تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (41-45) من سورة العنكبوت
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
2-9-2020
5883
قال تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت : 41 - 45]
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
شبه سبحانه حال الكفار الذين اتخذوا من دونه آلهة بحال العنكبوت فقال {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} أي شبه من اتخذ الأصنام آلهة يريدون نصرها ونفعها وضرها والرجوع إليها عند الحاجة {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} لنفسها لتأوي إليه فكما أن بيت العنكبوت لا يغني عنها شيئا لكونه في غاية الوهن والضعف ولا يجدي نفعا كذلك الأصنام لا تملك لهم خيرا وشرا ونفعا وضرا والولي هو المتولي للنصرة وهو أبلغ من الناصر لأن الناصر قد يكون ناصرا بأن يأمر غيره بالنصرة والولي هو الذي يتولى النصرة بنفسه {وإن أوهن البيوت} أي أضعفها {لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} صحة ما أخبرناهم به ويتحققون ولو متعلقة بقوله {اتخذوا} أي لو علموا أن اتخاذهم الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا سخيفا لم يتخذوهم أولياء ولا يجوز أن تكون متعلقة بقوله {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} لأنهم كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت واه ضعيف .
{إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} هذا وعيد منه سبحانه ومعناه أنه يعلم ما يعبد هؤلاء الكفار وما يتخذونه من دونه أربابا {وهو العزيز} الذي لا يغالب فيما يريده {الحكيم} في جميع أفعاله {وتلك الأمثال} وهي الأشباه والنظائر يعني أمثال القرآن {نضربها للناس} أي نذكرها لهم لندعوهم إلى المعرفة والتوحيد ونعرفهم قبح ما هم فيه من عبادة الأصنام {وما يعقلها إلا العالمون} أي وما يفهمها إلا من يعلم وجه الشبه بين المثل والممثل به وقيل معناه وما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله .
وروي الواحدي بالإسناد عن جابر قال تلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية وقال العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ثم بين سبحانه ما يدل على إلهيته واستحقاقه العبادة فقال {خلق الله السموات والأرض} أي أخرجهما من العدم إلى الوجود ولم يخلقهما عبثا بل خلقهما ليسكنهما خلقه وليستدلوا بهما على إثباته ووحدانيته {بالحق} أي على وجه الحكمة وقيل معناه للحق وإظهار الحق {إن في ذلك لآية للمؤمنين} لأنهم المنتفعون بذلك ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} يعني القرآن أي اقرأه على المكلفين واعمل بما تضمنه {وأقم الصلاة} أي أدها بحدودها في مواقيتها .
{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} في هذا دلالة على أن فعل الصلاة لطف للمكلف في ترك القبيح والمعاصي التي ينكرها العقل والشرع فإن انتهى عن القبيح يكون توفيقا وإلا فقد أتى المكلف من قبل نفسه وقيل إن الصلاة بمنزلة الناهي بالقول إذا قال لا تفعل الفحشاء والمنكر وذلك لأن فيها التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الله تعالى وغير ذلك من صنوف العبادة وكل ذلك يدعو إلى شكله ويصرف عن ضده فيكون مثل الأمر والنهي بالقول وكل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق فهو داع إليه وصارف عن الباطل الذي هو ضده وقيل معناه أن الصلاة تنهي صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها وقيل معناه أنه ينبغي أن تنهاه كقوله ومن دخله كان آمنا وقال ابن عباس في الصلاة منهي ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد من الله إلا بعدا .
وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه وروي أنس بن مالك الجهني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وروي عن ابن مسعود أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ((لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر)) . ومعنى ذلك : أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها فإن تاب من بعد ذلك وترك المعاصي فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له ناهية وإن لم ينته إلا بعد زمان .
وروي أنس : أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ((إن صلاته تنهاه يوما)) وعن جابر قال قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال ((إن صلاته لتردعه)) وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أحب أن يعلم أ قبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه .
{ولذكر الله أكبر} أي ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته عن ابن عباس وسلمان وابن مسعود ومجاهد وقيل معناه ذكر العبد لربه أكبر مما سواه وأفضل من جميع أعماله عن سلمان في رواية أخرى وابن زيد وقتادة وروي ذلك عن أبي الدرداء وعلى هذا فيكون تأويله أن أكبر شيء في النهي عن الفحشاء ذكر العبد ربه وأوامره ونواهيه وما أعده من الثواب والعقاب فإنه أقوى لطف يدعو إلى الطاعة وترك المعصية وهو أكبر من كل لطف وقيل معناه ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة عن أبي مالك وقيل إن ذكر الله هو التسبيح والتقديس والتهليل وهو أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر عن الفراء أي من كان ذاكرا لله فيجب أن ينهاه ذكره عن الفحشاء والمنكر .
وروي عن ثابت البناني قال إن رجلا أعتق أربع رقاب فقال رجل آخر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم دخل المسجد فأتى حبيب بن أوفى السلمي وأصحابه فقال ما تقولون في رجل أعتق أربع رقاب وأني أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأيهما أفضل فنظروا هنيهة فقالوا ما نعلم شيئا أفضل من ذكر الله وعن معاذ بن جبل قال ما عن عمل آدمي عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل وقيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد فإن الله عز وجل يقول {ولذكر الله أكبر} وعنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الأعمال أحب إلى الله قال ((إن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل)) وقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا معاذ إن السابقين الذين يسهرون بذكر الله عز وجل ومن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله عز وجل)) . وروي عن عطا بن السائب عن عبد الله بن ربيعة قال : قال ابن عباس أ رأيت قول الله عز وجل {ولذكر الله أكبر} قال قلت ذكر الله بالقرآن حسن وذكره بالصلاة حسن وبالتسبيح والتكبير والتهليل حسن وأفضل من ذلك أن يذكر الرجل ربه عند المعصية فينحجز عنها فقال ابن عباس لقد قلت قولا عجيبا وما هو كما قلت ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه {والله يعلم ما تصنعون} من خير وشر فيجازيكم بحسبه .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص27-30 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
إذا تمهد هذا عرفنا ان الذين اتخذوا من دون اللَّه أولياءهم عبدة الأوثان ، ومن أعرض عن اللَّه مغترا بمال أو علم وفهم أو سلطان ، ومن بغى وسعى في الأرض فسادا . . وقد شبه سبحانه قوة هؤلاء ببيت العنكبوت الذي يبقى إذا سكنت الرياح ، ولم يعترضه أي عارض ، وإذا هبت الريح أو اعترضه أدنى شيء يصبح هباء لا عين له ولا أثر . . وبكلام آخر ان كل من أعرض عن اللَّه سبحانه معتمدا على وثن أو علم أو مال أو سلطان فهومن الذين اتخذوا من دون اللَّه أولياء ، ومن يتخذ من دون اللَّه وليا فهومن الخاسرين .
وفي كتاب الحيوان للجاحظ (ان ولد العنكبوت يقوم على النسج ساعة يولد ، ومادة نسيجه من الخارج لا من جسده ، وانه لما عرف عجزه عما يقوى عليه الليث احتال بخيوطة على صيد الذباب من أجل قوته) . وعلى كل عاقل أن يسأل نفسه وعقله : من الذي ألهم العنكبوت فن النسج ودله ساعة يولد على المادة التي تصلح لنسجه ؟ وأي مهندس وضع له تصميم هذا البيت على شكل مصيدة للذباب ؟
وهل جاء هذا بالصدفة ؟ وإذا تكررت الصدفة مرتين أو ثلاثا فهل تتكرر في كل عنكبوت ولد ويولد إلى ما لا يبلغه عد ، ولا حصر ؟ تعالى اللَّه عما يقول المفترون . .
كلا ، انه خلق فسوّى ، وقدّر فهدى .
{إِنَّ اللَّهً يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} أي من الأوثان وغيرها مما يعتمدون عليه من دون اللَّه كالمال والسلطان ، والمعنى انه تعالى يعلم حقيقة هذه الأشياء التي يعتزون بها وانها لا تغني عن اللَّه شيئا {وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . عزيز بقدرته ، حكيم بتدبيره .
{وتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ} . تلك إشارة إلى مثل العنكبوت ونظائره ، وأنه تعالى ينبه الناس بها إلى وحدانيته وعظمته ، ولكن لا يفهم هذه الأمثال وغيرها من آيات اللَّه إلا أهل العقول والبصائر .
{خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي على وجه الحكمة والمصلحة ، ولم يخلقها عبثا ولهوا ، والحكمة من خلقها أن تسكنها الخلائق ، وينتفعوا بها ، ويستدلوا بصنعها وعجائبها على وحدانية اللَّه وعظمته {إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} .
ذلك إشارة إلى الإتقان والنظام في خلق السماوات والأرض . . وهذا الإتقان دليل قاطع على وحدانية اللَّه وعظمته عند المنصفين الذين يبتغون الحق ، ويؤمنون به لوجه الحق .
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر :
{اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ} . اقرأ يا محمد هذه الأمثال التي ضربناها للناس في القرآن لعلهم يفقهون ويتقون {وأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ} . وتسأل : ظاهر الآية يدل على أن المصلين ينتهون عن الفحشاء والمنكر ، ولا يفعلون منهما شيئا مع أن أكثرهم فاسقون ، بل إن البعض منهم أسوأ سيرة من بعض الملحدين والمشركين ؟
الجواب : كلا ، ان ظاهر الآية يدل بوضوح على أن الصلاة تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر ، تنهاه بالقول والإرشاد ، ولا دلالة فيها على أن المصلي ينتهي بسببها عن الفحشاء والمنكر ، والفرق بين النهي والانتهاء كبير وواضح . .
وليس من شك ان كل كلمة من كلمات الصلاة وحركة من حركاتها تنهى عن معصية اللَّه ، وتأمر بطاعته ، وبكلمة ان الصلاة كالقرآن تأمر وتنهى تشريعا لا تكوينا . انظر ج 1 ص 72 فقرة : (التشريع والتكوين) .
ولابن عربي في الفتوحات المكية كلمة غامضة ومعقدة حول هذه الآية ، ولكنها دقيقة المعنى ، وتوضيحها ان المصلي يحرم عليه حين الصلاة أن يتفوه بكلمة أو يتحرك بحركة تناقض طبيعة الصلاة وتبطلها ، ولا يحرم عليه ان يقول ويفعل شيئا يتلاءم مع الصلاة وصحتها ، كما لو زاد في التسبيح والتحميد حين الركوع والسجود ، أو تصدق لوجه اللَّه في أثناء الصلاة دون أن يخل بشيء منها ، كما فعل علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حين تصدق بخامته ، وهو راكع . وعلى هذا يكون المراد بالفحشاء والمنكر كل قول أو فعل يبطل الصلاة ، أن أي الصلاة تقول للمصلي : حافظ عليّ ولا تأت بشيء يبطلني ويخرجني عن هويتي وحقيقتي .
{ولَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} . ليس المراد ان ذكر اللَّه أكبر من الصلاة ، لأن الصلاة ذكر اللَّه ، والشيء لا يكون أكبر من نفسه ، وانما المراد ان اللَّه أكبر ذاكر لعباده باللطف والرحمة ، وبكلام أوضح ان اللَّه ذاكر ومذكور ، هو ذاكر لأنه يذكر عباده بلطفه ورحمته ، وهو مذكور لأن عباده يذكرونه بقلوبهم ايمانا وإخلاصا وبألسنتهم تهليلا وتسبيحا ، وبأفعالهم ركوعا وسجودا ، وهو أكبر الذاكرين والمذكورين لأنه رب العالمين {واللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} من خير وشر ، ويجزي كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون .
______________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 110-111 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
تتضمن الآيات تذييلا لقصص أولئك الأمم الماضية الهالكة بمثل ضربه الله سبحانه لاتخاذهم أولياء من دون الله فبين فيه أن بناءهم ذلك أوهن البناء ينادي ببطلانه وفساده خلق السماوات والأرض وأنهم ليس لهم من دونه من ولي كما يذكره هذا الكتاب .
ومن هنا ينتقل إلى أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلاوة هذا الكتاب الذي أوحي إليه وإقامة الصلاة ودعوة أهل الكتاب بقول لين ومجادلة حسناء ويجيب عن اقتراح المشركين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتيهم بآيات غير القرآن وأن يعجلهم بالعذاب الذي ينذرهم به .
قوله تعالى : {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} إلى آخر الآية ، العنكبوت معروف ويطلق على الواحد والجمع ويذكر ويؤنث .
العناية في قوله : {مثل الذين اتخذوا} إلخ ، باتخاذ الأولياء من دون الله ولذا جيء بالموصول والصلة كما أن العناية في قوله : {كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} إلى اتخاذها البيت فيئول المعنى إلى أن صفة المشركين في اتخاذهم من دون الله أولياء كصفة العنكبوت في اتخاذها بيتا له نبأ ، وهو الوصف الذي يدل عليه تنكير {بيتا} .
ويكون قوله : {إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} بيانا لصفة البيت الذي أخذته العنكبوت ولم يقل : إن أوهن البيوت لبيتها كما هو مقتضى الظاهر أخذا للجملة بمنزلة المثل السائر الذي لا يتغير .
والمعنى : أن اتخاذهم من دون الله أولياء وهم آلهتهم الذين يتولونهم ويركنون إليهم كاتخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت إذ ليس له من آثار البيت إلا اسمه لا يدفع حرا ولا بردا ولا يكن شخصا ولا يقي من مكروه كذلك ليس لولاية أوليائهم إلا الاسم فقط لا ينفعون ولا يضرون ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا .
ومورد المثل هو اتخاذ المشركين آلهة من دون الله ، فتبديل الآلهة من الأولياء لكون السبب الداعي لهم إلى اتخاذ الآلهة زعمهم أن لهم ولاية لأمرهم وتدبيرا لشأنهم من جلب الخير إليهم ودفع الشر عنهم والشفاعة في حقهم .
والآية - مضافا إلى إيفاء هذه النكتة - تشمل بإطلاقها كل من اتخذ في أمر من الأمور وشأن من الشئون وليا من دون الله يركن إليه ويراه مستقلا في أثره الذي يرجوه منه وإن لم يعد من الأصنام إلا أن يرجع ولايته إلى ولاية الله كولاية الرسول والأئمة والمؤمنين كما قال تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف : 106] .
وقوله : {لو كانوا يعلمون} أي لو كانوا يعلمون أن مثلهم كمثل العنكبوت ما اتخذوهم أولياء .
كذا قيل .
قوله تعالى : {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم} يمكن أن يكون {ما} في {ما يدعون} موصولة أو نافية أو استفهامية أو مصدرية و{من} في {من شيء} على الاحتمال الثاني زائدة للتأكيد وعلى الباقي للتبيين وأرجح الاحتمالات الأولان وأرجحهما أولهما .
والمعنى : على الثاني أن الله يعلم أنهم ليسوا يدعون من دونه شيئا أي إن الذي يعبدونه من الآلهة لا حقيقة له فيكون كما قال صاحب الكشاف توكيدا للمثل وزيادة عليه حيث لم يجعل ما يدعونه شيئا .
والمعنى : على الأول أن الله يعلم الشيء الذي يدعون من دونه ولا يجهل ذلك فيكون كناية عن أن المثل الذي ضربه في محله ، وليس لأوليائهم من الولاية إلا اسمها .
ويؤكد هذا المعنى الاسمان الكريمان : العزيز الحكيم في آخر الآية فهو تعالى العزيز الذي لا يغلبه شيء فلا يشاركه في تدبير ملكه أحد كما لا يشاركه في الخلق والإيجاد أحد ، الحكيم الذي يأتي بالمتقن من الفعل والتدبير فلا يفوض تدبير خلقه إلى أحد ، وهذا كالتمهيد لما سيبين في قوله : {خلق الله السماوات والأرض بالحق} .
قوله تعالى : {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} يشير إلى أن الأمثال المضروبة في القرآن على أنها عامة تقرع أسماع عامة الناس ، لكن الإشراف على حقيقة معانيها ولب مقاصدها خاصة لأهل العلم ممن يعقل حقائق الأمور ولا ينجمد على ظواهرها .
والدليل على هذا المعنى قوله : {وما يعقلها} دون أن يقول : وما يؤمن بها أو ما في معناه .
فالأمثال المضروبة في كلامه تعالى يختلف الناس في تلقيها باختلاف أفهامهم فمن سامع لا حظ له منها إلا تلقي ألفاظها وتصور مفاهيمها الساذجة من غير تعمق فيها وسبر لأغوارها ، ومن سامع يتلقى بسمعه ما يسمعه هؤلاء ثم يغور في مقاصدها العميقة ويعقل حقائقها الأنيقة .
وفيه تنبيه على أن تمثيل اتخاذهم أولياء من دون الله باتخاذ العنكبوت بيتا هو أوهن البيوت ليس مجرد تمثيل شعري ودعوى خالية من البينة بل متك على حجة برهانية وحقيقة حقة ثابتة وهي التي تشير إليه الآية التالية .
قوله تعالى : {خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين} المراد بكون خلق السماوات والأرض بالحق نفي اللعب في خلقها ، كما قال تعالى : {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان : 38 ، 39] .
فخلق السماوات والأرض على نظام ثابت لا يتغير وسنة إلهية جارية لا تختلف ولا تتخلف ، والخلق والتدبير لا يختلفان حقيقة ولا ينفك أحدهما عن الآخر ، وإذ كان الخلق والصنع ينتهي إليه تعالى انتهاء ضروريا ولا محيص فالتدبير أيضا له ولا محيص وما من شيء غيره تعالى إلا وهو مخلوقة القائم به المملوك له لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ومن المحال قيامه بشيء من تدبير أمر نفسه أو غيره بحيث يستقل به مستغنيا في أمره عنه تعالى هذا هو الحق الذي لا لعب فيه والجد الذي لا هزل فيه .
فلما تولى بعض خلقه أمر بعض لم يكن ذلك منه ولاية حق لكونه لا يملك شيئا بحقيقة معنى الملك بل كان ذلك منه جاريا على اللعب وتفويضه تعالى أمر التدبير إليه لعبا منه تعالى وتقدس إذ ليس إلا فرضا لا حقيقة له ووهما لا واقع له وهو معنى اللعب .
ومنه يظهر أن ولاية من يدعون ولايته ليس لها إلا اسم الولاية من غير مسمى كما أن بيت العنكبوت كذلك .
وقوله : {إن في ذلك لآية للمؤمنين} تخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الآية لهم ولغيرهم لكون المنتفعين بها هم المؤمنون دون غيرهم .
قوله تعالى : {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} إلخ ، لما ذكر إجمال قصص الأمم وما انتهى إليه شركهم وارتكابهم الفحشاء والمنكر من الشقاء اللازم والخسران الدائم انتقل من ذلك - مستأنفا للكلام - إلى أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلاوة ما أوحي إليه من الكتاب لكونه خير رادع عن الشرك وارتكاب الفحشاء والمنكر بما فيه من الآيات البينات التي تتضمن حججا نيرة على الحق وتشتمل على القصص والعبر والمواعظ والتبشير والإنذار والوعد والوعيد يرتدع بتلاوة آياته تاليه ومن سمعه .
وشفعه بالأمر بإقامة الصلاة التي هي خير العمل وعلل ذلك بقوله : {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والسياق يشهد أن المراد بهذا النهي ردع طبيعة العمل عن الفحشاء والمنكر بنحو الاقتضاء دون العلية التامة .
فلطبيعة هذا التوجه العبادي - إذ أتى به العبد وهو يكرره كل يوم خمس مرات ويداوم عليه وخاصة إذا زاول عليه في مجتمع صالح يؤتى فيه بمثل ما أتى به ويهتم فيه بما اهتم - به أن يردعه عن كل معصية كبيرة يستشنعه الذوق الديني كقتل النفس عدوانا وأكل مال اليتيم ظلما والزنا واللواط ، وعن كل ما ينكره الطبع السليم والفطرة المستقيمة ردعا جامعا بين التلقين والعمل .
وذلك أنه يلقنه أولا بما فيه من الذكر الإيمان بوحدانيته تعالى والرسالة وجزاء يوم الجزاء وأن يخاطب ربه بإخلاص العبادة والاستعانة به وسؤال الهداية إلى صراطه المستقيم متعوذا من غضبه ومن الضلال ، ويحمله ثانيا على أن يتوجه بروحه وبدنه إلى ساحة العظمة والكبرياء ويذكر ربه بحمده والثناء عليه وتسبيحه وتكبيره ثم السلام على نفسه وأترابه وجميع الصالحين من عباد الله .
مضافا إلى حمله إياه على التطهر من الحدث والخبث في بدنه والطهارة في لباسه والتحرز عن الغصب في لباسه ومكانه واستقبال بيت ربه فالإنسان لو داوم على صلاته مدة يسيرة واستعمل في إقامتها بعض الصدق أثبت ذلك في نفسه ملكة الارتداع عن الفحشاء والمنكر البتة ، ولو أنك وكلت على نفسك من يربيها تربية صالحة تصلح بها لهذا الشأن وتتحلى بأدب العبودية لم يأمرك بأزيد مما تأمرك به الصلاة ولا روضك بأزيد مما تروضك به .
وقد استشكل على الآية بأنا كثيرا ما نجد من المصلين من لا يبالي ارتكاب الكبائر ولا يرتدع عن المنكرات فلا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر .
ولذلك ذكر بعضهم أن الصلاة في الآية بمعنى الدعاء والمراد الدعوة إلى أمر الله والمعنى : أقم الدعوة إلى أمر الله فإن ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر .
وفيه أنه صرف الكلام عن ظاهره .
وذكر آخرون أن الصلاة في الآية في معنى النكرة والمعنى أن بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو كذلك وليس المراد الاستغراق حتى يرد الإشكال .
وذكر قوم أن المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلي في صلاته كأنه قيل : إن المصلي ما دام مصليا في شغل من معصية الله بإتيان الفحشاء والمنكر .
وقال بعضهم : إن الآية على ظاهرها والصلاة بمنزلة من ينهى ويقول : لا تفعل كذا ولا تقترف كذا لكن النهي لا يستوجب الانتهاء فليس نهي الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل : 90] ، ونهيه تعالى لا يستوجب الانتهاء وليس الإشكال إلا مبنيا على توهم استلزام النهي للانتهاء وهو توهم باطل .
وعن بعضهم في دفع الإشكال أن الصلاة تقام لذكر الله كما قال تعالى : {أقم الصلاة لذكري} ومن كان ذاكرا لله تعالى منعه ذلك عن الإتيان بما يكرهه وكل من تراه يصلي ويأتي بالفحشاء والمنكر فهو بحيث لولم يصل لكان أشد إتيانا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره .
وأنت خبير بأن شيئا من هذه الأجوبة لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية فإن الذي يعطيه السياق أن الأمر بإقامة الصلاة إنما علل بقوله : {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ليفيد أن الصلاة عمل عبادي يورث إقامته صفة روحية في الإنسان تكون رادعة له عن الفحشاء والمنكر فتتنزه النفس عن الفحشاء والمنكر وتتطهر عن قذارة الذنوب والآثام .
فالمراد به التوسل إلى ملكة الارتداع التي هي من آثار طبيعة الصلاة بنحو الاقتضاء لا أنها أثر بعض أفراد طبيعة الصلاة كما في الجواب الثاني ، ولا أنها أثر الاشتغال بالصلاة ما دام مشتغلا بها كما في الجواب الثالث ، ولا أن المراد هو التوسل إلى تلقي نهي الصلاة فحسب من غير نظر إلى الانتهاء عن نهيها كأنه قيل أقم الصلاة لتسمع نهيها كما في الجواب الرابع ، ولا أن المراد أقم الصلاة لينهاك الذكر الذي تشتمل عليه عن الفحشاء والمنكر كما في الجواب الخامس .
فالحق في الجواب أن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي إلى الله سبحانه وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر فكلما قوي الذكر وكمل الحضور والخشوع وتمحض الإخلاص زاد أثر الردع عن الفحشاء والمنكر وكلما ضعف ضعف الأثر .
وأنت إذا تأملت حال بعض من تسمى بالإسلام من الناس وهو تارك الصلاة وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء ثم إذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف ، وجدته مرتدعا عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به ثم إذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعا منه وعلى هذا القياس .
وقوله : {ولذكر الله أكبر} قال الراغب في المفردات : ، الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه والذكر يقال اعتبارا باستحضاره .
وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول ولذلك قيل : الذكر ذكران ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ ، وكل قول يقال له ذكر . انتهى .
والظاهر أن الأصل في معناه هو المعنى الأول وتسمية اللفظ ذكرا إنما هو لاشتماله على المعنى القلبي والذكر القلبي بالنسبة إلى اللفظي كالأثر المترتب على سببه والغاية المقصودة من الفعل .
والصلاة تسمى ذكرا لاشتمالها على الأذكار القولية من تهليل وتحميد وتنزيه وهي باعتبار آخر مصداق من مصاديق الذكر لأنها بمجموعها ممثل لعبودية العبد لله سبحانه كما قال : {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة : 9] ، وهي باعتبار آخر أمر يترتب عليه الذكر ترتب الغاية على ذي الغاية يشير إليه قوله تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه : 14] .
والذكر الذي هو غاية مترتبة على الصلاة أعني الذكر القلبي بمعنى استحضار المذكور في ظرف الإدراك بعد غيبته نسيانا أو إدامة استحضاره ، أفضل عمل يتصور صدوره عن الإنسان وأعلاه كعبا وأعظمه قدرا وأثرا فإنه السعادة الأخيرة التي هيئت للإنسان ومفتاح كل خير .
ثم إن الظاهر من سياق قوله : {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} إن قوله : {ولذكر الله أكبر} متصل به مبين لأثر آخر للصلاة وهو أكبر مما بين قبله ، فيقع قوله : {ولذكر الله أكبر} موقع الإضراب والترقي ويكون المراد الذكر القلبي الذي يترتب على الصلاة ترتب الغاية على ذي الغاية فكأنه قيل : أقم الصلاة لتردعك عن الفحشاء والمنكر بل الذي تفيده من ذكر الله الحاصل بها أكبر من ذلك أي من النهي عن الفحشاء والمنكر لأنه أعظم ما يناله الإنسان من الخير وهو مفتاح كل خير والنهي عن الفحشاء والمنكر بعض الخير .
ومن المحتمل أن يراد بالذكر ما تشتمل عليه الصلاة من الذكر أو نفس الصلاة .
والجملة أيضا واقعة موقع الإضراب ، والمعنى : بل الذي تشتمل عليه الصلاة من ذكر الله أو نفس الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من هذا الأثر الذي هو النهي عن الفحشاء والمنكر لأن النهي أثر من آثارها الحسنة و{ذكر الله} على الاحتمالين جميعا من المصدر المضاف إلى مفعوله والمفضل عليه لقوله : {أكبر} هو النهي عن الفحشاء والمنكر .
ولهم في معنى الذكر وكون المضاف إليه فاعلا أو مفعولا للمصدر وكون المفضل عليه خاصا أو عاما أقوال أخر .
فقيل : معنى الآية : ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله تعالى وذلك أن الله تعالى يذكر من ذكره لقوله : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة : 152] ، وقيل : المعنى : ذكر الله تعالى العبد أكبر من الصلاة ، وقيل : المعنى : لذكر الله العبد أكبر من كل شيء .
وقيل : المعنى : لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من سائر أركان الصلاة ، وقيل : المعنى : لذكر العبد لله في الصلاة أكبر من ذكره خارج الصلاة ، وقيل : المعنى : لذكر العبد لله أكبر من سائر أعماله ، وقيل : المعنى : للصلاة أكبر من سائر الطاعات وقيل : المعنى : لذكر العبد لله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما أكبر من زجر الصلاة وردعها ، وقيل : إن قوله : {أكبر} معرى من معنى التفضيل لا يحتاج إلى مفضل عليه كقوله : {ما عند الله خير من اللهو} .
فهذه أقوال لهم متفرقة أغمضنا عن البحث عما فيها إيثارا للاختصار ، والتدبر في الآية يكفي مئونة البحث على أن التحكم في بعضها ظاهر لا يخفى .
وقوله : {والله يعلم ما تصنعون} أي ما تفعلونه من خير أوشر فعليكم أن تراقبوه ولا تغفلوا عنه ففيه حث وتحريض على المراقبة وخاصة على القول الأول .
___________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص105-112 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
دعامة واهية كبيت العنكبوت :
بيّنت الآيات السابقة ما آل إليه المشركون والمفسدون الظلمة والأنانيون من مصير وخيم وعاقبة سوداء وعذاب أليم . . . وبهذه المناسبة ، ففي الآيات التي بين أيدينا ، يبيّن القرآن الكريم مثالا بليغاً ومؤثراً يعبدون غير الله ويتخذون من دونه أولياء! وكلما أمعنا النظر في هذا المثال وفكرنا فيه مليّاً انقدحت في أذهاننا منه لطائف دقيقة ، يقول تعالى : {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتّخذت بيتاً وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} .
كم هو بديع هذا المثال وطريف ، وكم هو بليغ ودقيق هذا التشبيه ! .
تأمّلوا بدقّة . . . إنّ كل حيوان ـ وكل حشرة ـ له بيت أو وكر وما أشبه ذلك ، لكن ليس في هذه البيوت بيت أوهن من بيت العنكبوت! فكل بيت ـ عادةً ـ يحتوي على سقف وباب وجدار ، وهو يحفظ صاحبه من الحوادث ، ويكون مكاناً أميناً لإيداع الأطعمة والأشياء الأُخرى وحفظها . . . فبعض البيوت لا سقف لها إلاّ أنّها على الأقل لها جدار ، كما أنّ هناك بيوتاً لا جدار لها إلاّ أن لها سقفاً .
لكن بيت العنكبوت المنسوج من خيوط دقيقة واهية ، ليس له سقف ولا جدار ولا ساحة ولا باحة ولا باب ، هذا من جانب . . . ومن جانب آخر فإنّ مواد بنائه واهية جدّاً وسرعان ما تتلاشى إزاء أية حادثة بسيطة ، فهي لا تقدر على المقاومة .
فلوهبّ نسيم عليل لتمزق هذا النسيج .
ولو سقطت عليه قطرات المطر لتلاشى وتلف .
ولو لامسته شعلة خفيفة لاحرقته .
وحتى لوتراكم عليه الغبار لتركه اشلاء ممزقة معلقة .
فآلهة هؤلاء الجماعة ومعبوداتهم «الكاذبة» كمثل هذا البيت لا تنفع ولا تضر ولا تحلّ مشكلة ، ولا تكون ملجأ لأحد في المحنة والشدّة ! .
صحيح . . إن هذا البيت للعنكبوت ـ مع ما لها من أرجل طويلة ـ هو محل استراحتها ، وشركٌ لاصطياد الحشرات والحصول على الغذاء إلاّ أن هذا البيت ـ بالقياس إلى البيوت الأُخرى للحيوانات والحشرات ـ في منتهى الوهن والإنهيار! .
فمن يعتمد على غير الله ويتخذ من دونه ولياً ، فقد اعتمد على بيت العنكبوت !! .
والذين اختاروا سوى الله ، اعتمدوا على بيوت العناكب ، كعرش فرعون وتاجه ، والأموال المتراكمة عند قارون ، وقصور الملوك وخزائنهم ، جميع هذه الأمور المذكورة كمثل بيت العنكبوت ! .
فهي لا تدوم ، ولا يمكن الإعتماد عليها ، ولا أساس لها حتى تكون راسخة أمام طوفان الحوادث .
والتاريخ يدل على أنّه لا يمكن الإعتماد على أيّ من هذه الأُمور حقّاً .
أمّا الذين اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه ، فقد اعتمدوا على سدّ حصين منيع .
والجدير بالذكر ، أنّ بيت العنكبوت ونسيج خيوطه المضروب به المثل ، هونفسه من عجائب الخلق ، والتدقيق فيه يعرف الإنسان على عظمة الخالق أكثر . ،
فخيوط العنكبوت «مصنوعة» ومنسوجة من مائع لزج ، هذا المائع مستقر في حفر دقيقة وصغيرة كرأس الإبرة تحت بطن العنكبوت ، ولهذا المائع خصوصية أو تركيب خاص هو أنّه متى ما لامس الهواء جهد وتصلّب .
والعنكبوت تخرج هذا المائع بواسطة آليات خاصة وتصنع خيوطها منه .
يقال : إن كلّ عنكبوت يمكن لها أن تصنع من هذا المائع القليل جدّاً ما مقداره خمسمائة متر من خيطها المفتول!
وقال بعضهم : إنّ الوهن في هذه الخيوط منشؤه دقتها القصوى ، ولولا هذه الدقة فإنها أقوى من الفولاذ «لوقدر أن تفتل بحجم الخيط الفولاذي» .
العجيب أنّ هذه الخيط تنسج أحياناً من أربع جدائل كل جديلة هي أيضاً منسوجة أو مصنوعة من ألف جديلة! وكل جديلة تخرج من ثقب صغير جدّاً في بدن العنكبوت ، ففكروا الآن في هذه الخيوط التي تتكون منها هذه الجديلة كم هي ناعمة ودقيقة وظريفة ؟!
وإضافةً إلى العجائب الكامنة في بناء بيت العنكبوت ونسجه ، فإنّ شكل بنائه وهندسته طريف أيضاً ، فلو دققنا النظر في بيوت العنكبوت لرأينا منظراً طريفاً مثل الشمس وأشعتها مستقرةً على قواعد هذا «البناء النسيجي» ، وبالطبع فإن هذا البيت مناسب للعنكبوت وكاف ، ولكنّه في المجموع لا يمكن تصور بيت أوهن منه ، وهكذا بالنسبة إلى آلهة الضالين ومعبوديهم ، إذ تركوا عبادة الله والتجأوا إلى الأصنام والأحجار والأوثان !! .
ومع الإلتفات إلى أن العناكب ليست نوعاً واحداً ، بل ـ كما يدعي بعض العلماء ـ عرف منها حتى الآن عشرون ألف نوع ، وكل نوع له خصوصياته التي تبين عظمة الخالق وقدرته في خلق هذا الموجود الصغير بوضوح وجلاء .
التعبير بـ«الاولياء» جمع ولي مكان التعبير بالأصنام ، ربّما كان إشارة ضمنية إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّه ليس الحكم مختصاً بالأصنام والآلهة المزعومة ، بل حتى الأئمة والقادة الارضيين مشمولون بهذا الحكم أيضاً .
وجملة {لو كانوا يعلمون} تتعلق بالأصنام والمعبودين من دون الله ولا ترتبط بوهن بيت العنكبوت . . . لأنّ وهن بيت العنكبوت معلوم عند الجميع ، فعلى هذا يكون مفهوم الجملة كالتالي : لو كانوا يعلمون وهن المعبودين من دون الله وما ركنوا إليه من دونه واختاروه ، لعلموا أنّهم في الوهن والضعف كما هي الحال في بيت العنكبوت من الوهن ! .
أمّا الآية التالية ففيها تهديد لهؤلاء المشركين الغفلة الجهلة . . إذ تقول : {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء !} ولا يخفى على الله شركهم الظاهر ولا شركهم الخفي {وهو العزيز الحكيم} على الإطلاق !
وإذا أمهلهم ، فليس بسبب العجز والضعف ، أو عدم العلم ، أو أن قدرته محدودة ، بل كل ذلك من حكمته التي توجب أن يمنحوا الفرصة الكافية لتتم الحجة البالغة لله عليهم ، فيهتدي من هو جدير بالهدى ! .
قال بعض المفسّرين : إن هذه الجملة إشارة إلى حجج المشركين وإلى ادّعائهم أنّهم في عبادتهم للأصنام لا يريدون بها الأصنام ذاتها ، بل إنّ الأصنام عندهم مظهر ورمز للنجوم السماوية والأنبياء والملائكة ، فهم ـ كما يزعمون ـ يسجدون لأُولئك لا للأصنام وخيرهم وشرهم ونفعهم وضررهم بيدها أيضاً .
فالقرآن يبيّن أن الله يعلم الأشياء التي تدعونها ـ كائناً من كان ، وأي شيء كان ـ فكل أُولئك المعبودين إزاء قدرته كمثل بيت العنكبوت ، ولا يملكون لأنفسهم شيئاً كي يعطوه لكم .
والآية الثّالثة ـ من الآيات محل البحث ـ لعلها تشير إلى ما استشكله أعداء الإسلام على النّبي(صلى الله عليه وآله) في هذه الأمثلة التي ضربها الله ، وكانوا يقولون : الله الذي خلق السماوات والأرض كيف يضرب الأمثال بالعنكبوت والذباب والحشرات وما شاكلها ؟
فيردّ القرآن بقوله : {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلاّ العالمون} .
إنّ أهميّة المثال وظرافته لا تكمن في كبره وصغره ، بل تظهر أهميته في انطباق المثال على المقصود ، فقد يكون صغر الشيء الممثل به أكبر نقطة في قوته .
قالوا في ضرب الأمثال : ينبغي عند الكلام عن الأشياء الضعيفة والتي فيها وهن أن يمثل لها في ما لو اعتمد عليها ببيت العنكبوت ، فهو أحسن شيء ينتخب لهذا الوهن وعدم الثبات ، فهذا المثال هو الفصاحة بعينها والبلاغة ذاتها ، ولذا قيل : إنّه لايعلم دقائق أمثلة القرآن ولا يدركها إلاّ العلماء ! .
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يضيف القرآن الكريم : {خلق الله السماوات والأرض بالحقّ إن في ذلك لآية للمؤمنين} . ليس في عمل الله باطل أو عبث . . . فإذا التشبيه بالعنكبوت وبيته الخاوي هو أمر محسوب بدقّة . وإذا ما اختار موجوداً صغيراً للتمثيل به فهو لبيان الحقّ ، وإلاّ فهو خالق أعظم المجرّات والمنظومات الشمسيّة وغيرها .
ومن الطريف ـ هنا ـ أن نهاية هذه الآيات تنتهي بالعلم والإيمان ، ففي مكان يقول القرآن : {لو كانوا يعلمون} وفي مكان آخر يقول : {وما يعقلها إلاّ العالمون} وفي الآية التي نحن في صددها يقول : {إن في ذلك لآية للمؤمنين} .
وهي إشارة إلى أن وجه الحق مشرق جلي دائماً ولكنّه يثمر في الموارد المستعدة . . . في قلب مطّلع باحث ، وعقل يقظ مذعن للحق . . . وإذا كان هؤلاء الذين عميت قلوبهم لا يرون جمال الحق ، فليس ذلك لخفائه ، بل لعماهم ! وضلالهم ! .
وقوله تعالى : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت : 45]
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر :
بعد الفراغ من بيان أقسام مختلفة من قصص الأُمم السابقة وأنبيائهم العظام وما عاملهم به قومهم من معاملة سيئة مذمومة ، وبيان نهاية هؤلاء الظالمين الاليمة ، يتوجه الخطاب ـ على سبيل تسلية الخاطر ، وتقوية الروحية ، وإراءة الخط الكلّي أو الخطوط العامة ـ للنبيّ(صلى الله عليه وآله) ويأمره بما ينبغي عليه أن يفعل .
فيبدأ أوّلا بقوله : {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} . . . أي اقرأ هذه الآيات فسوف تجد فيها ما تبتغيه وتطلبه من العلم والحكمة والنصح ، ومعيار معرفة الحق من الباطل ، وسبل تنوير القلب والروح ، ومسير حركة كل طائفة ، أو مجموعة واتجاهها ! .
اقرأ . . وامض على نهجها في حياتك ، اقرأها واستلهم منها . . . اقرأها ونوّر قلبك بتلاوتها .
وبعد بيان هذا الأمر الذي يحمل ـ في الحقيقة ـ طابعاً تعليمياً ، يأتي الأمر الثّاني الذي هو محور أصيل للتربية فيقول تعالى : {وأقم الصلاة} .
ثمّ يبيّن فلسفة الصلاة الكبرى فيقول : {إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (2) .
طبيعة الصلاة ـ حيث أنّها تذكر بأقوى رادع للنفس ، وهو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ـ فإنّها تردع عن الفحشاء والمنكر ، فالإنسان الذي يقف للصلاة ، ويكبّر ، يرى الله أعلى من كل شيء وأسمى من كل شيء ، ويتذكر نعمه فيحمده ويشكره ، ويثني عليه وينعته بأنّه رحمان رحيم ، ويذكر يوم الجزاء «يوم الدين» ويعترف بالعبودية له ، ويطلب منه العون ، ويستهديه الصراط المستقيم ، ويتعوذ به من طريق المغضوب عليهم ، ويلتجىء إليه (مضمون سورة الحمد) .
فلا شك أنّ قلب مثل هذا الإنسان وروحه سوف تدبّ فيها حركة نحو الحقّ ، واندفاع نحو الطهارة ، ونهوض نحو التقوى .
يركع لله . . ويضع جبهته على الأرض ساجداً لحضرته ، ويغرق في عظمته ، وينسى أنانيته وذاتيّاته جميعاً .
ويشهد بوحدانيته وبرسالة النّبي (صلى الله عليه وآله) .
ويصلي ويسلم على نبيّه ، ويرفع يديه متضرعاً بالدعاء ليجعله في زمرة عباده الصالحين .
جميع هذه الأُمور تمنح وجوده موجاً من المعنوية ، وتكون سداً منيعاً بوجه الذنوب .
ويتكرر هذا العمل عدة مرّات «ليل نهار» فحين ينهض صباحاً يقف بين يدي ربّه وخالقه ليناجيه . .
وعند منتصف النهار وبينما هو غارق في حياته المادية يفاجأ بصوت تكبير المؤذن ، فيقطع عمله ويسرع إلى حضرته ، بل في آخر النهار بداية الليل أيضاً وقبل أن يدلف إلى فراش الدعة والراحة ، يدعوه ويطلب منه حاجته ، ويجعل قلبه مركز أنواره .
وبغض النظر عن كل ما تقدم فإنّ الإنسان حين يتهيأ لمقدمات الصلاة ، يطهّر بدنه ويبعد عنه مسائل الحرام والغصب ، ويتجه إلى الحبيب ، فكلّ هذه الأُمور لها تأثير رادع لنوازع الفحشاء والمنكر .
غاية ما في الأمر أنّ كل صلاة ـ بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها ـ أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر ، فتارة تنهى نهياً كليّاً وأُخرى جزئياً . . ومحدوداً .
ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثراً حتى لو كانت الصلاة صورية ، وحتى لوكان ملوّثاً بالذنب ! وبالطبع فإنّ مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لولم يصلّوا صلاةً كهذه لكانوا أسوأ ممّا هم عليه .
ولنوضّح أكثر فنقول : النهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة ، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات .
وممّا بيّناه آنفاً يتّضح أن تخبط بعض المفسّرين في تفسير هذه الآية ، وانتخاب تفسيرات غير مناسبة لا وجه له ! وربّما فسّروها بتفسير غير مناسب ، لأنّهم رأوا بعض الناس يصلون ويرتكبون الذنوب ، ففسّروا الآية في معناها المطلق دون سلسلة المراتب ، وأخذوا يشكّون ويترددون ، فاختاروا طرقاً أُخرى في تفسير الآية .
فمنها ما قاله بعضهم : من أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام الإنسان مشغولا بها . وهذا كلام عجيب ، إذ لا تتميز الصلاة بهذا وحدها ، فكثير من الأعمال على هذه الشاكلة .
وقال بعضهم : إنّ أعمال الصلاة وأذكارها بمثابة عبارات وجمل ، كل جملة تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر ، فمثلا كل من التكبير والتهليل والتسبيح . . كلٌّ منها يقول للإنسان : لا تذنب ولكن هل أنّ هذا الإنسان يصغي لهذا النهي أم لا . . . فهذا أمر آخر .
ولكن من ذهب الى هذا التّفسير ، غفل عن هذه الحقيقة ، وهي أن النهي هنا ليس نهياً تشريعياً فحسب ، بل هو نهي تكويني ، فظاهر الآية أنّ الصلاة لها أثر ناه ، والتّفسير الأصيل هوما قدمناه ذكره وبيانه آنفاً .
وبالطبع فلا مانع من القول أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر نهياً تكوينياً ونهياً تشريعياً أيضاً .
«أحاديث» ينبغي الإلتفاتُ إليها
1 ـ في حديث عن ا لنّبي الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) ورد أنّه قال : «من لم تنهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاّ بُعداً» . (3)
2 ـ وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً : «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر» (4) .
3 ـ كما نقرأ في حديث ثالث عنه(صلى الله عليه وآله) أنّ شاباً من الأنصار أدّى الصلاة معه ، ولكنّه كان ملوثاً بالذنوب القبيحة ، فأخبروا النّبي(صلى الله عليه وآله) فقال : «إن صلاته تنهاه يوماً» (5) .
4 ـ هذا الأثر للصلاة له أهمية قصوى إلى درجة أنّنا نجده في الرّوايات الإسلامية معياراً لقبول الصلاة وعدمها ، إذ ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال : «من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟! فبقدر ما منعته قبلت منه !» (6) .
ويقول القرآن تعقيباً على ما ذكره ومن شأن الصلاة {ولذكرُ الله أكبر} .
وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة أُخرى في الصلاة ، أي أن أثراً آخر من آثار الصلاة وبركاتها أهم من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر هو تذكير الإنسان بربّه ، هذا الذكر هو أساس السعادة والخير ، بل العامل الأصلي للنهي عن الفحشاء والمنكر أيضاً هو ذكر الله ، وكونه أكبر لأنّه العلّة والأساس للصلاة ! .
وأساساً . . . فإنّ ذكر الله فيه حياة القلوب ودعتها ، ولا شيء يبلغ مبلغه {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد : 28] .
ولا ريب أنّ روح العبادة بجميع أقسامها ـ صلاة كانت أم غيرها ـ هو ذكر الله ، فأذكار الصلاة ، وأفعالها ومقدماتها ، جميعها في الواقع تحيي ذكر الله في قلب الإنسان .!
وممّا يلفت النظر أن في الآية (14) من سورة طه إشارة إلى هذه الحكمة الأساسية من الصلاة ، إذ نلاحظ فيها الخطاب لموسى قائلا : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه : 14] .
إلاّ أنّ المفسّرين الكبار ذكروا للجملة المتقدمة تفسيرات أُخرى ، وقد ورد في الرّوايات الإسلامية إشارة إليها أيضاً . . . من ضمنها : إنّ المراد من الجملة المتقدمة ، أن ذكر الله لكم برحمته أكبر من ذكركم لله بطاعته (7) .
ومنها : إنّ ذكر الله أكبر من الصلاة وأعلى ، لأنّ روح كل عبادة «ذكر الله» .
وهذا التّفاسير التي ورد بعضها في الرّوايات الإسلامية ، ربّما كانت إشارة إلى بطون الآية ، وإلاّ فإنّ ظاهرها منسجم مع المعنى الأوّل ، لأنّه في أغلب الموارد التي يرد التعبير فيها بـ «ذكر الله» أو «ذكروا الله» أو «اُذكروا اللّه» . . . الخ ، يقصد بها ذكر الناس لله !
والآية المذكورة آنفاً ، يتداعى لها هذا المعنى ، إلاّ أنّ ذكر الله لعباده يمكن أن يكون نتيجة مباشرة لذكر العباد لله ، وبهذا يرتفع التضاد بين المعنيين .
في حديث عن معاذ بن جبل أنّه قال : لا شيء من أعمال ابن آدم لنجاته من عذاب الله أكبر من ذكر الله ، فسألوه : حتى الجهاد في سبيل الله؟! فقال : أجل ، فالله يقول : {ولذكر الله أكبر} .
والظاهر أنّ «معاذ بن جبل» سمع هذا الكلام من رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لأنّه نفسه ينقل إنّه سأل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أيّ الأعمال أفضل؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله» .
وحيث أنّ نيّات الناس ، وميزان حضور القلب منهم في الصلاة وسائر العبادات ، كل ذلك متفاوت جدّاً ، فإنّ الآية تختتم بالقول : {والله يعلم ما تصنعون} .
أي يعلم ما تصنعون من أعمال في الخفاء أو العلن ، والنيّات التي في قلوبكم أو الكلمات التي تجري على ألسنتكم! .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص60-69 .
2 ـ بيّنا الفرق بين الفحشاء والمنكر في تفسير الآية (90) من سورة النحل في عبارة موجزة ، وقلنا : إنّه يمكن التفريق بينهما بأن الفحشاء هي إشارة للذنوب الكبيرة الخفية ، وأمّا المنكر فهو الذنوب الكبيرة الظاهرة ، أو أن الفحشاء هي الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية ، والمنكر من أثر القوى الغضبية .
3 ـ مجمع البيان ذيل الآية مح البحث «والحديث الثّاني يشعر بالنهي التشريعي» .
4 ـ المصدر السابق .
5 ـ المصدر السابق .
6 ـ المصدر السابق .
7 ـ على ضوء هذا التّفسير يكون لفظ الجلالة «الله» فاعلا في المعنى ، وعلى التّفسير السابق يكون مفعولا .