1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الخلفاء الاربعة : ابو بكر بن ابي قحافة :

أبو بكر وفتوح الشام

المؤلف:  علي الكوراني العاملي

المصدر:  قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية

الجزء والصفحة:  ج1، ص336-358

18-7-2020

3124

صورة كلية لفتح فلسطين وبلاد الشام

1 . كان أول جيش أرسله أبو بكر لفتح الشام جيش خالد بن سعيد بن العاص من ستة آلاف أو نحوها ، وفي نصف الطريق عزله أبو بكر وعيَّن مكانه يزيد بن أبي سفيان . فرجع خالد إلى المدينة ، ثم خرج مع جيش شرحبيل بن حسنة ، وكان عدد جيشه بضعة آلاف أيضاً .

ثم أرسل أبو بكر عمرو العاص بثلاثة آلاف إلى وادي العربة بفلسطين . ثم أمر خالد بن الوليد فذهب من العراق إلى الشام بجيش صغير يبلغ بضع مئات .

قال البلاذري في الفتوح : 1 / 128 : « لما فرغ أبو بكر من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام ، فكتب إلى أهل مكة والطائف واليمن ، وجميع العرب بنجد والحجاز ، يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفى غنائم الروم ، فسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع ، وأتوا المدينة من كل أوب .

فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وشرحبيل بن حسنة حليف بنى جمح . . وعمرو بن العاص بن وائل السهمي .

وكان عقد هذه الألوية يوم الخميس لمستهل صفر سنة ثلاث عشرة ، وذلك بعد مقام الجيوش معسكرين بالجرف المحرم كله ، وأبو عبيدة بن الجراح يصلي بهم ، وكان أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك . وقد روى قوم أنه عقد له وليس ذلك بثبت ، ولكن عمر ولاه الشام كله حين استخلف .

وذكر أبو مخنف أن أبا بكر قال للأمراء : إن اجتمعتم على قتال فأميركم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري ، وإلا فيزيد بن أبي سفيان .

وذكر أن عمرو بن العاص إنما كان مدداً للمسلمين وأميراً على من ضم إليه . قال : ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر ذلك فكلم أبا بكر في عزله وقال إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب . . . فدفعه أبو بكر إلى يزيد بن أبي سفيان . . . وسار خالد بن سعيد محتسباً في جيش شرحبيل .

وأمر أبو بكر عمرو بن العاص أن يسلك طريق أيلة عامداً لفلسطين ، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك ، وكتب إلى شرحبيل أن يسلك أيضاً طريق تبوك . وكان العقد لكل أمير في بدء الأمر على ثلاثة آلاف رجل ، فلم يزل أبو بكر يتبعهم الأمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمس مئة ، ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفاً » .

كانت أول معارك المسلمين في غزة

2 . كانت أول معركة للمسلمين مع الروم في غزة قادها أبو أمامة الباهلي ( رحمه الله ) قال البلاذري : 1 / 130 : « فأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غزة يقال لها دائن ، كانت بينهم وبين بطريق غزة ، فاقتتلوا فيها قتالاً شديداً ، ثم إن الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم ، وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد الشام . وتوجه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعاً للروم ، فوجه إليهم أبا أمامة الصديّ بن عجلان الباهلي ، فأوقع بهم وقتل عظيمهم ، ثم انصرف .

روى أبو مخنف في يوم العربة أن ستة قواد من قواد الروم نزلوا العربة ، في ثلاثة آلاف ، فسار إليهم أبو أمامة في كثف من المسلمين فهزمهم وقتل أحد القواد ، ثم اتبعهم فصاروا إلى الدبية وهي الدابية ، فهزمهم وغنم المسلمون غنماً حسناً . .

كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة ولم يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا من الحجاز . ولم يمروا بشئ من الأرض فيما بين الحجاز وموضع هذه الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب ، وصار في أيديهم » .

وفي تاريخ الطبري : 2 / 601 : « واجتمع الروم جمعاً بالعَرْبَة من أرض فلسطين فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي ففض ذلك الجمع . قالوا : فأول حرب كانت بالشام بعد سرية أسامة ( يقصد جيش أسامة ) بالعربة ، ثم أتوا الداثنة ويقال الداثن فهزمهم أبو أمامة الباهلي ، وقتل بطريقاً منهم » .

وفي تاريخ دمشق : 2 / 82 : « أن أبا بكر كان جهز بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) جيوشاً على بعضها شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص . . وساروا معهم النساء والذرية بالخيل والسلاح ليس معهم حمار ولا شاة، فأخذوا على طريق فلسطين حتى نزلوا بقرية يقال لها ثادن من قرى غزة ، مما يلي الحجاز فلقيهم بها بطريق من بطارقة الروم ، فأرسل إليهم أن يخرجوا إليه أحد القواد ليكلمه .

قال : فتواكلوا ذلك وقالوا لعمرو بن العاص أنت لذلك فخرج إليه عمرو فرحب به البطريق ومتَّ إليه بقرابة العيص بن إسحاق بن إبراهيم من إسماعيل بن إبراهيم ، وقال : ما الذي جاء بكم ، فقد كانت الآباء اقتسمت الأرض فصار لكم ما يليكم وصار لنا ما يلينا ، وقد عرفنا أنكم إنما أخرجكم من بلادكم الجهد وسنأمر لكم بمعروف وتنصرفون .

