تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (39-43) من سورة فاطر
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
30-9-2020
5468
قال تعالى : {هُو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر : 39 - 43]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} أي : جعلكم معاشر الكفار أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن عن قتادة وقيل جعلكم خلائف القرون الماضية بأن أحدثكم بعدهم وأورثكم ما كان لهم {فمن كفر فعليه كفره} أي فعليه ضرر كفره وعقاب كفره {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} أي أشد البغض {ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} أي خسرانا وهلاكا .
{قل} يا محمد {أ رأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ما ذا خلقوا من الأرض} معناه أخبروني أيها المشركون عن الأوثان الذين أشركتموهم مع الله في العبادة أروني ما ذا خلقوا من الأرض أي بأي شيء أوجبتم له شركا مع الله تعالى في العبادة أ بشيء خلقوه من الأرض {أم لهم شرك في السماوات} أي شركة في خلقها .
ثم ترك هذا النظم فقال {أم آتيناهم كتابا} أي أم أنزلنا عليهم كتابا يصدق دعواهم فيما هم عليه من الشرك {فهم على بينة} أي فهم على دلالات واضحات {منه} أي من ذلك الكتاب أراد فإن جميع ذلك محال لا يمكنهم إقامة حجة ولا شبهة على شيء منه وقيل أم آتيناهم كتابا بأن الله لا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} معناه ليس شيء من ذلك لكن ليس يعد بعض الظالمين بعضا إلا غرورا لا حقيقة له يغرونهم يقال غره يغره غرورا إذا أطمعه فيما لا يطمع فيه .
ثم أخبر سبحانه عن عظم قدرته وسعة مملكته فقال {إن الله يمسك السماوات والأرض} معناه أن يمسك السماوات من غير علاقة فوقها ولا عماد تحتها ويمسك الأرض كذلك {أن تزولا} أي لئلا تزولا {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد} أي وإن قدر أن تزولا عن مراكزهما ما أمسكهما أحد ولا يقدر على إمساكهما أحد {من بعده} أي من بعد الله تعالى وقيل من بعد زوالهما {إنه كان حليما} أي قادرا لا يعاجل بالعقوبة من استحقها {غفورا} أي ستارا للذنوب كثير الغفران .
ثم حكى عن الكفار فقال {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} يعني كفار مكة حلفوا بالله قبل أن يأتيهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بإيمان غليظة غاية وسعهم وطاقتهم و{لئن جاءهم نذير} أي رسول مخوف من جهة الله تعالى {ليكونن أهدى} إلى قبول قوله واتباعه {من إحدى الأمم} الماضية يعني اليهود والنصارى والصابئين {فلما جاءهم نذير} محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {ما زادهم} مجيئه {إلا نفورا} أي تباعدا عن الهدى وهربا من الحق والمعنى أنهم ازدادوا عند مجيئه نفورا {استكبارا} أي تكبرا وتجبرا وعتوا على الله وأنفة من أن يكونوا تبعا لغيرهم {في الأرض ومكر السيىء} أي وقصد الضرر بالمؤمنين والمكر السيىء كل مكر أصله الكذب والخديعة وكان تأسيسه على فساد لأن من المكر ما هو حسن وهو مكر المؤمنين بالكافرين إذا حاربوهم من الوجه الذي يحسن أن يمكروا بهم فالمراد به هاهنا المكر برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبأهل دينه وأضيف المصدر إلى صفة المصدر فالتقدير ومكروا المكر السيىء بدلالة قوله {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} والمعنى لا ينزل جزاء المكر السيئ إلا بمن فعله .
{فهل ينظرون إلا سنة الأولين} أي فهل ينتظرون إلا عادة الله تعالى في الأمم الماضية أن يهلكهم إذا كذبوا رسله وينزل بهم العذاب ويحل عليهم النقمة جزاء على كفرهم وتكذيبهم فإن كانوا ينتظرون ذلك {فلن تجد} يا محمد {لسنة الله تبديلا} أي لا يغير الله عادته من عقوبة من كفر نعمته وجحد ربوبيته ولا يبدلها {ولن تجد لسنة الله تحويلا} فالتبديل تصيير الشيء مكان غيره والتحويل تصيير الشيء في غير المكان الذي كان فيه والتغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان .
_____________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص252-253 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {هُو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ولا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً ولا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً} . خلق سبحانه الأرض في تكوينها وإمكانياتها معاشا وحياة للناس ، يرثونها جيلا بعد جيل ، ومنحهم العقل والقدرة على التحكم بها وبخيراتها كما يشاؤن ، وأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحدد لهم حدودا ، ونهاهم أن يعتدوها . . فمن سمع واتقى فله أجر كريم ، ومن أعرض ونأى فله عذاب الجحيم يتضاعف ويزداد كلما ازدادوا عتوا وطغيانا : {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً} - 178 آل عمران ج 2 ص 210 .
واحتج سبحانه في الآية الثانية على المشركين بأمور ثلاثة :
1 - {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} .
أخبروني أيها المشركون : ما الذي دعاكم ان تجعلوا للَّه أندادا وأضدادا ؟ فهل من شيء في الأرض يدل صنعه على تعدد الصانع والأنداد ؟ . . كلا ، فإن جميع الكائنات ينطق وجودها بوحدانية اللَّه ، ويشهد إحكامها بعظمته وحكمته .
2 - {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ} . المراد بالشرك هنا النصيب ، والمعنى أم لمعبود المشركين أثر في السماء يدل على أنهم شركاء للَّه في خلقه ؟
3 - {أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ} . ضمير {هم} يعود إلى المشركين لا إلى الشركاء ، وضمير {منه} يعود إلى الكتاب ، والمعنى أم جعلتم شركاء للَّه في العبادة وغيرها اعتمادا على كتاب منزل أو نبي مرسل ؟ وبالإجمال لا عذر للمشركين من العقل أو النقل فيما يشركون ، بل هم في سكرتهم يعمهون .
{بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً} . المراد بالغرور هنا الباطل ، وقد كان رؤساء الشرك والضلال يقولون للضعفاء والأتباع : ان الأصنام يشفعون لكم غدا . . وليس من شك ان هذا الوعد والقول كذب وافتراء ، وإغراء بالباطل {إِنَّ اللَّهً يُمْسِكُ السَّماواتِ والأَرْضَ أَنْ تَزُولا ولَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً} . أمسك سبحانه الكواكب بنظام الجاذبية ، تماما كما أمسك الطير في السماء بجناحيه ، وأسند تعالى الإمساك إليه لأنه خالق الكون ومسبب الأسباب . وتقدم مثله في الآية 65 من سورة الحج ج 5 ص 346 .
{وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ} .
ضمير أقسموا يعود إلى مشركي قريش ، واحدى الأمم أي أية أمة من الأمم ، وفي البحر المحيط يقال : إحدى الأمم ، تفضيلا لها على غيرها أي لا نظير لها . .
وقد كانت قريش تنكر على اليهود انحرافهم عن دينهم وقتلهم أنبياءهم ، وتحلف الأيمان المغلظة لئن جاءها رسول من اللَّه لتكونن أطوع إليه من بنانه {فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْباراً فِي الأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ} . وأخيرا جاءهم رسول من عند اللَّه بالهدى والبينات . . ولكنهم كذبوه ونفروا منه وتعالوا عليه وعلى دعوته ، ومكروا به وبأتباعه ، وصدوا الناس عن الايمان بنبوته . . ولكن في النهاية نصره اللَّه عليهم واستسلموا لأمره أذلاء صاغرين .
{ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} . المكر السيء أن تضمر الشر لأخيك ، وتدبره له في الخفاء ليقع فيه من حيث لا يشعر . . وإذا جهل المسكين ما أضمرت ودبرت فإن اللَّه به عليم ، وهو مجازيك عليه لا محالة جزاء الكاذب المخادع ، ويعود عليك وبال كيدك ومكرك {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} . سنة الأولين أي سنة اللَّه في الأولين ، وهي هلاك من كذّب أنبياء اللَّه ورسله ، والمعنى ألا يعلم الذين كذّبوا رسولنا محمدا ان اللَّه قد أهلك قوم نوح وعاد وثمود وأمثالهم ممن كذّبوا الرسل ، وان هذه هي عادته في كل مكذّب بأنبياء اللَّه ورسله ، وانها لا تتبدل ولا تتحول ؟ أفلا يعتبرون بالغير ، ويتعظون بالعبر ؟
______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص294-297 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
احتجاج على توحيد الربوبية كقوله : {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} الآية ، وقوله : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} الآية ، وعلى نفي ربوبية شركائهم {قل أ رأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله} الآية وتوبيخ وتهديد لهم على نقضهم ما أبرموه باليمين ومكرهم السيئ .
ثم تسجيل أن الله لا يعجزه شيء وإنما يمهل من أمهله من هؤلاء الظالمين إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم جازاهم ما يستحقونه وبذلك تختتم السورة .
قوله تعالى : {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} إلخ .
الخلائف جمع خليفة ، وكون الناس خلائف في الأرض هو قيام كل لاحق منهم مقام سابقه وسلطته على التصرف والانتفاع منها كما كان السابق مسلطا عليه وهم إنما نالوا هذه الخلافة من جهة نوع الخلقة وهو الخلقة من طريق النسل والولادة فإن هذا النوع من الخلقة يقسم المخلوق إلى سلف وخلف .
فجعل الخلافة الأرضية نوع من التدبير مشوب بالخلق غير منفك عنه ولذلك استدل به على توحده تعالى في ربوبيته لأنه مختص به تعالى لا مجال لدعواه لغيره .
فقوله : {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} حجة على توحده تعالى في ربوبيته وانتفائها عن شركائهم : تقريره أن الذي جعل الخلافة الأرضية في العالم الإنساني هو ربهم المدبر لأمرهم ، وجعل الخلافة لا ينفك عن نوع الخلقة فخالق الإنسان هورب الإنسان لكن الخالق هو الله سبحانه حتى عند الخصم فالله هورب الإنسان .
وقوله : {فمن كفر فعليه كفره} أي فالله سبحانه هورب الإنسان فمن كفر وستر هذه الحقيقة ونسب الربوبية إلى غيره تعالى فعلى ضرره كفره .
وقوله : {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} بيان لكون كفرهم عليهم وهو أن كفرهم يورث لهم مقتا عند ربهم والمقت شدة البغض لأن فيه إعراضا عن عبوديته واستهانة بساحته ، ويورث لهم خسارا في أنفسهم لأنهم بدلوا السعادة الإنسانية شقاء ووبالا سيصيبهم في مسيرهم ومنقلبهم إلى دار الجزاء .
وإنما عبر عن أثر الكفر بالزيادة لأن الفطرة الإنسانية بسيطة ساذجة واقعة في معرض الاستكمال والازدياد فإن أسلم الإنسان زاده ذلك كمالا وقربا من الله وإن كفر زاده ذلك مقتا عند الله وخسارا .
وإنما قيد المقت بقوله : {عند ربهم} دون الخسار لأن الخسار من تبعات تبديل الإيمان كفرا والسعادة شقاء وهو أمر عند أنفسهم وأما المقت وشدة البغض فمن عند الله سبحانه .
والحب والبغض المنسوبان إلى الله سبحانه من صفات الأفعال وهي معان خارجة عن الذات غير قائمة بها ، ومعنى حبه تعالى لأحد انبساط رحمته عليه وانجذابها إليه وبغضه تعالى لأحد انقباض رحمته منه وابتعادها عنه .
قوله تعالى : {قل أ رأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله} إلى آخر الآية إضافة الشركاء إليهم بعناية أنهم يدعون أنهم شركاء لله فهي إضافة لامية مجازية .
وفي الآية تلقين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة على نفي ربوبية آلهتهم الذين كانوا يعبدونهم وتقرير الحجة أنهم لو كانوا أربابا آلهة من دون الله لكان لهم شيء من تدبير العالم فكانوا خالقين لما يدبرونه لأن الخلق والتدبير لا ينفك أحدهما عن الآخر ولو كانوا خالقين لدل عليه دليل والدليل إما من العالم أومن قبل الله سبحانه أما العالم فلا شيء منه يدل على كونه مخلوقا لهم ولو بنحو الشركة وهو قوله : {أروني ما ذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات} .
وأما من قبله تعالى فلوكان لكان كتابا سماويا نازلا من عنده سبحانه يعترف بربوبيتهم ويجوز للناس أن يعبدوهم ويتخذوهم آلهة ، ولم ينزل كتاب على هذه الصفة وهم معترفون بذلك وهو قوله : {أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه} .
وإنما عبر عن نفي خالقيتهم في الأرض بقوله : {أروني ما ذا خلقوا من الأرض} ولم يقل : أنبئوني أ لهم شرك في الأرض؟ وعبر في السماوات بقوله : {أم لهم شرك في السماوات} ولم يقل : أم ما ذا خلقوا من السماوات .
لأن المراد بالأرض - على ما يدل عليه سياق الاحتجاج - العالم الأرضي وهو الأرض بما فيها وما عليها والمراد بالسماوات العالم السماوي المشتمل على السماوات وما فيها وما عليها فقوله : {ما ذا خلقوا من الأرض} في معنى أ لهم شرك في الأرض ولا يكون إلا بخلق شيء منها ، وقوله : {أم لهم شرك في السماوات} في معنى أم ما ذا خلقوا من السماوات ، وقد اكتفى بذكر الخلق في جانب الأرض إشارة إلى أن الشرك في الربوبية لا يكون إلا بخلق .
وقوله : {أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه} أي بل آتيناهم كتابا فهم على بينة منه أي على حجة ظاهرة من الكتاب أن لشركائهم شركة معنا وذلك بدلالته على أنهم شركاء لله .
وقد قال : {أم آتيناهم كتابا} ولم يقل : أم لهم كتاب ونحو ذلك ليتأكد النفي والإنكار فإن قولنا : أم لهم كتاب ونحو ذلك إنكار لوجود الكتاب لكن قوله : {أم آتيناهم كتابا} إنكار لوجود الكتاب ممن ينزل الكتاب لو نزل .
وقد تبين بما تقدم أن ضمير الجمع في {آتيناهم} وفي {فهم على بينة} للمشركين فلا يعبأ بما قيل : إن الضميرين للشركاء .
وقوله : {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} إضراب عما تقدم من الاحتجاج بأن الذي حملهم على الشرك ليس هو حجة تحملهم عليه ويعتمدون عليها بل غرور بعضهم بعضا بوعد الشفاعة والزلفى فأسلافهم يغرون أخلافهم ورؤساؤهم وأئمتهم يغرون مرءوسيهم وتابعيهم ويعدونهم شفاعة الشركاء عند الله سبحانه ولا حقيقة لها .
وحجة الآية عامة على المشركين عبدة الأصنام وهم الذين يعبدون الملائكة والجن وقديسي البشر ويتخذون لهم أصناما يتوجهون إليها ، وعلى الذين يعبدون روحانيي الكواكب ويتوجهون إلى الكواكب ثم يتخذون للكواكب أصناما ، وعلى الذين يعبدون الملائكة والعناصر من غير أن يتخذوا لها أصناما كما ينقل عن الفرس القدماء ، وعلى الذين يعبدون بعض البشر كالنصارى للمسيح (عليه السلام) .
قوله تعالى : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} إلخ .
قيل : إن الآية استئناف مقرر لغاية قبح الشرك وهوله أي إن الله تعالى يحفظ السماوات والأرض كراهة أن تزولا أولئلا تزولا وتضمحلا لأن الممكن كما يحتاج إلى الواجب حال إيجاده يحتاج إليه حال بقائه . انتهى .
والظاهر أنه تعالى لما استدل على توحده في الربوبية يجعل الخلافة في النوع الإنساني بقوله : {هوالذي جعلكم خلائف في الأرض} الآية ثم نفى الشركة مطلقا بالحجة عمم الحجة بحيث تشمل الخلق كله أعني السماوات والأرض فاحتج على توحده بإبقاء الخلق بعد إحداثه فإن من البين الذي لا يرتاب فيه أن حدوث الشيء وأصل تلبسه بالوجود بعد العدم غير بقائه وتلبسه بالوجود بعد الوجود على نحو الاستمرار فبقاء الشيء بعد حدوثه يحتاج إلى إيجاد بعد إيجاد على نحو الاتصال والاستمرار .
وإبقاء الشيء بعد إحداثه كما أنه إيجاد بعد الإيجاد كذلك هو تدبير لأمره فإنك إن دققت النظر وجدت أن النظام الجاري في الكون إنما يجري بالإحداث والإبقاء فقط .
والموجد والخالق هو الله سبحانه حتى عند الخصم فالله سبحانه هو الخالق المدبر للسماوات والأرض وحده لا شريك له .
فقوله : {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} الإمساك بمعناه المعروف وقوله : {أن تزولا} - وتقديره كراهة أن تزولا أولئلا تزولا - متعلق به ، وقيل : الإمساك بمعنى المنع أو بمعنى الحفظ وعلى أي حال فالإمساك كناية عن الإبقاء وهو الإيجاد بعد الإيجاد على سبيل الاتصال والاستمرار ، والزوال هو الاضمحلال والبطلان .
ونقل عن بعضهم أنه فسر الزوال بالانتقال المكاني ، والمعنى أن الله يمنع السماوات والأرض من أن ينتقل شيء منهما عن مكانه الذي استقر فيه فيرتفع أو ينخفض انتهى والشأن في تصور مراده تصورا صحيحا .
وقوله : {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} السياق يعطي أن المراد بالزوال هاهنا الإشراف على الزوال إذ نفس الزوال لا يجتمع معه الإمساك والمعنى وأقسم لئن أشرفتا على الزوال لم يمسكهما أحد من بعد الله سبحانه إذ لا مفيض للوجود غيره ويمكن أن يكون المراد بالزوال معناه الحقيقي والمراد بالإمساك القدرة على الإمساك وقد تبين أن {من} الأولى زائدة للتأكيد والثانية للابتداء ، وضمير {من بعده} راجع إليه تعالى ، وقيل : راجع إلى الزوال .
وقوله : {إنه كان حليما غفورا} فهو لحلمه لا يعجل إلى أمر ولمغفرة يستر جهات العدم في الأشياء ، ومقتضى الاسمين أن يمسك السماوات والأرض أن تزولا إلى أجل مسمى .
وقال في إرشاد العقل السليم ، : إنه كان حليما غفورا غير معاجل بالعقوبة التي تستوجبها جناياتهم حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدا حسبما قال تعالى : {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض} انتهى .
قوله تعالى : {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا} قال الراغب : الجهد - بفتح الجيم - والجهد - بضمها - الطاقة والمشقة - إلى أن قال - وقال تعالى : {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم . انتهى .
وقال : النفر الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كالفزع إلى الشيء وعن الشيء يقال : نفر عن الشيء نفورا قال تعالى : {ما زادهم إلا نفورا} انتهى .
قيل (2) : بلغ قريشا قبل مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم انتهى ، وسياق الآية يصدق هذا النقل ويؤيده .
فقوله : {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} الضمير لقريش وقد حلفوا هذا الحلف قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل قوله بعد : {فلما جاءهم نذير{ ، والمقسم به قوله : {لئن جاءهم نذير} إلخ .
وقوله : {لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم} أي إحدى الأمم التي جاءهم نذير كاليهود والنصارى وإنما قال : {ليكونن أهدى من إحدى الأمم} ولم يقل : أهدى منهم لأن المعنى أنهم كانوا أمة ما جاءهم نذير ثم لوجاءهم نذير كانوا أمة ذات نذير كإحدى تلك الأمم المنذرة ثم بتصديق النذير يصيرون أهدى من التي ماثلوها وهو قوله : {أهدى من إحدى الأمم} فافهمه .
وقيل : إن مقتضى المقام العموم ، وقوله : {إحدى الأمم} عام وإن كان نكرة في سياق الإثبات واللام في {الأمم} للعهد ، والمعنى ليكونن أهدى من كل واحدة من تلك الأمم التي كذبوا رسلهم من اليهود والنصارى وغيرهم .
وقيل : المعنى ليكونن أهدى من أمة يقال فيها : إحدى الأمم تفضيلا لها على غيرها من الأمم كما يقال : هو واحد القوم وواحد عصره . انتهى .
ولا يخلو الوجه الأخير عن تكلف وبعد .
وقوله : {فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا} المراد بالنذير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنفور التباعد والهرب .
قوله تعالى : {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} قال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قال تعالى : {والله خير الماكرين} ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح قال تعالى : {لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} انتهى .
وقال أيضا : قال عز وجل : {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} أي لا ينزل ولا يصيب .
قيل : وأصله حق فقلب نحو زل وزال وقد قرىء فأزلهما الشيطان وأزالهما وعلى هذا ذمه وذامه . انتهى .
وقوله : {استكبارا في الأرض} مفعول لأجله لقوله : {نفورا} أي نفروا عنه وتباعدوا للاستكبار في الأرض وقوله : {ومكر السيئ} معطوف على {استكبارا} ومفعول لأجله مثله ، وقيل : معطوف على {نفورا} والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة بدليل قوله ثانيا : {ولا يحيق المكر السيئ} إلخ .
وقوله : {ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله} أي لا يصيب ولا ينزل المكر السيىء إلا بأهله ولا يستقر إلا فيه ، فإن المكر السيىء وإن كان ربما أصاب به مكروه للممكور به ، لكنه سيزول ولا يدوم إلا أن أثره السيىء بما أنه المكر سيئ يبقى في نفس الماكر وسيظهر فيه ويجزى به إما في الدنيا وإما في الآخرة البتة ، ولهذا فسر الآية في مجمع البيان ، بقوله : والمعنى لا ينزل جزاء المكر السيىء إلا بمن فعله .
والكلام مرسل إرسال المثل كقوله تعالى : {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس : 23] {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [الفتح : 10] .
وقوله : {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} النظر والانتظار بمعنى التوقع والفاء للتفريع والجملة استنتاج مما تقدمها والاستفهام للإنكار والمعنى وإذ مكروا المكر السيىء والمكر السيىء يحيق بأهله فهم لا ينتظرون إلا السنة الجارية في الأمم الماضين وهي العذاب الإلهي النازل بهم إثر مكرهم وتكذيبهم بآيات الله .
وقوله : {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} تبديل السنة أن توضع العافية والنعمة موضع العذاب ، وتحويلها أن ينقل العذاب من قوم يستحقونه إلى غيرهم ، وسنة الله لا تقبل تبديلا ولا تحويلا لأنه تعالى على صراط مستقيم لا يقبل حكمه تبعيضا ولا استثناء .
وقد أخذ الله بالعذاب هؤلاء المشركين الماكرين يوم بدر فقتل عامتهم .
والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لكل سامع .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص43-49 .
2- رواه في الدر المنثور عن ابي هلال وعن ابن جريح .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
السماوات والأرض بيد القدرة الإلهية :
تنتقل الآيات إلى مرحلة اُخرى من تشخيص عوامل ضعف وبطلان مناهج الكفّار والمشركين في التعامل أو التفكير لتكمل البحوث التي مرّت في الآيات السابقة ، فتقول أوّلا : {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} .
«خلائف» هنا سواء كانت بمعنى خلفاء وممثّلي الله في الأرض ، أم بمعنى خلفاء الأقوام السابقين {وإن كان المعنى الثاني هنا أقرب على ما يبدو} فهي دليل على منتهى اللطف الإلهي على البشر حيث أنّه قيّض لهم جميع إمكانات الحياة . أعطاهم العقل والشعور والإدراك ، أعطاهم أنواع الطاقات الجسدية ، ملأ للإنسان صفحة الأرض بمختلف أنواع النعم والبركات ، وعلّمه طريقة الإستفادة من تلك الإمكانات ، فكيف نسي الإنسان والحال هذه ولي نعمته الأصلي ، وراح يعبد آلهة خرافية ومصنوعة ؟!
هذه الجملة في الحقيقة بيان لـ «توحيد الربوبية» الذي هو دليل على «توحيد العبادة» . وهذه الجملة أيضاً تنبيه للبشر جميعاً ليعلموا بأنّ مكثهم ليس أبديّاً ولا خالداً ، فكما أنّهم خلائف لأقوام آخرين ، فما هي إلاّ مدّة حتّى ينتهي دورهم ويكون غيرهم خلائف لهم ، لذا فإنّ عليهم أن يتأمّلوا ويفكّروا ماذا يعملون خلال هذه المدّة القصيرة ، وكيف سيذكرهم التأريخ في هذا العالم؟
لذا تردف الآية قائلة : {فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلاّ مقتاً ولا يزيد الكافرين كفرهم إلاّ خساراً} .
الجملتان الأخيرتان في الواقع تفسير الجملة {من كفر فعليه كفره} فهما تقيمان دليلين على رجوع الكفر على صاحبه كالآتي :
الأوّل : إنّ هذا الكفر يؤدّي إلى غضب الله الذي أعطى كلّ هذه المواهب .
والثاني : أنّه علاوة على هذا الغضب الإلهي فإنّ هذا الكفر سوف لن يزيد الظالمين إلاّ خسارة وضرراً بإتلافهم رأس مالهم المتمثّل بأعمارهم ووجودهم ، وشرائهم للشقاء والإنحطاط والظلمة ، وأي خسارة أكثر من هذه .
وكلّ واحد من هذين الدليلين كاف لشجب وإبطال ذلك المنهج الباطل في التعامل مع الحياة .
تكرار (لا يزيد) بصيغة المضارع ، إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان الميّال بالطبع إلى البحث عن الزيادة ، إذا سار في طريق التوحيد فسيزداد سعادة وكمالا ، وإذا سلك طريق الكفر فسوف يتعرّض لمزيد من غضب الباري عزّوجلّ ويكون نصيبه الضرر والخسارة .
من الجدير بالذكر أيضاً أنّ الغضب الإلهي ليس بمعنى الغضب الذي يحصل للإنسان ، لأنّ هذا الغضب في الإنسان عبارة عن نوع من الهيجان والإنفعال الداخلي الذي يكون سبباً في صدور أفعال قويّة وحادّة وخشنة ، وفي تعبئة كافّة طاقات الإنسان للدفاع أو الإنتقام ، وأمّا بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى فليس لأيّ من هذه الآثار التي هي من خواص الموجودات المتغيّرة والممكنة أثر في غضبه ، فغضبه بمعنى رفع الرحمة ومنع اللطف الإلهي من شمول اُولئك الذين ارتكبوا السيّئات .
الآية التالية ترد على المشركين بجواب قاطع حازم ، وتذكّرهم بأنّ الإنسان إذا اتّبع أمراً أو تعلّق بأمر ، فيجب أن يكون هناك دليل عقلي على هذا الأمر ، أو دليل نقلي ثابت ، وأنتم أيّها الكفّار حيث لا تملكون أيّاً من الدليلين فليس لديكم سوى المكر والغرور .
تقول الآية الكريمة : {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات} (2) فهل خلقوا شيئاً في الأرض . أم شاركوا الله في خلق السماوات ؟!
ومع هذا الحال فما هو سبب عبادتكم لها ، لأنّ كون الشيء معبوداً فرع كونه خالقاً ، فما دمتم تعلمون أنّ خالق السماوات والأرض هو الله تعالى وحده ، فلن يكون هناك معبود غيره ، لأنّ توحيد الخالقية دليل على توحيد العبودية .
والآن بعد أن ثبت أنّكم لا تملكون دليلا عقلياً على ادّعائكم ، فهل لديكم دليل نقلي؟ {أم آتيناهم كتاباً فهم على بيّنة منه} .
كلاّ ، فليس لديهم أي دليل أو بيّنة أو برهان واضح من الكتب الإلهية ، إذاً فليس لديهم سوى المكر والخديعة {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلاّ غروراً} .
وبتعبير آخر ، إذا كان لعبدة الأوثان وسائر المشركين من كلّ مجموعة وكلّ صنف إدّعاء بقدرة الأصنام على تلبية مطالبهم ، فعليهم أن يعرضوا نموذجاً لخلقهم من الأرض ، وإذا كانوا يعتقدون أنّ تلك الأصنام مظهر الملائكة والمقدّسين في السماء ـ كما يدّعي البعض ـ فيجب أن يقيموا الدليل على أنّهم شركاء في خلق السماوات . . وان كانوا يعتقدون بأنّ هؤلاء الشركاء ليس لهم نصيب في الخلقة ، بل لهم مقام الشفاعة ـ كما يدّعي البعض ـ فيجب أن يأتوا بدليل على إثبات ذلك الإدّعاء من الكتب السماوية .
والحال أنّهم لا يملكون أيّاً من هذه البيّنات ، فهم مخادعون ظالمون ليس لهم سوى المكر وخديعة بعضهم البعض .
الجدير بالملاحظة أيضاً هو المقصود بـ «الأرض والسموات» هنا هو مجموعة المخلوقات الأرضية والسماوية ، والتعبير بـ (ماذا خلقوا من الأرض) و(شرك في السموات) إشارة إلى أنّ المشاركة في السماوات إنّما يجب أن تكون عن طريق الخلق .
وتنكير «كتاباً» ، مع إستناده إلى الله سبحانه ، إشارة إلى أنّه ليس هنا أدنى دليل على ادّعائهم في أي من الكتب السماوية .
«بيّنة» إشارة إلى دليل واضح من تلك الكتب السماوية .
«ظالمون» تأكيد مرّة اُخرى على أنّ «الشرك» «ظلم» واضح .
«غرور» إشارة إلى أنّ عبدة الأوثان أخذوا هذه الخرافات بعضهم من بعض ، وتلاقفوها إمّا على شكل شائعات ، أو تقاليد من بعضهم الآخر .
وتنتقل الآية التي بعدها إلى الحديث عن حاكمية الله سبحانه وتعالى على مجموعة السماوات والأرض ، وفي الحقيقة فإنّها تنتقل إلى إثبات توحيد الخالقية والربوبية بعد نفي شركة أي من المعبودات الوهمية في عالم الوجود فتقول : {إنّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} (3) .
فليس بدء الخلق ـ فقط ـ مرتبطاً بالله ، فإنّ حفظ وتدبير الخلق مرتبط بقدرته أيضاً ، بل إنّ الخلق له في كلّ لحظة خلق جديد ، وفيض الوجود يغمر الخلق لحظة بعد اُخرى من مبدأ الفيض . ولو قطعت الرابطة بين الخلق وبين ذلك المبدأ العظيم الفيّاض ، فليس إلاّ العدم والفناء .
صحيح أنّ الآية تؤكّد على مسألة حفظ نظام الوجود الموزون ، ولكن ـ كما ثبت من الأبحاث الفلسفيّة ـ فإنّ الممكنات محتاجة في بقائها إلى موجدها كإحتياجها إليه في بدء إيجادها ، وبذلك فإنّ حفظ النظام ليس سوى إدامة الخلق الجديد والفيض الإلهي .
الملفت للنظر أنّ الأجرام والكرات السماوية ، مع كونها غير مقيّدة بشيء آخر ، إلاّ أنّها لم تبرح أماكنها أو مداراتها التي حدّدت لها منذ ملايين السنين ، دون أن تنحرف عن ذلك قيد أنملة ، كما نلاحظ ذلك في المجموعة الشمسية ، فالأرض التي نعيش عليها تواصل دورانها حول الشمس منذ ملايين بل مليارات السنين في مسيرها المحدّد والمحسوب بدقّة والذي يتحقّق من التوازن بين القوى الدافعة والجاذبة ، كما أنّها تدور في نفس الوقت حول نفسها ، ذلك بأمر الله .
وللتأكيد تضيف الآية قائلة : {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} .
فلا الأصنام التي صنعتموها ولا الملائكة ، ولا غير ذلك ، لا أحد غير الله قادر على ذلك .
وفي ختام الآية ـ لكي يبقى طريق الأوبة والإنابة أمام المشركين الضالّين مفتوحاً يقول تعالى محبّذاً لهم التوبة في كلّ مرحلة من الطريق {إنّه كان حليماً غفوراً} .
فبمقتضى (حلمه) لا يتعجّل عقابهم ، وبمقتضى (غفرانه) يتقبّل توبتهم ـ بشرائطها ـ في أي مرحلة من مراحل مسيرهم ، وعليه فإنّ ذيل الآية يشير إلى وضع المشركين وشمول الرحمة الإلهية لهم في حال توبتهم وإنابتهم .
اعتبر بعض المفسّرين أنّ هذين الوصفين ذكرا لإرتباطهما بموضوع حفظ السموات والأرض ، إذ أنّ زوالهما مصيبة عظيمة ، وبمقتضى حلم الله وغفرانه فإنّه لا يشمل الناس بمثل ذلك العذاب وتلك المصيبة ، وإن كانت أقوال وأعمال الكثير من هؤلاء الكفّار موجبة لإنزال ذلك العذاب ، كما ورد في الآيات 88 إلى 90 من سورة مريم {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم : 88 - 90] .
والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ جملة (ولئن زالتا) ليست بمعنى أنّه «إذا زالت فليس أحد غير الله يحفظها» ، بل بمعنى «أنّها إذا شارفت على السقوط والزوال فإنّ الله وحده يستطيع حفظها ، وإلاّ فلا معنى للحفظ بعد الزوال» .
وقد حدث ـ على طول التاريخ البشري ـ مراراً أنّ علماء الفلك توقّعوا أنّ «النجم الفلاني» المذنّب أو غير المذنّب سيمرّ بمحاذاة الكرة الأرضية ويحتمل أن يصطدم بها ، هذه التوقّعات تدفع جميع الناس إلى القلق ، وفي هذه الشرائط يحسّ الجميع بأنّه في مثل حادث كهذا ، ليس في إمكان أحد أن يؤثّر شيئاً ، بحيث لو إنطلقت إحدى الكرات السماوية باتّجاه الكرة الأرضية وإصطدمتا فيما بينهما بتأثير الجاذبية فلن يبقى للتمدّن البشري أثر ، وحتّى الموجودات الاُخرى سوف لن يبقى لها أثر على سطح الأرض ، ولن تستطيع أيّة قدرة عدا قدرة الله منع مثل هذه الكارثة من الوقوع .
في مثل تلك الحالات يحسّ الجميع بالحاجة الماسّة والمطلقة إلى الله سبحانه وتعالى ، ولكن بمجرّد أن تزول إحتمالات الخطر ، يلقي النسيان بظلاله على الإنسان .
هذه الكارثة لا تقع فقط من مجرّد إصطدام السيارات مع بعضها ، بل إنّ أيّ إنحراف بسيط لأيّ من السيارات ـ كالأرض مثلا ـ عن مسارها يؤدّي إلى وقوع فاجعة عظيمة .
وقوله تعالى : {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَنِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الاُْمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الاْرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّىء وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الاَْوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلا}
إستكبارهم ومكرهم سبب شقائهم :
تواصل هذه الآيات الحديث عن المشركين ومصيرهم في الدنيا والآخرة .
الآية الاُولى تقول : {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الاُمم} (4) .
«أيمان» جمع «يمين» بمعنى القسم ، وفي الأصل فإنّ معنى اليمين هواليد اليمنى ، واليمين في الحلف مستعار منها إعتباراً بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره من المصافحة باليمين عندها .
«جهد» : من «الجهاد» بمعنى السعي والمشقّة ، وبذا يكون معنى (جهد أيمانهم) حلفوا واجتهدوا في الحلف على أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم .
نعم ، فعندما طالعوا صفحات التأريخ ، واطّلعوا على عدم وفاء وعدم شكر تلك الأقوام وجناياتهم بالنسبة إلى أنبيائهم وخصوصاً اليهود ، تعجّبوا كثيراً وادّعوا لأنفسهم الإدّعاءات وتفاخروا على هؤلاء بأن يكون حالهم أفضل منهم .
ولكن بمجرّد أن واجهوا محكّ التجربة ، ودخلوا كورة الإمتحان المشتعلة ، وتحقّق طلبهم ببعثة نبيّ منهم ، تبيّن أنّهم من نفس تلك الطينة ، حيث أشار القرآن إلى ذلك بعد تلك الجملة الاُولى من الآية بالقول : {فلمّا جاءهم نذير ما زادهم إلاّ نفوراً} .
هذا التعبير يدلّل على أنّهم كانوا قبل بعثة النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وعلى خلاف ما يدّعون ـ بعيدين عن دين الله سبحانه وتعالى ، فقد كانت حنيفية إبراهيم معروفة بينهم ، إلاّ أنّهم لم يكونوا يحترمونها ، كذلك لم يكن لديهم أي إعتبار لما كان يمليه العقل من تصرفات . وبقيام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونيله من عقائدهم وأعرافهم وعصبيتهم الجاهلية ، ووقوع مصالحهم غير المشروعة في الخطر ، زادت الفاصلة بينهم وبين الحقّ ، نعم كانوا بعيدين عن الحقّ ، لكنّهم إزدادوا بعداً عن الحقّ بعد بعثة النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
الآية التالية توضيح لما في الآية السابقة ، تقول : إنّ بُعدهم عن الحقّ لأنّهم سلكوا طريق الإستكبار في الأرض ، ولم تكن لديهم أهلية الخضوع لمنطق الحقّ {استكباراً في الأرض} (5) وكذلك لأنّهم كانوا يحتالون ويسيئون {ومكر السيىء} (6) .
ولكن {ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله} .
جملة «لا يحيق» : الفعل (يحيق) من (حاق) بمعنى نزل وأصاب ، والجملة معناها «لا ينزل ولا يصيب ولا يحيط» إشارة إلى أنّ الإحتيال قد يؤدّي ـ مؤقتاً ـ إلى الإحاطة بالآخرين ، ولكنّه في النهاية يعود على صاحبه ، فهو مفضوح وضعيف وعاجز أمام خلق الله ، وسيندمون حتماً أمام الله سبحانه وتعالى ، وذلك هو المصير المشؤوم الذي انتهى إليه مشركو مكّة .
هذه الآية في الحقيقة تريد القول بأنّهم لم يكتفوا فقط بالإبتعاد عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل إنّهم استعانوا بكلّ قدرتهم وإستطاعتهم لأجل إنزال ضربة قويّة به وبدعوته ، والسبب في كلّ ذلك لم يكن سوى الكبر والغرور وعدم الرضوخ للحقّ .
ختام الآية تهديد لتلك المجموعة المستكبرة الماكرة والخائنة ، وبجملة عميقة المعنى وبكلمات تهزّ المشاعر ، يقول تعالى : {فهل ينظرون إلاّ سنّة الأوّلين} (7) .
هذه الجملة القصيرة تشير إلى جميع المصائر المشؤومة التي أحاقت بالأقوام السالفة كقوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، حيث أصاب كلا منهم بلاء عظيم ، والقرآن الكريم أشار مراراً إلى جوانب من مصائر هؤلاء الأقوام المشؤومة والأليمة . وهنا وبتلك الجملة القصيرة جسّد جميع ذلك أمام بصيرة تلك الفئة في مكّة .
ثمّ تضيف الآية لزيادة التأكيد قائلة : (فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا) . فكيف يمكن لله سبحانه وتعالى أن يعاقب قوماً على أعمال معيّنة ، ثمّ لا يعاقب غيرهم الذين يسلكون نفس سلوكهم؟ أليس هو العدل الحكيم ، وكلّ ما يفعله بناءً على حكمة وعدل تاميين ؟!
فإنّ تغيير السنن يمكن تصوّره بالنسبة إلى من يمتلك إطّلاعاً أو معرفة محدودة ، إذ يزداد معرفة بمرور الزمان يعرض عن سنّة سابقة ، أو يكون الإنسان عالماً ، إلاّ أنّه لا يتصرّف طبقاً للحكمة والعدالة ، بل طبقاً لميول خاصّة في نفسه ، ولكن الله سبحانه وتعالى منزّه عن جميع تلك الاُمور ، وسنّته حاكمة على من يأتي كما كانت تحكم من مضى ، ولا تقبل التغيير أبداً .
وقد أكّد القرآن الكريم في مواضع عديدة على قضيّة ثبات سنن الله وعدم تغيّرها ، وقد فصّلنا الحديث في ذلك في تفسير الآية (62) من سورة الأحزاب ، وبالجملة فإنّ في هذا العالم ـ عالم التكوين التشريع ـ ثمّة قوانين ثابتة لا تتغيّر ، عبّر عنها القرآن الكريم «السنن الإلهيّة» والتي لا سبيل إلى تغيّرها .
هذه القوانين كما أنّها حكمت في الماضي فإنّها حاكمة اليوم وغداً . ومجازات المستكبرين الكفرة الذين لم تنفع بهم الموعظة الإلهية من هذه السنن ، ومنها أيضاً نصرة أتباع الحقّ الذين لا ينثنون عن جدّهم وسعيهم المخلص ، هاتان السنّتان كانتا ولا تزالان ثابتتين أمس واليوم وغداً (8) .
الجدير بالملاحظة أنّه ورد في بعض الآيات القرآنية الحديث عن «عدم تبديل» السنن الإلهيّة ، [الأحزاب ـ 62] ، وفي البعض الآخر الحديث عن «عدم تحويل» السنن الإلهية ، [سورة الإسراء ـ 77] ، ولكن الآية مورد البحث أكّدت على الحالتين معاً .
فهل أنّ هاتين الحالتين تعبير عن معنى واحد ، بحيث أنّهما ذكرتا معاً للتأكيد ، أم أنّ كلا منهما يشير إلى معنى مستقل؟
بمراجعة أصل اللفظين يتّضح أنّهما إشارة إلى معنيين مختلفين : (تبديل) الشيء ، تعويضه بغيره كاملا ، بحيث يرفع الأوّل ويوضع الثاني ، ولكن (تحويل) الشيء ، هو تغيّر بعض صفات الشيء الأوّل من ناحية كيفية أو كمية مع بقائه .
وعليه فإنّ السنن الإلهية لا تقبل الإستبدال ولا التعويض الكامل ، ولا التغيير النسبي من حيث الشدّة والضعف أو القلّة والزيادة . من جملتها أنّ الله سبحانه وتعالى يوقع عقوبات متشابهة بالنسبة إلى الذنوب والجرائم المتشابهة ومن جميع الجهات ، لا أن يوقع العقاب على مجموعة ولا يوقعه على مجموعة اُخرى . ولا أن يوقع عقاباً أقلّ شدّة على مجموعة دون اُخرى ، وهكذا قانون يستند إلى أصل ثابت ، لا يقبل التبديل ولا التحويل (9) .
آخر ما نريد التوقّف عنده هو أنّ الآية تضيف «سنّة» إلى لفظ الجلالة «الله» وفي موضع آخر من نفس الآية تضيف «سنّة» إلى «الأوّلين» ويظهر في باديء الأمر وجود تنافي بين الحالتين ، ولكن الأمر ليس كذلك ، لأنّه في الحالة الاُولى اُضيفت «سنّة» إلى «الفاعل» ، وفي الحالة الثانية اُضيفت «سنّة» إلى «المفعول به» . ففي الحالة الاُولى تعبير عن مجري السنّة ، وفي الثانية عمّن اُجريت عليه السنّة .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص84-94 .
2 ـ جملة «أرأيتم» بمعنى : ألا ترون؟ أو : ألا تفكّرون ؟ ولكن بعض المفسّرين يقولون بأنّها بمعنى «أخبروني» . وقد أوردنا بحثاً مطوّلا بهذا الخصوص في تفسير آية (40) من سورة الأنعام .
3 ـ جملة «أن تزولا» تقديرها «لئلاّ تزولا» أو «كراهة أن تزولا» .
4 ـ لأن «إحدى» جاءت بصيغة المفرد ، فمعنى الآية «أنّهم سيكونون أكثر اهتداءاً من واحدة من الاُمم» وقد تكون الإشارة إلى اليهود (لأنّ صيغة المفرد في الجملة المثبتة ليس فيها معنى العموم) يبدو ذلك للوهلة الاُولى ، ولكن كما أشار بعض المفسّرين فإنّ قرائن الحال تشير إلى أنّ المقصود من الآية العموم ، لأنّ الحديث في مقام المبالغة والتأكيد ، وتشير إلى إدّعائهم بأنّه في حال بعثة رسول إليهم فانّهم سيكونون أهدى من جميع الاُمم السابقة .
5 ـ أغلب المفسّرين قالوا بأنّ «استكباراً» هو «مفعول لأجله» من حيث التركيب النحوي وهي بيان لعلّة «النفور» وإبتعادهم عن الحقّ ، و«مكر السيء» عطف على «إستكباراً» في حين أنّ البعض الآخر قال : إنّها عطف على «نفوراً» .
6 ـ «مكر السييء» إضافة (للجنس) إلى (النوع) ، كما هو نقول : «علم الفقه» لأنّ (مكر) بمعنى (البحث عن حلّ) سواء كان خيراً أوشرّاً ، لذا فإنّ هذه الكلمة تطلق كصفة لله سبحانه (ومكروا ومكر الله) آل عمران ـ 54 ، ولكن «السيء» تحصر المكر في نوع خاصّ منه ، وهو الإحتيال .
7 ـ «نظر» و «إنتظار» تأتي أحياناً لتشير إلى نفس المعنى . كما يقول الراغب .
8 ـ لنا شرحاً مفصّل بهذا الخصوص في سورتي الأحزاب والإسراء .
9 ـ جمع من المفسّرين فسّروا «تحويل» هنا بمعنى «نقل مكان العذاب» بمعنى أنّ الله سبحانه وتعالى ينقل عقوبته من شخص لينزلها على شخص آخر . ومع ملاحظة أنّ هذا التّفسير لا ينسجم على ما يبدومع الآية أعلاه ، فالحديث ليس عن نقل العذاب من شخص إلى آخر ، بل عن عدم قبول السنن للزيادة والنقص أوالتغيير والتبديل ، فكأنّ هؤلاء المفسّرين خلطوا بين كلمتي «تحوّل» و«تحويل» ، وقد ورد في بعض متون اللغة كمجمع البحرين «التحويل : تصيير الشيء على خلاف ما كان . والتحوّل : التنقّل من موضع إلى موضع» .