تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الأية (1-7) من سورة الحج
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
15-9-2020
11940
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُو الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [الحج: 1 - 7]
خاطب الله سبحانه جميع المكلفين فقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} معناه: يا أيها العقلاء المكلفون اتقوا عذاب ربكم واخشوا معصية ربكم كما يقال احذر الأسد والمراد احذر افتراسه لا عينه { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} أي: زلزلة الأرض يوم القيامة عن ابن عباس والحسن والسدي والمعنى أنها تقارن قيام الساعة وتكون معها وقيل إن هذه الزلزلة قبل قيام الساعة وإنما أضافها إلى الساعة لأنها من أشراط ظهورها وآيات مجيئها عن علقمة والشعبي { شَيْءٌ عَظِيمٌ} أي: أمر عظيم هائل لا يطاق وقيل معناه أن شدة يوم القيامة أمر صعب وفي هذا دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا فإن الله سبحانه سماها شيئا وهي معدومة.
{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا} معناه: يوم ترون الزلزلة أو الساعة { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} أي: تشغل كل مرضعة عن ولدها وتنساه وقيل: تسلوعن ولدها { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} أي: تضع الحبالى ما في بطونها وفي هذا دلالة على أن الزلزلة تكون في الدنيا فإن الرضاع ووضع الحمل إنما يتصور في الدنيا قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام ومن قال إن المراد به يوم القيامة قال أنه تهويل لأمر القيامة وتعظيم لما يكون فيه من الشدائد أي: لو كان ثم مرضعة لذهلت أوحامل لوضعت وإن لم يكن هناك حامل ولا مرضعة.
{ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} من شدة الخوف والفزع { وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} من الشراب وقيل معناه: كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم لأنهم يضطربون اضطراب السكران ثم علل سبحانه ذلك فقال { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} هذا إخبار عن المشركين الذين يخاصمون في توحيد الله سبحانه ونفي الشرك عنه بغير علم منهم بل للجهل المحض وقيل إن المراد به النضر بن الحرث فإنه كان كثير الجدال وكان يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وينكر البعث { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} يغويه عن الهدى ويدعوه إلى الضلال وإن كان المراد بالآية النضر بن الحرث فالمراد بالشيطان المريد شيطان الإنس لأنه كان يأخذ من الأعجام واليهود ما يطعن به على المسلمين.
{ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} معناه: أنه يتبع كل شيطان كتب الله على ذلك الشيطان في اللوح المحفوظ أنه يضل من تولاه فكيف يتبع مثله ويعدل بقوله عمن دعاه إلى الرحمة وقيل: معناه كتب على الشيطان أنه من تولاه أضله الله تعالى، وقيل معناه كتب على المجادل بالباطل إن من اتبعه وولاه يضله عن الدين { وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} ثم ذكر سبحانه الحجة في البعث لأن أكثر الجدال كان فيه فقال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أي: في شك {من البعث} والنشور والريب أقبح الشك { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} معناه: فالدليل على صحته أنا خلقنا أصلكم وهوآدم (عليه السلام) من تراب فمن قدر على أن يصير التراب بشرا سويا حيا في الابتداء قدر على أن يحيي العظام ويعيد الأموات.
{ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} معناه: ثم خلقنا أولاده ونسله من نطفة في أرحام الأمهات وهي الماء القليل يكون من الذكر والأنثى وكل ماء صاف فهونطفة قل أم كثر {ثم من علقة} بأن تصير النطفة علقة وهي القطعة من الدم الجامد { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} أي: شبه قطعة من اللحم ممضوغة فإن معنى المضغة مقدار ما يمضغ من اللحم { مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} أي: تامة الخلق وغير تامة عن ابن عباس وقتادة وقيل مصورة وغير مصورة وهي ما كان سقطا لا تخطيط فيه ولا تصوير عن مجاهد {لنبين لكم} معناه: لندلكم على مقدورنا بتصريفكم في ضروب الخلق أولنبين لكم أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة أولنبين لكم ما يزيل ريبكم فحذف المفعول.
{ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} معناه: ونبقي في أرحام الأمهات ما نشاء إلى وقت تمامه عن مجاهد وقيل ونقر من قدرنا له أجلا مسمى في رحم أمه إلى أجله { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي: نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال والطفل الصغير من الناس وإنما وحد والمراد به الجمع لأنه بمعنى المصدر كقولهم رجل عدل ورجال عدل وقيل أراد ثم نخرج كل واحد منكم طفلا.
{ ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} وهو حال اجتماع العقل والقوة وتمام الخلق وقيل هو وقت الاحتلام والبلوغ وقد سبق تفسير الأشد واختلاف العلماء في معناه { وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} أي: قبل بلوغ الأشد أي: يقبض روحه فيموت في حال صغره أوشبابه {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي: أسوأ العمر وأخبثه عند أهله وقيل أحقره وأهونه وهي حال الخوف وإنما صار أرذل العمر لأن الإنسان لا يرجو بعده صحة وقوة وإنما يرتقب الموت والفناء بخلاف حال الطفولية والضعف الذي يرجى له الكمال والتمام بعدها.
{ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} أي: لكيلا يستفيد علما وينسى ما كان به عالما وقيل معناه لكي يصير إلى حال ينعدم عقله أويذهب عنه علومه هرما فلا يعلم شيئا مما كان علمه وإذا ذهب أكثر علومه جاز أن يطلق عليه ذهاب الجميع قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة واحتج بقوله: { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: قرءوا القرآن.
ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على البعث فقال { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} يعني هالكة عن مجاهد أي يابسة دارسة من أثر النبات { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} وهو المطر {اهتزت} أي: تحركت بالنبات والاهتزاز شدة الحركة في الجهات {وربت} أي: زادت أي: أضعفت نباتها وقيل انتفخت لظهور نباتها عن الحسن {وأنبتت} يعني: الأرض { مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} أي: من كل صنف {بهيج} مؤنق للعين حسن الصورة واللون .
لما قدم سبحانه ذكر الأدلة عقبه بما يتصل به فقال { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} معناه: ذلك الذي سبق ذكره من تصريف الخلق على هذه الأحوال وإخراج النبات بسبب أن الله هو الحق أي ليعلموا أنه الذي يحق له العبادة دون غيره وقيل هو الذي يستحق صفات التعظيم { وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} لأن من قدر على إنشاء الخلق فإنه يقدر على إعادته {وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أما المعدومات فيقدر على إيجادها وأما الموجودات فيقدر على إفنائها وإعادتها ويقدر على جميع الأجناس ومن كل جنس على ما لا نهاية له { وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} أي: وليعلموا أن القيامة آتية لا شك فيها { وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: يحييهم للجزاء لأن ما ذكرناه يدل على البعث على الوجه الذي بيناه.
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص127-130.
في هذه الآيات تحذير وتخويف من يوم القيامة مع الإشارة إلى شدائده وأهواله ، وذم الجاهل المتعنت ، ثم الاستدلال على البعث ، وفيما يلي التفصيل :
1 – { يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }. المراد بالساعة يوم القيامة ، وسمي بها لأن جميع الخلائق تسعى إليه - كما في كتاب الاسفار للملا صدرا - ومعنى زلزلة الساعة خراب الكون بأرضه وسمائه ، فتختلط هذه بتلك ، والبر بالبحر ، وتزول الأبعاد ، وترتفع الحواجز ، وتقوم الخلائق من الأجداث كأنها أشباح بلا أرواح .
{ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى النَّاسَ سُكارى وما هُمْ بِسُكارى ولكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }. هذا كناية عن هول الساعة وشدتها ، حيث لا مرضع ولا حامل يومذاك أي لو كان ثمة مرضع لذهلت أو حامل لوضعت . . والكل يمورون ويضطربون من الفزع والهلع ، تماما كما يضطرب السكران .
جدال الجهل والضلال :
2 – { ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . الإنسان ، أي انسان ، لا يخلو أن يكون واحدا من اثنين : إما جاهلا ، وإما عالما ، والعالم لا يخلو اما أن يكون منصفا ، واما منحرفا ، والعالم المنصف هو الذي يقول ما يعلم ، ويسكت عما لا يعلم ، وقد حدد اللَّه سبحانه وظيفة الجاهل بقوله : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » - 7 الأنبياء » . فان تجاوز وظيفته هذه صدق عليه قول الإمام علي ( عليه السلام ) : جاهل خبّاط جهالات . . لا يحسب العلم في شيء مما أنكره ، ولا يرى أن وراء ما بلغ مذهبا لغيره .
وهذا الجاهل هو المقصود بقوله تعالى : { ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . وبقوله في الآية 8 من هذه السورة : « ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ » .
انه يجهل الطريق إلى العلم باللَّه ، ومع ذلك يجادل فيه ، ويقول فيما يقول : لو كان اللَّه موجودا لرأيناه . . انه يريد بمنطقه هذا أن يفسر غير المادة بالمادة ، وان يرى بالعين والبصر من لا يدرك الا بالعقل والبصيرة ، وان يلمس باليد خالق السماوات والأرض . . ولا فرق بين هذا ، وبين من حاول أن يمتحن في المعمل والمختبر نظرية « البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » أو أراد أن يختبر موهبته الشعرية في قيادة السيارة .
تذكرت ، وأنا أكتب هذه الكلمات ساعة من ساعات الدراسة في النجف ، وقد مضى عليها حوالي أربعين عاما ، كنا في هذه الساعة نتحلق حول الأستاذ ، نستمع إلى محاضرته ، وفي أثنائها اعترض عليه أحد التلاميذ ، واستشهد بحادثة لا تمت إلى موضوع الدرس بسبب قريب أو بعيد . . فأعرض الأستاذ عنه ، ونظر إلى بقية التلاميذ ، وقال : كان فيما مضى رجل معتوه يقال له « » . وفي ذات يوم مر بأحد الشوارع ، فرأى جمهورا من الناس مجتمعين ، وهم يموجون في حيرة ، ولما سألهم قال له البعض : ان فلانا سقط عن السطح ، وتحطمت أعضاؤه وقد أوشك على الهلاك ، ولا يدري أهله ما ذا يصنعون ؟ فقال « » : عندي دواؤه ، وعليّ شفاؤه ، اربطوه بالحبل وشدوه إلى السطح ، وأجلسوه عليه كما كان فإنه يشفى لا محالة . . ولما ضحكوا منه احتج عليهم ، وقال : لما ذا تضحكون ؟ في العام الماضي سقط فلان بالبئر ، فربطوه بالحبل وأخرجوه منه سليما . .
وهذا هو بالذات منطق من أنكر وجود اللَّه لأنه ما رآه . . أما الكون العجيب بنظامه وجلاله فقد رآه ، ولكنه لا يدل بزعمه على وجود المكوّن والمنظم . . ونحن نؤمن بالمشاهدة والتجربة ، ولكن نؤمن أيضا بأن هذه التجربة لا تجري على كل نوع من الوجود ، بل تقتصر على النوع المادي منه ، أما النوع الروحي فان لمعرفته سبيلا آخر . . نقول هذا ، ونحن على يقين بأن كلا من الوجود الإنساني والمادي متفاعلان متكاملان ، وانه لا غنى للإنسانية عن المادة ، وان القيم كالحق والخير لا بد ان يكون لها أثر ملموس محسوس ، وإلا كانت ألفاظا بلا معنى . . ولكن هذا لا يستدعي أن يكون سبيل المعرفة واحدا في كل شيء ، بل يختلف باختلاف الأشياء
التي يراد معرفتها ، فالمشاهدة والتجربة سبب لمعرفة المادة ، والعقل سبب لمعرفة غيرها . وتكلمنا عن المعرفة وأسبابها في ج 1 ص 43 .
والخلاصة ان من قال : لا أومن باللَّه حتى أراه فقد اعترف بأنه لا يريد ان يؤمن باللَّه ، ولو شهد بوجوده ألف دليل ودليل ، ومعنى هذا انه يقر على نفسه بالجهل والمكابرة ، لأن المفروض ان اللَّه لا يرى بالعين ، وان الطريق إلى معرفة الحقائق لا تنحصر بهذه الرؤية . ان اللَّه يريد من الإنسان ان يبحث ويدقق ويجادل ويناقش ولكن عن علم ووعي ، لا عن جهل وعمى .
{ ويَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ }. كل من استطاع ان يموه عليك ، ويخفي حقيقته عنك فهو شيطان ، والشيطان المريد هو الذي تمحضت جميع أقواله وأفعاله للشر والفساد ، وما نفذ هذا الشيطان المريد إلى عقل إنسان وقلبه إلا قاده إلى الضلال والهلاك ، وهذا هو معنى قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ويَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ}. فالضلال وعذاب الحريق لا مفر منه لمن يتبع أهل الضلال والفساد ، وفي طليعة المفسدين المضللين أولئك الذين يحرفون كلام اللَّه عن مواضعه ، ويحللون ويحرمون بأهوائهم وأغراضهم .
3 – { يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ } بعد أن أشار سبحانه إلى من يجادل في اللَّه بغير علم ذكر الدليل على إمكان البعث الذي يظنه الجاهل محالا ، وأورد سبحانه هذا الدليل بمثال محسوس ، وهو ان اللَّه خلق الإنسان من تراب مباشرة وبلا واسطة كخلق آدم أبي البشر ، أو بوسائط كخلقنا نحن بني آدم ، فكل واحد منا يتكون من مني ودم ، وهما من الأغذية ، وهي بشتى أنواعها تنتهي إلى الماء والتراب ، فالتراب - إذن - عنصر أساسي في تكوين الإنسان { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } وهي المني لقوله تعالى : « أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى » - 37 القيامة . { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } تتحول النطفة إلى قطعة من دم جامد { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ } تتحول العلقة إلى شبه قطعة ممضوغة من اللحم { مُخَلَّقَةٍ } أي بعضها تام الخلقة { وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } وبعضها الآخر غير تام الخلقة .
{ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ } قدرتنا على البعث وغيره { ونُقِرُّ فِي الأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى } وهو الوقت الذي تلد فيه المرأة { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } واضح ، { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ } والأشد ان يستكمل الإنسان قواه الجسمية والعقلية { ومِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} قبل بلوغ الأشد ، أو بعده وقبل الهرم وأسوأ العمر : { ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً }. هرم وخرف ، وضعف في الجسم والعقل والذاكرة ، فمن أين يأتي العلم ؟ ومتى ضعف العقل تحكمت العاطفة ، واشتد الانفعال لأتفه الأشياء .
وهذا التحول والتطور في تكوين الإنسان من الأدنى إلى الأعلى ، من التراب إلى النطفة ، ومنها إلى العلقة ، ثم المضغة ثم الطفولة إلى بلوغ الأشد ، ان هذا التطور يدل صراحة على أن في الإنسان طاقة منذ ولادته ، واستعدادا أصيلا يسير به نحو الأكمل والأفضل إذا لم يقف في طريقه من يصده عن السير إلى هذا الهدف الأكمل .
{ وتَرَى الأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }. إذا نزل الماء على الأرض الميتة تحركت ونبضت بالحياة وأخرجت أشكالا وألوانا من النبات يسر الناظرين ، ويطيب للآكلين . . وليس من شك ان في الأرض استعدادا لاستقبال الحياة ، ومع هذا لا تحل فيها إلا بإذن اللَّه تعالى ، لأن كل شيء ينتهي إلى أمره وقوله : « كن فيكون » . وقال بعض الصوفية :
المراد بالأرض الميتة النفس الجاهلة ، وبالماء العلم ، وبالزوج البهيج صفات الكمال والجلال .
{ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً هُوَ الْحَقُّ وأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأَنَّ اللَّهً يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. ذلك إشارة إلى الأمر والشأن ، ومعنى اللَّه هو الحق ان الحكم والسلطان له وحده لا شريك له ، وانه لا وجود إلا منه . . ويتفرع على ذلك أنه هو المبدئ والمعيد ، وان النشأة الثانية حتم لا مفر منها ، تماما كالنشأة الأولى ، بل إن هذه وسيلة وطريق إلى الثانية التي هي غاية الغايات ، لأنها تعود بالإنسان إلى خالقه ، وتوقفه بين يديه للحساب والجزاء ، ولأنها دائمة باقية ، والنشأة الأولى زائلة فانية ، والفاني وسيلة إلى الباقي . . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : « وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » - 56 الذاريات أي الا ليعملوا للآخرة .
وتقدم الكلام عن البعث في العديد من الآيات . انظر ج 1 ص 77 فقرة « البعث » ، وج 2 ص 396 فقرة : « طرق متنوعة لاثبات المعاد » وج 4 ص 379 فقرة : « الماديون والحياة بعد الموت » .
_______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 308-312.
السورة تخاطب المشركين بأصول الدين إنذارا وتخويفا كما كانوا يخاطبون في السور النازلة قبل الهجرة في سياق يشهد بأن لهم بعد شوكة وقوة، وتخاطب المؤمنين بمثل الصلاة ومسائل الحج وعمل الخير والإذن في القتال والجهاد في سياق يشهد بأن لهم مجتمعا حديث العهد بالانعقاد قائما على ساق لا يخلو من عدة وعدة وشوكة.
ويتعين بذلك أن السورة مدنية نزلت بالمدينة ما بين هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغزوة بدر وغرضها بيان أصول الدين بيانا تفصيليا ينتفع بها المشرك والموحد وفروعها بيانا إجماليا ينتفع بها الموحدون من المؤمنين إذ لم يكن تفاصيل الأحكام الفرعية مشرعة يومئذ إلا مثل الصلاة والحج كما في السورة.
ولكون دعوة المشركين إلى الأصول من طريق الإنذار وكذا ندب المؤمنين إلى إجمال الفروع بلسان الأمر بالتقوى بسط الكلام في وصف يوم القيامة وافتتح السورة بالزلزلة التي هي من أشراطها وبها خراب الأرض واندكاك الجبال.
قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} الزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة وكأنه مأخوذ بالاشتقاق الكبير من زل بمعنى زلق فكرر للمبالغة والإشارة إلى تكرر الزلة، وهو شائع في نظائره مثل ذب وذبذب ودم ودمدم وكب وكبكب ودك ودكدك ورف ورفرف وغيرها.
الخطاب يشمل الناس جميعا من مؤمن وكافر وذكر وأنثى وحاضر وغائب وموجود بالفعل ومن سيوجد منهم، وذلك بجعل بعضهم من الحاضرين وصلة إلى خطاب الكل لاتحاد الجميع بالنوع.
وهو أمر الناس أن يتقوا ربهم فيتقيه الكافر بالإيمان والمؤمن بالتجنب عن مخالفة أوامره ونواهيه في الفروع، وقد علل الأمر بعظم زلزلة الساعة فهو دعوة من طريق الإنذار.
وإضافة الزلزلة إلى الساعة لكونها من أشراطها وأماراتها، وقيل: المراد بزلزلة الساعة شدتها وهولها، ولا يخلو من بعد من جهة اللفظ.
قوله تعالى:{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} الذهول الذهاب عن الشيء مع دهشة، والحمل بالفتح الثقل المحمول في الباطن كالولد في البطن وبالكسر الثقل المحمول في الظاهر كحمل بعير قاله الراغب.
وقال في مجمع البيان،: الحمل بفتح الحاء ما كان في بطن أوعلى رأس شجرة، والحمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أوعلى رأس.
قال في الكشاف،: إن قيل: لم قيل:{مرضعة} دون مرضع؟ قلت: المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، و المرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل: مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة.
وقال: فإن قلت: لم قيل أولا: ترون ثم قيل: ترى على الإفراد؟ قلت: لأن الرؤية أولا علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعا رائين لها، وهي معلقة أخيرا بكون الناس على حال السكر فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائيا لسائرهم انتهى.
وقوله:{ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} نفى السكر بعد إثباته للدلالة على أن سكرهم وهو ذهاب العقول وسقوطها في مهبط الدهشة والبهت ليس معلولا للخمر بل شدة عذاب الله هي التي أوقعتها فيما وقعت وقد قال تعالى:{إن أخذه أليم شديد:} هود: 102.
وظاهر الآية أن هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى التي يخبر تعالى عنها بقوله:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ:} الزمر: 68 وذلك لأن الآية تفرض الناس في حال عادية تفاجئهم فيها زلزلة الساعة فتنقلب حالهم من مشاهدتها إلى ما وصف، وهذا قبل النفخة التي تموت بها الأحياء قطعا.
وقيل: إنها تمثيل شدة العذاب أي لو كان هناك راء يراها لكانت الحال هي الحال، ووقوع الآية في مقام الإنذار والتخويف لا يناسبه تلك المناسبة إذ الإنذار بعذاب لا يعلم به لا وجه له.
تذكر الآيات أصنافا من الناس من مصر على الباطل مجادل في الحق أو متزلزل فيه وتصف حالهم وتبين ضلالهم وسوء مآلهم وتذكر المؤمنين وأنهم مهتدون في الدنيا منعمون في الآخرة.
قوله تعالى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} المريد الخبيث وقيل: المتجرد للفساد والمعري من الخير والمجادلة في الله بغير علم التكلم فيما يرجع إليه تعالى من صفاته وأفعاله بكلام مبني على الجهل بالإصرار عليه.
وقوله:{ويتبع كل شيطان مريد} بيان لمسلكه في الاعتقاد والعمل بعد بيان مسلكه في القول كأنه قيل: إنه يقول في الله بغير علم ويصر على جهله ويعتقد بكل باطل ويعمل به وإذ كان الشيطان هو الذي يهدي الإنسان إلى الباطل والإنسان إنما يميل إليه بإغوائه فهو يتبع في كل ما يعتقده ويعمل به الشيطان فقد وضع اتباع الشيطان في الآية موضع الاعتقاد والعمل للدلالة على الكيفية وليبين في الآية التالية أنه ضال عن طريق الجنة سالك إلى عذاب السعير.
وقد قال تعالى:{ويتبع كل شيطان} ولم يقل: ويتبع الشيطان المريد وهو إبليس للدلالة على تلبسه بفنون الضلال وأنواعه فإن أبواب الباطل مختلفة وعلى كل باب شيطانا من قبيل إبليس وذريته وهناك شياطين من الإنس يدعون إلى الضلال فيقلدهم أولياؤهم الغاوون ويتبعونهم وإن كان كل تسويل ووسوسة منتهيا إلى إبليس لعنه الله.
والكلمة أعني قوله:{ويتبع كل شيطان} مع ذلك كناية عن عدم انتهائه في اتباع الباطل إلى حد يقف عليه لبطلان استعداده للحق وكون قلبه مطبوعا عليه فهو في معنى قوله:{ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا:} الأعراف: 146.
قوله تعالى:{ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} التولي أخذه وليا متبعا، وقوله:{فإنه يضله} إلخ. مبتدأ محذوف الخبر، والمعنى ويتبع كل شيطان مريد من صفته أنه كتب عليه أن من اتخذه وليا واتبعه فإضلاله له وهدايته إياه إلى عذاب السعير ثابت لازم.
والمراد بكتابته عليه القضاء الإلهي في حقه بإضلاله متبعيه أولا وإدخاله إياهم النار ثانيا، وهذان القضاءان هما اللذان إشارة إليهما في قوله:{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ:} الحجر: 43 وقد تقدم الكلام في توضيح ذلك في الجزء الثاني عشر من الكتاب.
وبما تقدم يظهر ضعف ما قيل: إن المعنى من تولى الشيطان فإن الله يضله إذ لا شاهد من كلامه تعالى على هذه الكتابة المدعاة وإنما المذكور في كلامه تعالى القضاء بتسليط إبليس على من تولاه واتبعه كما تقدم.
على أن لازمه اختلاف الضمائر ورجوع ضمير{فإنه} إلى ما لم يتقدم ذكره من غير موجب.
وأضعف منه قول من قال: إن المعنى كتب على هذا الذي يجادل في الله بغير علم أنه من تولاه فإنه يضله - بإرجاع الضمائر إلى الموصول في{من يجادل} - وهو كما ترى.
ويظهر من الآية أن القضاء على إبليس قضاء على قبيله وذريته وأعوانه، وأن إضلالهم وهدايتهم إلى عذاب السعير وبالجملة فعلهم فعله، ولا يخفى ما في الجمع بين يضله ويهديه في الآية من اللطف.
قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ- إلى قوله - شيئا} المراد بالبعث إحياء الموتى والرجوع إلى الله سبحانه وهو ظاهر، والعلقة القطعة من الدم الجامد، والمضغة القطعة من اللحم الممضوغة والمخلقة على ما قيل - تامة الخلقة وغير المخلقة غير تامتها وينطبق على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه، وعليه ينطبق القول بأن المراد بالتخليق التصوير.
وقوله:{لنبين لكم} ظاهر السياق أن المراد لنبين لكم أن البعث ممكن ونزيل الريب عنكم فإن مشاهدة الانتقال من التراب الميت إلى النطفة ثم إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم إلى الإنسان الحي لا تدع ريبا في إمكان تلبس الميت بالحياة ولذلك وضع قوله:{لنبين لكم} في هذا الموضع ولم يؤخر إلى آخر الآية.
وقوله:{ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وأي ونقر فيها ما نشاء من الأجنة ولا نسقطه إلى تمام مدة الحمل ثم نخرجكم طفلا، قال في المجمع،: أي نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال، والطفل الصغير من الناس، وإنما وحد والمراد به الجمع لأنه مصدر كقولهم: رجل عدل ورجال عدل، وقيل: أراد ثم نخرج كل واحد منكم طفلا.
انتهى، والمراد ببلوغ الأشد حال اشتداد الأعضاء والقوى.
وقوله:{ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} المقابلة بين الجملتين تدل على تقيد الأولى بما يميزها من الثانية والتقدير ومنكم من يتوفى من قبل أن يرد إلى أرذل العمر، والمراد بأرذل العمر أحقره وأهونه وينطبق على حال الهرم فإنه أرذل الحياة إذا قيس إلى ما قبله.
وقوله: { لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} أي شيئا يعتد به أرباب الحياة ويبنون عليه حياتهم، واللام للغاية أي ينتهي أمره إلى ضعف القوى والمشاعر بحيث لا يبقى له من العلم الذي هو أنفس محصول للحياة شيء يعتد به لها.
قوله تعالى:{ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال الراغب: يقال: همدت النار طفئت، ومنه أرض هامدة لا نبات فيها، ونبات هامد يابس، قال تعالى:{وترى الأرض هامدة} انتهى ويقرب منه تفسيرها بالأرض الهالكة.
وقال أيضا: الهز التحريك الشديد يقال: هززت الرمح فاهتز واهتز النبات إذا تحرك لنضارته، وقال أيضا: ربا إذا زاد وعلا قال تعالى:{ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي زادت زيادة المتربى. انتهى بتلخيص ما.
وقوله:{ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي وأنبتت الأرض من كل صنف من النبات متصف بالبهجة وهي حسن اللون وظهور السرور فيه، أو المراد بالزوج ما يقابل الفرد فإن كلامه يثبت للنبات ازدواجا كما يثبت له حياة، وقد وافقته العلوم التجريبية اليوم.
والمحصل أن للأرض في إنباتها النبات وإنمائها له شأنا يماثل شأن الرحم في إنباته الحيوي للتراب الصائر نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يصير إنسانا حيا.
قوله تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ذلك إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من خلق الإنسان والنبات وتدبير أمرهما حدوثا وبقاء خلقا وتدبيرا واقعيين لا ريب فيهما.
والذي يعطيه السياق أن المراد بالحق نفس الحق - أعني أنه ليس وصفا قائما مقام موصوف محذوف هو الخبر - فهو تعالى نفس الحق الذي يحقق كل شيء حق ويجري في الأشياء النظام الحق فكونه تعالى حقا يتحقق به كل شيء حق هو السبب لهذه الموجودات الحقة والنظامات الحقة الجارية فيها، وهي جميعا تكشف عن كونه تعالى هو الحق.
وقوله:{وأنه يحيي الموتى} معطوف على ما قبله أي المذكور في الآية السابقة من صيرورة التراب الميت بالانتقال من حال إلى حال إنسانا حيا وكذا صيرورة الأرض الميتة بنزول الماء نباتا حيا واستمرار هذا الأمر بسبب أن الله يحيي الموتى ويستمر منه ذلك.
وقوله:{ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} معطوف على سابقه كسابقه والمراد أن ما ذكرناه بسبب أن الله على كل شيء قدير وذلك أن إيجاد الإنسان والنبات وتدبير أمرهما في الحدوث والبقاء مرتبط بما في الكون من وجود أونظام جار في الوجود وكما أن إيجادهما وتدبير أمرهما لا يتم إلا مع القدرة عليهما كذلك القدرة عليهما لا تتم إلا مع القدرة على كل شيء فخلقهما وتدبير أمرهما بسبب عموم القدرة وإن شئت فقل: ذلك يكشف عن عموم القدرة.
قوله تعالى:{ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} الجملتان معطوفتان على{أن} في قوله:{ذلك بأن الله}.
وأما الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الآيتين بالذكر مع أن بيان السابقة ينتج نتائج أخرى مهمة في أبواب التوحيد كربوبيته تعالى ونفي شركاء العبادة وكونه تعالى عليما ومنعما وجوادا وغير ذلك.
فالذي يعطيه السياق - والمقام مقام إثبات البعث - وعرض هذه الآيات على سائر الآيات المثبتة للبعث أن الآية تؤم إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقا على الإطلاق فإن الحق المحض لا يصدر عنه إلا الفعل الحق دون الباطل، ولو لم يكن هناك نشاة أخرى يعيش فيها الإنسان بما له من سعادة أوشقاء واقتصر في الخلقة على الإيجاد ثم الإعدام ثم الإيجاد ثم الإعدام وهكذا كان لعبا باطلا فكونه تعالى حقا لا يفعل إلا الحق يستلزم نشاة البعث استلزاما بينا فإن هذه الحياة الدنيا تنقطع بالموت فبعدها حياة أخرى باقية لا محالة.
فالآية أعني قوله:{فإنا خلقناكم من تراب} إلى قوله - ذلك بأن الله هو الحق} في مجرى قوله:{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ما خلقناهما إلا بالحق:} الدخان: 39 وقوله:{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} ص: 27 وغيرهما من الآيات المتعرضة لإثبات المعاد، وإنما الفرق أنها تثبته من طريق حقية فعله تعالى والآية المبحوث عنها تثبته من طريق حقيته تعالى في نفسه المستلزمة لحقية فعله.
ثم لما كان من الممكن أن يتوهم استحالة إحياء الموتى فلا ينفع البرهان حينئذ دفعه بقوله:{وأنه يحيي الموتى} فإحياؤه تعالى الموتى بجعل التراب الميت إنسانا حيا وجعل الأرض الميتة نباتا حيا واقع مستمر مشهود فلا ريب في إمكانه وهذه الجملة أيضا في مجرى قوله تعالى:{ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ:} يس: 79 وسائر الآيات المثبتة لإمكان البعث والإحياء ثانيا من طريق ثبوت مثله أولا.
ثم لما أمكن أن يتوهم أن جواز الإحياء الثاني لا يستلزم الوقوع بتعلق القدرة به استبعادا له واستصعابا دفعه بقوله:{وأنه على كل شيء قدير} فإن القدرة لما كانت غير متناهية كانت نسبتها إلى الإحياء الأول والثاني وما كان سهلا في نفسه أو صعبا على حد سواء فلا يخالطها عجز ولا يطرأ عليها عي وتعب.
وهذه الجملة أيضا في مجرى قوله تعالى:{أ فعيينا بالخلق الأول:} ق: 15 وقوله:{ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:} فصلت - 39 وسائر الآيات المثبتة للبعث بعموم القدرة وعدم تناهيها.
فهذه أعني ما في قوله تعالى:{ذلك بأن الله} إلى آخر الآية نتائج ثلاث مستخرجة من الآية السابقة عليها مسوقة جميعا لغرض واحد وهو ذكر ما يثبت به البعث وهو الذي تتضمنه الآية الأخيرة{ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.
ولم تتضمن الآية إلا بعث الأموات والظرف الذي يبعثون فيه فأما الظرف وهو الساعة فذكره في قوله:{ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} ولم ينسب إتيانها إلى نفسه بأن يقال مثلا: وأن الله يأتي بالساعة أو ما في معناه ولعل الوجه في ذلك اعتبار كونها لا تأتي إلا بغتة لا يتعلق به علم قط كما قال:{لا تأتيكم إلا بغتة}.
وقال:{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ:} الأعراف: 187 وقال:{ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا:} طه: 15 فكان عدم نسبتها إلى فاعل كعدم ذكر وقتها وكتمان مرساها مبالغة في إخفائها وتأييدا لكونها مباغتة مفاجئة، وقد كثر ذكرها في كلامه ولم يذكر في شيء منه لها فاعل بل كان التعبير مثل آتية{تأتيهم}{قائمة}{تقوم} ونحو ذلك.
وأما المظروف وهو إحياء الموتى من الإنسان فهو المذكور في قوله:{وأن الله يبعث من في القبور}.
فإن قلت: الحجة المذكورة تنتج البعث لجميع الأشياء لا للإنسان فحسب لأن الفعل بلا غاية لغو باطل سواء كان هو الإنسان أو غيره لكن الآية تكتفي بالإنسان فقط.
قلت: قصر الآية النتيجة في الإنسان فقط لا ينافي ثبوت نظير الحكم في غيره لكن الذي تمسه الحاجة في المقام بعث الإنسان على أنه يمكن أن يقال: إن نفي المعاد عن الأشياء غير الإنسان لا يستلزم كون فعلها باطلا منه تعالى لأنها مخلوقة لأجل الإنسان فهو الغاية لخلقها والبعث غاية لخلق الإنسان.
هذا ما يعطيه التدبر في سياق الآيات الثلاث وعرضها على سائر الآيات المتعرضة لإثبات المعاد على تفننها، وبه يظهر وجه الاكتفاء من النتائج المترتبة عليها بهذه النتائج المعدودة بحسب المترائي من اللفظ خمسا وهي في الحقيقة ثلاث موضوعة في الآية الثانية مستخرجة من الأولى، وواحدة موضوعة في الآية الثالثة مستخرجة من الثلاث الموضوعة في الثانية.
وبه يندفع أيضا شبهة التكرار المتوهم من قوله: {وأنه يحيي الموتى}{وأن الساعة آتية}{وأن الله يبعث من في القبور} إلى غير ذلك.
وللقوم في تفسير الآيات الثلاث وتقرير حجتها وجوه كثيرة مختلفة لا ترجع إلى جدوى وقد أضافوا في جميعها إلى حجة الآية مقدمات أجنبية تختل بها سلاسة النظم واستقامة الحجة، وقد طوينا ذكرها فمن أراد الوقوف عليها فليراجع مطولات التفاسير.
_______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص276-284.
زلزلة البعث العظيمة:
تبدأ هذه السورة بآيتين تشيران إلى يوم البعث ومقدّماته، وهما آيتان تبعدان الإنسان ـ دون إرادته ـ عن هذه الحياة المادية العابرة، ليفكّر بالمستقبل المخيف الذي ينتظره المستقبل الذي سيكون جميلا وسعيداً إن فكّرت فيه اليوم، ولكنّه مخيفٌ حقّاً إن لم تعدّ العدّة له، والآية المباركة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}. خطاب للناس جميعاً بلا استثناء، فقوله تعالى: {ياأيّها الناس} دليل واضح على عدم التفريق بينهم من ناحية العنصر، واللغة، والزمان، والأماكن الجغرافية، والطوائف، والقبائل. فهو موجّه للجميع: المؤمن والكافر، والكبير والصغير، والشيخ والشابّ، والرجل والمرأة، على إمتداد العصور.
وعبارة (اتّقوا ربّكم) خلاصة لجميع برامج السعادة، فهي تبيّن التوحيد في «ربّكم» من جهة والتقوى من جهة أُخرى. وبهذا جمعت البرامج الإعتقادية والعمليّة.
وجملة { إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} التي جاءت في عدد من الآيات القرآنية، تكرّر هنا الحديث عنها بشكل مختصر، هو أنّ البعث يحدث ثورة وتبدّلا حادّاً في عالم الوجود، الجبال تقتلع من مكانها، وتموج البحار، وتنطبق السّماء على الأرض، ثمّ يبدأ عالم جديد وحياة جديدة، ويسيطر ذعر شديد على الناس يفقدهم صوابهم.
ثمّ بيّنت الآية التالية في عدّة جمل إنعكاس هذا الذعر الشديد، فقالت: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} من شدّة الوحشة والرعب.
{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}.
وثالث إنعكاس لهذا الذعر الشديد: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى}وعلّة ذلك هو شدّة العذاب في ذلك اليوم {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} هذا العذاب الذي أرعب الناس وأفقدهم صوابهم.
أتباع الشيطان!
بعد أن أعطت الآيات السابقة صورة لرعب الناس حين وقوع زلزلة القيامة، أوضحت الآيات اللاحقة حالة اُولئك الذين نسوا الله، وكيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم، فقالت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
نجد هؤلاء الناس يجادلون مرّة في أساس التوحيد ووحدانيّة الحقّ تبارك وتعالى، وفي إنكار وجود شريك له. ومرّة يجادلون في قدرة الله على إحياء الموتى، وفي البعث والنشور، ولا دليل لهم على ما يقولون.
قال بعض المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في «النضر بن الحارث» الذي كان من المشركين المعاندين، وكان يصرّ على القول بأنّ الملائكة بنات الله، وأنّ القرآن مجموعة من أساطير السلف تنسب إلى الله، كما كان ينكر الحياة بعد الموت.
والبعض الآخر من المفسّرين يعتقد أنّ هذه الآية إشارة إلى جميع المشركين الذين يجادلون في التوحيد وفي قدرة الله.
إلاّ أنّ سبب النّزول لا يمكنه أن يضيّق مفهوم هذه الآية، فهذان القولان يصبّان في معنى واحد، يشمل جميع الذين يشتركون في جدال مع الله تعالى، إمّا عن تقليد أعمى، وإمّا عن عصبية، أو لإتّباع الخرافات، أو الأهواء النفسية.
ثمّ تضيف هذه الآية {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} فهؤلاء الأشخاص الذين لا يتّبعون منطقاً أو علماً، وإنّما يتّبعون كلّ شيطان عنيد ومتمرّد، ولا يخضعون لشيطان واحد، بل لجميع الشياطين! شياطين الإنس والجنّ، الذين لكلّ منهم برنامجه وأحابيله وشراكه.
وكلمة «مريد» مشتقّة من «مَرَدَ» وأصلها الأرض المرتفعة التي لا نبت فيها. وتطلق أيضاً كلمة «أمرد» على الشجرة الجرداء، ولهذا تطلق أيضاً على كلّ صبي لم ينبت الشعر في وجهه، وهنا يقصد بـ«المريد» الشخص الذي خلا من أي خير وسعادة. وطبيعي أن يكون مثل هذا الشخص عنيداً وظالماً وعاصياً. وبهذا يتّضح مصير الإنسان الذي يتّبع الشيطان الخالي من كلّ خير!!
ومن هنا كانت الآية اللاحقة {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}(2).
دليل المعاد في عالم الأجنّة والنبات:
بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد الجسماني: أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.
والقرآن شرح صوراً للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا، ويرونه باُمّ أعينهم، إلاّ أنّهم لم ينتبهوا لذلك، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضرباً من الخيال، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}(3) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل {لنبيّن لكم}.
فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها. ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة. لنخرجكم أطفالا من أرحام اُمّهاتكم.
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون اُمّهاتكم. فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء، وإمكانات واسعة جدّاً، إلاّ أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف، ألا وهو الرُّشد والكمال الجسمي والعقلي. {ثمّ لتبلغوا أشدّكم}.
وهنا يتبدّل الجهل إلى علم، والضعف إلى قوّة، والتبعيّة إلى الإستقلال، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}.
أجل، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئاً، حيث يسيطر عليه النسيان،ويصبح في وضع وكأنّه طفل { لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة إنتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الإنفصال.
وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته. وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه، سنذكرها في الملاحظات القادمة.
ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات، فتبيّن ما يلي: تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(4).
الآيتان اللاحقتان تشرحان ما توصّلنا إليه، وذلك بإستعراض خمس
1 ـ إنّ ما إستعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات، من أجل أن تعلموا أنّ الله تعالى حقّ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} وبما أنّه هو الحقّ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضاً، لهذا لا يمكن أن يكون هذا الخلق دون هدف، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}( سورة ص، 27.).
وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثاً، وأنّ لها هدفاً، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتماً.
2 ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى}. إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل، ويمنح الحياة للأرض الميتة، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم(5)؟
3 ـ الهدف الآخر هو أن نعلم {وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولا يستحيل على قدرته شيء.
هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباساً جديداً من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهيةً تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!
4 ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر، ستحلّ بلا شكّ فيها {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا}.
5 ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.
وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة، وبعضها ذو المقدّمة، البعض منها إشارة إلى الإمكان، والآخر إشارة إلى الوقوع، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب، بل إنّه سيقع حتماً.
فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات باُمّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام.
وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟ فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟
وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الاُمور، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له، وإلاّ فإنّه باطل تافه، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق.
وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر، وسيع، خالد، جدير بأن يعدّ هدفاً للخلق.
______________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص351-360.
2- «السعير» مشتقّة من «سَعَرَ» بمعنى لهب النّار، وتعني هنا نار جهنّم الحارقة. التي تمتاز بأنّها أكثر حرقاً من أي نار.
3 ـ «المضغة» مشتّقة من «المضغ» وتعني مقداراً من اللحم يمكن للإنسان مضغهُ في لقمة واحدة. وهذا تشبيه رائع للجنين في المرحلة التي تعقب مرحلة العلقة.
4- «الهامدة» تعني في الأصل النّار التي أطفئت، ويطلق على الأرض التي جفّت نباتاتها وأصبحت دون حركة «مفردات الراغب الاصفهاني» والبعض الآخر قال: إنّ كلمة «هامدة» تطلق على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة (تفسير في ظلال القرآن).
«إهتزّت» مشتقّة من «الهزّ» وتعني تحرّكت بشدّة.
«ربت» مشتقّة من «الربو» وتعني الزيادة والنمو، كما أنّ كلمة «ربا» مشتقة أيضاً من «الربو».
«بهيج» تعني الجميل السّاحر السارّ.
5- يرى بعض المفسّرين في عبارة (أنّه يحيي الموتى) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمنّته عبارة (وأنّ الله يبعث من في القبور) أيضاً، مع فارق هو أنّ العبارة الأُولى إشارة إلى أصل الحياة، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.
إلاّ أنّ التّفسير الآخر الذي إستندنا إليه بصورة أكثر، هو أنّ عبارة (أنّه يحيي الموتى) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا، ليكون دليلا على إمكان تحققّ ذلك يوم البعث.