فقال عمرو : أما القرابة فهي على ما ذكرت . وأما القسمة فإنها كانت قسمة شططاً علينا ، فنحن نريد أن نترادَّ ، فتكون قسمة معتدلة لنأخذ نصف ما في أيديكم من الأنهار والعمارة ونعطيكم نصف ما في أيدينا من الشوك والحجارة .

وأما ما ذكرت من الجهد الذي أخرجنا فإنا قدمنا فوجدنا في هذه البلاد شجرة يقال لها الحنطة ، فذقنا منها طعاماً لا نفارقكم حتى نصيركم عبيداً أو تقتلونا تحت أصول هذه الشجرة . قال فالتفت إلى أصحابه فقال صدقوا ، وافترقا .

فاقتتلوا فكانت بينهم معركة انصرف القوم على حامية ومضى المسلمون في آثارهم حتى طووهم عن فلسطين والأردن ، إلا ما كان من إيليا وقيسارية تحصن فيها أناس فتركوهم ومضوا إلى ناحية البثنية ودمشق » .

وإن صحت هذه الرواية فإن منطق عمرو العاص ليس فيه ذكر للدافع الإسلامي في الغزو ، بل الدافع الذي ذكره الطمع المادي لا غير !

 

3 . طمسوا دور أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وهو من قادة الفتح الأبطال ، وهو صحابي جليل وثقه عند الجميع ، وكان قائداً في فتح الشام ، وفي العراق ، ففي تاريخ دمشق : 21 / 463 ، قال عن القائد سلمان بن ربيعة الباهلي : « غزا الشام مع أبي أمامة الصدي بن عجلان الباهلي ، فشهد مشاهد المسلمين هناك ، ثم خرج إلى العراق فيمن خرج من المدد إلى القادسية متعجلاً فشهد الوقعة » .

فهذا يدل على أن سلمان بن ربيعة تربى على يد أبي أمامة ، وأنه رجع مع هاشم المرقال بعد اليرموك مسرعاً ليدرك القادسية ، وقد يكون أبو أمامة رجع معهم لكن الظاهر أنه لم يشارك في فتوح العراق وإيران ، بل في فتوح الشام ومصر .

قال ابن عبد البر في الإستيعاب : 4 / 1602 : « اسمه صُدَيُّ بنُ عجلان . . سكن أبو أمامة الباهلي مصر ، ثم انتقل منها إلى حمص فسكنها ومات بها ، وكان من المكثرين في الرواية عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأكثر حديثه عند الشاميين . توفى سنة إحدى وثمانين، وقيل سنة ست وثمانين، وهو آخر من مات بالشام من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قول بعضهم » .

وفي تاريخ دمشق : 24 / 56 : « توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ( أبو أمامة ) ابن ثلاثين سنة » . وفي ( 24 / 74 ) مات سنة إحدى وثمانين . فينبغي أن يكون عمره أكثر من مئة سنة .

وفي فتوح ابن الأعثم : 2 / 351 ، أنه شارك في فتح قبرص ، فكان عبادة بن الصامت أمين الغنائم : « وأعانه عليها أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي ، وغيرهم » .

وفي فتوح الواقدي : 2 / 235 : « عن أبي أمامة وكان من أصحاب الرايات قال : فبينما نحن كذلك إذ بأعلام المشركين قد انتشرت ، وراياتهم قد ظهرت ، وزينتهم وصلبانهم قد ارتفعت ، ولغتهم بالكفر قد طمطمت ، وأفيالهم قد أقبلت ، ورجالهم للقتال قد تبادرت ، فلما رأى المسلمون ذلك أخلصوا نياتهم ولم يَهُلْهُم ما رأوا من عدوهم ، وتضرعوا بالدعاء لخالقهم ، وقد استغاثوا بمالكهم ، وأكثروا من الصلاة على نبيهم ، ولم يزالوا سائرين حتى قربوا من القوم ورأوهم رأي العين ، فعند ذلك أمسك المشركون أعنة خيولهم وسلاسل أفيالهم وألقى الله الرعب في قلوبهم ، ثم خرج منهم بطريق من عظماء بطارقتهم كأنه برج مشيد من ذهب وهو لا يبين منه غير حماليق الحدق وتدوير المآق وبين يديه فارس من متنصرة العرب وهو يصيح بملء فيه : يا معاشر العرب أرسلوا إلى الملك أحداً يكلمه ، فأعلم المسلمون عمراً وخالد بن الوليد بذلك ، فأراد خالد أن يخرج إليه فمنعه الأمراء من ذلك ، فعندها وثب المقداد بن الأسود وحلف لا يخرج إليه إلا هو بنفسه . . قال الواقدي : فعندها ركب المقداد جواده ، وسار حتى وقف بين يدي البطريق وكان ذلك بولص صاحب الكفور الطاغي اللعين بطريق البطليوس ، وقد أتى بإذن الملك والبطارقة ، فلما رآه كلمه بلسان عربي مبين ثم قال : يا بدوي أأنت أمير قومك ؟ قال : لا ، قال : فاني لا أريد إلا الأمير حتى أسأله عما بدا لي لعل أن تكون فيه مصلحة بينكم وبيننا . فقال المقداد : سل عما بدا لك وما تريد ، فإنا قوم إذا فعل أحدنا أمراً وفيه نصح للدين ومصلحة للمسلمين ، لا ينكر عليه ذلك ويجيز له الأمير ما فعل ، فأخبرني عن أمرك وشأنك . . » .

