تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (171-182) من سورة الصافات
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
1-9-2020
3214
قال تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات : 171 - 182] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
أقسم سبحانه فقال {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} أي سبق الوعد منا لعبادنا الذين بعثناهم إلى الخلق {إنهم لهم المنصورون} في الدنيا والآخرة على الأعداء بالقهر والغلبة وبالحجج الظاهرة وقيل معناه سبقت كلمتنا لهم بالسعادة ثم ابتدأ فقال {إنهم} أي إن المرسلين {لهم المنصورون} واللام للتأكيد وهم فصل وقيل عنى بالكلمة قوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي الآية وسميت جملة من الكلام بأنها كلمة لانعقاد بعض معانيه ببعض حتى صار خبرا واحدا وقصة واحدة كالشيء الواحد قال الحسن المراد بالآية نصرتهم في الحرب فإنه لم يقتل نبي من الأنبياء قط في الحرب وإنما قتل من قتل منهم غيلة أو على وجه آخر في غير الحرب وإن مات نبي قبل النصرة أو قتل فقد أجرى الله تعالى العادة بأن ينصر قومه من بعده فيكون في نصرة قومه نصرة له فقد تحقق قوله {إنهم لهم المنصورون} وقال السدي المراد بالآية النصر بالحجة .
{وإن جندنا لهم الغالبون} أضاف المؤمنين إلى نفسه ووصفهم بأنهم جنده تشريفا وتنويها بذكرهم حيث قاموا بنصرة دينه وقيل معناه إن رسلنا هم المنصورون لأنهم جندنا وإن جندنا هم الغالبون يقهرون الكفار بالحجة تارة وبالفعل أخرى ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {فتول عنهم} أي أعرض عن هؤلاء الكفار {حتى حين} أي إلى وقت نأمرك فيه بقتالهم يعني يوم بدر عن مجاهد والسدي وقيل إلى يوم الموت عن ابن عباس وقتادة وقيل إلى يوم القيامة وقيل إلى انقضاء مدة الإمهال {وأبصرهم فسوف يبصرون} أي أنظرهم وأبصر ما ضيعوا من أمر الله فسوف يرون العذاب عن ابن زيد وقيل وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون وقيل وأبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة معاينة وفي هذا إخبار بالغيب لأنه وعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنصر والظفر فوافق المخبر الخبر وكأنهم قالوا متى هذا العذاب فأنزل الله {أ فبعذابنا يستعجلون} أي يطلبون تعجيل عذابنا .
{فإذا نزل بساحتهم} أي إذا نزل العذاب بأفنية دورهم كما يستعجلون {فساء صباح المنذرين} أي فبئس الصباح صباح من خوف وحذر فلم يحذر ولم يخف والساحة فناء الدار وفضاؤها الواسع فالمراد أن العذاب لعظمه لا يسعه إلا الساحة ذات الفضاء الواسع وقيل نزل بساحتهم أي بدارهم عن السدي وكانت العرب تفاجىء أعداءها بالغارات صباحا فخرج الكلام على عادتهم ولأن الله سبحانه أجرى العادة بتعذيب الأمم وقت الصباح كما قال {إن موعدهم الصبح أ ليس الصبح بقريب} .
{وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون} مضى تفسيره وإنما كرر ما سبق للتأكيد وقيل لأن المراد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخر عذاب الآخرة أي فكن على بصيرة من أمرك فسوف يكونون على بصيرة من أمرهم حين لا ينفعهم .
ثم نزه سبحانه نفسه عن وصفهم وبهتهم فقال {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} أي تنزيها لربك مالك العزة يعز من يشاء من الأنبياء والأولياء لا يملك أحد إعزاز أحد سواه فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات وهو قولهم باتخاذ الأولاد واتخاذ الشريك {وسلام على المرسلين} أي سلامة وأمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم وقيل هو خبر معناه أمر أي سلموا عليهم كلهم لا تفرقوا بينهم .
{والحمد لله رب العالمين} أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم والمنعم عليهم وأخلصوا له الثناء والحمد ولا تشركوا به أحدا فإن النعم كلها منه وروى الأصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام) وقد روي أيضا مرفوعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : ((من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين} .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص338-339 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ} في الدنيا بالحجة والدليل ، قال الإمام علي (عليه السلام) : ما ظفر من ظفر الإثم به ، والغالب بالشر مغلوب ، أما في الآخرة فلا حول للمبطلين ولا قوة .
وقال الرازي : {قد تكون النصرة والغلبة بقوة الحجة ، وقد تكون بالدولة والاستيلاء ، وقد تكون بالدوام والثبات على الحق ، فالمؤمن وان صار مغلوبا في بعض الأحيان بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب ، ولا يلزم على هذه الآية ان يقال : قد قتل بعض الأنبياء ، وهزم كثير من المؤمنين . وقوله : قد تكون النصرة بالثبات ينطبق على صمود العرب - اليوم - ورفضهم الاستسلام وعزمهم على المقاومة مهما كانت (أحوال الدنيا) على الرغم من انتصار الاستعمار والصهيونية عليهم عسكريا . وتقدم الكلام عن دفاعه تعالى عن الذين آمنوا عند تفسير الآية 38 من سورة الحج ج 5 ص 331 .
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} . الخطاب لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) يأمره اللَّه سبحانه أن يدع المشركين وشأنهم ، ثم ينتظر قليلا ، وسيرى انهم يستسلمون لأمره أذلاء صاغرين . . وهذا ما حدث بالفعل على الرغم من حشد الجيوش وتكتل الأحزاب ضده {أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ} . هذا جواب عن قول المشركين : فأتنا بما تعدنا ، ومعنى الجواب كيف تستعجلون عذاب اللَّه مع العلم انه إذا نزل بكم لا تستطيعون له صرفا ، ولا منه مفرا {فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} . المراد بساحتهم ديارهم ، وبالصباح يوم العذاب ، والمعنى ان يوم ينتقم اللَّه منهم بعد أن أنذرهم هو شر يوم عليهم وأسوأه .
{وتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} . كرر هذا سبحانه تأكيدا لإنجاز وعده وانه كائن لا محالة {سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} . ختم سبحانه هذه السورة بتنزيهه عما لا يليق بعظمته لأنه حكى فيها أقوال المشركين ، ووصف نفسه بالعزة لأنه على كل شيء قدير ، وحمدها لأنه المنعم المتفضل ، وسلم على المرسلين لأنهم أدّوا الأمانة بإخلاص ، وتحملوا في سبيلها الكثير . . وبعد ، فلا عزة ولا حمد لمخلوق إلا لمن اعتز باللَّه وأطاع اللَّه .
________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص361-362 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون} كلمته تعالى لهم قوله الذي قاله فيهم وهو حكمه وقضاؤه في حقهم وسبق الكلمة تقدمها عهدا أو تقدمها بالنفوذ والغلبة واللام تفيد معنى النفع أي إنا قضينا قضاء محتوما فيهم إنهم لهم المنصورون وقد أكد الكلام بوجوه من التأكيد .
وقد أطلق النصر من غير تقييده بدنيا أو آخرة أو بنحو آخر بل القرينة على خلافه قال تعالى : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر : 51] .
فالرسل (عليهم السلام) منصورون في الحجة لأنهم على الحق والحق غير مغلوب .
وهم منصورون على أعدائهم إما بإظهارهم عليهم وإما بالانتقام منهم قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [يوسف : 109 ، 110] .
وهم منصورون في الآخرة كما قال تعالى : {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } [التحريم : 8] ، وقد تقدم آنفا آية في سورة المؤمن في هذا المعنى .
قوله تعالى : {وإن جندنا لهم الغالبون} الجند هو المجتمع الغليظ ولذا يقال للعسكر جند فهو قريب المعنى من الحزب (2) وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 56] .
والمراد بقوله : {جندنا} هو المجتمع المؤتمر بأمره المجاهد في سبيله وهم المؤمنون خاصة أو الأنبياء ومن تبعهم من المؤمنين وفي الكلام على التقدير الثاني تعميم بعد التخصيص ، وكيف كان فالمؤمنون منصورون كمتبوعيهم من الأنبياء قال تعالى : {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 139] وقد مر بعض الآيات الدالة عليه آنفا .
والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعي منوط على العنوان لا غير أي إن الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهم جند لله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذا النعت منصورون غالبون ، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلا اسمه ومن الانتساب إلا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصر ولا غلبة .
قوله تعالى : {فتول عنهم حتى حين} تفريع على حديث النصر والغلبة ففيه وعد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنصر والغلبة وإيعاد للمشركين ولقريش خاصة .
والأمر بالإعراض عنهم ثم جعله مغيا بقوله : {حتى حين} يلوح إلى أن الأمد غير بعيد وكان كذلك فهاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد قليل وأباد الله صناديد قريش في غزوة بدر وغيرها .
قوله تعالى : {وأبصرهم فسوف يبصرون} الأمر بالإبصار والإخبار بإبصارهم عاجلا وعطف الكلام على الأمر بالتولي معجلا يفيد بحسب القياس أن المعنى أنظرهم وأبصر ما هم عليه من الجحود والعناد قبال إنذارك وتخويفك فسوف يبصرون وبال جحودهم واستكبارهم .
قوله تعالى : {أ فبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين} توبيخ لهم لاستعجالهم وقولهم : متى هذا الوعد؟ متى هذا الفتح؟ وإيذان بأن هذا العذاب مما لا ينبغي أن يستعجل لأنه يعقب يوما بئيسا وصباحا مشئوما .
ونزول العذاب بساحتهم كناية عن نزوله بهم على نحو الشمول والإحاطة ، وقوله : {فساء صباح المنذرين} أي بئس صباحهم صباحا ، والمنذرون هم المشركون من قريش .
قوله تعالى : {وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون} تأكيد لما مر بتكرار الآيتين على ما قيل ، واحتمل بعضهم أن يكون المراد بما تقدم التهديد بعذاب الدنيا وبهذا ، التهديد بعذاب الآخرة .
ولا يخلو من وجه فإن الواقع في الآية {وأبصر} من غير مفعول كما في الآية السابقة من قوله : {وأبصرهم} والحذف يشعر بالعموم وأن المراد إبصار ما عليه عامة الناس من الكفر والفسوق ويناسبه التهديد بعذاب يوم القيامة .
قوله تعالى : {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} تنزيه له تعالى عما يصفه به الكفار المخالفون لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما تقدم ذكره في السورة .
والدليل عليه إضافة التنزيه إلى قوله : {ربك} أي الرب الذي تعبده وتدعو إليه ، وإضافة الرب ثانيا إلى العزة المفيد لاختصاصه تعالى بالعزة فهو منيع الجانب على الإطلاق فلا يذله مذل ولا يغلبه غالب ولا يفوته هارب فالمشركون أعداء الحق المهددون بالعذاب ليسوا له بمعجزين .
قوله تعالى : {وسلام على المرسلين} تسليم على عامة المرسلين وصون لهم من أن يصيبهم من قبله تعالى ما يسوؤهم ويكرهونه .
قوله تعالى : {والحمد لله رب العالمين} تقدم الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة .
______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص147-149 .
2- قال تعالى : {اذا جاءتكم جنود} الاحزاب ، 9 ، وقال فيهم بعينهم (ولما رأى المؤمنين الاحزاب ) الاحزاب ، 22 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
حزب الله هو المنتصر :
لا زلنا نتابع البحث في آيات هذه السورة المباركة ، والتي شارفت على الإنتهاء ، بعد أن إستعرضنا في الأبحاث السابقة جهاد الأنبياء العظام والمصاعب والعراقيل التي أثارها وأوجدها المشركون .
ففي آيات بحثنا الحالي سنتطرّق لأهمّ القضايا الواردة في هذه السورة ، والتي تصوّر الخاتمة بأفضل صورة ، إذ زفّت البشرى للمؤمنين بإنتصار جيش الحقّ على جيش الشيطان ، الوعد الإلهي الكبير هذا إنّما جاء لبعث الأمل في صفوف المؤمنين في صدر الإسلام الذين كانوا لحظة نزول هذه الآيات يرزحون تحت ضغوط أعداء الإسلام في مكّة ، ولكلّ المؤمنين والمحرومين في كلّ زمان ومكان ، ولكي يكون حافزاً لهم يدفعهم على نفض غبار اليأس عنهم ، والإستعداد لجهاد ومقاومة جيوش الباطل {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنّهم لهم المنصورون} .
{وإنّ جندنا لهم الغالبون} ، إنّها لعبارة واضحة وصريحة ، وإنّه لوعد يقوّي الروح ويبعث على الأمل .
نعم ، فإنتصار جيوش الحقّ على الباطل ، وغلبة جند الله ، وتقديم الله سبحانه وتعالى العون لعباده المرسلين والمخلصين ، هي وعود مسلّم بها وسنن قطعيّة ، وذلك ما أكّدته الآية المذكورة أعلاه بعنوان (سبقت كلمتنا) أي إنّ هذا الوعد وهذه السنّة كانت موجودة منذ البداية .
نظائر كثيرة لهذا الموضوع وردت في آيات عديدة اُخرى من آيات القرآن المجيد ، إذ جاء في الآية (47) من سورة الروم {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم : 47] .
وفي الآية (40) من سورة الحجّ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } [الحج : 40] .
وفي الآية (51) من سورة غافر {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر : 51] .
وأخيراً في الآية (21) من سورة المجادلة {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [المجادلة : 21] .
وبديهي أنّ الله قادر على كلّ شيء ، وليس بمخلف للوعود ، ولم يكن يوماً ما ليخلف وعده ، وقادر على أن يفي بهذا الوعد الكبير ، كما أنزل في السابق نصره على المؤمنين به .
الوعد الإلهي من أهمّ الاُمور التي ينتظرها السائرون في طريق الحقّ بإشتياق ، حيث يستمدّون منه القوى الروحية والمعنوية ، ويسترفدون منه نشاطاً جديداً كلّما أحسّوا بالكلل ، فتسري دماء جديدة في شرايينهم .
سؤال مهمّ :
وهنا يطرح السؤال التالي ، وهو : إن كانت مشيئة الباري عزّوجلّ وإرادته تقضي بتقديم يد العون للأنبياء ونصرة المؤمنين ، فلِمَ نشاهد إستشهاد الأنبياء على طول تأريخ الحوادث البشرية ، وإنهزام المؤمنين في بعض الأحيان؟ فإن كانت هذه سنّة إلهيّة لا تقبل الخطأ ، فلِمَ هذه الإستثناءات ؟
ونجيب على هذا السؤال بالقول :
أوّلا : إنّ الإنتصار له معان واسعة ، ولا يعطي في كلّ الأحيان معنى الإنتصار الظاهري والجسماني على العدو ، فأحياناً يعني انتصار المبدأ ، وهذا هو أهمّ إنتصار ، فلو فرضنا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد استشهد في إحدى الغزوات ، وشريعته عمّت العالم كلّه ، فهل يمكن أن نعبّر عن هذه الشهادة بالهزيمة .
وهناك مثال أوضح وهو الحسين (عليه السلام) وأصحابه الكرام حيث استشهدوا على أرض كربلاء ، وكان هدفهم العمل على فضح بني اُميّة ، الذين ادّعوا أنّهم خلفاء الرّسول ، وكانوا في حقيقة الأمر يعملون ويسعون إلى إعادة المجتمع الإسلامي إلى عصر الجاهلية ، وقد تحقّق هذا الهدف الكبير ، وأدّى إستشهادهم إلى توعية المسلمين إزاء خطر بني اُميّة وإنقاذ الإسلام من خطر السقوط والضياع ، فهل يمكن هنا القول بأنّ الحسين (عليه السلام) وأصحابه الكرام خسروا المعركة في كربلاء ؟
المهمّ هنا أنّ الأنبياء وجنود الله ـ أي المؤمنون ـ تمكّنوا من نشر أهدافهم في الدنيا واتّبعهم اُناس كثيرون ، وما زالوا يواصلون نشر مبادئهم وأفكارهم رغم الجهود المستمرّة والمنسقّة لأعداء الحقّ ضدّهم .
وهناك نوع آخر من الإنتصار ، وهو الإنتصار المرحلي على العدو ، والذي قد يتحقّق بعد قرون من بدء الصراع ، فأحياناً يدخل جيل معركة ما ولا يحقّق فيها أي إنتصار ، فتأتي الأجيال من بعده وتواصل القتال فتنتصر ، كالإنتصار الذي حقّقه المسلمون في النهاية على الصليبيين في المعارك التي دامت قرابة القرنين ، وهذا النصر يحسب لجميع المسلمين .
ثانياً : يجب أن لا ننسى أنّ وعد الله سبحانه وتعالى بنصر المؤمنين وعد مشروط وليس بمطلق ، وأنّ الكثير من الأخطاء مصدرها عدم التوجّه إلى هذه الحقيقة ، وكلمات (عبادنا) و(جندنا) التي وردت في آيات بحثنا ، وغيرها من العبارات والكلمات المشابهة في هذا المجال في القرآن الكريم كعبارة (حزب الله) و(الذين جاهدوا فينا) و(لينصرنّ الله من ينصره) وأمثالها ، توضّح بسهولة شروط النصر .
نحن لا نريد أن نكون مؤمنين ولا مجاهدين ولا جنوداً مخلصين ، ونريد أن ننتصر على أعداء الحقّ والعدالة ونحن على هذه الحالة !
نحن نريد أن نتقدّم إلى الإمام في مسيرنا إلى الله ولكن بأفكار شيطانية ، ثمّ نعجب من إنتصار الأعداء علينا ، فهل وفينا نحن بوعدنا حتّى نطلب من الله سبحانه وتعالى الوفاء بوعوده .
في معركة اُحد وعد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالنصر ، وقد إنتصروا فعلا في المرحلة الاُولى من المعركة ، إلاّ أنّ مخالفة البعض لأوامر الرّسول وتركهم لمواقعهم لهثاً وراء الغنائم ، وسعي البعض الآخر لبثّ الفُرقة والنفاق في صفوف المقاتلين ، أدّى بهم إلى الفشل في الحفاظ على النصر الذي حقّقوه في المرحلة الاُولى ، وهذا ما أدّى إلى خسرانهم المعركة في نهاية الأمر .
وبعد إنتهاء المعركة جاءت مجموعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وخاطبته بلهجة خاصّة : ماذا عن الوعد بالنصر والغلبة ، فأجابهم القرآن الكريم بصورة لطيفة يمكنها أن تكون شاهداً لحديثنا ، وهي قوله تعالى في سورة آل عمران الآية (152) : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 152] .
عبارات (فشلتم) و(تنازعتم) و(عصيتم) التي وردت في الآية المذكورة أعلاه ، وضّحت بصورة جيّدة أنّ المسلمين في يوم اُحد تخلّوا عن شروط النصر الإلهي ، لذا فشلوا في الوصول إلى أهدافهم .
نعم ، فالباري عزّوجلّ لم يعد كلّ من يدّعي الإسلام وانّه من جند الله وحزب الله بأن ينصره دائماً على أعدائه . الوعد الإلهي مقطوع لمن يرجو من أعماق قلبه وروحه رضى الله سبحانه وتعالى ، ويسير في النهج الذي وضعه الله ، ويتحلّى بالتقوى والأمانة .
ولقد تقدّم نظير لهذا السؤال فيما يخصّ (الدعاء) و(الوعد الإلهي بالإستجابة) وتطرّقنا للإجابة عليه فيما مضى (2) .
ولمواساة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين ، وللتأكيد على أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، وفي نفس الوقت لتهديد المشركين ، جاءت الآية التالية لتقول : {فتولّ عنهم حتّى حين} .
نعم ، إنّه تهديد مفعم بالمعاني ورهيب في نفس الوقت ، ويمكن أن يكون مصدر إطمئنان للمؤمنين في أنّ النصر النهائي سيكون حليفهم ، خاصّة أنّ عبارة (حتّى حين) جاءت بصورة غامضة .
فإلى أي مدّة تشير هذه العبارة؟ إلى زمان الهجرة ؟ أم إلى حين معركة بدر ؟ أم حتّى فتح مكّة ؟ أم أنّها تشير إلى الزمان الذي تتوفّر فيه شروط الإنتفاضة النهائية والواسعة للمسلمين ضدّ الطغاة والمتجبّرين ؟
بالضبط لا أحد يدري . .
وآيات اُخرى وردت في القرآن الكريم تحمل نفس المعنى ، كالآية (81) من سورة النساء التي تقول : {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [النساء : 81] ، والآية (91) من سورة الأنعام ، قوله تعالى : {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام : 91] .
ويؤكّد القرآن الكريم التهديد الأوّل بتهديد آخر جاء في الآية التي تلتها ، إذ تقول : انظر إلى لجاجتهم وكذبهم وإعتقادهم بالخرافات ، إضافةً إلى حمقهم .
فإنّهم سيرون جزاء أعمالهم القبيحة عن قريب {وأبصرهم فسوف يبصرون} وسوف ترى في القريب العاجل إنتصارك وانتصار المؤمنين وانكسار وهزيمة المشركين المذلّة في الدنيا .
وعن تكرار اُولئك الحمقى لهذا السؤال على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أين العذاب الإلهي الذي واعدتنا به ؟ وإن كنت صادقاً ، فلِمَ هذا التأخير ؟
يردّ القرآن الكريم عليهم بلهجة شديدة مرافقة بالتهديد ، قائلا : اُولئك الذين يستعجلون العذاب وأحياناً يتساءلون (متى هذا الوعد) وأحياناً اُخرى يقولون متسائلين (متى هذا الفتح) (أفبعذابنا يستعجلون) ؟
فعندما ينزل عذابنا عليهم ، ونحيل صباحهم إلى ظلام حالك ، فإنّهم في ذلك الوقت سيفهمون كم كان صباح المنذرين سيّئاً وخطيراً {فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين} (3) .
إستخدام عبارة (ساحة) والتي تعني فناء البيت أو الفضاء الموجود في وسط البيت ، جاء ليجسّم لهم نزول العذاب في وسط حياتهم ، وكيف أنّ حياتهم الطبيعيّة ستتحوّل إلى حياة موحشة ومضطربة .
عبارة (صباح المنذرين) تشير إلى أنّ العذاب الإلهي سينزل صباحاً على هؤلاء القوم اللجوجين والمتجبّرين ، كما نزل صباحاً على الأقوام السابقة ، أو أنّها تعطي هذا المعنى ، وهو أنّ كلّ الناس ينتظرون أن يبدأ صباحهم بالخير والإحسان ، إلاّ أنّ هؤلاء ينتظرهم صباح حالك الظلمة . أو أنّها تعني وقت الإستيقاظ في الصباح ، أي إنّهم يستيقظون في وقت لم يبق لهم فيه أي طريق للنجاة من العذاب ، وأنّ كلّ شيء قد إنتهى .
وقوله تعالى : {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِين (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (176) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (182) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ}
تولّ عنهم !
كما قلنا ، فإنّ الآيات الأخيرة النازلة في هذه السورة جاءت لمواساة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين الحقيقيين ، ولتهديد الكافرين اللجوجين .
الآيتان الأوّليان في بحثنا هذا ، تشبهان الآيات التي وردت في البحث السابق ، وتكرارها هنا إنّما جاء للتأكيد ، إذ تقول بلغة شديدة مرفقة بالتهديد : تولّ عنهم واتركهم في شأنهم لمدّة معيّنة {وتولّ عنهم حتّى حين} .
وانظر إلى لجاجة اُولئك الكافرين وكذبهم وممارساتهم العدائية ونكرانهم لوجود الله ، الذين سينالون جزاء أعمالهم عمّا قريب {وأبصر فسوف يبصرون} .
التكرار ـ كما قلنا ـ جاء للتأكيد ، وذلك ليدرك اُولئك الكافرون أنّ جزاءهم وهزيمتهم وخيبتهم أمر قطعي لابدّ منه وسيكون ذلك عمّا قريب ، وسيبتلون بالنتائج المريرة لأعمالهم ، كما أنّ إنتصار المؤمنين هو أمر قطعي ومسلّم به أيضاً .
أو أنّه هدّدهم في المرّة الاُولى بالعذاب الدنيوي ، وفي المرّة الثانية بجزاء وعقاب الله لهم يوم القيامة .
ثمّ تختتم السورة بثلاثة آيات ذات عمق في المعنى بشأن (الله) و(الرسل) و(العالمين) ، إذ تنزّه الله ربّ العزّة والقدرة من الأوصاف التي يصفه بها المشركون والجاهلون {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون} .
فأحياناً يصفون الملائكة بأنّها بنات الله ، وأحياناً يقولون بوجود نسبة بين الله والجنّ ، وأحياناً اُخرى يجعلون مصنوعات لا قيمة لها من الحجر والخشب بمرتبة الباري عزّوجلّ .
ومجيء كلمة (العزّة) ـ أي ذو القدرة المطلقة والذي لا يمكن التغلّب عليه ـ هنا تعطي معنى بطلان وعدم فائدة كلّ تلك المعبودات المزيّفة والخرافية التي يعبدها المشركون .
فآيات سورة الصافات تحدّثت أحياناً عن تسبيح وتنزيه {عباد الله المخلصين} وأحياناً عن تسبيح الملائكة ، وهنا تتحدّث عن تسبيح وتنزيه الباري عزّوجلّ لذاته المقدّسة .
وفي الآية الثانية شمل الباري عزّوجلّ كافّة أنبيائه بلطفه غير المحدود ، وقال : (وسلام على المرسلين) . السلام الذي يوضّح السلامة والعافية من كلّ أنواع العذاب والعقاب في يوم القيامة ، السلام الذي هو صمّام الأمان أمام الهزائم ودليل للإنتصار على الأعداء .
وممّا يذكر أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل في آيات هذه السورة سلاماً إلى كثير من أنبيائه وبصورة منفصلة ، قال تعالى في الآية (79) {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات : 79] ، وفي الآية (109) {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الصافات : 109] ، وفي الآية {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات : 120] ، وفي الآية (130) {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات : 130] .
وقد جمعها هنا في سلام واحد موجّه لكلّ المرسلين ، قال تعالى : {وسلام على المرسلين} .
وأخيراً إختتمت السورة بآية تحمد الله {والحمد لله ربّ العالمين} .
الآيات الثلاث الأخيرة يمكن أن تكون إشارة وإستعراضاً مختصراً لكلّ القضايا والاُمور الموجودة في هذه السورة ، لأنّ الجزء الأكبر منها كان بشأن التوحيد والجهاد ضدّ مختلف أنواع الشرك ، فالآية الاُولى تعيد ما جاء بشأن تسبيح وتنزيه الله عزّوجلّ عن الصفات التي وصف بها من قبل المشركين ، والقسم الآخر من السورة يبيّن جوانب من أوضاع سبع أنبياء كبار أشارت إليها هنا الآية الثانية .
والآية الثالثة إستعرضت جزءاً آخر من النعم الإلهية ، وبالخصوص أنواع النعم الموجودة في الجنّة ، وإنتصار جند الله على جنود الكفر ، والحمد والثناء الذي جاء في الآية الأخيرة ، فيه إشارة لكلّ تلك الاُمور .
المفسّرون الآخرون ذكروا تحليلات اُخرى بخصوص الآيات الثلاث الواردة في آخر هذه السورة ، وقالوا : إنّ من أهمّ واجبات الإنسان العاقل معرفة أحوال ثلاثة :
الاُولى : معرفة الله تعالى بالمقدار الممكن للبشر ، وآخر ما يستطيعه الإنسان في هذا المجال هو ثلاثة اُمور : تنزيهه وتقديسه عن كلّ ما لا يليق بصفات الاُلوهية ، والتي وضّحتها لفظة (سبحان) .
ووصفه بكلّ ما يليق بصفات الاُلوهية والكمال ، وكلمة (ربّ) إشارة دالّة على حكمته ورحمته ومالكيّته لكلّ الأشياء وتربيته للموجودات .
وكونه منزّهاً في الاُلوهية عن الشريك والنظير ، والتي جاءت في عبارة {عمّا يصفون} .
والقضيّة الثانية المهمّة في حياة الإنسان هي تكميل الإنسان لنواقصه ، والذي لا يمكن أن يتمّ دون وجود الأنبياء (عليهم السلام) ، وجملة (سلام على المرسلين) إشارة إلى هذه القضيّة .
والقضيّة الثالثة المهمّة في حياة الإنسان هي أن يعرف أنّه كيف يكون حاله بعد الموت ؟ والإنتباه إلى نعم ربّ العالمين ومقام غناه ورحمته ولطفه يعطي للإنسان نوعاً من الإطمئنان {والحمد لله ربّ العالمين} (4) .
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، 337-344 .
2 ـ راجع ذيل الآية (186) من سورة البقرة .
3 ـ في الكلام حذف تقديره (فساء الصباح صباح المنذرين) .
4 ـ تفسير الفخر الرازي ، المجلّد 26 ، الصفحة 173 .