1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الطاء : سورة طه :

تفسير الأية (77-82) من سورة طه

المؤلف:  المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

7-9-2020

4488

 

قال تعالى:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 77 - 82]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أخبر سبحانه عن حال بني إسرائيل فقال { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} بعد ما رأى فرعون من الآيات فلم يؤمن هو ولا قومه { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي: سر بهم ليلا من أرض مصر { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} أي: اجعل لهم طريقا في البحر يابسا بضربك العصا لينفلق البحر فعدي الضرب إلى الطريق لما دخله هذا المعنى فكأنه قد ضرب الطريق كما يضرب الدينار { لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} أي: لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك ولا تخشى من البحر غرقا ومن قرأ لا تخف بالجزم فمعناه لا تخف أن يدركك فرعون وأنت لا تخشى شيئا من أمر البحر مثل قوله يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ويجوز أن يكون في موضع الجزم على نحوما ذكرناه في الحجة.

 { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } معناه: ألحق جنوده بهم وبعث بجنوده خلفهم وفي أثرهم وفي الكلام حذف الهم فعلوا ذلك فدخل موسى وقومه البحر ثم اتبعهم فرعون بجنوده { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } أي: جاءهم من البحر ما جاءهم ولحقهم منه ما لحقهم وفيه تعظيم للأمر ومعناه غشيهم الذي عرفتموه وسمعتم به ومثله قول أبي النجم ((أنا أبوالنجم وشعري شعري)) أي: شعري الذي سمعت به وعلمته أي هلك فرعون ونجي موسى هذا كان عاقبة أمرهم فليعتبر المعتبرون بهم { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي: صرفهم عن الهدى والحق وما هداهم إلى الخير والرشد وطريق النجاة وإنما قال {وما هدى} بعد قوله {أضل} ليتبين أنه استمر على ذلك وما زال يضلهم ولا يهديهم وحسن حذف المفعول لمكان رأس الآية وإنما قال سبحانه تكذيبا لقول فرعون لقومه {وما أهديكم إلا سبيل الرشا}.

ثم خاطب سبحانه بني إسرائيل وعدد نعمه عليهم فقال { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون بمرأى منكم { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} وهو أن الله تعالى وعد موسى بعد أن أغرق فرعون ليأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاجون إليه { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } يعني في التيه وقد مر بيان ذلك في سورة البقرة { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } صورته صورة الأمر والمراد به الإباحة {ولا تطغوا فيه} أي: فلا تتعدوا فيه فتأكلوه على الوجه المحرم عليكم وقيل إن المعنى لا تتجاوزوا عن الحلال إلى الحرام وقيل: معناه لا تتناولوا من الحلال للاستعانة به على المعصية { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} أي: فيجب عليكم عقوبتي ومن ضم الحاء فالمعنى فينزل عليكم عقوبتي.

 { وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} أي: هلك لأن من هوى من علوإلى سفل فقد هلك وقيل فقد هوى إلى النار قال الزجاج فقد صار إلى الهاوية { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ} وهو فعال من المغفرة {لمن تاب} من الشرك {وآمن} بالله ورسوله {وعمل صالحا} أي: أدى الفرائض {ثم اهتدى} أي: ثم لزم الإيمان إلى أن يموت واستمر عليه وقيل ثم لم يشك في إيمانه عن ابن عباس وقيل: ثم أخذ بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولم يسلك سبيل البدعة عن ابن عباس أيضا والربيع بن أنس وقال أبوجعفر الباقر (عليه السلام) ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت (عليهم السلام) فو الله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثم مات ولم يجيء بولايتنا لأكبه الله في النار على وجهه رواه الحاكم أبوالقاسم الحسكاني بإسناده وأورده العياشي في تفسيره من عدة طرق.

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص43-45.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ولَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً ولا تَخْشى } . أصر فرعون على عناده ، وأبى إلا الكبرياء والجبروت ، والا ان ينعت موسى بالخارجي ، ومعجزاته بالسحر ، ووجد من يظاهره على ذلك ويناصره : { وقالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ } - 127 الأعراف . وصمم فرعون على قتل موسى ، فأوحى اللَّه إليه أن يخرج ببني إسرائيل من مصر ليلا ، وأن يضرب البحر بعصاه ، فينشق إلى قطع بينها طرق وشعاب ، يسلكها الإسرائيليون إلى الجانب الآخر ، وهم آمنون على أنفسهم من الغرق ومن فرعون وشره : { فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وأَزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ وأَنْجَيْنا مُوسى ، ومَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ } - 64 الشعراء .

{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ }. اتبعهم وتبعهم بمعنى واحد ، وغشيهم ما غشيهم فيه تعظيم للأمر . . وفي الكلام حذف كثير ، ولكنه مألوف في القرآن لأن السياق يدل عليه ، والتقدير خرج موسى ليلا بقومه ، ولما وصل إلى البحر ضربه بعصاه ، فانشق إلى طرق لا ماء فيها ، فسلكها الإسرائيليون ، ولحق بهم فرعون وجنوده ، وسلك في أثرهم ، ولما وصل آخر إسرائيلي إلى الجانب الثاني من البحر ، ودخل آخر جندي في البحر من جنود فرعون انطبق البحر عليهم فغرقوا جميعا ، كما سلم الإسرائيليون جميعا { وأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى} .

أضلهم عن الحق ، وأضلهم في البحر أيضا ، وكان من قبل يقول لهم : { وما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ } - 29 غافر .

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ ) فرعون الذي كان يسومكم سوء العذاب يذبح أبناءكم ، ويستحيي نساءكم { وواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ} .

يشير سبحانه إلى الوعد الذي وعده موسى بعد أن أغرق فرعون ، وهو أن يأتي موسى إلى جانب الطور فينزل اللَّه عليه التوراة ، فيها بيان الشرائع والأحكام { ونَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ } تقدم بنصه الحرفي في الآية 57 من سورة البقرة ج 1 ص 106 .

{ ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ومَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى } .

ضمير فيه يعود إلى الرزق المفهوم من الكلام ، والطغيان فيه ان يؤخذ ، أوينفق في غير طريقه المشروع ، والمعنى ان من كسب المال من غير حل ، أوأنفقه في غير حل فجزاؤه عند اللَّه الهلاك وعذاب الحريق ، تماما كجزاء فرعون وغيره من العصاة الطغاة .

{ وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى } . يغفر اللَّه الذنوب بشروط أربعة : الأول التوبة ، وهي الندم على ما كان من المعاصي مع طلب الصفح عنها . الشرط الثاني الايمان بالحق أينما كان ويكون ، سواء أوافق الأهواء والأغراض ، أم خالفها . الشرط الثالث العمل بالحق ، لأن الايمان بلا عمل كاللفظ بلا معنى . الشرط الرابع الاهتداء ، والمراد به هنا الاستمرار على اتّباع الحق حتى الموت . وبهذا نجد الجواب عن سؤال من سأل : ان المهتدي هو الذي آمن وعمل صالحا ، فما هو الوجه في عطف الأول على الثاني بثم .

____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 232-233.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا - إلى قوله - وما هدى}.

الإسراء السير بالليل والمراد بعبادي بنوإسرائيل وقوله:{ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} قيل المراد الضرب بالعصا كما يدل عليه كلامه تعالى في غير هذا الموضع وأن{طريقا} مفعول به لأضرب على الاتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليكون لهم طريقا. انتهى.

ويمكن أن يكون المراد بالضرب البناء والإقامة من باب ضربت الخيمة وضربت القاعدة.

واليبس - على ما ذكره الراغب - المكان الذي كان فيه ماء ثم ذهب، والدرك بفتحتين تبعة الشيء، وفي نسبة الغشيان إلى ما الموصولة المبهمة وجعله صلة لها أيضا من تمثيل هول الموقف ما لا يخفى، قيل: وفي قوله:{ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} تكذيب لقول فرعون لقومه فيما خاطبهم:{وما أهديكم إلا سبيل الرشاد:} المؤمن: 29، وعلى هذا فقوله:{وما هدى} ليس تأكيدا وتكرارا لمعنى قوله:{وأضل فرعون قومه}.

قوله تعالى:{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} إلى آخر الآية كأن الكلام بتقدير القول أي قلنا يا بني إسرائيل وقوله:{قد أنجيناكم من عدوكم} المراد به فرعون أغرقه الله وأنجى بني إسرائيل منه بعد طول المحنة.

وقوله:{وواعدناكم جانب الطور الأيمن} بنصب أيمن على أنه صفة جانب ولعل المراد بهذه المواعدة مواعدة موسى أربعين ليلة لإنزال التوراة وقد مرت القصة في سورة البقرة وغيرها وكذا قصة إنزال المن والسلوى.

وقوله:{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} إباحة في صورة الأمر وإضافة الطيبات إلى{ما رزقناكم} من إضافة الصفة إلى الموصوف إذ لا معنى لأن ينسب الرزق إلى نفسه ثم يقسمه إلى طيب وغيره كما يؤيده قوله في موضع آخر:{ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ:} الجاثية: 16.

قوله:{ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ضمير فيه راجع إلى الأكل المتعلق بالطيبات وذلك بكفران النعمة وعدم أداء شكره كما قالوا:{ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا:} البقرة: 61.

وقوله:{فيحل عليكم غضبي} أي يجب غضبي ويلزم من حل الدين يحل من باب ضرب إذا وجب أداؤه، والغضب من صفاته تعالى الفعلية مصداقه إرادته تعالى إصابة المكروه للعبد بتهيئة الأسباب لذلك عن معصية عصاها.

وقوله:{ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} أي سقط من الهوي بمعنى السقوط وفسر بالهلاك.

قوله تعالى:{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} وعد بالرحمة المؤكدة عقيب الوعيد الشديد ولذا وصف نفسه بكثرة المغفرة فقال:{وإني لغفار} ولم يقل: وأنا غافر أو سأغفر.

والتوبة وهي الرجوع كما تكون عن المعصية إلى الطاعة كذلك تكون من الشرك إلى التوحيد، والإيمان أيضا كما يكون بالله كذلك يكون بآيات الله من أنبيائه ورسله وكل حكم جاءوا به من عند الله تعالى، وقد كثر استعمال الإيمان في القرآن في كل من المعنيين كما كثر استعمال التوبة في كل من المعنيين المذكورين وبنو إسرائيل كما تلبسوا بمعاصي فسقوا بها كذلك تلبسوا بالشرك كعبادة العجل وعلى هذا فلا موجب لصرف الكلام عن ظاهر إطلاقه في التوبة عن الشرك والمعصية جميعا والإيمان بالله وآياته وكذلك إطلاقه بالنسبة إلى التائبين والمؤمنين من بني إسرائيل وغيرهم وإن كان بنوإسرائيل مورد الخطاب فإن الصفات الإلهية كالمغفرة لا تختص بقوم دون قوم.

فمعنى الآية - والله أعلم - وإني لكثير المغفرة لكل إنسان تاب وآمن سواء تاب عن شرك أوعن معصية وسواء آمن بي أوبآياتي من رسلي، أوما جاءوا به من أحكامي بأن يندم على ما فعل ويعمل عملا صالحا بتبديل المخالفة والتمرد فيما عصى فيه بالطاعة فيه وهو المحقق لأصل معنى الرجوع من شيء وقد مر تفصيل القول فيه في تفسير قوله تعالى:{إنما التوبة على الله:} النساء: 17، في الجزء الرابع من الكتاب.

وأما قوله:{ثم اهتدى} فالاهتداء يقابل الضلال كما يشهد به قوله تعالى:{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا }: الإسراء: 15، وقوله:{لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}: المائدة: 105، فهل المراد أن لا يضل في نفس ما تاب فيه بأن يعود إلى المعصية ثانيا فيفيد أن التوبة عن ذنب إنما تنفع بالنسبة إلى ما اقترفه قبل التوبة ولا تكفي عنه لوعاد إليه ثانيا أوالمراد أن لا يضل في غيره فيفيد أن المغفرة إنما تنفعه بالنسبة إلى المعصية التي تاب عنها وبعبارة أخرى إنما تنفعه نفعا تاما إذا لم يضل في غيره من الأعمال، أوالمراد ما يعم المعنيين؟.

ظاهر العطف بثم أن يكون المراد هو المعنى الأول فيفيد معنى الثبات والاستقامة على التوبة فيعود إلى اشتراط الإصلاح الذي هو مذكور في عدة من الآيات كقوله:{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} آل عمران: 89 النور - 5.

لكن يبقى على الآية بهذا المعنى أمران: أحدهما نكتة التعبير بالغفار بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة فما معنى كثرة مغفرته تعالى لمن اقترف ذنبا واحدا ثم تاب؟ وثانيهما أن لازمها أن يكون من خالف حكما من أحكامه كافرا به وإن اعترف بأنه من عند الله وإنما يعصيه اتباعا للهوى لا ردا للحكم اللهم إلا أن يقال إن الآية لاشتمالها على قوله{تاب وآمن} إنما تشمل المشرك أوالراد لحكم من أحكام الله وهو كما ترى.