وقال ابن قتيبة في المعارف / 309 : « أبو أمامة الباهلي هو : صُدَيُّ بن عجلان . وكان ممن شهد مع علي صفين ، ونزل بالشام ، وهو ممن يعد فيمن تأخر موته من الصحابة ، وتوفى سنة ست وثمانين ، وهو ابن إحدى وتسعين سنة » .

4 . وسبب إهمالهم له ولكثير من أحاديثه أنها صريحة في التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) كالذي رواه عنه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام): 1 / 545، بسنده أنه: «دخل على معاوية بن أبي سفيان فألطفه وأدناه، ثم دعا بغداء فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده ، ثم أمر له ببدرة دنانير فأتي بها فدفعها إليه ، ثم قال : يا أبا أمامة سألتك بالله ، أنا خير أم علي بن أبي طالب ؟ ! فقال أبو أمامة : والله لا كذبت ، ولو بغير الله سألتني لصدقت ، فكيف وسألتني بالله ! عليٌّ والله خير منك وأكرم وأقدم هجرة ، وأقرب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قرابة وأشد في المشركين نكاية ، وأعظم على المسلمين منة ، وأعظم غَنَاءً عن الأمة منك ! يا معاوية أتدري ويلك مَن علي ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وزوج ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين ، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وابن أخي حمزة سيد الشهداء ، وأخو جعفر ذي الجناحين الطيار مع الملائكة في الجنة ، فأين تقع أنت من هذا ! يا معاوية ، أوَ ظننت أني سأخيِّرُك على علي بن أبي طالب بإلطافك وإطعامك ومالك ، فأدخل إليك مؤمناً وأخرج عنك كافراً ! ؟

بئس ما سوَّلت لك نفسك يا معاوية ! ثم نفض ثوبه وخرج من عنده . قال : فأتبعه معاوية بالمال فقال : والله لا أرزأ منه ديناراً أبداً » .

وما رواه المفيد في أماليه / 90 : « عن شهر بن حوشب قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : والله لا يمنعني مكان معاوية أن أقول الحق في علي : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : عليٌّ أفضلكم ، وفي الدين أفقهكم ، وبسنتي أبصركم ، ولكتاب الله أقرؤكم . اللهم إني أحب علياً فأحبَّه ، اللهم إني أحب علياً فأحبه » .

ويشهد له رواية الفردوس : 1 / 370 491 : « أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب » .

وما رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : 2 / 203 : « عن فضال بن جبير : عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى

وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ هوى ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار » .

ورواه في تاريخ دمشق: 41 / 335 ، ولم يعلق عليه ، ورواه في : 42 / 66 ، وقال : « هذا حديث منكر وقد وقع إلينا جزء طالوت بن عباد وبعلو وليس هذا الحديث فيه » .

ومعنى المنكر عندهم ما يلزمهم باتباع أهل البيت (عليهم السلام)، لأنهم يريدون اتباع غيرهم!

وأحاديث أبي أمامة في فضائل أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووجوب اتباعهم وطاعتهم كثيرة ، أهملها رواة السلطة كما أهملوا جهاده في فتوح بلاد الشام وفلسطين ومصر . وقد أفلت بعضها لأنه عميق لم يفهمه الرواة والحمد لله ، كحديث لعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من استبدل بأهل بيته غيرهم وتولى غير مواليه ! وهذه اللعنة عقوبة تتناسب مع مسؤولية النبي ( صلى الله عليه وآله ) في التبليغ ، وشهادته على الأمة ، وقد جاءت بصيغة قرار من الله تعالى بلعن أولئك وطردهم من الرحمة الإلهية .

ففي سنن الترمذي : 3 / 293 : « عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في خطبته عام حجة الوداع . . . ومن ادعى إلى غير أبيه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة » .

وفي سيرة ابن هشام : 4 / 1024 : « ومن ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً » . والبخاري في صحيحه: 2 / 221، و4 / 67 وأحمد: 4 / 187 و239، والدارمي: 2 / 244 و344و مقصوده (صلى الله عليه وآله) : أبوته المعنوية للأمة ، وولايته وأهل بيته ( عليهم السلام ) . وقد فسرته بذلك أحاديث. ( بحار الأنوار : 37 / 123 ، وبشارة الإسلام ، والعمدة / 344 ) .

وليس مقصوده ( صلى الله عليه وآله ) أبُوَّة النسب ولا ولاء المالك لعبده ، لأن من ادعى أنه ابنٌ لرجل غير أبيه أو عبدٌ لمالك غير سيده ، لا يكفر ، بل هو عاص وتقبل توبته ، بينما هذا كافرٌ لا تقبل توبته بحال !

5 . أول ما فتح المسلمون في سوريا بصرى الشام ، وفيها دير الراهب بَحِيرا ، ففي تاريخ دمشق : 2 / 105 : « فنهضوا بأهل بصرى ، فما أمسوا ذلك اليوم حتى دعوا إلى الصلح فصالحوهم ، وكتبوا بينهم كتاباً فكانت أول مدينة فتحت من الشام صلحاً . . افتتحت لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة » .

وفي فتوح البلاذري : 1 / 134 : « قالوا : لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين بصرى اجتمعوا عليها وأمروا خالداً في حربها ، ثم ألصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى ألجأوه وكماة أصحابه إليها . ويقال بل كان يزيد بن أبي سفيان المتقلد لأمر الحرب لأن ولايتها وإمرتها كانت إليه لأنها من دمشق . . ذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا عن كل حالم ديناراً وجريب حنطة . وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها » .

أقول : بصرى إسكي الشام مدينة صغيرة ، بل بلدة . وقيل اجتمعت عليها جيوش الفاتحين كلها ، ثم انضم إليهم خالد ببضع مئة مقاتل جاؤوا من العراق فأي حاجة إلى هذه القوات في بلدة ليس فيها أي قوة من رومية ، ولا يريد أهلها القتال ! لذلك : « فما أمسوا ذلك اليوم حتى دعوا إلى الصلح فصالحوهم » .

وننبه هنا: إلى أن عامة المعارك المزعومة في الفتوحات، في الشام وفلسطين ومصر والعراق، وفي مناطق عديدة من فارس ، إذا لم يكن مقابل المسلمين قوات رومية أو فارسية ، فهي معارك مكذوبة أو مضخمة ، وقد اخترعها رواة السلطة ليثبوا بطولات لمن يحبونهم !

6 . عندما توجهت جيوش الفتح إلى الشام ، هرب هرقل من دمشق إلى حمص ، قال ابن العديم في تاريخ حلب : 1 / 581 : « وقد ذكر سعيد بن البطريق النصراني في تاريخه . . وكان هرقل قد تنحى من دمشق إلى حمص ، فلما سمع هرقل أن المسلمين قد أخذوا فلسطين والأردن وصاروا إلى البثنية ، خرج من حمص إلى مدينة أنطاكية ، ففرض الفروض واستنفر المستعربة من غسان وجذام ولخم وكل من قدر عليه من الأرمن ، وأقام عليهم قائداً من قواده يقال له ماهان ، ووجه بهم إلى دمشق ، وذكر أمر دمشق وفتحها ، وقال : وكل من أفلت من الروم من المقاتلة لحق بهرقل بأنطاكية ، فلما سمع هرقل أن دمشق قد فتحت قال : عليك السلام يا سورية ، ثم سار حتى دخل قسطنطينية » .

أقول : الصحيح أن وداع هرقل لسوريا وهربه إلى القسطنطينية ، كان بعد انتصار المسلمين على جيشه في اليرموك .

7 . حاصر المسلمون دمشق وبعض المدن والقصبات ، فقبلت بالصلح والجزية ولم يكن فيها قتال يذكر ، وتأخرت دمشق في قبول الصلح ، على أمل أن يرسل لها هرقل جيشاً . وترك المسلمون حصارها وذهبوا إلى معركة أجنادين في فلسطين قرب مدينة الخليل، وقيل هي طولكرم ، وانتصروا فيها .

ثم عادوا إلى معركة مرج الصفر بين دمشق والجولان ، ثم رجعوا إلى محاصرة دمشق . ثم توجهوا من حصار دمشق إلى معركة فِحْل حيث تجمعت قوات الروم ، وانتصروا عليهم .

ثم عادوا وفتحوا دمشق صلحاً ، ثم فتحوا حمص ، وبعض المدن والقصبات ، وأخذ الطرفان يستعدان لمعركة اليرموك النهائية .

معركة أجنادين ثأرت لجعفر وحررت فلسطين

8 . كانت معركة تبوك ، وجيش أسامة ، وأجنادين ، ثأراً لجعفر بن أبي طالب ! قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 67 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جمع كثير إلى تبوك من أرض الشأم يطلب بدم جعفر بن أبي طالب ( رحمه الله ) ، ووجه إلى رؤساء القبائل والعشائر يستنفرهم ويرغبهم في الجهاد ، وحض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أهل الغنى على النفقة ، فأنفقوا نفقات كثيرة ، وقووا الضعفاء » .

وقال ابن خلدون : 2 ق 1 / 224 : « وَجَد النبي ( حَزِنَ ) على من قتل من المسلمين ، ولا كوجده على جعفر بن أبي طالب ، لأنه كان تلاده ، ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف أن يتهيؤا لغزو الروم ، فكانت غزوة تبوك » .

والمعنى أن حزنه ( صلى الله عليه وآله ) على جعفر كان عميقاً ، لأنه من ذخائره العزيزة .

وكان شرحبيل بن حسنة وخالد بن سعيد رضي الله عنهما ، يعيشان هذا الهدف لأنهما كانا مهاجرين مع جعفر في الحبشة ، ورأيا مكانته عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشاركا في جيش تبوك . وعندما سمعا بتجميع هرقل لقواته في أجنادين وهي قرب مؤتة ، استبشرا ، وأرسلا إلى أبي عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وعمرو العاص ، وخالد الذي كان وصل بست مئة من العراق ، وأخبروهم بجمع الروم ، فتوجه الجميع إلى أجنادين .

قال خليفة في تاريخه / 79 : « قال ابن إسحاق : ثم ساروا جميعاً قِبَل فلسطين ، فالتقوا بأجنادين بين الرملة وبين بيت جبريل ، والأمراء كلٌّ على جنده . ويزعم بعض الناس أن عمرو بن العاص كان عليهم جميعاً . وعلى الروم القنقلار ، فقتل القنقلار . وهزم الله المشركين » .

وقال الواقدي : 1 / 48 : « ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي ، وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة . . . من بصرى يُعلم خالداً بمسير الروم إليه من أجنادين في تسعين ألف فارس . . وكان القادة أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) متفرقين في سوريا والأردن وفلسطين ، فكتب لهم أبو عبيدة أن يسيروا بقواتهم إلى أجنادين ، وأمر الناس بالرحيل فرفعت القباب والهوادج على ظهور الجمال وساقوا الغنائم والأموال » .

وتقع أجنادين قرب مدينة الخليل ، وقيل في وادي عَجُّور على بُعد 37 كيلو متراً عن الخليل ، وثلاثين كيلو متراً عن الرملة . فهذه المنطقة بما فيها مؤتة ، كانت مركز قوات الروم المدافعة عن القدس .

وقد ذكرنا في السيرة النبوية عند أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أن هرقل بعد انتصاره على كسرى حج ماشياً إلى القدس ، وكان ينوي غزو المدينة المنورة ويجمع قوات العرب في الشام ودومة الجندل مقدمةً لقوات الروم ، فأراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن ينقل المعركة إلى بلاد الشام ، فأرسل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السنة الثامنة للهجرة بجيش من ثلاثة آلاف مقاتل ، فاشتبك مع قوات هرقل في مؤتة .

وكانت معركة مؤتة غير متكافئة ، وقد استبسل جعفر بن أبي طالب ورفاقه قادة الجيش حتى استشهدوا وانسحب المسلمون ، لكنهم أوصلوا رسالة بليغة إلى هرقل ، وتبعتها في السنة التالية غزوة تبوك بقيادة النبي نفسه ( صلى الله عليه وآله ) فكانت رسالة أبلغ ، فانسحب هرقل من تبوك إلى حمص ، وراسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأجابه هرقل بجواب ليِّن ، ليتفادى المواجهة في تلك المرحلة .

ولم تقع مواجهة بين المسلمين والروم بعد تبوك إلا في أجنادين، وقد انتصر فيها المسلمون وانهزم الروم ، وترتب عليها تحرير فلسطين .

وكان بطل أجنادين خالد بن سعيد، فقد ثأر فيها لصديقه الحميم جعفر بن أبي طالب شهيد مؤتة، فقد عاش معه في الحبشة، وعمل معه في دعوة الروم إلى الإسلام، وحمل رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هرقل .

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق : 16 / 66 : « عن سهل بن سعد الأنصاري قال : كانت وقعة أجنادين وقعة عظيمة . كانت بالشام وكانت في سنة ثلاث عشرة في جمادى الأولى ، فذكر بعض أمرها ، ثم ذكر إغاثة الروم لأهل دمشق حين حصارها ، قال : فتركوا مرج الصُّفَّر فصمد المسلمون صَمْدهم . . . فلما نظر إليهم خالد عبأ لهم كتعبئة يوم أجنادين ، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة ، وعلى الخيل سعيد بن زيد بن نفيل ، وترك أبا عبيدة في الرجال » . وقد صحح ابن عساكر سعيد بن زيد بخالد بن سعيد .

وقال البلاذري : 1 / 135 : « ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرَّب هرقل أكثرهم وتجمع باقوهم من النواحي . وهرقل يومئذ مقيم بحمص » .

« واجتمعت الروم بأجنادين ، وعليهم تذارق أخو هرقل لأبويه ، وقيل كان على الروم القبقلار » . ( الكامل : 2 / 417 ) .

9 . ادعى رواة السلطة أن خالد بن الوليد قاد المعركة ، ثم ادعوها لعمرو العاص والصحيح أن كل واحد من القادة الأربعة كان قائداً لجيشه ، والجيش الذي اشتبك هو جيش شرحبيل ، وكان القائد الميداني للمعركة خالد بن سعيد وهاشم المرقال ، ولذلك أعطى القادة بالإجماع قيادة المعركة التالية لخالد بن سعيد . وقد أثبنا ذلك في ترجمته رضي الله عنه .

وفي تاريخ دمشق : 16 / 84 : « وعبأ خالد الناس فسيروا الأثقال والنساء ثم جعل يزيد بن أبي سفيان أمامهم بينهم وبين العدو ، وصار خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ، ثم رجعوا نحو الجيش وذلك الجيش خمسون ألفاً .

فلما نظر إليهم خالد بن الوليد نزل فعبأ أصحابه تعبئة القتال على تعبئة أجنادين . ثم زحف إليهم فوقف خالد بن سعيد في مقدمة الناس ، يحرض الناس على القتال ، ويرغبهم في الشهادة » .

فقد تبين أهل الخط الأمامي الذين حققوا النصر ، وأهل الخط الخلفي الذين يقفون وراء الناس ! وقد قال اليعقوبي : 2 / 134 : « وكانت بينهم وبين الروم وقعات بأجنادين صعبة ، في كل ذلك يهزم الله الروم ، وتكون العاقبة للمسلمين » .

10 . كان جيش الروم في أجنادين نحو سبعين ألفاً ، والمسلمين نحو ثلاثين ألفاً ، قال الطبري : 2 / 600 : « ونزلت الروم بثَنِيَّة جُلَّق بأعلى فلسطين ، في سبعين ألفاً ، عليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه » .

وفي تاريخ دمشق : 16 / 84 : « وعبأ خالد الناس فسيَّروا الأثقال والنساء ، ثم جعل يزيد بن أبي سفيان أمامهم بينهم وبين العدو ، وصار خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ثم رجعوا نحو الجيش ، وذلك الجيش خمسون ألفاً » .

وفي معجم البلدان : 1 / 103 : « وقالت العلماء بأخبار الفتوح : شهد يوم أجنادين مائة ألف من الروم » .

وتبالغ كتب المغازي والفتوحات في أعداد المقاتلين والقتلى والأسرى من العدو وتقلله من المسلمين ، فيحتاج الباحث إلى تخمين ذلك من مجموع الروايات .

وكان قادة فتح الشام أربعة : شرحبيل بن حسنة ، وأبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، ومع كل واحد منهم نحو سبعة آلاف ، ومع عمرو العاص ثلاثة آلاف . أما خالد بن الوليد فجاء من العراق ببضع مئات .

ولو فرضنا التحاق عدة ألوف بهم ، لكان المجموع نحو ثلاثين ألفاً .

أما جيش الروم ، فقد يكون خمسين أو سبعين ألفاً ، وقد استعمل هرقل نحو هذا العدد في معاركه مع الفرس والمسلمين .

وأما خسائر المسلمين ففي الإستيعاب : 3 / 1083 : « استشهد من المسلمين بأجنادين ثلاثة عشر رجلاً ، منهم عكرمة بن أبي جهل ، وهو ابن اثنتين وستين سنة » .

لكن الذين ذكروا في ترجمتهم أنهم قتلوا في أجنادين أكثر من هذا العدد . ويمكن معرفة عدد الجرحى في أجنادين من معركة مرج الصُّفَّر الشبيهة بها ، حيث قال البلاذري ( 1 / 141 ) : « وجرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف » .

فينبغي أن لا يقل عدد الشهداء عن مئة ليتناسب مع الأربعة آلاف جريح .

على أن الذي قلل عدد القتلى هو سرعة هزيمة الروم في أجنادين بسبب قتل القائد الملكي وبقية القادة . لذلك لم يقبل الروم بهذه الهزيمة المفاجئة وأعادوا تنظيم قواتهم بسرعة ، وفتحوا معركة مرج الصُّفَّر بين دمشق والجولان ، فكانت بعد أجنادين بعشرين يوماً .

11 . افتتح معركة أجنادين حفيدان لعبد المطلب ، ثأراً لجعفر بن أبي طالب ، فقد كان الزبير أكبر أبناء عبد المطلب ، وكان وصي أبيه رضي الله عنهما ، وهو صاحب حلف الفضول لنصرة المظلوم وحفظ حرمة الكعبة ، وقد حضره النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل بعثته ، ومدحه وأقره بعد بعثته ، وتوفي الزبير قبل بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وكان ابنه عبد الله مسلماً ، وكان من الذين ثبتوا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حنين .

وذكرت مصادر المغازي أن عبد الله كان أول من برز يوم أجنادين عندما برز بطريق مُعَلَّم ودعا إلى المبارزة ، وكانوا يعطون للفارس الشجاع درجة بطريق ، والمُعَلَّم : الذي عنده درجة في الفروسية ، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ، فاختلفا ضربات ثم قتله عبد الله بن الزبير ، ولم يتعرَّض لسلبه مع أنهم كانوا يحرصون على سلب هذا النوع من الفرسان ، وقد يختلفون على سلبه إذا اشترك في قتله أكثر من فارس ، لأنه يلبس قلنسوة مُذَهَّبة ، وحزاماً عريضاً مُذهباً ، يسمى مَنطقة . لكن حفيد عبد المطلب رضي الله عنه أعرض عنه ، لأنه رأى بطلاً رومياً آخر جاء يطلب المبارزة فبرز إليه ، فتشاولا بالرمحين ، ثم صارا إلى السيفين ، وكان الرومي مُدَرَّعاً ، فحمل عليه عبد الله فضربه على عاتقه ، وهو يقول : خذها وأنا ابن عبد المطلب ! فشقت ضربته الدرع ، وأسرع السيف في منكب الرومي ، فولى منهزماً ، ثم سقط . وقيل لعبد الله كفاك هذا فلا تقاتل ! فقال : لا أجدني أصبر ، وحمل على الروم وقتل عدداً من فرسانهم .

وبحث عنه المسلمون بعد المعركة فوجدوه مثخناً بالجراح ، في وجهه ثلاثون ضربة سيف ، وحوله عشرة من الروم مجندلين ، ووجدوا سيفه بيده لاصقاً ، فعالجوه حتى نزعوه بعد عناء .

وذكروا أن أمه مخزومية ، وله عدة أخوات ولا عقب له رضي الله عنه وأرضاه . (الإستيعاب: 3 / 904، والإصابة: 4 / 78، وتاريخ دمشق: 8 / 138 ) .

أما الحفيد الثاني لعبد المطلب ، الذي برز في أجنادين فهو : طُلَيب بن عمير بن وهب من بنى عبد بن قصي : « أمّه أروى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . يكنى أبا عديّ . وعبد بن قصيّ هو أخو عبد الدار بن قصيّ، وعبد مناف بن قصيّ، وعبد العزى بن قصيّ بن كلاب. هاجر طُليب بن عمير إلى أرض الحبشة ثم شهد بدراً.. وكان من خيار الصحابة. قال الزبير بن بكار: كان طليب بن عمير بن وهب من المهاجرين الأولين، وشهد بدراً، قتل بأجنادين شهيداً، ليس له عقب . وقال مصعب : قتل يوم اليرموك » . ( الإستيعاب : 2 / 772 ) .

وقال البلاذري ( 1 / 135 ) : « واستشهد يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ، وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، وأخوه أبان بن سعيد ، وذلك الثبت ، ويقال بل توفي أبان في سنة تسع وعشرين . وطُليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي ، بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى ، فسقط سيفه مع كفه ، ثم غشيه الروم فقتلوه » . وذكروا أن عمره كان خمساً وثلاثين ، ولم يعقب .

أقول : قلنا إن هذين الصحابيين كانا يطلبان بدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعل الثأر له هدف غزوة تبوك !

12 . يحتمل أن يكون حفيد ثالث لعبد المطلب في أجنادين هو عبد الله بن جعفر وكان عمره في معركة أجنادين نحو عشرين سنة أو أكثر ، فقد رووا أنه توفي سنة ثمانين وكان عمره تسعين سنة . ( تاريخ دمشق : 27 / 295 ) .

وروى الواقدي في فتوحه : 1 / 98 ، أن عبد الله بن جعفر الطيار خرج من المدينة للجهاد في خلافة عمر ، وقد نبت شعر عارضيه واخضر شاربه ، وأنه زار قبر والده جعفر الطيار في مؤتة ، ثم التحق بجيش أبي عبيدة ، وكان يتحدث عن الثأر لوالده من الروم . ومعناه أنه شارك في فتح الشام بعد معركة أجنادين .

وقد أطال الواقدي في وصف سرية قادها عبد الله من خمس مئة مقاتل ، قصدوا دير القدس من جهة طرابلس الشام ، وقاتلوا الروم عنده وانتصروا . ولم أجد ذكراً لدير بهذا الاسم إلا دير قدس في طريق الحجاز من الشام .

وقال الواقدي إن أبا عبيدة كان في المدينة فدعا الناس إلى الشام للجهاد ، فتقدم عبد الله بن جعفر الطيار : « ففرح أبو عبيدة وجعل يندب له رجالاً من المسلمين وفرسان الموحدين وقال له : أنت الأمير يا ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعقد له راية سوداء وسلمها إليه ، وكان على الخيل خمس مائة فارس ، منهم رجال من أهل بدر ، وكان من جملة من سيره مع عبد الله أبو ذر الغفاري ، وعبد الله بن أبي أوفى وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن أنيس ، وعبد الله بن ثعلبة ، وعقبة بن عبد الله السلمي ، وواثلة بن الأسقع ، وسهل بن سعد ، وعبد الله بن بشر ، والسائب بن يزيد ، ومثل هؤلاء السادات » .

ثم وصف الواقدي سرية عبد الله بأسلوب مطول يصف كرامات عبد الله وشجاعته ، جاء فيه عن راهب : « فجعل يتأملنا وينظر في وجوهنا فتفقدنا واحداً بعد واحد ، ثم جعل يطيل النظر في وجه عبد الله ثم قال : أهذا الفتى ابن نبيكم ؟ فقلنا : لا . قال : إن نور النبوة يلوح بين عينيه ، فهل يلحق به ؟ فقلنا : هو ابن عمه . فقال الراهب : هو من الورقة والورقة من الشجرة » .

ثم ذكر ذهاب الصحابي واثلة بن الأسقع لاستطلاع منطقة الروم : « وإذا بصاحب طرابلس قد زوج ابنته ملكاً من ملوك الروم ، وقد أتوا بالجارية إلى الدير ليأخذوا لها من راهبهم قرباناً ، وقد دار بها فرسان الروم المنتصرة في عددهم وعديدهم . . أكثر من عشرين ألفاً من عوام الروم والأرمن والنصارى والقبط واليهود من مصر والشام وأهل السواد والبطارقة والمنتصرة، وأما المستعدون للحرب فخمسة آلاف فارس . . . فصعب ذلك على عبد الله بن جعفر وعلى المسلمين وسقط في أيديهم وهموا بالرجوع ، فقال عبد الله بن جعفر : معاشر المسلمين ما الذي تقولون في هذا الأمر ؟ فقالوا : نرى أن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة كما أمر ربنا في كتابه العزيز ، ونرجع إلى الأمير أبي عبيدة والله لا يضيع أجرنا . قال : فلما سمع عبد الله قولهم ، قال : أما أنا فأخاف إن فعلت ذلك أن يكتبني الله من الفارين ، وما أرجع أو أبدي عذراً عند الله تعالى ، فمن ساعدني فقد وقع أجره على الله ومن رجع فلا عتب عليه . فلما سمعوا ذلك من عبد الله بن جعفر أميرهم استحيوا منه وأجابوه بأجمعهم وقالوا: إفعل ما تريد فما ينفع حذر من قدر، ففرح بإجابتهم ثم عمد إلى درعه فأفرغه عليه ، ووضع على رأسه بيضة وشد وسطه بمنطقة وتقلد بسيف أبيه ، واستوى على متن جواده وأخذ الراية بيده ، وأمر الناس بأخذ الأهبة فلبسوا دروعهم واشتملوا بسلاحهم ، وركبوا خيولهم وقالوا للدليل : سر بنا نحو القوم فستعاين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عجباً .

قال وائلة بن الأسقع : رأيت الدليل قد اصفر وجهه وتغير لونه وقال : سيروا أنتم برأيكم وما عليَّ من أمركم ، وخرج ! قال أبو ذر الغفاري : فرأيت عبد الله بن جعفر يتلطف به حتى سار بين يديه يدله على القوم ساعة ، ثم وقف وقال : أمسكوا عليكم فإنكم قد قربتم من القوم ، فكونوا في مواضعكم كامنين إلى وقت السحر ، ثم أغيروا على القوم .

قال وائلة بن الأسقع : فبتنا ليلتنا حيث أمرنا ونحن نطلب النصر من الله تعالى على الأعداء ، فلما أصبح النهار صلى بهم عبد الله بن جعفر صلاة الصبح ، فلما فرغوا من صلاتهم قال : ما ترون في الغارة ؟ فقال عامر بن عميرة بن ربيعة : أدلكم على أمر تصنعونه ؟ قالوا : قل ، قال : اتركوا القوم في بيعهم وشرائهم وإظهار أمتعتهم ، ثم اكبسوا عليهم على حين غفلة وغرة من أمرهم فصوب الناس رأيه وصبروا إلى وقت قيام السوق ، ثم أظهروا السيوف من أغمادها وأوتروا القسي وشرعوا لاماتهم وعبد الله بن جعفر أمامهم الراية بيده فلما طلعت الشمس عمد عبد الله إلى المسلمين . فجعلهم خمسة كراديس كل كردوس مائة فارس ، وجعل على كل مائة نقيباً ، وقال : تأخذ كل مائة منكم قطراً من أقطار سوقهم ، ولا تشتغلوا بنهب ولا غارة ، ولكن ضعوا السيوف في المفارق والعواتق ، وتقدم عبد الله بن جعفر بالراية وطلع على القوم ، فنظر إلى الروم متفرقين في الأرض كالنمل لكثرتهم . . .

وقال أبو سبرة إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي قيس ، وكان من السابقين والمتقدمين بإيمانهم في الإسلام وصاحب الهجرتين جميعاً قال : شهدت قتال الحبشة مع جعفر بن أبي طالب ، وشهدت المشاهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بدر وفي أحد وفي حنين ، وقلت إني لا أشهد مثلها ، فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حزنت عليه ، ولم أستطع أن أقيم بالمدينة بعد فقده فقدمت مكة فأقمت بها فعوتبت في منامي من التخلف عن الجهاد ، فخرجت إلى الشام وشهدت أجنادين والشام وسرية خالد خلف توما وهربيس ، وشهدت سرية عبد الله بن جعفر وكنت معه على دير أبي القدس ، فأنستني وقعتها ما شهدت قبلها من الوقائع بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك أني نظرت إلى الروم حين حملنا عليهم في كثرتهم وعمدهم وقلنا ما ثم غيرهم ، وليس لهم كمين عظيم . قال : فرأينا أجسادهم هائلة وعليهم الدروع ، وما يبين منهم إلا حماليق الحدق ، لهم طقطقة وزمجرة عندما يحملون ، حتى نظرت إلى المسلمين قد غابوا في أوساطهم ولا أسمع منهم إلا الأصوات ، تارة يجهرون بها وتارة أقول هلكوا ! ثم أنظر إلى الراية بيد عبد الله بن جعفر . . . ولم نزل في الحرب والقتال حتى كلت منا السواعد وخدرت المناكب . قال : وعظم الأمر علينا وهالنا الصبر وتثلم سيف عبد الله في يده ، وكادت تقع فرسه من تحته ، فالتجأ بأصحابه في موضع ، فاجتمع أصحابه إليه فنظر المسلمون إلى رايته فقصدوها ، وما منهم إلا مكلوم من المشركين ، فضاق لذلك ذرعه وما نزل به في نفسه مثل ما نزل بالمسلمين ، فألجأ إلى الله تعالى أمره ، وفوض إلى صاحب السماء شأنه ، ورفع يده إلى السماء وقال في دعائه : يا من خلق خلقه وأبلى بعضهم ببعض ، وجعل ذلك محنة لهم أسألك بجاه محمد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا ما جعلت لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً ، ثم عاد إلى القتال وأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقاتلون معه تحت رايته ، فلله در أبي ذر الغفاري فإنه نصر ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجاهد بين يديه ، قال عمرو بن ساعدة : فلقد رأيته مع كبر سنه يضرب بسيفه ضرباً شديداً في الروم وينتمي إلى قومه ويذكر عند حملاته اسمه ويقول : أنا أبو ذر ، والمسلمون يفعلون كفعله . .

ثم ذكر مجئ خالد بن الوليد وضرار بن الأزور في سرية لمساعدة سرية عبد الله بن جعفر ، قال : « فلله در أبي ذر الغفاري ، وضرار بن الأزور ، والمسيب بن نجية الفزاري ، لقد قرنوا المواكب وهزوا المضارب وقتلوا الروم من كل جانب والتقى ضرار بعبد الله بن جعفر فنظر إليه والدم على أكمام درعه كأكباد الإبل فقال شكر الله تعالى لك يا ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والله إنك لقد أخذت بثأر أبيك وشفيت غليلك . . » .

ثم ذكر الواقدي أنهم انتصروا وأخذوا الغنائم ، وأعطوا الجارية لعبد الله بن جعفر !

أقول : نقاط الضعف في هذه الرواية وأمثالها كثيرة ، تشير إلى أنها موضوعة من مخيلة الواقدي ، أو الراوي الذي نسبها إلى الواقدي ، فهذه الروايات التي تقوم على المبالغة والأسطورة توجب الشك في نسبة هذه النسخة من المغازي إليه .

كما ورد عند الواقدي اسم حفيد رابع لعبد المطلب هو مسلم بن عقيل ( 2 / 295 ) في فتح دمشق ، فقد يكون شهد معركة أجنادين .

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي