والجبال وفي أنفسهم وما فيها من لطائف الصنعة وبدائع الحكمة .

{حتى يتبين لهم} أي يظهر لهم {أنه الحق} أي أن الله هو الحق عن عطاء وابن زيد ( وثانيها ) إن معناه سنريهم آياتنا ودلائلنا على صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وصحة نبوته في الآفاق أي بما يفتح من القرى عليه وعلى المسلمين في أقطار الأرض وفي أنفسهم يعني فتح مكة عن السدي والحسن ومجاهد وقالوا هو ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الآفاق وعلى مكة حتى يعرفوا أن ما أتى به من القرآن حق ومن عند الله لأنهم بذلك يعرفون أنه مؤيد من قبل الله تعالى بعد أن كان واحدا لا ناصر له ( وثالثها ) أن المراد بقوله {في الآفاق} وقائع الله في الأمم {وفي أنفسهم} وقعة يوم بدر عن قتادة ( ورابعها ) أن معناه سنريهم آياتنا في الآفاق بصدق ما كان يخبرهم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الحوادث فيها وفي أنفسهم يعني ما كان بمكة من انشقاق القمر حتى يعلموا أن خبره حق من قبل الله سبحانه ( وخامسها ) أن المراد سنريهم آثار من مضى من قبلهم ممن كذب الرسل من الأمم وآثار خلق الله في كل البلاد وفي أنفسهم من أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم كسيت لحما ثم نقلوا إلى التمييز والعقل وذلك كله دليل على أن الذي فعله واحد ليس كمثله شيء عن الزجاج .

{أ ولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} موضع قوله {بربك} رفع والمعنى أ ولم يكف ربك و{أنه على كل شهيد} في موضع رفع أيضا على البدل وإن حملته على اللفظ فهوفي موضع جر والمفعول محذوف وتقديره أ ولم يكف شهادة ربك على كل شيء ومعنى الكفاية هنا أنه سبحانه بين للناس ما فيه كفاية من الدلالة على توحيده وتصحيح نبوة رسله قال مقاتل معناه أ ولم يكف ربك شاهدا أن القرآن من عند الله وقيل معناه أ ولم يكف ربك لأنه على كل شيء شهيد أي عليم بالأشياء شاهد لجميعها لا يغيب عنه شيء {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} ألا كلمة تنبيه وتأكيد أن الكفار في شك من لقاء ثواب ربهم وعقابه أي في شك من مجازاة ربهم وفي هذا تسفيه لهم في إضافة العبث إلى الله {ألا إنه بكل شيء محيط} أي أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص33-34 .

2- الخيتعور : كل شيء لا يدوم على حالة واحدة ، ويضمحل كالسراب ، وبمعنى الغول . . وشطّ يشط شطاً وشطوطاً : بعد . ولا تشط ديارك محكى اقول في صدر البيت . ونوى خيتعور : مفعول مطلق نوعي لقوله : ناءت ، وهو محل الاستشهاد .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ} .

ان استغنى بطر وفتن ، وان افتقر قنط ووهن كما قال الإمام علي (عليه السلام) . وتقدم مثله في سورة يونس الآية 12 ج 4 ص 139 وسورة هود الآية 9 ج 4 ص 212 وسورة الإسراء الآية 83 ج 5 ص 78 .

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُو فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} . الخطاب في أرأيتم لمن كذّب بالقرآن ، والشقاق البعيد الخلاف مكابرة وعنادا . . أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لهم : أتزعمون ان القرآن أساطير ؟

أخبروني ما ذا يكون حالكم ومآلكم ان كان القرآن حقا من عند اللَّه ، وأنتم تخالفونه مكابرة وعنادا . . ألا ترحمون أنفسكم ، وتحتاطون لها من عذاب النار ؟

 

الكون هو قرآن اللَّه الكبير :

{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . يقيم سبحانه الدليل لعباده كي يقنعهم بوجوده وصحة دينه وصدق كتبه ورسله ، يقيم لهم الدليل على ذلك من الحس والمشاهدة من أنفسهم ومن الكون الظاهر للعيان ، ويكشف عما فيهما من الدلائل ، فينبه العقول إلى خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، وتصريف الرياح والسحاب ، وإحياء الأرض بعد موتها ، وحركة الكواكب ومنافعها ، وخلق الإنسان في أحسن تقويم ، وما إلى ذلك مما يدركه الإنسان بحواسه ويدل دلالة قاطعة على وجود اللَّه ، وانه هو وحده الخالق المهيمن على كل شيء .

وإذا كان اللَّه سبحانه يعتمد على الدليل الحسي لإقناع عباده ويخاطبهم بقوله :

{فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ} [الحشر - 2] أي العيون ، وقوله {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [السجدة - 27 ] إذا كان كذلك فكيف يقال : ان الدين غيب في غيب لا يعتمد على الحس والتجربة ؟ كلا ، انه يثبت بالحس والمشاهدة ما غاب عن العين تماما كما نثبت عقل العاقل من أقواله وأفعاله ، ويثبت علماء الطبيعة بالحس الكثير من من الحقائق التي لا تدرك بالحس والعيان ، وبهذا يتبين خطأ بعض الأدباء في قوله : (ان اللَّه دائما يتقبل من الذين يؤمنون بالغيب دون حاجة إلى برهان ودون حاجة إلى عيان - مجلة صباح الخير 26 - 2 – 1970) . . هذا ، إلى أن علماء المسلمين أجمعوا على وجوب النظر لمعرفة اللَّه تعالى والايمان به مستندين في ذلك إلى حكم العقل والآيات القرآنية ، ولكن أديبا ما يقول العكس . .

ومع ذلك يتصدى لتفسير القرآن .

قال ابن عربي في الفتوحات المكية : انك لا تقدر أن تنكر ما ترى ، كما انك لا تقدر أن تجهل ما تعلم ، وأنت ترى الوجود ، وتعلم به علم اليقين ، وهو حروف وكلمات وسور وآيات تنطق بوجود كاتبها وهو اللَّه وان لم تره ، فالوجود قرآن اللَّه الكبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . انظر تفسير الآية 4 من سورة الأنعام ج 3 ص 161 فقرة (لا دكتاتورية في الأرض ولا في السماء) .

{أَولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} . بعد ان قال سبحانه أنه يقيم الدليل لعباده في آفاق السماوات والأرض وفي أنفسهم على أن اللَّه حق ، والقرآن حق ، ونبوة محمد حق ، بعد هذا قال : وكفى بأدلته تعالى شاهد عدل وصدق على ذلك . وقال الصوفية في معنى الآية : ان اللَّه هو الذي يشهد ويدل على وجود غيره ، أما هو فلا يحتاج شاهدا من غيره يدل عليه .

{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ} . إنما كذبوا بالقرآن لأنهم لا يؤمنون بالغيب والجزاء . . وفي هذا إشعار بأن من لا يؤمن بلقاء اللَّه فلن يهتدي إلى خير {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} يعلم ظاهر العباد وباطنهم ، ويجازي كلا بما كسبت يداه ، ان خير فخير ، وان شرا فشر ، ومن أجل هذا يعذب الذين كفروا بلقائه ، وكذبوا بكتابه جزاء بما كانوا يكسبون .

______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص506-508 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} النأي الابتعاد ، والمراد بالجانب الجارحة وهي الجنب أو المراد الجهة والمكان فقوله : {نأى بجانبه} كناية عن الابتعاد بنفسه وهو كناية عن التكبر والخيلاء ، والمراد بالعريض الوسيع ، والدعاء العريض كالدعاء الطويل كناية عما استمر وأصر عليه الداعي ، والآية في مقام ذم الإنسان وتوبيخه أنه إذا أنعم الله عليه أعرض عنه وتكبر وإذا سلب النعمة ذكر الله وأقبل عليه بالدعاء مستمرا مصرا .

قوله تعالى : {قل أ رأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد} {أ رأيتم} أي أخبروني ، والشقاق والمشاقة الخلاف ، والشقاق البعيد الخلاف الذي لا يقارب الوفاق وهو شديده ، وقوله : {ممن هو في شقاق بعيد} كناية عن المشركين ولم يقل : منكم بل أتى بالموصول والصلة وذلك في معنى الصفة ليدل على علة الحكم وهو الشقاق البعيد من الحق .

والمعنى : قل للمشركين أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل منكم؟ أي لا أضل منكم لأنكم في خلاف بعيد من حق ما فوقه حق .

