التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
دور عائشة وطلحة والزبير
المؤلف: مؤسسة الغدير
المصدر: موسوعة سيرة الإمام علي (عليه السلام)
الجزء والصفحة: ص القسم السابع، فصل2، الباب 1-10. جهادة بعد البعثة »
12-2-2020
4172
دور عائشة في تحشيد الناس لقتال الامام علي عليه السلام
اولا: الارسال الكتب للأمصار
* كتبت عائشة إلي رجال من أهل البصرة، وكتبت إلي الأحنف بن قيس، وصبرة بن شييمان، وأمثالهم من الوجوه، ومضت حتي إذا كانت بالحُفَير انتظرت الجواب بالخبر .
*ـوكتبت عائشة إلي أهل الكوفة بما كان منهم، وتأمرهم أن يثبّطوا الناس عن علي، وتحثّهم علي طلب قتلة عثمان، وكتبت إلي أهل اليمامة وإلي أهل المدينة بما كان منهم أيضاً .
*عن مجالد بن سعيد: لمّا قدمت عائشة البصرة كتبت إلي زيد بن صوحان : من عائشة بنت أبى بكر اُمّ المؤمنين حبيبة رسول الله إلي ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أمّا بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فأقدِم ، فانصرنا علي أمرنا هذا ; فإن لم تفعل فخذّل الناس عن علىّ .
فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلي عائشة بنت أبى بكر الصدّيق حبيبة رسول الله ،أمّا بعد : فأنا ابنك الخالص إن اعتزلتِ هذا الأمر ، ورجعت إلي بيتك ، وإلاّ فأنا أوّل من نابذك .
قال زيد بن صوحان: رحم الله اُمّ المؤمنين! اُمِرتْ أن تلزم بيتها، واُمرنا أن نقاتل، فتركتْ ما اُمرتْ به وأمرتْنا به، وصنعت ما اُمرنا به ونهتنا عنه!
اعتراض أم سلمة رضي الله عنها على فعل عائشة
* عن عبدالرحمان بن مسعود العبدي قال: كنت بمكة مع عبدالله بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا إلى عبدالله بن الزبير فأتاهما وأنا معه فقالا له: إن عثمان قتل مظلوما وإنا نخاف أن ينقض أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله أن يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا! ! قال : فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها فدخل عبد الله بن الزبير معها في سترها فجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا [ ه به ] فقالت: سبحان الله والله ما أمرت بالخروج وما يحضرني من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة فإن خرجت خرجت معها .
فرجع إليهما فبلغهما ذلك فقالا: ارجع إليها فلتاتها فهي أثقل عليها منا فرجع إليها فبلغها فأقبلت حتى دخلت على أم سلمة. فقالت لها أم سلمة: مرحبا بعائشة والله ما كنت لي بزوارة فما بدا لك؟ قالت: قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما؟! قال : فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت : يا عائشة أنت بالأمس تشهدين عليه بالكفر وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما فما تريدين ؟ ! قالت : تخرجين معنا فلعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قالت: يا عائشة أتخرجين وقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعنا؟ نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك إن صدقت أتذكرين يوما كان يومك من رسول الله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو عليه وآله السلام يقول: والله لا تذهب الليالي والايام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له الحوأب امرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الاناء من يدي فرفع رأسه إلي وقال: ما لك يا أم سلمة؟ فقلت: يا رسول الله ألا يسقط الاناء من يدي وأنت تقول ما تقول ما يؤمنني أن يكون أناهي؟! فضحكت أنت فالتفت إليك فقال: بما تضحكين يا حمراء الساقين إني أحسبك هي.
ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسرى بنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكان كذا وكذا وهو بيني وبين علي بن أبي طالب عليه السلام يحدثنا فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي بن أبي طالب فرفع مقرعة كانت عنده يضرب بها وجه جملك وقال : أما والله ما يومه منك بواحد ولا بليته منك بواحدة أما إنه لا يبغضه إلا منافق كذاب .وأنشدك بالله أتذكرين مرض رسول الله الذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر - وقد كان علي بن أبي طالب عليه السلام يتعاهد ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعله وخفه ويصلح ما وهي منها فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله وهى حضرمية وهو يخصفها خلف البيت - فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا : يا رسول الله كيف أصبحت ؟ فقال: أصبحت أحمد الله. قالا: ما بد من الموت. قال: أجل لابد منه. قالا: يا رسول الله فهل استخلفت أحدا؟ قال : ما خليفتي فيكم إلا خاصف النعل فخرجا فمرا على علي بن أبي طالب وهو يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وكل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه .ثم قالت أم سلمة : يا عائشة أنا أخرج على علي عليه السلام بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! فرجعت عائشة إلى منزلها وقالت: يا ابن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة بعد الذي سمعته من أم سلمة فرجع فبلغهما قال: فما انتصف الليل حتى سمعنا رغاء إبلها ترتحل فارتحلت معهما. بيان نباح الكلب: صياحه قاله الجوهري: [ ويقال : ] وهي السقاية وهيا إذا تخرق وانشق .والرغاء : صوت الابل .
*- الصادق عليه السلام أنه قال : دخلت أم سلمة بنت أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة فحمدت الله وصلت على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قالت : يا هذه أنت سدة بين رسول الله وبين أمته وحجابه عليك مضروب وعلى حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وضم ضفرك فلا تنشريه واسكني عقيرتك فلا تصحريها إن الله من وراء هذه الامة قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل بك فقد نهاك عن الفرطة في البلاد ، ان عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن إن انصدع ، حمادي النساء غض الاطراف وضم الذيول والاعطاف وما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله عارضك في بعض هذه الفلوات وأنت ناصة قعودا من منهل إلى منهل ومنزل إلى منزل ولغير الله مهواك وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله تردين وقد هتكت عنك سجافه ونكثت عهده وبالله أحلف لو أن سرت مسيرك ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول الله أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه علي صلى الله عليه وآله وسلم فاتقي الله واجعليه حصنا وقاعة الستر منزلا حتى تلقينه أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه وأنصح ما تكونين لله ما لزمتيه ، وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة .فقالت لها عائشة : ما أعرفني بموعظتك وأقبلني لنصيحتك ليس مسيري على ما تظنين ما أنا بالمغترة ولنعم المطلع تطلعت فيه فرقت بين فئتين متشاجرتين فإن أقعد ففي غير حرج وإن أخرج ففي ما لا غناء عنه من الازدياد به في الاجر .
قال الصادق عليه السلام: فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول :
لو كان معتصما من زلة أحد *** كانت لعائشة الرتبى على الناس
من زوجة لرسول الله فاضلة *** وذكر آي من القرآن مدارس
وحكمة لم تكن إلا لها جسها *** في الصدر يذهب عنها كل وسواس
يستنزع الله من قوم عقولهم *** حتى يمر الذي يقضي على الرأس
ويرحم الله أم المؤمنين لقد *** تبدلت لي إيحاشا بإيناس
فقالت لها عائشة: شتمتيني يا أخت ؟
فقالت لها أم سلمة : لا ولكن الفتنة إذا أقبلت غطت عين البصير وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل .- عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن عقبة الازدي عن أبي الاخنس الارجي قال : لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة كتبت إليها أم سلمة رحمة الله عليها زوجة النبي صلى الله عليه وآله : أما بعد فإنك سدة بين رسول الله وبين أمته وحجابه المضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الامة وقد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك لفعل ، وقد عهد فاحفظي ما عهد ولا تخالفي فيخالف بك .واذكري قوله في نباح كلاب الحوأب ، وقوله : ما للنساء والغزو ، وقوله : انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت علت بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد .إن عمود الاسلام لن يثأب بالنساء إن مال ، ولن يرأب بهن إن صدع ، حماد يأت النساء غض الابصار وخفر الاعراض وقصر الوهازة .ما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين الله مهواك وعلى رسوله تردين قد وجعت سدافته وتركت عهيداه .لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى رسول الله هاتكة حجابا قد ضربه علي فاتقي الله [ و ] اجعلي حصنك بيتك ورباعة الستر قبرك حتى تلقيه وأنت على تلك الحال أطوع ما تكونين لله ما لزمته وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه ، لو ذكرتك بقول تعرفينه لنهشت نهش الرقشا المطرق .فقالت عائشة : ما أقبلني لوعظك وما أعرفني بنصحك وليس الامر على ما تظنين ولنعم المسير مسيرا فزعت إلي فيه فئتان متشاجرتان إن أقعد ففي غير خرج وإن أنهض فإلى ما لابد من الازدياد منه .فقالت أم سلمة :
لو كان معتصما من زلة أحد *** كانت لعائشة العتبى على الناس
كم سنة لرسول الله دارسة *** وتلو آي من القرآن مدارس
قد ينزع الله من قوم عقولهم *** حتى يكون الذي يقضي على الرأس
* عن أبي كبسة ويزيد بن رومان قالا : لما اجتمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أم سلمة رضي الله عنها وكانت بمكة فقالت : يا ابنة أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقمؤ في بيتك وكان يقسم لنا في بيتك وكان ينزل الوحي في بيتك .قالت لها : يا بنت أبي بكر لقد زرتيني وما كنت زوارة ولأمر ما تقولين هذه المقالة قالت : إن بني وابن أخي أخبراني أن الرجل قتل مظلوما وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاعون فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعل الله أن يصلح بين فئتين متشاجرتين .فقالت : يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين ؟ فلقد كنت أشد الناس عليه وإن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد بايعه المهاجرون والانصار إنك سدة بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين أمته وحجابه مضروبة على حرمه وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه وسكنى عقيراك فلا تضحي [ فلا تفضحي خ ل ] بها ، الله من وراء هذه الامة قد علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكانك ولو أراد أن يعهد إليك فعل قد نهاك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن الفراطة في البلاد إن عمود الاسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ولا يشعب بهن إن انصدع حماديات النساء غض بالأطراف وقصر الوهادة وما كنت قائلة لو أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين الله مهواك وعلى رسول الله تردين وقد وجهت سدافته وتركت عهيداه أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا ( صلى الله عليه وآله ) هاتكة حجابا قد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله ما لزمته وانصر ما تكونين للدين ما جلست عنه .ثم قالت : لو ذكرتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسا في علي صلوات الله عليه لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الخبب أتذكرين إذ كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرع بين : نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه علي صلوات الله عليه ويحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت بأنك هجمت عليهما فقلت : يا علي إنما لي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني فأخبرتيني أنه قال لك أتبغضينه فما يبغضه أحد من أهلي ولا من أمتي إلا خرج من الايمان أتذكرين هذا يا عائشة ؟ قالت : نعم .ويوم أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سفرا وأنا أجش له جشيشا فقال : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الادبب تنبحها كلاب الحوأب فرفعت يدي من الجشيش وقلت : أعوذ بالله أن أكونه .فقال : والله لابد لاحداكما أن تكونه اتقى الله يا حميراء أن تكونيه .أتذكرين هذا يا عائشة ؟ قالت : نعم .ويوم تبدلنا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فجلس إلى جنبك فقال : أتظنين يا حميراء أني لا أعرفك ؟ أما إن لامتي منك يوما مرا - أو يوما أحمر! ! - أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت : نعم .ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجاء أبوك وصاحبه يستأذنان فدخلنا الخدر فقالا : يا رسول الله إنا لا ندري قدر مقامك فينا فعلو جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك .قال : أما إني أعرف مكانه وأعلم موضعه ولو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن عيسى بن مريم فلما .خرجا خرجت إليه أنا وأنت وكنت جريئة عليه فقلت من كنت جاعلا لهم ؟ فقال : خاصف النعل وكان علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يصلح نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا تخرفت ويغسل ثوبه إذا اتسخ فقلت : ما أرى إلا عليا فقال : هو ذاك أتذكرين هذا يا عائشة قالت : نعم .قالت ويوم جمعنا رسول الله في بيت ميمونة فقال : يا نسائي اتقين الله ولا يسفر بكن أحد .أتذكرين هذا يا عائشة قالت : نعم ما أقبلني لوعظك وأسمعني لقولك فإن أخرج ففي غير حرج وإن أقعد ففي غير بأس .
فخرجت [ من عندها ] فخرج رسولها فنادى في الناس من أراد أن يخرج [ فليخرج ] فإن أم المؤمنين غير خارجة فدخل عليها عبدالله بن الزبير فنفث في أذنها وقلبها في الذروة فخرج رسولها تنادى من أراد أن يسير فليسر فإن أم المؤمنين خارجة .
فلما كان من ندمها [ بعد انقضاء حرب الجمل ما كان ] أنشأت أم سلمة تقول :
لو أن معتصما من زلة أحد *** كانت لعائشة الرتبى على الناس
كم سنة [ من ] رسول الله تاركة *** وتلو آري من القرآن مدراس
قد ينزع الله من ناس عقولهم *** حتى يكون الذي يقضي على الناس
فيرحم الله أم المؤمنين لقد *** كانت تبدل إيحاشا بإيناس
*- وروى أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أن عائشة أتت أم سلمة فقالت لها : أنت أقرب منزلة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نسائه وأول من هاجر معه وكان رسول الله يبعث إلى بيتك ما يتحف له ثم يقسمه بيننا وأنت تعلمين ما نال عثمان من هذه الامة من الظلم والعدوان ولا أنكر عليهم إلا أنهم استتابوه فلما تاب ورجع قتلوه وقد أخبرني عبدالله بن عامر وكان عثمان على البصرة أنه قد اجتمع بالبصرة مائة ألف من الرجال يطلبون بثأره وأخاف الحرب بين المسلمين وسفك الدماء بغير حل لعزمت على الخروج لأصلح بينهم فلو خرجت معنا لرجونا أن يصلح الله بنا أمر هذه الامة .فقالت أم سلمة : يا بنت أبي بكر أما كنت تحرضين الناس على قتله وتقولين : اقتلو نعثلا فقد كفر ! ! وما أنت والطلب بثأره وهو رجل من بني عبد مناف وأنت امرأة من تيم بن مرة ؟ بينك وبينه قرابة وما أنت والخروج على علي بن أبي طالب أخي رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وقد اتفق المهاجرون والانصار على إمامته .ثم ذكرت طرفا من مناقبه وعدت نبذة من فضائله وقد كان عبدالله بن الزبير واقفا على الباب يسمع كلامها فناداها : يا أم سلمة قد علمنا بغضك لآل الزبير وما كنت محبة لنا ولا تحبينا أبدا .
فقالت أم سلمة: أتريد أن نخرج على خليفة رسول الله ومن علم المهاجرون والانصار أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولاه أمر هذه الامة .فقال : ما سمعنا ذلك من رسول الله فقالت : إن كنت لم تسمع فقد سمعته خالتك هذه فاسألها تحدثك وقد سمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب : أنت خليفتي في حياتي وبعد موتي من عصاك فقد عصاني أهكذا يا عائشة ؟ فقالت : نعم سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأشهد بها فقالت أم سلمة : فاتقي الله يا عائشة واحذري ما سمعت من رسول الله وقد قال لك : لا تكوني صاحبة كلاب الحوأب .ولا يغرنك الزبير وطلحة فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئا .فقامت عائشة مغضبة فخرجت من بيتها .
*- قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها : يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقسم لنا من بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك .فقالت أم سلمة : لامر ما قلت هذه المقالة .فقالت عائشة : إن عبدالله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام وقد عزمت الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الامر على أيدينا وبنا ! ! ! فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان امسه عندك إلا نعثلا وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفأذكرك ؟ قالت : نعم .
قالت : أتذكرين يوم أقبل [ النبي ] عليه السلام ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت : ما شأنك ؟ فقلت : إني هجمت عليهما وهما تتناجيا فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله إلى يوم من تسعة أيام فما تدعني يا ابن أي طالب ويومي ؟ فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي وهو غضبان محمر الوجه فقال : ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الايمان فرجعت نادمة ساقطة فقالت : عائشة نعم أذكر ذلك .قالت : وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال : ليست شعري أيتكن صاحبه الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس فقلت : أعوذ بالله ورسوله من ذلك ثم ضرب على ظهرك وقال : إياك أن تكونيها .
ثم قال : يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها [ ثم قال ] يا حميراء أما إني فقد أنذرتك قالت عائشة : نعم أذكر هذا .قالت وأذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سفر له وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله فيخصفهما ويتعاهد أثبواه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها في ظل سمرة وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا فحادثاه فيما أرادا ثم قالا : يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران فسكتا ثم خرجا فلما خرجنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قلت له وكنت أجرأ عليه منا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟ فقال: خاصف النعل .
فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت: يا رسول الله ما أرى إلا عليا فقال : هو ذاك .
فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجوا فيه الاجر إن شاء الله تعالى. فقالت: أنت ورأيك فانصرفت عائشة عنها وكتبت أم سلمة بما قالت وقبل لها إلى علي ( عليه السلام ) .
*- وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : روى هشام بن محمد الكليني في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي ( عليه السلام ) من مكة : أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم عبدالله بن عامر بن كريز ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه والله كافيهم بحوله وقوته ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا .قال : فلما قدم عمر على علي ( عليه السلام ) أكرمه ولم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها ووجهه علي ( عليه السلام ) أميرا على البحرين وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي [ شيئا ] من شعره .فبعث إليه بأبيات له أولها :
جزتك أمير المؤمنين قرابة *** رفعت بها ذكري جزاء موفرا
فعجب علي ( عليه السلام ) من شعره واستحسنه .
الخروج بالرجلين الى البصرة
*الجمل: لمّا رأت عائشة اجتماع من اجتمع إليها بمكّة علي مخالفة أمير المؤمنين، والمباينة له والطاعة لها فى حربه تأهّبت للخروج.
وكانت فى كلّ يوم تقيم مناديها ينادى بالتأهّب للمسير، وكان المنادى ينادى ويقول: من كان يريد المسير فليسِر ; فإنّ اُمّ المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان بن عفّان المظلوم.
*عن محمّد وطلحة: نادي المنادى: إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلي البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام، وقتال المحلّين، والطلب بثأر عثمان، ومن لم يكن عنده مركب، ولم يكن له جهاز ; فهذا جهاز، وهذه نفقة .
تهم ولا تفعل
* لمّا عزمت عائشة علي الخروج إلي البصرة طلبوا لها بعيراً أيِّداً يحمل هودجها، فجاءهم يعلي بن اُميّة ببعيره المسمي عَسْكراً، وكان عظيم الخلق شديداً، فلمّا رأته أعجبها، وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته وشدّته، ويقول في أثناء كلامه: عَسْكر. فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردّوه لا حاجة لي فيه، وذكرت حيث سئلت أنّ رسول الله ذكر لها هذا الاسم، ونهاها عن ركوبه، وأمرت أن يُطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يُشبهه، فغُيّر لها بجِلال غير جِلاله وقيل لها: قد أصبنا لك أعظم منه خَلقاً، وأشدّ قوّة، واُتِيتْ به فرضيتْ .
*ومرّ القوم فى الليل بماء يقال له: ماء الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب .
قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! ردّونى ردّونى ! هذا الماء الذى قال لى رسول الله: "لا تكوني التى تنبحك كلاب الحوأب" .
فأتاها القوم بأربعين رجلاً ، فأقسموا بالله أنّه ليس بماء الحوأب .
*عن ابن عبّاس وعامر الشعبي وحبيب بن عمير: لمّا خرجت عائشة وطلحة والزبير من مكّة إلي البصرة، طرقت ماء الحوأب ـ وهو ماء لبنى عامر بن صعصعة ـ فنبحتهم الكلاب، فنفرت صعاب إبلهم .
فقال قائل منهم: لعن الله الحوأب ; فما أكثر كلابها! فلمّا سمعت عائشة ذكر الحوأب، قالت: أهذا ماء الحوأب؟ قالوا : نعم ، فقالت : ردّونى ردّونى، فسألوها ما شأنها ؟ ما بدا لها؟
فقالت : إنّى سمعت رسول الله يقول : "كأنّى بكلاب ماء يُدعي الحوأب ، قد نبحت بعض نسائي" ثمّ قال لى : "إيّاك يا حُميراء أن تكونيها !" .
فقال لها الزبير: مهلاً يرحمكِ الله ; فإنّا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة. فقالت: أ عندك من يشهد بأنّ هذه الكلاب النابحة ليست علي ماء الحوأب ؟
فلفّق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيّاً جعلا لهم جُعلاً ، فحلفوا لها ، وشهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب ، فكانت هذه أوّل شهادة زور فى الإسلام !
ولم تنفعها علامات النبوة في الحؤاب
*عن العرني ـ دليل أصحاب الجمل ـ: سرت معهم فلا أمرّ علي واد ولا ماء إلاّ سألوني عنه، حتي طرقنا ماءَ الحوأب ، فنبحتنا كلابها ، قالوا : أي ماء هذا ؟ قلت: ماء الحوأب .
قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها، ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثمّ قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً، ردّونى ! تقول ذلك ثلاثاً ،فأناخت وأناخوا حولها وهم علي ذلك ، وهى تأبي ، حتي كانت الساعة التى أناخوا فيها من الغد .
قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاءَ النجاءَ!! فقد أدرككم والله علىُّ بن أبى طالب! قال: فارتحلوا وشتموني، فانصرفتُ.
*رسول الله ـ لنسائه ـ: ليت شِعرى أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، التى تنبحها كلاب الحوأب، فيُقتل عن يمينها وعن يسارها قتلي كثيرة، ثمّ تنجو بعدما كادت ؟ !
*عن اُمّ سلمة: ذكر النبي خروج بعض اُمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة ، فقال : انضري يا حُميراء أن لا تكوني أنتِ .
ثمّ التفت إلي علىّ فقال: إن وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها .
*- قال ناصر الدين الألبانى فى كتاب سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ بعد ذكر حديث كلاب الحوأب ـ : إنّ الحديث صحيح الإسناد ، ولا إشكال فى متنه . . . فإنّ غاية ما فيه أنّ عائشة لمّا علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع ، والحديث يدلّ أنّها لم ترجع ! وهذا ممّا لا يليق أن يُنسب لاُمّ المؤمنين. وجوابنا علي ذلك: أنّه ليس كلّ ما يقع من الكُمّل يكون لائقا ًبهم ; إذ لا عصمة إلاّ لله وحده. والسنّى لا ينبغي له أن يغالى فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصافّ الأئمّة الشيعة المعصومين! ولا نشكّ أنّ خروج اُمّ المؤمنين كان خطأً من أصله، ولذلك همّت بالرجوع حين علمت بتحقّق نبوءة النبي عند الحوأب، ولكنّ الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يُصلح بكِ بين الناس. ولا نشكّ أنّه كان مخطئاً فى ذلك أيضاً. والعقل يقطع بأنّه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا شكّ أنّ عائشة هى المخطئة لأسباب كثيرة وأدلّة واضحة، ومنها: ندمها علي خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك ممّا يدلّ علي أنّ خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور!!
* ولمّا اتّصل بامير المؤمنين عليه السلام مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة من مكّة حمد الله وأثني عليه ثمّ قال:
قد سارت عائشة وطلحة والزبير، كلّو احد منهما يدّعى الخلافة دون صاحبه ، لا يدّعى طلحة الخلافة إلاّ أنّه ابن عمّ عائشة ، ولا يدّعيها الزبير إلاّ أنّه صهر أبيها ، والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربَنّ الزبيرُ عنقَ طلحة ، وليضربنّ طلحة عنق الزبير ، ينازع هذا علي الملك هذا، وقد ـ والله ـ علمتُ أنّها الراكبةُ الجملَ ، لا تحلّ عقدة ، ولا تَسير عقبةً ،ولا تنزل منزلا إلاّ إلي معصية ، حتي تورد نفسها ومن معها مورداً يُقتل ثلثهم ،ويهرب ثلثهم ، ويرجع ثلثهم ، والله إنّ طلحة والزبير ليعلمان أنّهما مخطئان وما يجهلان ، ولربّما عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه . والله لينبحنّها كلاب الحوأب، فهل يعتبر معتبر أو يتفكّر متفكّر، ثمّ قال: قد قامت الفئة الباغية ; فأين المحسنون ؟
طلحة والزبير ينكثان البيعة
يفران من عدل الامام علي عليه السلام
*- ذكر أبو جعفر الإسكافي في كتابه الذي نقض فيه كتاب للجاحظ، لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة، أشار أبو الهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن ياسر بعلي عليه السلام، وذكروا فضله وسابقته وجهاده وقرابته، فأجابهم الناس إليه، فقام كل واحد منهم خطيباً يذكر فضل علي عليه السلام فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة، ومنهم من فضله على المسلمين كلهم كافة. ثم بويع وصعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة، وهو يوم السبت، لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر محمداً فصلى عليه، ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام، ثم ذكر الدنيا، فزهدهم فيها، وذكر الآخرة فرغبهم إليها، ثم قال:
"أما بعد: فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبوبكر عمر، فعمل بطريقه، ثم جعلها شورى بين ستة، فأفضى الأمر منهم إلى عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم، ثم حصر وقتل، ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلى وإنما أنا رجل منكم، لي ما لكم، وعلي ما عليكم، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وإني حاملكم على منهج نبيكم صلى الله عليه واله وسلم، ومنفذ فيكم ما أمرت به إن استقمتم لي. وبالله المستعان. ألا إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته، فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذراً. ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارهاً للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: "أيما وال ولي الأمر من بعدي، أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله، وإن كان جائراً انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه، ولكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم.
ثم التفت عليه السلام يميناً وشمالاً، فقال: ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة ، واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك، ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النير غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله، وأيما رجل استجاب لله وللرسول، فصدق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار.
وإذا كان غداً إن شاء الله فاغدوا علينا، فإن عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلفن أحد منكم عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر إذا كان مسلماً حراً. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزل.
قال أبو جعفر: وكان هذا أول ما أنكروه من كلامه عليه السلام، وأورثهم الضغن عليه وكرهوا إعطاءه وقسمه بالسوية. فلما كان من الغد، غداً وغدا الناس لقبض المال فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه: أبداً بالمهاجرين فنادهم، وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك ومن يحضر من الناس كلهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك.
فقال سهل بن حنيف: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس وقد أعتقته اليوم فقال: نعطيه كما نعطيك، فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير ولم يفضل أحداً على أحد وتخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها.
قال: وسمع عبيد الله بن أبي رافع عبد الله بن الزبير يقول لأبيه وطلحة ومروان وسعيد: ما خفي علينا أمس من كلام على ما يريد فقال سعيد بن العاص والتفت إلى زيد بن ثابت: إياك أعني واسمعي يا جارة فقال عبيد الله بن أبي رافع لسعيد وعبد الله بن الزبير: إن الله يقول في كتابه: "ولكن أكثرهم للحق كارهون".
ثم إن عبيد الله بن أبي رافع أخبر علياً عليه السلام بذلك، فقال: والله إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنهم على المحجة البيضاء، والطريق الواضح، قاتل الله ابن العاص! لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمس أني أريده وأصحابه ممن هلك فيمن هلك.
قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة، فجلسا ناحية عن علي عليه السلام ، ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما، ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم، فتحدثوا نجياً ساعة ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فجاء إلى علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعاً أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان، وأن تقتل قتلته وإنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.
فقال: أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم ولا عن غيركم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس ولكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم لان خفتكم أن أسيركم.
فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم، وافترقوا على إظهار العداوة وإشاعة الخلاف فلما ظهر ذلك من أمرهم، قال عمار بن ياسر لأصحابه: قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم فإنه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف، والطعن على إمامهم وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاق يعني طلحة
فقام أبو الهيثم وعمار وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم، فدخلوا على علي عليه السلام، فقالوا: يا أمير المؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك، هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السر إلى رفضك، هداك الله لرشدك! وذاك لأنهم كرهوا الأسوة، وفقدوا الأثرة، ولما آسيت بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوك عظموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة، وتألفاً لأهل الضلالة. فرأيك! فخرج على عليه السلام، فدخل المسجد، وصعد المنبر مرتدياً بطاق، مؤتزراً ببرد قطري، متقلداً سيفاً، متوكئاً على قوس، فقال:
أما بعد، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا، وولي النعم علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتناناً منه بغير حول منا ولا قوة، ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذبه فأفضل الناس عند الله منزلة، وأقربهم من الله وسيلة، أطوعهم لأمره، وأعلمهم بطاعته وأتبعهم لسنة رسوله، وأحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول. هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته فينا، لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر، قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ثم صاح بأعلى صوته: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين.
ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار: أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين.
ثم قال: أنا أبو الحسن وكان يقولها إذا غضب ثم قال:
"ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له فلا تغرنكم فقد حذرتكموها، واستتموا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة الله، والذل لحكمه جل ثناؤه، فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.
ثم نزل عن المنبر، فصلى ركعتين، ثم بعث بعمار بن ياسر، وعبد الرحمن بن حسل القرشي إلى طلحة والزبير، وهما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما، فقاما حتى جلسا إليه عليه السلام، فقال لهما:
نشدتكما الله، هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها، وأنا كاره لها!
قالا: نعم،
فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما!
قالا: نعم، قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى
قالا: أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.
فقال: لقد نقمتما يسيراً وأرجأتما كثيراً فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه؟
قالا: معاذ الله!
قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟
قالا: معاذ الله!
قال: أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه
قالا: معاذ الله!
قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟
قالا: خلافك عمر بن الحطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً، ممن لا يرى الإسلام إلا كرهاً.
فقال: فأنا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها فخفت أن أردكم فتختلف الأمة، فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه وأما القسم والأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادىء بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما قولكما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر.
ثم قال: رحم الله امرأ رأى حقاً فأعان عليه، ورأى جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه.
قال أبو جعفر: وقد روي أنهما قالا له وقت البيعة: نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر،
فقال لهما: لا، ولكنكما شريكاي في الفيء، لا أستأثر عليكما ولا على عبد حبشي مجدع بدرهم فما دونه، لا أنا ولا ولداي هذان، فإن أبيتما إلا لفظ الشركة، فأنتما عونان لي عند العجز والفاقة، لا عند القوة والاستقامة.
قال أبو جعفر فاشترطا ما لا يجوز في عقد الأمانة، وشرط عليه السلام لهما ما يجب في الدين والشريعة.
قال رحمه الله تعالى: وقد روي أيضاً أن الزبير قال في ملأ من الناس: هذا جزاؤنا من علي! قمنا له في أمر عثمان حتى قتل، فلما بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه.
وقال طلحة: ما اللوم إلا علينا، كنا معه أهل الشورى ثلاثة، فكرهه أحدنا يعني سعداً وبايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا، ومنعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم.
فإن قلت: فإن أبا بكر قسم بالسواء، كما قسمه أمير المؤمنين عليه السلام، ولم ينكروا ذلك، كما أنكروه أيام أمير المؤمنين، فما الفرق بين الحالتين؟
* ذكروا أنّ الزبير وطلحة أتيا عليّاً ـ بعد فراغ البيعة ـ فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟
قال علىّ : نعم ، علي السمع والطاعة ، وعلي ما بايعتم عليه أبابكر وعمر وعثمان .
فقالا : لا ، ولكنّا بايعناك علي أنّا شريكاك فى الأمر .
قال علىّ : لا ، ولكنّكما شريكان فى القول والاستقامة والعون علي العجز والأوَد .
*ـ لمّا قال طلحة والزبير لامير المؤمنين عليه السلام : نبايعك على أنّا شركاؤك فى هذا الأمر ، قال ـ : لا ولكنّكما شريكان فى القوّة والاستعانة ،وعونان علي العجز والأوَد .
*- أتاه عليه السلام طلحة والزبير فقالا: إنّه قد نالتنا بعد رسول الله جَفْوة، فأشرِكنا فى أمرك!
فقال: أنتما شريكاي فى القوّة والاستقامة، وعوناي علي العجز والأوَد.
*قال ابن قتيبة: كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق، وطلحة في اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاً غير مولّيهما شيئاً، أظهرا الشكاة ; فتكلّم الزبير فى ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من علىّ! قمنا له في أمر عثمان، حتي أثبتنا عليه الذنب، وسبّبنا له القتل، وهو جالس فى بيته وكفى الأمر . فلمّا نال بنا ما أراد، جعل دوننا غيرنا .
فقال طلحة: ما اللوم إلاّ أنّا كنّا ثلاثة من أهل الشوري ، كرهه أحدنا وبايعناه ، وأعطيناه ما فى أيدينا ، ومنعَنا ما فى يده ; فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا .
قال : فانتهي قولهما إلي علىّ ، فدعا عبد الله بن عبّاس وكان استوزره ، فقال له : بلغك قول هذين الرجلين ؟ قال : نعم ، بلغني قولهما . قال : فما تري ؟ قال : أري أنّهما أحبّا الولاية ; فولِّ البصرة الزبير ، وولِّ طلحة الكوفة ; فإنّهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان . فضحك علىّ، ثمّ قال: ويحك، إنّ العراقَين بهما الرجال والأموال، ومتي تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقوَيا علي القوىّ بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً لِضُرّهِ ونفعه لاستعملت معاوية علي الشام، ولولا ما ظهر لى من حرصهما علي الولاية، لكان لى فيهما رأى .
*من كلام للامام علي عليه السلام كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة، وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما والاستعانة فى الاُمور بهما ـ: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً. أ لا تخبراني، أي شىء كان لكما فيه حقّد فعتكما عنه ؟ أم أىّ قَسْم استأثرت عليكما به ؟ أم أىّ حقّ رفعه إلىّ أحد من المسلمين ضعفت عنه ، أم جهلته ، أم أخطأت بابه ؟والله ، ما كانت لي فى الخلافة رغبة ، ولا فى الولاية إرْبة، ولكنّكم دعوتموني إليها ،وحملتموني عليها ، فلمّا أفضَت إلىّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا ، وأمرنا بالحكم به فاتّبعتُه ، وما استنّ النبي فاقتديتُه ، فلم أحتج فى ذلك إلي رأيكما ، ولا رأى غيركما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني من المسلمين ، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما .
وأمّا ما ذكرتما من أمر الاُسوة ; فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وَلِيْته هويً منّي، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قَسْمه ، وأمضي فيه حكمه ، فليس لكما ـ والله ـ عندي ولا لغيركما فى هذا عُتْبي . أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ، وألهمنا وإيّاكم الصبر.
ثمّ قال: رحم الله رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وكان عوناً بالحقّ علي صاحبه .
خروج طلحة والزبير إلي مكّة
*ـلمّا دخلا [طلحة والزبير] عليه قالا: يا أمير المؤمنين! قد جئناك نستأذنك للخروج فى العمرة، فلم يأذن لهما .
فقالا : نحن بعيدو العهد بها ، ائذن لنا فيها .
فقال لهما : والله ، ما تريدان العمرة ، ولكنّكما تريدان الغدرة ! وإنّما تريدان البصرة!
فقالا: اللهمّ غفراً ، ما نريد إلاّ العمرة .
فقال لهما : احلفا لى بالله العظيم أنّكما لا تفسدان علىَّ اُمور المسلمين ،ولا تنكثان لى بيعة ، ولا تسعيان فى فتنة . فبذلا ألسنتهما بالأيمان الوكيدة فيما استحلفهما عليه من ذلك .
فلمّا خرجا من عنده لقيهما ابن عبّاس فقال لهما : فأَذن لكما أمير المؤمنين ؟ قالا : نعم .
فدخل علي أمير المؤمنين فابتدأه وقال: يابن عبّاس، أ عندك خبر؟
فقال : قد رأيت طلحة والزبير .
فقال له : إنّهما استأذناني فى العمرة ، فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يُحدثا فساداً ، والله يا بن عبّاس ما قصدا إلاّ الفتنة ، فكأنّى بهما وقد صارا إلي مكّة ليستعينا علي حربى ; فإنّي على بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك ، وسيُفسد هذان الرجلان علىَّ أمرى ، ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري .
فقال عبد الله بن عبّاس: إذا كان عندك الأمر كذلك فَلِمَ أذنت َلهما ؟ وهلاّ حبستهما وأوثقتهما بالحديد، وكفيت المسلمين شرّهما!
فقال له: يابن عبّاس! أ تأمرني أن أبدأ بالظلم ، وبالسيّئة قبل الحسنة ،واُعاقب علي الظنّة والتُّهمَة ، وآخذ بالفعل قبل كونه ؟ كلاّ! والله لا عدلت عمّا أخذ الله علىَّ من الحكم بالعدل، ولا القول بالفصل .
*ـ عن بكر بن عيسي: إنّ عليّاً أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه علي أحد من خلقه ألاّ يخالفا ولا ينكثا ، ولا يتوجّها وجهاً غير العمرة حتي يرجعا إليه ، فأعطياه ذلك من أنفسهما ، ثمّ أذن لهما فخرجا .
الاستعانة بعائشة
* أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان وأبى مخنف: قالوا: قدم طلحة والزبير علي عائشة ، فدعواها إلي الخروج ، فقالت : أ تأمراني أن اُقاتل ؟
فقالا: لا، ولكن تُعلمين الناس أنّ عثمان قُتل مظلوماً ،وتدعيهم إلي أن يجعلوا الأمر شوري بين المسلمين ; فيكونوا على الحالة التى تركهم عليها عمر بن الخطّاب ، وتُصلحين بينهم .
*قا ل ابن الاعثم خرج الزبير وطلحة إلى مكّة، وخرج معهما عبد الله بن عامر بن كريز وهو ابن خال عثمان، فجعل يقول لهما: أبشرا! فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدّنّكما بمائة ألف سيف.
قال: وقدموا مكّة وبها يومئذ عائشة، وحرّضوها علي الطلب بدم عثمان ، وكان معها جماعة من بنى اُميّة ، فلمّا علمت بقدوم طلحة والزبير فرحت بذلك واستبشرت ، وعزمت علي ما أرادت من أمرها .
*ـ ولمّا عرف طلحة والزبير من حالها [أي عائشة] وحال القوم عمِلا علي اللحاق بها والتعاضد علي شقاق أمير المؤمنين، فاستأذناه فى العمرة . . . وسارا إلي مكّة خالعَين الطاعة، ومفارقَين الجماعة .
فلمّا وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما وخاصّتهما وخالصتهما طافا بالبيت طواف العمرة ، وسعيا بين الصفا والمروة ، وبعثا إلي عائشة عبد الله بن الزبير وقالا له : امضِ إلي خالتك ، فاهدِ إليها السلام منّا وقل لها : إنّ طلحة والزبير يُقرئانك السلام ويقولان لك : إنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً ، وإنّ علي بن أبى طالب ابتزّ الناس أمرهم ، وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولّوا قتل عثمان، ونحن نخاف انتشار الأمر به ; فإن رأيت أن تسيري معنا لعلّ الله يرتق بك فتق هذه الاُمّة ، ويشعب بك صدعهم ، ويلمّ بك شعثهم، ويُصلح بك اُمورهم .
فأتاها عبد الله، فبلّغها ما أرسلاه به ، فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلي الخروج عن مكّة ، وقالت : يا بنىّ ، لم آمر بالخروج ، لكنّى رجعت إلى مكّة لاُعلم الناس ما فُعل بعثمان إمامهم ، وأنّه أعطاهم التوبة ، فقتلوه تقيّاً نقيّاً بريّاً ، ويرون فى ذلك رأيهم ، ويُشيرون إلي من ابتزّهم أمرهم ، وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة ، بتكبّر وتجبّر ، ويظنّ أنّ الناس يرون له حقّاًكما كانوا يرونه لغيره .
هيهات هيهات! يظنّ ابن أبى طالب يكون فى هذا الأمر كابن أبي قحافة ، لا والله ، ومن فى الناس مثل ابن أبى قحافة ؟ تخضع إليه الرقاب، ويُلقي إليه المَقاد، ولِيَها والله ابن أبى قحافة فخرج منها كما دخل، ثمّ وليها أخو بني عدىّ، فسلك طريقه، ثمّ مضيا فوليها ابن عفّان ; فركبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول الله، وأفعال مع النبي مذكورة، لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله فى ذات الله، وكان محبّاً لقومه، فمال بعض الميل، فاستتبناه فتاب ثمّ قُتل، فيحقّ للمسلمين أن يطلبوا بدمه.
فقال لها عبد الله : فإذا كان هذا قولك فى علىّ يا اُمّهْ ، ورأيك في قاتلي عثمان ، فما الذى يُقعدكِ عن المساعدة علي جهاد علىّ بن أبى طالب وقد حضركِ من المسلمين من فيه غنيً وكفاية فيما تريدين ؟
فقالت: يا بنىّ اُفكّر فيما قلت وتعود إلىّ.
فرجع عبد الله إلي طلحة والزبير بالخبر، فقالا له: قد أجابت اُمّنا والحمد لله إلي ما نريد، ثمّ قالا له: باكِرْها فى الغد، فذكِّرها أمر المسلمين، وأعلِمها أنّا قاصدان إليها لنجدّد بها عهداً، ونحكم معها عقداً، فباكرَها عبد الله، وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها، فأجابت إلي الخروج ونادي مناديها: إنّ اُمّ المؤمنين تريد أن تخرج تطلب بدم عثمان ، فمن كان يريد أن يخرج فليتهيّأ للخروج معها .
وصار إليها طلحة، فلمّا بصرت به قالت له: يا أبا محمّد قتلت عثمان وبايعت عليّاً؟ فقال لها: يا اُمّهْ ، ما مثلي إلاّ كما قال الأوّل :
ندمتُ ندامة الكُسَعي لمّا *** رأت عيناه ما صنعت يداهُ
وجاءها الزبير فسلّم عليها، فقالت له: يا أبا عبد الله! شركت في دم عثمان، ثمّ بايعت عليّاً، وأنت والله أحقّ منه بالأمر؟
فقال لها الزبير: أمّا ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلى ربّى من ذنبي فى ذلك، ولن أترك الطلب بدم عثمان. والله ما بايعت عليّاً إلاّ مكرَها، التفّ به السفهاء من أهل مصر والعراق، وسلّوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه.
وصار إلي مكّة عبد الله بن أبى ربيعة ـ وكان عامل عثمان علي صنعاءـ فدخلها وقد انكسر فخذه، وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله: أنّه لما
اتّصل بابن أبى ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعاً لنصرته، فلقيه صفوان بن اُميّة، وهو علي فرس يجرى وعبد الله بن أبى ربيعة علي بغلة، فدنا منها الفرس ، فحادت فطرحت ابن أبى ربيعة وكسرت فخذه ، وعرف أنّ الناس قد قتلوا عثمان ، فصار إلي مكّة بعد الظهر ، فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلي الخروج للطلب بدم عثمان ، فأمر بسرير فوضع له سرير فى المسجد ، ثمّ حُمل ووُضع عليه وقال للناس : من خرج للطلب بدم عثمان فعلىّ جهازه ، فجهّز ناساً كثيراً ، فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله .
العزم على محاربة الامام علي عليه السلام والمسير الى البصرة
*قال ابن قتيبة: قال الزبير: الشام بها الرجال والأموال، وعليها معاوية، وهو ابن عمّ الرجل، ومتي نجتمع يولِّنا عليه.
وقال عبد الله بن عامر: البصرة ; فإن غلبتم عليّاً فلكم الشام، وإن غلبكم علىٌّ كان معاوية لكم جُنّة، وهذه كتب أهل البصرة إلىّ.
فقال يعلي بن منيةـ وكان داهياً ـ : أيّها الشيخان ! قدِّرا قبل أن ترحلا أنّ معاوية قد سبقكم إلى الشام وفيها الجماعة، وأنتم تقدمون عليه غداً فى فرقة، وهو ابن عمّ عثمان دونكم ; أ رأيتم إن دفعكم عن الشام، أو قال: أجعلها شورى، ما أنتم صانعون؟ أ تقاتلونه أم تجعلونها شورى فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلاً فى يديه أمر قد سبقكما إليه، وتريدا أن تخرجاه منه.
فقال القوم : فإلي أين ؟
قال : إلي البصرة .
*شاوروا فى المسير فقال الزبير: عليكم بالشام ! فيها الرجال والأموال، وبها معاوية ; وهو عدوّ لعلي.
فقال الوليد بن عُقْبة: لا والله ما فى أيديكم من الشام قليل ولا كثير ! وذلك أنّ عثمان بن عفّان قد كان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر، فلم يفعل وتربّص حتى قُتل ، لذلك يتخلّص له الشام ، أ فتطمع أن يُسلّمها إليكم ؟ مهلاً عن ذكر الشام وعليكم بغيرها .
*قال الطبري: ثمّ ظهرا ـ يعنى طلحة والزبير ـ إلي مكّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا، وقدم يعلي بن اُميّة معه بمال كثير، وزيادة علي أربعمائة بعير، فاجتمعوا فى بيت عائشة، فأرادوا الرأي، فقالوا: نسير إلي علىّ فنقاتله.
فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنّا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوي، وللزبير بالبصرة هوي ومعونة.
فاجتمع رأيهم علي أن يسيروا إلي البصرة وإلي الكوفة. فأعطاهم عبدالله بن عامر مالاً كثيراً وإبلاً ، فخرجوا فى سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكّة ،ولحقهم الناس حتي كانوا ثلاثة آلاف رجل .