الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
إصلاح المجتمع والثقافة
المؤلف: د. علي القائمي
المصدر: تربية الأطفال واليافعين وإعادة تأهيلهم
الجزء والصفحة: ص339ـ346
28-6-2020
4406
الإنسان بحسب الفطرة أو بالإكتساب حسب نظر بعض علماء الاجتماع، موجود اجتماعي..
يعيش بين الناس، يتأثر بهم ويؤثر فيهم ويقبل نظام قيم المجموعة ويخضع لها في ظل الحياة الاجتماعية بل ويتأثر بأفكار المجتمع ويتصرف على أساس السلوك العقائدي للمجتمع.
من أين نتعلم الادب والتربية؟ لا شك من الوالدين، من الاقارب والآخرين، من الاصحاب، من وسائل الاعلام وكافة الظواهر المحيطة بنا سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولذا فإن مسيرة التأهيل ستؤتي أكلها عندما يتم السيطرة على هذه العوامل.
العوامل البناءة للإنسان:
بعد الخلقة ورؤية النور في هذا العالم يتأثر الإنسان بعشرات العوامل المادية وغير المادية على صعيد الثقافة والمجتمع والبيئة... القصد من الثقافة مجموعة الرؤى والأفكار والآمال والمهارات والوسائل والادوات والتقاليد والآداب و.. وعموماً فللثقافة بعد مفصلي في بناء الإنسان حيث يمكن أن تنجب أشخاصاً سالمين ومستقيمين أو مرضى وفاسدين.
إن مجتمعنا يتأثر بأدوات الثقافة من قبيل الكتاب واللغة والنظم والفنون والأساليب والمقررات والمؤسسات الدينية والإقتصادية والإجتماعية والمؤسسات الصناعية والعسكرية والحكومية حيث تتبادل التأثير والتأثر. كما أن التيارات الإجتماعية المنبثقة عن ثقافة المجتمع أو التي أصبحت فيما بعد جزءاً من الثقافة تترك أثرها فينا وتمارس ضغطها علينا إلى الحد الذي ندمن عليها بالتدريج.
تصرفات الإنسان:
إن تصرفات الإنسان سواء أكانت جيدة أو سلبية، صحيحة أو خاطئة تنبع من القيم السائدة في المجتمع والمتوائمة مع الثقافات بنسب متباينة؛ فكل من الطهارة والجد والإجتهاد وإسداء الخدمات والخيانة والهجوم والدفاع مكتسبة من المجتمع والثقافة.
يعد الإنسان في المفهوم الثقافي لبنة الثقافة السائدة في المجتمع، يتعلم منه الغاية والمنهجية والواجب والعقائد والصداقة والعداوة والمجاملات والحيل والخداع كما يستلهم من ثقافة المجتمع الآداب والمراسيم وطريقة التفكير بل وحتى طريقة النمو.
من هنا فإن كثيراً من صور الإنحراف والحالات الشاذة ناجم عن إنحرافات موروثة أو تقليد لسلوك غلط سائد في المجتمع وأن الطفل تعلمها بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أبناء المجتمع ونماذج القدوة والاقران والإصحاب ثم ترسخت فيه.. على هذا فإن أريد إصلاح المجتمع فلا بد أولاً من إصلاح ثقافة المجتمع.
دور البيئة:
المقصود من البيئة كافة العوامل والظروف التي يعوم فيها الشخص.. هذه العوامل ربما كانت مادية وقد تكون معنوية أو غذائية أو جغرافية أو إجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو عسكرية أو متعلقة بالدواء أو.. وقد تكون نابعة من المنزل أو المدرسة أو المجتمع وغير ذلك. كما يمكن القول إن المراد من البيئة مجموعة العلل والأسباب التي تولد لدى الأشخاص نوعاً خاصاً من الاحاسيس والأفكار الخاصة المكونة لشخصية الفرد في الحياة.
البيئة تبني الإنسان وأحياناً تحطمه؛ فالبيئة التي يكثر فيها الإزدحام والتلوث والفساد والإنحراف يستحيل فيها الإصلاح والبناء وإن حصل فبمقدار قليل جداً كما ان البيئة المريضة تستحيل فيها السلامة وبذلك فإن الإصلاح والسلامة تستلزمان بالطبع إزالة عوامل التلوث منها. كثير هم الأشخاص النزيهون والطاهرون الذين جرفهم التيار بعد عيشهم في بيئة طالحة فيما انضم كثير من الفاسدين والمنحرفين الى صنف الصلحاء والنزيهين بعد ان عاشوا في بيئة صالحة.
دور الأقران والأصحاب:
الدور الذي يلعبه أصدقاء الطفل يفوق في تأثيره أحياناً دور الأب والأم؛ فالطفل يتعلم الأسس الخلقية والقيم الإجتماعية والنظام الحكومي والآداب والمراسيم ونوع العلاقات ووظائفه عادة من الأصدقاء وبذلك فما من شك ان مصاحبة الوقحين والشريرين وغير المؤدبين تؤثر فيه والأمر كذلك بالنسبة لصاحب المؤدبين والصادقين والخلوقين.
في الوقت الذي نؤيد فيه حاجة الطفل للأصدقاء ومن يلهو معهم لكننا لا نعتقد بصحة ان يعاشر ويصاحب الطفل أياً كان ذلك ان الصديق الخاطئ والمعتدي لا يزيد في الشخص إلا مفاهيم الإعتداء والعنف وربما تفاقم حالة الإنحراف وظهور الحالات الشاذة في الطفل.
هناك عوائل تعمل على تجنيب أطفالها مشاهدة المشاهد الملوثة والأفلام ذات الآثار السيئة والإحتيال في حين يتعرف أطفالهم على تلك المشاهد والحالات المضرة نفسها عن طريق أصدقائهم.
دور الأفكار والفلسفات:
يعود كثير من حالات التلوث والفساد الى طريقة التفكير والفلسفة السائدة في المجتمع، فالأمثلة والكنايات القبيحة المستخدمة تمهد لشيوع الفساد في الأطفال واليافعين الأمر الذي يستلزم جهوداً ناجعة في مجال التضاد الفكري والتشاؤم واليأس الفلسفي والرؤى التي تسوق الناس للامبالاة والإنحلال.
تسلب بعض الثقافات إستقلالية الفكر والتحرك والسعي من الأشخاص وتجعل الأولاد أشخاصاً مستسلمين، وأحياناً تسلب الأفكار والفلسفات القائمة من الأشخاص مفاهيم الوحدة وترسخ فيهم القيم الكاذبة والمزيفة بينما تعمل بعض المقاييس على فتح ثغرة في الرؤى الموجودة ومن ثم ملؤها بقيم مغلوطة.. ينبغي التفكير في كل هذه القضايا وإيجاد الحلول الناجعة لها.
دور وسائل الاعلام: لوسائل الاعلام من إذاعة وتلفزيون وسينما وغير ذلك دور إستثنائي في بناء أو تأهيل الأشخاص، وعلى الوالدين اللذين يسمحان لأولادهما الإفادة من هذه الوسائل مراعاة الجانب الخلقي وفحوى برامجها خاصة وأن كثيراً من مضامين هذه البرامج ليست فقط غير مناسبة للأطفال بل ومضرة أيضاً.
لا ينبغي الإفراط في الإستفادة من هذه الوسائل إلا أن تكون برامجها المخصصة للأطفال متماشية مع منهجنا العقائدي، لكن الوضع القائم يكشف عن ان كثيراً منها خالياً من الجانب التربوي فضلاً عن ان بعضها تمهد لأن يشذ الطفل عن السلوك الصحيح وتعلمه عادات وأفكاراً خاطئة والأمر نفسه ملاحظ في المسرحيات.
دور المطبوعات:
إن مطالعة الكتب والمجلات والصحف جيدة جداً لنقل التراث الثقافي وتوعية الأطفال شريطة أن يكون مضمونها مفيداً وبما يبني شخصية الطفل...
على المطبوعات ان تنقل الأفكار التي تحظى بتأييد المجتمع والدين وتعرف الطفل على الأمور الإيجابية وإلا وجب الوقوف بوجه المطبوعات الفاسدة والمفسدة.
بعض المناهج الدراسية هي الأخرى لا تملك برامج مفيدة وبناءة بل هي اشبه ما تكون بوسيلة تمهد للفساد والتلوث أن بعض القصص والتمثيليات المعدة للأطفال تولد فيهم الغم. نعم إن مطالعة الكتاب والصحيفة والمجلة جيد ولكن أي كتاب وأي مجلة وصحيفة وأي نوع من المعلومات تغذيهم بها وبعبارة أخرى يجب الحؤول دون مطالعة النتاجات التي تولد الحقد والعداوة والفساد في الطفل.
دور العوامل الأخرى:
من العوامل الأخرى التي تترك بصماتها في هذا المجال الآداب والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع والنهج السياسي والحكومة والاسس والمقررات النافذة حيث يؤثر كل منها وبطريقة ما في الإنسان بالسلب أم بالإيجاب.
يبلغ حجم تأثير هذه العوامل إلى الحد الذي نعكس جانباً منها في حياتنا الخاصة فلو سيطر النظام الدكتاتوري فإنه سينفذ الى جميع ابعاد حياتنا ويدفعنا لانتهاج أساليب من المنوال نفسه فيها.. إن شخصية كل طفل، بل وكل إنسان، مرتبطة بالعوامل المحيطة به وتتأثر بها الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد بضرورة المراقبة والتقويم.
ضرورة التقويم:
إن كثيراً من مشاكلنا نابعة من كوننا ننسى في أي عصر وأي ظروف نعيش.. هل ان ما ينقل إلينا أو حتى ما يفرض علينا تحت عنوان الثقافة الجامعة نزيه ونقي ومطهر من الفساد والتلوث ام لا.
تعد تربية الأولاد أهم واجباتنا على صعيد الحياة العائلية وتقع على عاتقنا مسؤولية عظيمة بشأن ما ننقله إلى الأطفال خاصة وأنهم بناة المستقبل.
لقد بلغ التراث الثقافي من التعقيد والتداخل اليوم حداً بحيث يستلزم تقويم كل ثقافة وعدم المرور من جانبها مرور الكرام، حتى انه يجب السعي لتعيين النقاط الإيجابية والسلبية ونبذ ما فيها من أوهام وخرافات ومقومات الفساد والواردات السيئة من الثقافات الغربية والشرقية و.. والأخذ بالرؤى والآداب الصحيحة منها ونقلها للطفل.
ضرورة الرقابة:
من الضروري بناء وإصلاح المجتمع وثقافته وفرض الرقابة على المجالات والاقسام الثقافية إذا ما أريد إصلاح وتأهيل الأطفال وحتى كل الجيل الذي يعاني من حالة غير طبيعية.. على الوالدين أن يوفرا للطفل أجواء يستطيع من خلالها الترعرع بصورة سليمة وينجز أعمالاً مفيدة وإيجابية دون أن يتعرضوا لحيف أو ظلم.
إن الأهمية البالغة للتربية تجعلنا نشعر بمسؤولية كبير إزاءهم ونأخذ بعين الاعتبار النقاط والضرورات التربوية؛ فالمجتمع الذي يسود فيه السلوك المنحرف والخيانة والخداع والفوضى لا يمكن، أو يصعب جداً، تحقيق تقدم ونجاح بشأن التربية كما ان المجتمع الذي يسوده الانحلال والفوضى من الصعب جداً أن يكون أطفالنا فيه على النمط الذي ننشده وبالتالي الحفاظ عليهم من المخاطر.
واجب الناس:
يجب على الناس في المجتمع الإسلامي إصلاح أنفسهم وجوباً شرعياً فضلاً عنه وجوباً إنسانياً وأخلاقياً في آن واحد، فينبغي على الناس أن يراقبوا أنفسهم في قولهم وعلاقاتهم ونوع تعاملهم وطريقة تصرفاتهم وأن تكون أخلاقهم وأفعالهم مطابقة للدين وإلا لم ولن يضروا إلا أنفسهم.
يستلزم من الناس في المجتمع الإسلامي بناء بعضهم بعضاً، والتواصي بالخير، والتعاون فيما بينهم وأن يكون أحدهم أسوة حسنة للآخر، ومرآة له يأمر أحدهم الآخر بالمعروف وينهاه عن المنكر.
لا معنى للامبالاة في المجتمع الإسلامي، لا مجال ولا حق للإنحلال.. ليس لأحد الحق في الجهر بالفساد والتسليم للمنكرات ذلك أن الروح المشتركة في المجتمع هي السائدة والأفكار والاحاسيس يؤثر بعضها في الآخر فلو تلوث شخص ما فإنه سيمهد تلقائياً إلى تلوث الآخرين.
في مجال شيوع العادات الحسنة يتوجب على الناس مراقبة تصرفاتهم فيهدي أحدهم للآخر عيوبه ويحول دون بروز الظروف غير الصحيحة وحسب تعبير القرآن الكريم يكون (بعضهم أولياء بعض) فيصلح بعضهم إنحراف البعض الآخر ويحلون المشاكل ويتبادلون الود فيما بينهم، وسواء أكان المجتمع بكل قطاعاته على طريق توحيد الصف أم الفرقة تسوده الأخوة أو العداوة فإنه يؤثر بعضه في الآخر غير أن الإسلام يدعو الى ممارسة الرقابة على كافة الجوانب الحياتية.
واجب الحكومة:
للحكومة الإسلامية صلاحيات واسعة لبناء وإصلاح المجتمع، إذ تبادر إلى مكافحة المنكر مع مراعاة احترام بعضهم الآخر وكذلك السعي للحفاظ على الحقوق والدفاع عن الكرامة والشرف الإنساني وصولاً إلى بناء حياة إنسانية سامية تخلو منها مظاهر الفساد.
من وجهة النظر الإسلامية يقابل المجاهر بالمعصية بالجزاء العلني حتى يكون عبرة لغيره فيرتدعون عن القيام بمثل هذا العمل، وعلى هذا يجب على الحكومة في المجتمع الإسلامي الحد من اتساع رقعة المعاصي والمشاهد المحرمة ومنع الناس من لعب القمار وممارسة الفحشاء وشيوع الفوضى، وللأحكام والحدود الإسلامية آراء في هذا المجال.
وخلاصة القول إن تأهيل وإصلاح الجيل يستوجب أن تنصب بعض المساعي لتأهيل المجتمع والثقافة السائدة فيه ونقدها وتقويمها وتنقيتها بالمقدار الممكن وإلا كان الإصلاح مستحيلاً وإن حصل فبنسبة قليلة جداً.