فمفاد الآية أن القرآن يدعوكم إلى الله ناطقا بأنه من عند الله فلا أقل من احتمال صدقه في دعواه وهذا يكفي في وجوب النظر في أمره دفعا للضرر المحتمل وأي ضرر أقوى من الهلاك الأبدي فلا معنى لإعراضكم عنه بالكلية .

قوله تعالى : {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} إلخ ، الآفاق جمع أفق وهو الناحية ، والشهيد بمعنى الشاهد أو بمعنى المشهود وهو المناسب لسياق الآية .

وضمير {أنه} للقرآن على ما يعطيه سياق الآية ويؤيده الآية السابقة التي تذكر كفرهم بالقرآن ، وعلى هذا فالآية تعد إراءة آيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين بها كون القرآن حقا ، والآيات التي شأنها إثبات حقية القرآن هي الحوادث والمواعيد التي أخبر القرآن أنها ستقع كإخباره بأن الله سينصر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين ويمكن لهم في الأرض ويظهر دينهم على الدين كله وينتقم من مشركي قريش إلى غير ذلك .

فأمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة إلى المدينة وقد اشتد الأمر عليه وعلى من آمن به غايتها فلا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم ثم قتل صناديد قريش في بدر ولم يزل يرفع ذكره ويفتح على يديه حتى فتح مكة ودانت له جزيرة العرب ثم فتح بعد رحلته للمسلمين معظم المعمورة فأرى سبحانه المشركين آياته في الآفاق وهي النواحي التي فتحها للمسلمين ونشر فيها دينهم ، وفي أنفسهم وهو قتلهم الذريع في بدر .

وليست هذه آيات في أنفسها فكم من فتح وغلبة يذكره التاريخ ومقاتل ذريعة يقصها لكنها آيات بما أن الله سبحانه وعد بها والقرآن الكريم أخبر بها قبل وقوعها ثم وقعت على ما أخبر بها .

ويمكن أن يكون المراد بإراءة الآيات وتبين الحق بذلك ما يستفاد من آيات أخرى أن الله سيظهر دينه بتمام معنى الظهور على الدين كله فلا يعبد على الأرض إلا الله وحده وتظل السعادة على النوع الإنساني وهي الغاية لخلقتهم ، وقد تقدم استفادة ذلك من قوله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور : 55] وغيره وأيدناه بالدليل العقلي .

والفرق بين الوجهين أن وجه الكلام على الأول إلى مشركي مكة ومن يتبعهم خاصة وعلى الثاني إلى مشركي الأمة عامة والخطاب على أي حال اجتماعي ، ويمكن الجمع بين الوجهين .

ويمكن أن يكون المراد ما يشاهده الإنسان في آخر لحظة من لحظات حياته الدنيا حيث تطير عنه الأوهام وتضل عنه الدعاوي وتبطل الأسباب ولا يبقى إلا الله عز اسمه ويؤيده ذيل الآية والآية التالية ، وضمير {أنه الحق} على هذا لله سبحانه .

ولهم في الآية أقوال أخرى أغمضنا عن إيرادها .

وقوله : {أ ولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فاعل {لم يكف} هو{بربك} والباء زائدة ، و{أنه على كل شيء شهيد} بدل من الفاعل ، والاستفهام للإنكار ، والمعنى أ ولم يكف في تبين الحق كون ربك مشهودا على كل شيء إذ ما من شيء إلا وهو فقير من جميع جهاته إليه متعلق به وهو تعالى قائم به قاهر فوقه فهو تعالى معلوم لكل شيء وإن لم يعرفه بعض الأشياء .

واتصال الجملة أعني قوله : {أ ولم يكف بربك} إلخ بقوله : {سنريهم} إلخ على الوجه الأخير من الوجوه الثلاثة الماضية ظاهر ، وأما على الوجهين الأولين فلعل الوجه فيه أن المشركين إنما كفروا بالقرآن لدعوته إلى التوحيد فانتقل من الدلالة على حقية القرآن للدلالة على حقية ما يدعو إليه إلى الدلالة على حقية ما يدعو إليه مستقيما من غير واسطة كأنه قيل : سنريهم آياتنا ليتبين لهم أن القرآن الذي يخبرهم بها حق فيتبين أن ربك واحد لا شريك له ثم قيل : وهذا طريق بعيد هناك ما هو أقرب منه أ ولم يكفهم أن ربك مشهود على كل شيء ؟ قوله تعالى : {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} إلخ الذي يفيده السياق أن في الآية تنبيها على أنهم لا ينتفعون بالاحتجاج على وحدانيته تعالى بكونه شهيدا على كل شيء وهو أقوى براهين التوحيد وأوضحها لمن تعقل لأنهم في مرية وشك من لقاء ربهم وهو كونه تعالى غير محجوب بصفاته وأفعاله عن شيء من خلقه .