فيمكن أن يقال: إن المراد بالتوبة والإيمان التوبة من الشرك والإيمان بالله كما أن المعنيين هما المرادان في أغلب المواضع من كلامه التي ذكر التوبة والإيمان فيها معا، وعلى هذا كان المراد من قوله:{وعمل صالحا} الطاعة لأحكامه تعالى بالائتمار لأوامره والانتهاء عن نواهيه، ويكون معنى الآية أن من تاب من الشرك وآمن بالله وأتى بما كلف به من أحكامه فإني كثير المغفرة لسيئاته أغفر له زلة بعد زلة فتكثر المغفرة لكثرة مواردها.

وقد ذكر تعالى نظير المعنى وهو مغفرة السيئات في قوله:{ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ:} النساء: 31.

فقوله:{ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} ينطبق على آية النساء ويبقى فيه شرط زائد يقيد حكم المغفرة وهو مدلول قوله:{ثم اهتدى} وهو الاهتداء إلى الطريق ويظهر أن المغفرة إنما يسمح بها للمؤمن العامل بالصالحات إذا قصد ذلك من طريقه ودخل عليه من بابه.

ولا نجد في كلامه تعالى ما يقيد الإيمان بالله والعمل الصالح في تأثيره وقبوله عند الله إلا الإيمان بالرسول بمعنى التسليم له وطاعته في خطير الأمور ويسيرها وأخذ الدين عنه وسلوك الطريق التي يخطها واتباعه من غير استبداد وابتداع يئول إلى اتباع خطوات الشيطان وبالجملة ولايته على المؤمنين في دينهم ودنياهم فقد شرع الله تعالى ولايته وفرض طاعته وأوجب الأخذ عنه والتأسي به في آيات كثيرة جدا لا حاجة إلى إيرادها ولا مجال لاستقصائها فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وكان جل بني إسرائيل على إيمانهم بالله سبحانه وتصديقهم رسالة موسى وهارون متوقفين في ولايتهما أوكالمتوقف كما هو صريح عامة قصصهم في كتاب الله ولعل هذا هو الوجه في وقوع الآية - وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى بعد نهيهم عن الطغيان وتخويفهم من غضب الله.

فقد تبين أن المراد بالاهتداء في الآية على ما يهدي إليه سائر الآيات هو الإيمان بالرسول باتباعه في أمر الدين والدنيا وبعبارة أخرى هو الاهتداء إلى ولايته.

وبذلك يظهر حال ما قيل في تفسير قوله:{ثم اهتدى} فقد قيل: الاهتداء لزوم الإيمان والاستمرار عليه ما دامت الحياة، وقيل: أن لا يشك ثانيا في إيمانه، وقيل: الأخذ بسنة النبي وعدم سلوك سبيل البدعة، وقيل: الاهتداء هو أن يعلم أن لعمله ثوابا يجزى عليه، وقيل: هو تطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وقيل: هو حفظ العقيدة من أن تخالف الحق في شيء فإن الاهتداء بهذا الوجه غير الإيمان وغير العمل، والمطلوب على جميع هذه الأقوال تفسير الاهتداء بمعنى لا يرجع إلى الإيمان والعمل الصالح غير أن الذي ذكروه لا دليل على شيء من ذلك.

_____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص150-154.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

نجاة بني إسرائيل وغرق الفراعنة:

بعد حادثة المجابهة بين موسى والسّحرة، وإنتصاره الباهر عليهم، وإيمان جمع عظيم منهم، فقد غزا موسى (عليه السلام) ودينه أفكار الناس في مصر، بالرغم من أنّ أكثر الأقباط لم يؤمنوا به، إلاّ أنّ هذا كان ديدنهم دائماً، وكان بنو إسرائيل تحت قيادة موسى مع قلّة من المصريين في حالة صراع دائم مع الفراعنة، ومرّت أعوام على هذا المنوال، وحدثت حوادث مرّة موحشة وحوادث جميلة مؤنسة، أورد بعضها القرآن الكريم في الآية (127) وما بعدها من سورة الأعراف.

وتشير الآيات التي نبحثها إلى آخر فصل من هذه القصّة، أي خروج بني إسرائيل من مصر، فتقول:{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} فتهيّأ بنو إسرائيل للتوجّه إلى الوطن الموعود (فلسطين)، إلاّ أنّهم لمّا وصلوا إلى سواحل النيل علم الفراعنة بهم، فتعقّبهم فرعون في جيش عظيم، فرأى بنو إسرائيل أنفسهم محاصرين بين البحر والعدو، فمن جهة نهر النيل العظيم، ومن جهة أُخرى العدوّ القوي السفّاك الغاضب.

إلاّ أنّ الله الذي كان يريد إنقاذ هذه الاُمّة المظلومة المحرومة المؤمنة من قبضة الظالمين، وأن يهلك الظالمين في البحر، أمر موسى أن امض بقومك { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا } طريقاً متى ما مضيت فيه فـ:{ لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى}.

الطريف هنا أنّ الطريق لم يُفتح وحسب، بل كان طريقاً يابساً صلباً بأمر الله، مع أنّ مياه النهر أو البحر إذا ما إنحسرت جانباً فإنّ قيعانها تبقى عادةً غير قابلة للعبر عليها.

يقول الراغب في مفرداته: «الدَّرك» أقصى عمق البحر، ويقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك به الماء «درك»، وكذلك يقال للخسارة التي تصيب الإنسان «درك» ويقال «دركات النّار» ـ في مقابل درجات الجنّة أي حدودها وطبقاتها السفلى.

ولكن مع ملاحظة أنّ بني إسرائيل ـ وطبقاً للآية (61) من سورة الشعراء ـ لمّا علموا بخبر مجيء جيش فرعون، قالوا لموسى: {إنّا لمدركون}، وهذا يعني أنّ المراد من الدرك في الآية هنا، أنّ جيش فرعون سوف لن يصل إليكم، والمراد من {لا تخشى} أنّ أي خطر لا يهدّدكم من ناحية البحر.

وبذلك فإنّ موسى وبني إسرائيل قد ساروا في تلك الطرق التي فتحت في أعماق البحر بعد إنحسار المياه عنها. في هذه الأثناء وصل فرعون وجنوده إلى ساحل البحر فدُهشوا لهذا المشهد المذهل المثير غير المتوقّع، ولذلك أعطى فرعون أمراً لجنوده باتّباعهم، وسار هو أيضاً في نفس الطريق: { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ}(2).

ممّا لا ريب أنّ جيش فرعون كان مكرهاً في البداية على أن يسير في هذا المكان الخطير المجهول، ويتعقّب بني إسرائيل، وكانت مشاهدة مثل هذه المعجزة العجيبة كافية على الأقل أن يمتنعوا عن الإستمرار في السير في هذا الطريق، إلاّ أنّ فرعون الذي ركب الغرور والعصبية رأسه، وغرق في بحر العناد والحماقة، لم يهتمّ لهذه المعجزة الكبيرة، وأمر جيشه في المسير في هذه الطرق البحرية المريبة حتّى دخل من هذه الجهة آخر جندي فرعوني، في وقت خرج من الجانب الآخر آخر فرد من بني إسرائيل.

في هذه الأثناء صدر الأمر لأمواج المياه أن ترجع إلى حالتها الأُولى، فوقعت عليهم الأمواج كما تسقط البناية الشامخة إذا هدّمت قواعدها { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }(3). وبذلك فقد غاص ملك جبّار ظالم مع جنوده وجيشه القهّار في وسط أمواج الماء، وأصبحوا طعمة جاهزة لسمك البحر!

أجل، { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}.

صحيح أنّ جملة (أضلّ) وجملة (ما هدى) تعطي معنى واحداً تقريباً، وربّما كان هذا هو السبب في أن يعتبرها بعض المفسّرين تأكيداً، إلاّ أنّ الظاهر أنّ هناك تفاوتاً فيما بينهما، وهو أنّ (أضلّ) إشارة إلى الإضلال، و (ما هدى) إشارة إلى عدم الهداية بعد وضوح الضلالة.

وتوضيح ذلك: إنّ القائد قد يخطيء أحياناً، ويجرّ أتباعه إلى طريق منحرف، إلاّ أنّه بمجرّد أن ينتبه إلى خطئه يعيدهم إلى طريق الصواب. إلاّ أنّ فرعون كان عنيداً إلى الحدّ الذي لم يبيّن لقومه الحقيقة حتّى بعد وضوح الضلال ومشاهدته، واستمرّ في توجيه هؤلاء إلى المتاهات حتّى هلك وإيّاهم.

وعلى كلّ حال، فإنّ هذه الجملة تنفي كلام فرعون الوارد في الآية (29) من سورة غافر حيث يقول: { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}، فإنّ هذه الحوادث بيّنت أنّ هذه الجملة كذبة كبيرة كأكاذبيه الاُخرى.

طريق النجاة الوحيد:

تعقيباً على البحث السابق في نجاة بني إسرائيل بصورة إعجازية من قبضة الفراعنة، خاطبت هذه الآيات الثلاث بني إسرائيل بصورة عامّة، وفي كلّ عصر وزمان، وذكرتهم بالنعم الكبيرة التي منحها الله إيّاهم، وأوضحت طريق نجاتهم. فقالت أوّلا: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ}. ومن البديهي أنّ أساس كلّ نشاط ومجهود إيجابي هو التخلّص من قبضة المتسلّطين، والحصول على الحرية والإستقلال، ولذلك اُشير إلى هذه المسألة قبل كلّ شيء.

ثمّ تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمّة، فتقول: {وواعدناكم جانب الطور الأيمن}، وهذه إشارة إلى حادثة ذهاب موسى (عليه السلام) مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور، ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلّمه، وشاهدوا جميعاً تجلّي الله سبحانه(4).

وأخيراً أشارت إلى نعمة ماديّة مهمّة من نعم الله الخاصّة ببني إسرائيل، فتقول: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } ففي تلك الصحراء كنتم حيارى، ولم يكن عندكم شيء من الطعام المناسب، فأدرككم لطف الله، ورزقكم من الطعام الطيّب اللذيذ ما كنتم بأمسّ الحاجة إليه.

وللمفسّرين بحوث كثيرة فيما هو المراد من (المنّ والسلوى)، بيّناها في ذيل الآية (57) من سورة البقرة، بعد ذكر آراء المفسّرين الآخرين وقلنا: إنّه ليس من البعيد أن يكون «المنّ» نوعاً من العسل الطبيعي كان موجوداً في الجبال المجاورة لتلك الصحراء، أو نوعاً من السكريات المولدة للطاقة من نباتات خاصّة كانت تنمو في أطراف تلك الصحراء. والسلوى نوع من الطيور المحلّلة اللحم شبيهاً بالحمام. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (57) من سورة البقرة.

ثمّ تخاطبهم الآية التالية بعد ذكر هذه النعم الثلاث العظيمة، فتقول { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ }.

الطغيان في النعمة هو أن يتّخذ الإنسان هذه النعم وسيلة للذنب والجحود والكفران والتمرّد والعصيان، بدل أن يستغلّها في طاعة الله وسعادته، تماماً كما فعل بنو إسرائيل حيث تمتّعوا بكلّ هذه النعم ثمّ ساروا في طريق الكفر والطغيان والمعصية. ولذلك حذّرتهم الآية بعد ذلك فقالت: { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}.

«هوى» في الأصل بمعنى السقوط من المكان المرتفع، والذي تكون نتيجته الهلاك عادةً، إضافة إلى أنّه هنا إشارة إلى السقوط الرتبي والبعد عن قرب الله، والطرد من رحمته.

ولمّا كان من الضروري أن يقترن التحذير والتهديد بالترغيب والبشارة دائماً، لتتساوى كفّتا الخوف والرجاء، حيث تشكّلان العامل الأساسي في تكامل الإنسان، ولتفتح أبواب التوبة والرجوع بوجه التائبين، فقد قالت الآية التالية: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}.

كلمة (غفّار)، صيغة مبالغة، وتوحي أنّ الله سبحانه لا يقبل هؤلاء التائبين ويشملهم برحمته مرّة واحدة فقط، بل سيعمّهم عفوه ومغفرته مرّات ومرّات.

وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ أوّل شرط للتوبة هو ترك المعصية، وبعد أن تتطهّر روح الإنسان من هذه التلوّث، فإنّ الشرط الثّاني هو أن يغمرها نور الإيمان بالله والتوحيد، وفي المرحلة الثّالثة يجب أن تظهر براعم الإيمان والتوحيد ـ والتي هي الأعمال الصالحة والمناسبة ـ على أغصان وجود الإنسان.

وبخلاف سائر آيات القرآن التي تتحدّث عن التوبة والإيمان والعمل الصالح فقط فقد أضافت هذه الآية شرط رابع، وهو قوله: (ثمّ إهتدى). وقد ذكر المفسّرون لهذه الجملة تفسيرات عديدة، يبدو أنّ اثنين منها هما الأوفق والأدقّ:

الأوّل: إنّها إشارة إلى أنّ الإستمرار في طريق الإيمان والتقوى والعمل الصالح، يعني أنّ التوبة تمحو ما مضى وتكون سبباً للنجاة، وهي مشروطة بأن لا يسقط النائب مرّة أُخرى في هاوية الشرك والمعصية، وأن يراقب نفسه دائماً كيلا تعيده الوساوس الشيطانيّة وأهواؤه إلى مسلكه السابق.

والثّاني: هذه الجملة إشارة إلى لزوم قبول الولاية، والإلتزام بقيادة القادة الربّانيين، أي أنّ التوبة والإيمان والعمل الصالح كلّ ذلك سيكون سبباً للنجاة والفلاح إذا كان في ظلّ هداية القادة الربّانيين، ففي زمان تحت قيادة موسى (عليه السلام)، وفي زمن آخر تحت لواء نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومرّة تحت لواء أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أمّا اليوم فينبغي أن ننضوي تحت لواء الإمام المهدي (عليه السلام) لأنّ أحد أركان الدين قبول دعوة النّبي والإنضواء تحت قيادته ثمّ قبول قيادة خليفته ونائبه.

ينقل العلاّمة الطبرسي في ذيل هذه الآية عن الإمام الباقر أنّه قال: «ثمّ إهتدى إلى ولايتنا أهل البيت» ثمّ أضاف: «فوالله لو أنّ رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ثمّ مات ولم يجيء بولايتنا لأكبّه الله في النّار على وجهه». وقد نقلها العلاّمة الحاكم «أبو القاسم الحسكاني» ـ من كبار محدّثي أهل السنّة(5) وقد رويت روايات عديدة في هذا الباب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، والإمام الصادق (عليه السلام).

ولكي نعلم أنّ ترك هذا الأصل ـ إلى أي حدّ هو ـ مهلك لتاركيه، يكفي أن نبحث الآيات التالية، وكيف أنّ بني إسرائيل قد ابتلوا بعبادة العجل والشرك والكفر نتيجة تركهم ولاية موسى (عليه السلام) وخروجهم عن نهجه ونهج خليفته هارون (عليه السلام).

ومن هنا يتّضح أنّ ما قاله العلاّمة الآلوسي في تفسير روح المعاني بعد ذكر جملة من هذه الرّوايات:

«لا شكّ عندنا في وجوب محبّة أهل البيت، ولكن هذا لا يرتبط ببني إسرائيل وعصر موسى» كلام واه، لأنّ البحث أوّلا ليس حول المحبّة، بل حول قبول الولاية والقيادة وثانياً: ليس المراد من إنحصار الولاية بأهل البيت (عليهم السلام)، بل في عصر موسى كان هو وأخوه قائدين، فكان يلزم قبول ولايتهما، أمّا في عصر النّبي فتلزم قبول ولايته، وفي عصر أئمّة أهل البيت يلزم قبول ولايتهم (عليهم السلام).

ويتّضح أيضاً أنّ المخاطب في هذه الآية وإن كانوا بني إسرائيل، إلاّ أنّه لا ينحصر فيهم ولا يختّص بهم، فإنّ كلّ فرد أو جماعة تطوي هذه المراحل الأربعة فستشملها مغفرة الله سبحانه وعفوه.

____________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص168-174.

2ـ وهناك إحتمال آخر في تفسير الجملة آنفة الذكر، وهو أنّ الباء في (بجنوده) قد تكون بمعنى (مع)، ويصبح مجموع الجملة بهذا المعنى: إنّ فرعون قد عقّب بني إسرائيل مع جنوده، مع أنّه لا يوجد إختلاف بين هذين التّفسيرين.

3ـ «اليمّ» يعني البحر والنهر العظيم. ويعتقد بعض المحقّقين أنّ هذه لغة مصرية قديمة وليست عربية. ولمزيد الإيضاح راجع هامش ذيل الآية (136) من سورة الأعراف.

4ـ الشرح المفصّل لهذه الحادثة في سورة الأعراف ذيل الآيتين 155 ـ 156.

5ـ مجمع البيان ذيل الآية محلّ البحث.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي