تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الأية (100-106) من سورة الكهف
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
31-8-2020
4138
قال تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا } [الكهف: 100 - 106]
{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا } أي: أظهرنا جهنم وأبرزناها لهم حتى شاهدوها ورأوا ألوان عذابها قبل دخولها ثم وصف الكافرين فقال { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي } ذكر سبحانه السبب الذي استحقوا به النار يعني الذين غفلوا عن الاعتبار بقدرتي الموجب لذكري وأعرضوا عن التفكر في آياتي ودلائلي فصاروا بمنزلة من يكون في عينه غطاء يمنعه من الإدراك { وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا } أي: وكان يثقل عليهم سماع القرآن وذكر الله تعالى كما يقال فلان لا يستطيع النظر إليك ولا يستطيع أن يسمع كلامك أي يثقل عليه ذلك وأراد بالعين هنا عين القلب كما يضاف العمى إلى القلب { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ } معناه: أ فحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم والمراد بالعباد المسيح والملائكة الذين عبدوهم من دون الله وهم براء منهم ومن كل مشرك بالله تعالى وقيل معناه أ فحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا أعاقبهم عن ابن عباس ويدل على هذا المحذوف قوله { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا } أي: منزلا عن الزجاج وهو معنى قول ابن عباس يريد هي مثواهم ومصيرهم وقيل معناه إنا جعلنا جهنم معدة مهياة للكافرين عندنا كما يهيا النزل للضيف { قل } يا محمد { هَلْ نُنَبِّئُكُمْ } أي: هل نخبركم { بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا } أي: بأخسر الناس أعمالا والمعنى بالقوم الذين هم أخسر الناس فيما عملوا وهم كفار أهل الكتاب اليهود والنصارى { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ } أي: بطل عملهم واجتهادهم.
{ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } أي: يظنون أنهم بفعلهم محسنون وأن أفعالهم طاعة وقربة وروى العياشي بإسناده قال قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسأله عن أهل هذه الآية فقال أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد يعني الخوارج { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي: جحدوا بحجج الله وبيناته ولقاء جزائه في الآخرة فبطلت وضاعت أعمالهم التي عملوها لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه الذي أمرهم الله به { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } أي: لا قيمة لهم عندنا ولا كرامة ولا نعتد بهم بل نستخف بهم ونعاقبهم تقول العرب ما لفلان عندنا وزن أي قدر ومنزلة ويوصف الجاهل بأنه لا وزن له لخفته بسرعة بطشه وقلة تثبته.
وروي في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة { ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ } معناه: الأمر ذلك الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخيبة قدرهم ثم ابتدأ سبحانه فقال جزاؤهم جهنم { بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا } أي: بكفرهم واتخاذهم آياتي أي أدلتي الدالة على توحيدي يعني القرآن ورسلي هزوا أي مهزوءا به .
______________
1- تفسير مجمع البيان، الطبرسي،ج6،ص391-392.
{ وعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً } . يشاهد المجرمون غدا منازلهم في جهنم قبل ان يقادوا إليها ، ليكتووا بنارين : نار الرعب ، ونار الحريق { الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي } . الذكر يسمع بالأذن ، ولا يرى بالعين ، وعليه يكون غطاء العين هنا كناية عن حقد الكافرين على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) والمؤمنين ، وانهم كانوا لا يطيقون النظر إليه ( صلى الله عليه واله وسلم ) وإليهم { وكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } لذكر اللَّه من رسوله الكريم . وبكلمة ان المجرمين لا يطيقون سماع الحق ، ولا النظر إلى أهله . . وهذا ما نشاهده بالعيان ، وهونتيجة حتمية للصراع بين الحق والباطل ، والخير والشر .
{ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ } . المراد بعبادي هنا المخلوقات التي اتخذها المشركون أنصارا من دون اللَّه ، وفي الكلام حذف أي أفحسب هؤلاء انّا غافلون عنهم ؟ . . كلا { إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً } .
هيأنا لهم مكانا في جهنم يليق بشأنهم . . وهذا تماما كقولك لمن تستخف به وتحتقره : أتحسب اني لا أقدرك ، كيف وأنت كهذا الحذاء ؟
قيمة الإنسان
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } . ويتلخص المعنى بأن أخسر الناس صفقة ، وأخيبهم سعيا هو الجاهل المركب الذي يرى جهله علما ، وشره خيرا ، وإساءته إحسانا . .
وليس من شك ان هذا خائب خاسر في الدنيا لأنه يعيش في غير واقعه ، وهو كذلك في الآخرة لأنه يلقى اللَّه غدا بالجهل والغرور وسوء الأعمال .
وتومئ الآية إلى أن قيمة الإنسان الحقيقية لا تقاس بنظرته إلى نفسه ، لأن الخصم لا يكون حكما ، ولا بنظرة الناس إليه ، لأنهم يسعون الخائبين والمنافقين عمليا ، وان ضاقوا بهم نظريا ، وانما تقاس قيمة الإنسان بقيم القرآن ومبادئه ، والالتزام بتعاليمه وأحكامه ، تقاس بالصدق والعدل ونصرة الحق وأهله ، والتضحية في سبيل ذلك بالنفس والمال ، والقرآن الكريم مليء بهذا النوع من التعاليم ، مثل قوله تعالى : « كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . . كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ . . كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ . . كُونُوا رَبَّانِيِّينَ . . جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ » . وفي قوله : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ، غنى عن كل شاهد .
وتسأل : ان المخطئ يرى نفسه مصيبا ، وانه قد أحسن صنعا بإصابة الواقع ، فينبغي أن يكون من الأخسرين أعمالا ، مع أنه لا عصمة إلا لمن له العصمة ؟ .
الجواب : ان المخطئ على قسمين : الأول أن يخطئ بعد البحث والتدقيق ، تماما كما يفعل الأكفاء بحيث تكون النتيجة التي توصّل إليها هي غاية ما يمكن أن يتوصل إليها العالم المجد . . وليس من شك ان هذا المخطئ ليس من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وان خطأه لا عيب فيه ، بل إن صاحبه مأجور على ما بذل من جهد ، كما جاء في الحديث الشريف ، على شريطة أن يكون على نية الرجوع عن خطئه متى انكشف له الصواب .
القسم الثاني : أن يخطئ لأنه جزم وحكم بمجرد الحدس والوهم ، وقبل أن يبحث ويلاحظ ، لأنه يجهل أصول البحث والملاحظة العلمية ، أويعرفها ولم يستعملها إطلاقا ، أواستعملها ناقصة ، فحكم قبل أن يستكمل ويستوعب جميع الملاحظات ، وهذا المخطئ من الأخسرين أعمالا ، ما في ذلك ريب ، لأن اللَّه سبحانه أمر بالتدبر والتثبت ، ونهى عن التسرع والقول بغير علم .
وبعد ، فإن الدرس الذي يجب أن نستفيده من هذه الآية هو أن نكون صادقين مع أنفسنا ، فلا نصفها بغير ما هي فيه ، ولا نخدعها بالقول الكاذب . . وأيضا التفسير
يجب أن نحاسبها حين توحي إلينا بالغرور والتعاظم قبل أن يحاسبنا اللَّه والناس ، وأن لا نتخذ موقفا نتمسك فيه بآرائنا وأقوالنا ، فنعتقد انها مقدسة لا يمكن الارتياب فيها بحال . . ان الخطأ جائز على الجميع بل ومكتوب أيضا . . والغريب ان الأدعياء يسلَّمون بهذا المبدأ ، ولكنهم ينكرون نتيجته الحتمية .
{ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ولِقائِهِ } . أولئك إشارة للأخسرين أعمالا ، وقرينة السياق تدل على أن المراد بالذين كفروا بآيات ربهم ولقائه هم « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » سواء أكفروا بالبعث ، أم آمنوا به ، فالعبرة عند اللَّه بالايمان والعمل معا ، لا بمجرد الايمان{ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً } أي قدرا لأنه لا كرامة عند اللَّه إلا لمن اتقى .
{ ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا واتَّخَذُوا آياتِي ورُسُلِي هُزُواً } . كفرا باللَّه ، وسخروا من الحق وأهله ، وهذا منتهى الفساد والضلال ، والنار هي الغاية لكل ضال فاسد .
_____________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 163-165.
وقوله: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} إلخ هي النفخة الثانية التي فيها الإحياء بدليل قوله {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا}.
قوله تعالى:{ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا } تفسير للكافرين وهؤلاء هم الذين ضرب الله بينهم وبين ذكره سدا حاجزا - وبهذه المناسبة تعرض لحالهم بعد ذكر سد يأجوج ومأجوج - فجعل أعينهم في غطاء عن ذكره وأخذ استطاعة السمع عن آذانهم فانقطع الطريق بينهم وبين الحق وهو ذكر الله.
فإن الحق إنما ينال إما من طريق البصر بالنظر إلى آيات الله سبحانه والاهتداء إلى ما تدل عليه وتهدي إليه، وإما من طريق السمع باستماع الحكمة والموعظة والقصص والعبر، ولا بصر لهؤلاء ولا سمع.
قوله تعالى:{ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} إلخ الاستفهام للإنكار قال في المجمع،: معناه أ فحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم قال: ويدل على هذا المحذوف قوله:{ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} انتهى.
وهناك وجه ثان منقول عن ابن عباس وهو أن المعنى أ فحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا أعاقبهم.
ووجه ثالث: وهو أن{ أَنْ يَتَّخِذُوا } إلخ مفعول أول لحسب بمعنى ظن ومفعوله الثاني محذوف، والتقدير أ فحسب الذين كفروا اتخاذهم عبادي من دوني أولياء نافعا لهم أودافعا للعقاب عنهم، والفرق بين هذا الوجه والوجهين السابقين أن{أن} وصلته قائمة مقام المفعولين فيهما والمحذوف بعض الصلة فيهما بخلاف الوجه الثالث فأن وصلته فيه مفعول أول لحسب، والمفعول الثاني محذوف.
ووجه رابع: وهو أن يكون أن وصلته سادة مسد المفعولين وعناية الكلام متوجهة إلى إنكار كون الاتخاذ اتخاذا حقيقة على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء إذ الاتخاذ إنما يكون من الجانبين والمتخذون متبرئون منهم لقولهم:{سبحانك أنت ولينا من دونهم}.
والوجوه الأربعة مترتبة في الوجاهة وأوجهها أولها وسياق هذه الآيات يساعد عليه فإن هذه الآيات بل عامة آيات السورة مسوقة لبيان أنهم فتنوا بزينة الحياة الدنيا واشتبه عليهم الأمر فاطمأنوا إلى ظاهر الأسباب فاتخذوا غيره تعالى أولياء من دونه فهم يظنون أن ولايتهم تكفيهم وتنفعهم وتدفع عنهم الضر والحال أن ما سيلقونه بعد النفخ والجمع يناقض ذلك فالآية تنكر عليهم هذا الظن والحسبان بعد ما كان مآل أمرهم ذلك.
ثم إن إمكان قيام أن وصلته مقام مفعولي حسب وقد ورد في كلامه تعالى كثيرا كقوله:{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا}: الجاثية - 21 وغيره يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف وقد منع عنه بعض النحاة.
وتؤيده الآيات التالية:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا } إلخ وكذا القراءة المنسوبة إلى علي (عليه السلام) وعدة منهم، أ فحسب} بسكون السين وضم الباء والمعنى أفاتخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم.
والمراد بالعباد في قوله:{ أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} كل من يعبده الوثنيون من الملائكة والجن والكملين من البشر.
وأما ما ذكره المفسرون أن المراد بهم المسيح (عليه السلام) والملائكة ونحوهم من المقربين دون الشياطين لأن الأكثر في مثل هذا اللفظ {عبادي} أن تكون الإضافة لتشريف المضاف.
ففيه أولا أن المقام لا يناسب التشريف. وهو ظاهر. وثانيا أن قيد{ مِنْ دُونِي} في الكلام صريح في أن المراد بالذين كفروا هم الوثنيون الذين لا يعبدون الله مع الاعتراف بألوهيته وإنما يعبدون الشركاء الشفعاء؟ وأما أهل الكتاب مثلا النصارى في اتخاذهم المسيح وليا فإنهم لا ينفون ولاية الله بل يثبتون الولايتين معا ثم يعدونهما واحدا فافهم ذلك فالحق أن قوله:{عبادي} لا يعم المسيح ومن كان مثله من البشر بل يختص بآلهة الوثنيين والمراد بقوله{ الَّذِينَ كَفَرُوا} الوثنيون فحسب.
وقوله:{ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} أي شيئا يتمتعون به عند أول نزولهم الدار الآخرة شبه الدار الآخرة بالدار ينزلها الضيف وجهنم بالنزل الذي يكرم به الضيف النزيل لدى أول وروده، ويزيد هذا التشبيه لطفا وجمالا ما سيأتي بعد آيتين أنهم لا يقام لهم وزن يوم القيامة فكأنهم لا يلبثون دون أن يدخلوا النار، وفي الآية من التهكم ما لا يخفى، وكأنما قوبل به ما سيحكى من تهكمهم في الدنيا بقوله:{ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}.
الآيات الاتية في منزلة الاستنتاج مما تقدم من آيات السورة الشارحة لافتنان المشركين بزينة الحياة الدنيا واطمئنانهم بأولياء من دون الله وابتلائهم بما ابتلوا به من غشاوة الأبصار ووقر الأذان وما يتعقب ذلك من سوء العاقبة، وتمهيد لما سيأتي من قوله في آخر السورة:{قل إنما أنا بشر مثلكم} الآية.
قوله تعالى:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} ظاهر السياق أن الخطاب للمشركين وهو مسوق سوق الكناية وهم المعنيون بالتوصيف وسيقترب من التصريح في قوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} فالمنكرون للنبوة والمعاد هم المشركون.
قيل: ولم يقل: بالأخسرين عملا، مع أن الأصل في التمييز أن يأتي مفردا والمصدر شامل للقليل والكثير للإيذان بتنوع أعمالهم وقصد شمول الخسران لجميعها.
قوله تعالى:{ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} إنباء بالأخسرين أعمالا وهم الذين عرض في الآية السابقة على المشركين أن ينبئهم بهم ويعرفهم إياهم فعرفهم بأنهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وضلال السعي خسران ثم عقبه بقوله:{ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} وبذلك تم كونهم أخسرين.
بيان ذلك: أن الخسران والخسار في المكاسب والمساعي المأخوذة لغاية الاسترباح إنما يتحقق إذا لم يصب الكسب والسعي غرضه وانتهى إلى نقص في رأس المال أوضيعة السعي وهو المعبر عنه في الآية بضلال السعي كأنه ضل الطريق فانتهى به السير إلى خلاف غرضه.
والإنسان ربما يخسر في كسبه وسعيه لعدم تدرب في العمل أوجهل بالطريق أو لعوامل أخر اتفاقية وهي خسران يرجى زواله فإن من المرجوأن يتنبه به صاحبه ثم يستأنف العمل فيتدارك ما ضاع منه ويقضي ما فات، وربما يخسر وهو يذعن بأنه يربح، ويتضرر وهو يعتقد أن ينتفع لا يرى غير ذلك وهو أشد الخسران لا رجاء لزواله.
ثم الإنسان في حياته الدنيا لا شأن له إلا السعي لسعادته ولا هم له فيما وراء ذلك فإن ركب طريق الحق وأصاب الغرض وهو حق السعادة فهو، وإن أخطأ الطريق وهو لا يعلم بخطإه فهو خاسر سعيا لكنه مرجوالنجاة، وإن أخطأ الطريق وأصاب غير الحق وسكن إليه فصار كلما لاح له لائح من الحق ضربت عليه نفسه بحجاب الإعراض وزينت له ما هو فيه من الاستكبار وعصبية الجاهلية فهو أخسر عملا وأخيب سعيا لأنه خسران لا يرجى زواله ولا مطمع في أن يتبدل يوما سعادة، وهو قوله تعالى في تفسير الأخسرين أعمالا:{ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
وحسبانهم عملهم حسنا مع ظهور الحق وتبين بطلان أعمالهم لهم إنما هو من جهة انجذاب نفوسهم إلى زينات الدنيا وزخارفها وانغمارهم في الشهوات فيحبسهم ذلك عن الميل إلى اتباع الحق والإصغاء إلى داعي الحق ومنادي الفطرة قال تعالى:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}: النمل: 14 وقال:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}: البقرة: 206 فاتباعهم هوى أنفسهم ومضيهم على ما هم عليه من الإعراض عن الحق عنادا واستكبارا والانغمار في شهوات النفس ليس إلا رضى منهم بما هم عليه واستحسانا منهم لصنعهم.
قوله تعالى:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} تعريف ثان وتفسير بعد تفسير للأخسرين أعمالا، والمراد بالآيات - على ما يقتضيه إطلاق الكلمة - آياته تعالى في الآفاق والأنفس وما يأتي به الأنبياء والرسل من المعجزات لتأييد رسالتهم فالكفر بالآيات كفر بالنبوة، على أن النبي نفسه من الآيات، والمراد بلقاء الله الرجوع إليه وهو المعاد.
فآل تعريف الأخسرين أعمالا إلى أنهم المنكرون للنبوة والمعاد وهذا من خواص الوثنيين.
قوله تعالى:{ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} وجه حبط أعمالهم أنهم لا يعملون عملا لوجه الله ولا يريدون ثواب الدار الآخرة وسعادة حياتها ولا أن الباعث لهم على العمل ذكر يوم الحساب وقد مر كلام في الحبط في مباحث الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
وقوله:{ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} تفريع على حبط أعمالهم والوزن يوم القيامة بثقل الحسنات على ما يدل عليه قوله تعالى:{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}: الأعراف: 9، وإذ لا حسنة للحبط فلا ثقل فلا وزن.
قوله تعالى:{ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} الإشارة إلى ما أورده من وصفهم واسم الإشارة خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: الأمر ذلك أي حالهم ما وصفناه وهوتأكيد وقوله:{جزاؤهم جهنم} كلام مستأنف ينبىء عن عاقبة أمرهم.
وقوله:{ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} في معنى بما كفروا وازدادوا كفرا باستهزاء آياتي ورسلي.
______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص296-323.
عاقبة الكافرين:
ثمّ تتناول الآيات تفصيل حال الكافرين، حيث توضح عاقبة أعمالهم، والصفات التي تقود إِلى هذه العاقبة، فتقول: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا }.
إِنَّ جهنَّم ستظهر لهم، وتتضح لهم الأنواع المختلفة مِنَ عذابها، وهذا هو بحدّ ذاته عذاب أليم موجع، فكيف إِذا ولجوها!؟ مَن هُم الكافرون؟ ولماذا يُصابون بمثل هذه العاقبة؟
الآية تعرَّف هؤلاء بجملة قصيرة واحدة بقولها: { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} وبالرغم من أنّهم يمتكون آذاناً، إلاّ أنّهم يفقدون القدرة على السماع: { وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}.
فهؤلاء أسقطوا في الواقع أهم وسيلة لمعرفة الحق وإِداركه، وأهملوا والوسيلة الهامة في شقاء أو سعادة الإِنسان، يعني أنَّهم غطّوا أعينهم وأسماعهم بحجاب وستار بسبب أفكارهم الخاطئة وتعصبهم وحقدهم وصفاتهم القبيحة الأُخرى.
الطريف في الأمر أنَّ الآية تقول فيما يخص العين: إِنّها كانت مُغطاة وبعيدة عن ذكري، وهذه إِشارة إلى أنّهم لم يستطيعوا أن يشاهدوا آثار الخالق جلَّ وعلا، لأنّهم كانوا في ستار وحجاب مِن الغفلة، ولأنّهم لم يشاهدوا الحقائق فقد اختلفوا الأساطير ونسوا الله.
نعم، إِنَّ الحق الواضح، وكل شيء في هذا الوجود يتحدث مع الإِنسان، والمطلوب أن تكون للإِنسان عين تنظر وأذن تسمع!
بعبارة أُخرى: إِنَّ ذكر الله ليسَ شيئاً يُمكن رؤيته بالعين، فما يشاهد هو آثاره، إِلاَّ أنَّ آثاره هي التي تذكّر الإِنسان بخالقه.
الآية التي بعدها تشير إِلى نقطة انحراف فكرية لدى هؤلاء هي أصل انحرافاتهم الأُخرى، فتقول: { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ}.
هل يملك هؤلاء المعبودون ـ كالمسيح والملائكة ـ شيئاً للدفاع عن الآخرين بالرغم مِن مكانتهم العالية، أو أنَّ الأمر بالعكس إِذ كل ما عندَ هؤلاء هو مِن الله، وأنّهم أنفسهم يحتاجون إِلى هدايته؟
إِنّ هذه حقيقة واضحة، ولكنَّ هؤلاء تناسوها وتورطوا في شراك الشرك.
في ختام الآية وللمزيد مِن التأكيد، تقول الآية: { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}.
«نزل» على وزن «رُسل» بمعنى الإِقامة، وتعني أيضاً الشيء الذي يُهَيَّأ لتقديمه للضيوف، وذهب البعض إِلى أن هذه الكلمة تطلق على أوّل شيء يقدم للضيف عند وروده كالفواكه والشراب.
أخسر الناس:
هذه الآيات والآيات اللاحقة ـ إِلى نهاية السورة المباركة ـ في الوقت الذي تتحدَّث فيه عن صفات غير المؤمنين، فإِنّها تُعتبر نوعاً مِن التلخيص لكافة البحوث التي وردت في هذه السورة، خاصةً البحوث المتعلقة بقصة أصحاب الكهف وموسى والخضر وذي القرنين، وما بذلوه مِن جهود إِزاء معارضيهم.
فالآيات تكشف أوّلا عن أخسر الناس، ولكنّها ـ بهدف إِثارة حب الإَستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضية ـ تعمد إِلى إِثارتها على شكل سؤال مُوَّجه إِلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتقول: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}.
ثمّ يأتي الجواب بدون أي توقف حتى لا يبقى المستمع في حيرة، فتقول: { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
مفهوم الخسران لا ينطبق على خسران الأرباح وحسب، بل إِنَّ الخسران الواقعي هو خسران أصل رأس المال، وهل هناك رأس مال أربح وأفضل وأحسن مِن العقل والذكاء والطاقات الإِلهية الموهوبة للإِنسان مِن عمر وشباب وصحة؟
إِنَّ نتاج كل هذه المواهب هي أعمال الإِنسان، وأعمال الإِنسان هي في الواقع انعكاس وتجسيد لطاقاتنا وقدراتنا.
عندما تتحوَّل هذه الطاقات إِلى أعمال مخرَّبة أو غير هادفة، فكأنّها قد فنيت أو ضاعت، فهي كمثل الإِنسان الذي يحمل ثروة عظيمة معهُ، ولكنَّهُ أثناء ذهابه إِلى السوق يفقد هذه الثروة ويعود بيد خالية.
وقد لا يكون الخسران خسراناً خطيراً عندما يتعلّم الإِنسان مِن فقدان الثروة دروساً كبيرة قد تكون في قيمتها مُساويه للثروة التي فقدها، أو أكثر قيمة مِنها في بعضِ الأحيان، فكأنّه لم يخسر شيئاً.
إِلاَّ أنَّ الخسران الحقيقي والمضاعف هو أن يفقد الإِنسان رأسماله المادي والمعنوي في مسالك خاطئة ومجالات منحرفة ويظن أنَّهُ أحسن العمل، فهو في هذه الحالة لم يحصل على ثمرة لعمله، وفي نفس الوقت لم يلتفت إِلى ما هو فيه، فيكرِّر العمل.
الجميل هنا، إِنَّ القرآن الكريم استخدم تعبير {الأخسرين أعمالا} في حين أنّ المفروض هو القول: «الأخسرين عملا» (لأنَّ التمييز مفرد عادة) ولكن لعل هذه الصياغة القرآنية بسبب أنّهم لم يخسروا في عمل معين، بل إِنَّ جهلهم المركب كانَ سبباً للخسران في جميع البرامج الحياتية وفي جميع أعمالهم.
بعبارة أُخرى: إِنَّ الإِنسان قد يربح في تجارة معينة ويخسر في أُخرى، إِلاَّ أنَّ المحصلة في نهاية السنة هي أنَّهُ لا توجد خسارة كبيرة، ولكن مِن سوء حظ الإِنسان أن يخسر في جميع الأعمال التي اشترك فيها.
استخدم كلمة «ضلَّ» لعله إِشارة إِلى هذه الحقيقة; وهي أنَّ أعمال الإِنسان لا تفني في هذا العالم بأى صورة مِن الصور، كما أنَّ المادة والطاقة تتبدّل وتتغيّر ولكنَّها لا تفنى، ولكن قد تختفي أحياناً، لأنَّهُ لا يمكن مشاهدة آثارها بالعين، ولا يمكن الإِستفادة مِنها بأي شكل مِن الاشكال ومثلها في ذلك مثل رأس المال الضائع والذي لا هو في حوزتنا فنستفيد مِنهُ، ولا هو فان.
أمّا لماذا يُصاب الإِنسان نفسياً بمثل هذه الحالات؟ فهو أمرٌ سنبحث فيه مفصلا في فقرة البحوث.
الآيات الأُخرى تذكر صفات ومعتقدات هذه المجموعة مِن الخاسرين، حيث تبدأ بتلك الصفات التي تكون أساساً في مصائبهم فتقول: { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ }. إِنّهم كفروا بالآيات التي تفتح الأبصار والمسامع; الآيات التي ترفع حُجب الغرور وتجسَّد الحقائق أمام الإِنسان، وأخيراً فإِنّها آيات النور والضياء التي تخرج الإِنسان مِن ظُلمات الأوهام والتصورات الخاطئة وترشده إِلى عالم الحقائق.
ثمّ إِنّهم بعد ذلك نسوا الله وكفروا بالمعاد وبلقاء الله {ولقائه}.
نعم، فما لم يكن الإِيمان بالمعاد إِلى جانب الإِيمان بالمبدأ، وما لم يحس الإِنسان بأنَّ هناك قوّة تراقب أعماله وتحتفظ بكل شيء إِلى لحظة انعقاد المحكمة الكبيرة الدقيقة والقاسية، فإِنَّ الإِنسان سوف لا يعير أهمية إِلى أعماله وسوف لا يصلح نفسه.
ثمّ تضيف الآية أنَّهم بسبب مِن كفرهم بالمبدأ والمعاد فإِنَّ أعمالهم قد حبطت وضاعت: { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}. وغدت تماماً كالرماد في مقابل العاصفة الهوجاء.
ولأنّهم لا يملكون عملا قيماً ثميناً لذا: { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.
لأنَّ الوزن يخص الأُمور الموجودة، أمّا هؤلاء فلا يملكون شيئاً مِن الأعمال، ولذلك ليسَ لهم وزن ولا قيمة؟ وفي إِطار بيان جزاء هؤلاء، تكشف الآية عن ثالث سبب في انحراف وخسران هؤلاء، وهو الاستهزاء بما انزل الله فتقول: { ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}(2).
وبذلك فإِنَّ هؤلاء انتهوا إِلى إِنكار الأصول الأساسية الثلاثة في الإعتقاد الديني (المبدأ، والمعاد، ورسالة الأنبياء) والأكثر مِن الإِنكار أنّهم استهزؤوا بهذه الأُمور!
_______________
1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص592-596.
2- هناك كلام بين المفسّرين حول تركيب جملة (ذلك جزاؤهم) فالبعض اعتبر «ذلك» مبتدأ و«جزاؤهم» خبراً و«جهنم» بدلا، في حين أنّ البعض الآخر اعتبر أنَّ المبتدأ محذوف و«ذلك» خبراً له، و«جزاؤهم جهنم» مبتدأ لخبر آخر تقديره: الأمر ذلك جزاؤهم جهنم. إِلاّ أنّهم يظهر أنَّ الرأي الأوّل أكثر تناسباً من غيره.