ثم نبه بقوله : {ألا إنه بكل شيء محيط} على ما ترتفع به هذه المرية وتنبت من أصلها وهو إحاطته تعالى بكل شيء على ما يليق بساحة قدسه وكبريائه فلا يخلو عنه مكان وليس في مكان ولا يفقده شيء وليس في شيء .

وللمفسرين في الآية أقوال لو راجعتها لرأيت عجبا .

_______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص327-329 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

يقول تعالى : {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أما : {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} .

«نآ» من «نأي» على وزن «رأي» وتعني الابتعاد ، وعندما تقترن مع كلمة «بجانبه» فتكون كناية عن التكبر والغرور ، لأنّ المتكبرين ينأون بوجوههم دون اهتمام ويبتعدون .

«العريض» مقابل الطويل ، ويستخدم العرب هاتين الكلمتين للدلالة على الزيادة والكثرة .

وفي الآية (12) من سورة يونس نرى معاني شبيهة لما نحنُ بصدده ، حيث يقول تعالى : {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس : 12] .

إنّ الإنسان الذي يفتقد الإيمان والتقوى يكون عرضة لمثل هذه الحالات ، فهو مع إقبال النعم مغرور ناس لله ، وإذا أدبرت عنهُ قنوط يائس كثير الجزع .

وفي الجانب المقابل نرى أنّ رجال الحق وأتباع الأنبياء والرسل لا يتغيرون إذا أقبلت عليهم النعم ، ولا يهنون أو ييأسون أو يجزعون عند إدبارها ، إنّهم مصداق قوله تعالى : {رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} فأربح التجارة لا تنسيهم ربّهم ، إنّهم عارفون حق المعرفة بفلسفة النعمة والبلاء في هذه الدنيا ، يعلمون أنّ الابتلاءات ناقوس خطر لهم ، بينما النعم اختبار وامتحان إلهي لهم .

ومن الابتلاء ما يكون أحياناً عقوبةً للغفلة والنسيان ، والنعم لإثارة دوافع الشكر لدى العباد .

ويلفت النظر هنا طرافة الاستخدام القرآني لكلمتي «أذقنا» و«مسه» والتي تعني أنّهم مع قليل جداً من إقبال الدنيا عليهم يتغيرون وينسون ويصابون بالغرور ، وهؤلاء مع «مسّة» قليلة من ضرر أو بلاء يصابون باليأس والقنوط .

من هنا نقف على قيمة سعة الروح ، وتدفق النفس بالإيمان ، واتساع آفاق الفكر ، وانشراح الصدر ، واستعداد الإنسان لمواجهة المشاكل والصعاب ، وتحدي المزالق والأهواء ، التي تعتبر جميعاً من ثمار الإيمان والتقى .

يقول شهيد المحراب الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في أحد أدعيته التي تعتبر درساً لأصحابه : «نسأل الله سبحانهُ أن يجعلنا وإيّاكم ممن لا تبطره نعمة ، ولا تقصر به عن طاعة ربِّه غاية ، ولا تحل به بعد الموت ندامةً وكئابة» (2) .

الآية الأخيرة تتضمّن الخطاب الأخير لهؤلاء ، وتبيّن لهم ـ بوضوح ـ الأصل العقلي المعروف بدفع الضرر المحتمل ، حيث تخاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول : {قل أرأيتم إن كانَ من عندَ الله ثمّ كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد} (3) .

ومن الواضح أن هذا الكلام إنّما يقال للأشخاص الذين لا ينفع معهم أيّ دليل منطقي لشدّة عنادهم وتعصبهم . فالآية تقول لهؤلاء : إذا كنتم ترفضون حقانية القرآن والتوحيد ووجود عالم ما بعد الموت وتصرون عليه ، فأنتم لا تملكون حتماً دليلا قاطعاً على هذا الرفض ، لذا يبقى ثمّة احتمال في أن تكون دعوة القرآن وقضية المعاد حقيقة موجودة ، عندها عليكم أن تتصوروا المصير الأسود الموحش الذي ينتظركم لعنادكم وضلالكم ومعارضتكم الشديدة إزاء الدين الإلهي .

إنّه نفس الأُسلوب الذي نقرأ عنهُ في محاججة أئمّة المسلمين لأمثال هؤلاء الأفراد ، كما نرى ذلك واضحاً في الحادثة التي ينقلها العلاّمة الكليني في «الكافي» حيث يذكر فيه الحوار الذي دار بين الإمام الصادق(عليه السلام) وابن أبي العوجاء .

فمن المعروف أنّ «عبد الكريم بن أبي العوجاء» كان من ملاحدة عصره ودهرييها ، وقد حضر الموسم (الحج) أكثر من مرّة والتقى مع الإمام الصادق في مجالس حوار ، انتهت إلى رجوع بعض أصحابه عنهُ إلى الإسلام ، ولكنّ ابن أبي العوجاء لم يسلم ، وقد صرح الإمام (عليه السلام) بأن سبب ذلك هو إنّه أعمى ولذلك لا يسلم .

والحادثة موضع الشاهد هنا ، هي أنّ الإمام بضُر بابن أبي العوجاء في الموسم فقال له : ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟

فأجاب ابن أبي العوجاء : عادة الجسد ، وسنة البلد ، ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة !

فقال لهُ الإمام : أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم (4) .

وعندما أراد أن يبدأ بالمناقشة والجدال قال له الإمام(عليه السلام) : لا جدال في الحج .

ثم قال لهُ : إن يكن الأمر كما تقول ، وليس كما نقول ، نجونا ونجوت . وإن يكن الأمر كما نقول ، وهوكما نقول نجونا وهلكت .

فأقبل عبد الكريم على من معه وقال : وجدت في قلبي حزازة (ألم) فردّوني ، فردوه فمات (5) .

 

وقوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } [فصلت : 53 ، 54] .

 

علائم الحق في العالم الكبير والصغير :

الآيتان الختاميتان في هذه السورة تشيران إلى موضوعين مهمين ، وهما بمثابة الخلاصة الأخيرة لبحوث هذه السورة المباركة .

فالآية الأولى تتحدث عن التوحيد (أو القرآن) ، والثانية عن المعاد .

يقول تعالى : {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحق} .

«آيات الآفاق» تشمل خلق الشمس والقمر والنجوم والنظام الدقيق الذي يحكمها ، وخلق أنواع الأحياء والنباتات والجبال والبحار وما فيها من عجائب وأسرار لا تعد ولا تحصى ، وما في عالم الأحياء من عجائب لا تنتهي ، إنّ كلّ هذه الآيات هي دليل على التوحيد وعلى وجود الله .

أمّا «الآيات النفسية» مثل خلق أجهزة جسم الإنسان ، والنظام المحير الذي يتحكم بالمخ وحركات القلب المنتظمة والشرايين والعظام والخلايا ، وانعقاد النطفة ونمو الجنين في ظلمات الرحم . ثمّ أسرار الروح العجيبة . إنّ كلّ ذلك هي كتاب مفتوح لمعرفة الإله الخالق العظيم .

صحيح أنّ هذه الآيات قد طرقت سابقاً بمقدار كاف من قبل الله تعالى ، إلاّ أنّ هذه العملية والإراءة مستمرة ، لأنّ(سنريهم) فعل مضارع يدل على الإستمرار ، وإذا عاش الإنسان مئات الآلاف من السنين ، فسوف تنكشف لهُ في كلّ زمان علامات وآيات إلهية جديدة ، لأنّ أسرار العالم لا تنتهي .

إنّ كافة كتب وبحوث العلوم الطبيعية وما يتصل بمعرفة الإنسان في أبعاده المختلفة (التشريح ، فسلجة الأعضاء ، علم النفس ، والتحليل النفسي) وكذلك العلوم التي تختص بمعرفة النباتات والحيوانات والهيئة والطبيعة وغير ذلك ، تعتبر في الواقع كتباً وبحوثاً في التوحيد ومعرفة الخالق (جلّ وعلا) لأنّها عادةً ما ترفع الحجب عن الأسرار العجيبة لتبيّن قدراً من حكمة الخالق العظيم ، وقدرته الأزلية ، وعلمه الذي أحاط بكل شيء .

أحياناً يستحوذ علم واحد من هذه العلوم ، بل فرع من فروعه المتعدّدة على اهتمام عالم من العلماء فيصرف عمرهُ في سبيله ، وفي النهاية يقرّر قائلا : مع الأسف لا زلت لا أعرف شيئاً عن هذا الموضوع ، وما علمتهُ لحد الآن تجعلني أغوص أكثر في أعماق جهلي ،

نعود الآن إلى الآية التي تنتهي بجملة ذات مغزى حيث يقول تعالى : {أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد} (6) .

وهل هناك شهادة أفضل وأعظم من هذه التي كتبت بخط القدرة التكوينية على ناصية جميع الكائنات ، على أوراق الشجر ، في الأوراد والزهور ، وبين طبقات المخ العجيبة ، وعلى الأغشية الرقيقة للعين ، وفي آفاق السماء وبواطن الأرض ، وفي كلّ شيء من الوجود تجد أثراً يدل على الخالق ، وشهادة تكوينية على وحدانيته وقدرته وحكمته وعلمه (سبحانه وتعالى) .

إنّ ما قلناه أعلاه هو أحد التّفسيرين المعروفين للآية ، اذ بناءاً على هذا التّفسير فإن الآية بجميعها تتحدث عن قضية التوحيد ، وتجلّي آيات الحق في الآفاق والأنفس .

أما التّفسير الثّاني فيذهب إلى قضية إعجاز القرآن ، وخلاصته أنّ الله يريد أن يقول : لقد عرضنا معجزاتنا ودلائلنا المختلفة لا في جزيرة العرب وحسب ، وإنّما في نواحي العالم المختلفة ، وفي هؤلاء المشركين أنفسهم ، حتى يعلموا بأنّ هذا القرآن على حق .

فمن آيات الآفاق ما تمثَّل بانتصار الإسلام في ميادين الحرب المختلفة ، وفي ميدان المواجهة الفكرية والمنطقية ، ثمّ انتصاره في المناطق التي فتحها وحكم فيها على أفكار الناس .

ثم إنّ نفس المجموعة من المسلمين التي كانت في مكّة ، كيف يسَّر الله لها أمرها بالهجرة ، ثمّ انطلقت إلى بقاع الدنيا ، لتدين لدينها الشعوب في مناطق واسعة من العالم ورفع راية الإسلام .

ومن آيات الأنفس ما تمثل في انتصار المسلمين على مشركي مكّة في معركة بدر ، وفي يوم فتح مكّة ، ونفوذ نور الإسلام إلى قلوب العديد منهم .

إنّ هذه الآيات الآفاقية والأنفسية اثبتت أنّ القرآن على حق .

وهكذا فإنّ الخالق العظيم الذي يشهد على كلّ شيء ، شهد أيضاً على حقانية القرآن عن هذا الطريق .

وبالرغم من أنّ لكل واحد من هذين التّفسيرين قرائن وأدلة ترجحهُ ، إلاّ أن التأمل في نهاية الآية والآية التي تليها يكشف عن رجاحة التّفسير الأوّل (7) .

وثمّة أقوال اُخرى في تفسير الاية تركناها لعدم جدواها .

الآية الأخيرة في السورة تشير إلى الاساس والسبب في شقاء هذه المجموعة المشركة الفاسدة ، إذ يقول تعالى عنهم : {ألا إنّهم في مرية من لقاء ربّهم} .

ولأنّهم لا يؤمنون بيوم الحساب والجزاء ، فهم يقومون بأنواع الجرائم والمعاصي مهما كانت ، ومهما بلغت . إنّ حجب الغفلة والغرور تهيمن على هؤلاء فتنسيهم لقاء الله ، ممّا يؤدي بهم إلى السقوط عن مصاف الإنسانية .

ولكنّهم يجب أن يعلموا : {ألا إنّهُ بكل شيء محيط} .

إنّ جميع أعمالهم ونواياهم حاضرة في علم الله ، وكل ذلك يسجّل لمحكمة القيامة والحشر .

«مرية» على وزن «جزية» و«قرية» تعني التردُّد في اتخاذ القرار ، والبعض اعتبرها بمعنى الشك والشبهة العظيمة ، والكلمة مأخوذة في الأصل من «مريت الناقة» بمعنى عصر ثدي الناقة بعد حَلبها أملا بوجود بقايا الحليب فيه ، ولأنّ هذا العمل مع الشك والتردُّد ، فقد وردت هذه الكلمة بهذا المعنى .

وعندما نسمع إطلاق كلمة «المراء» على «المجادلة» فذلك لما يحاوله الإنسان من إخراج ما في ذهن الطرف الآخر .

والآية ـ في هذا الجزء منها ـ رد على شبهات الكفار بخصوص المعاد ، فهؤلاء يقولون : كيف يمكن لهذا التراب المتناثر المختلط مع بعضه البعض أن ينفصل ؟ ومن يستطيع أن يجمع أجزاء الإنسان؟ والأكثر من ذلك : من الذي يحيط بنيات الناس وأعمالهم على مدى تأريخ البشرية ؟

القرآن يجيب على كلّ ذلك بالقول : كيف يُمكن للخالق المحيط بكل شيء أنْ لا تكون هذه الأمور طوع قدرته وواضحة بالنسبة له ؟

ثم إنّ دليل إحاطة علمه بكل شيء ، هو تدبيره لكل هذه الأمور ، فكيف يجوز لهُ أن لا يعلم بأُمور ما خلقَ ودبّر ؟

بعض المفسّرين اعتبر أنّ الآية تختص بالتوحيد وليسَ بالمعاد ، حيث يقول العلامة الطباطبائي في ذلك : «الذي يفيده السياق أنّ في الآية تنبيهاً على أنّهم لا ينتفعون بالإحتجاج على وحدانيته تعالى بكونه شهيداً على كلّ شيء ، وهو أقوى براهين التوحيد وأوضحها لمن تعقل ، لأنّهم في مرية وشك من لقاء ربّهم ، وهو تعالى غير محجوب بصفاته وأفعاله عن شيء من خلقه» (8) .

ولكن هذا التّفسير مُستبعد نظراً لأنّ تعبير «لقاء الله» عادةً ما يأتي للكناية على يوم القيامة .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص217-224 .

2 ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم 64 .

3 ـ «أرأيتم» تأتي عادةً بمعنى «أخبروني» وتفسّر بنفس المعنى .

4 ـ يناديه الإمام بهذا الاسم ، وهو اسمه الحقيقي مع كونه منكراً لله لكي يشعره مهانة ما هو عليه وهذا اسمه .

5 ـ الكافي ، المجلد الأوّل ، ص 77 ـ 78 ، كتاب التوحيد باب حدوث العالم .

6 ـ ذهب الكثير من المفسّرين إلى أنّ «الباء» زائدة و«ربك» تقوم مقام الفاعل . وجملة «أنّه على كلّ شيء شهيد» «بدل» ذلك ، والمعنى يكون هكذا : «أولم يكفهم أن ربّك على كلّ شيء شهيد» .

7 ـ التّفسير الأوّل لهُ أربعة مرجحات هي :

أولا : إنّ أكثر ما تؤّكد عليه الآيات هو قضية التوحيد وأدلته .

ثانياً : انّ تعبيري «آفاق وأنفس» أكثر تناسباً مع آيات التوحيد .

ثالثاً : نشير نهاية الآية في قوله تعالى : (أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد) إلى قضية التوحيد ، وشهادة الله التكوينية على حقانية ذاته المنزَّهة .

رابعاً : الآية التي تليها تتحدث عن المعاد ، ونحن نعرف أنّ المبدأ والمعاد غالباً ما يقترن أحدهما بالآخر .

أما التّفسير الأوّل فلهُ ثلاثة مرجحات هي :

أوّلا : إنّ ضمير «إنّه» مفرد للغائب ، في حين أنّ ضمير «آياتنا» مُتكلّم مع الغير ، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ ضمير من الضميرين يختص بمتابعة موضوع خاص .

ثانياً : إنّ الآية السابقة كانت حول القرآن بالخصوص .

ثالثاً : إن جملة «سنريهم» التي هي فعل مضارع للإستمرار ، تفيد هذا المعنى بالذات; أي أنّ الآيات المذكورة سنعرضها فيما بعد .

8 ـ تفسير الميزان . المجلد (17) . صفحة (405) .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي