x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الحديث :

الحكمة عند البارودي

المؤلف:  عمر الدسوقي

المصدر:  في الأدب الحديث

الجزء والصفحة:  ص:233-238ج1

15-12-2019

5236


وقد أكثر البارودي من قول الحكم، ومعظمها حكم مبتكرة, وقع عليها السابقون, وصاغها البارودي صياغةً جديدةً بأسلوبه الجزل الفخم, وقد وردت له كثير من الأبيات السائرة التي صارت كأنها أمثال كقوله:
ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب
وقوله:
وقليلًا ما يصلح المرء للجد ... إذا كان ساقط الأجداد
وقوله:
لعمرك ما في الدهر أطيب لذة ... من اللهو في ظل الشبيبة واليسر
وقوله:
إذا ساء صنع المرء ساءت حياته ... فما لصرف الدهر يوسعها سبا
ومن أبيات الحكمة التي اشتهر بها قوله:
والدهر كالبحر لا ينفك ذا كدر ... وإنما صفوه بين الورى لمع
لو كان للمرء فكر في عواقبه ... ما شان أخلاقه حرص ولا طبع(1)
وكيف يدرك ما في الغيب من حدث ... من لم يزل بغرور العيش ينخدع
دهر يغرُّ، وآمال تسر وأعمار ... تمر، وأيام لها خدع
يسعى الفتى لأمور قد تضر به ... وليس يعلم ما يأتي وما يدع
يأيها السادر المزور من صلف ... مهلًا فإنك بالأيام منخدع
دع ما يريب، وخذ فيما خلقت له ... لعل قلبك بالإييان ينتفع
إن الحياة لثوب سوف تخلعه ... وكل ثوب إذا ما رَثَّ ينخلع

 

(1/233)

وهي حكم قريبة مأخوذة من تجارب عادية, ليست فيها فلسفة عميقة، ولا تدل على مذهب في الحياة ومصيرها ومصدرها، أو على نظرة عامة شاملة للكون، وإنما هي نظرات عابرة ليس فيها تحليل دقيق، ولا سبر لأغوار الحياة والمجتمع ونفسيته، ولكنها حلوة الصياغة خفيفة على الألسنة متقنة السبك.
وبعد، فهذه معظم الموضوعات التي تكلم فيها البارودي, وقد عقَّبْنَا على كل موضوع بكلمة موجزة، وعرفنا إلى أي حَدٍّ مشى البارودي في ظل القدماء, وإلى أي حَدٍّ تميَّزَت شخصيته، وبرزت خصائصه، وفي شعر البارودي هنات.
هنات:
وهذه الهنات قليلة لا تقدح في منزلته, ولا تغض من شأنه، وبعض هذه الهنات ترجع إلى:
1-
لغويات: فاستعمل البارودي كلمات كثيرة غير موجودة في المعاجم, ولا يعين عليها الاشتقاق الصرفي من مثل قوله: "همامة نفس" فهذا المصدر بالمعنى الذي يريده, أي: قوة العزم, غير موجود في المعجمات التي بين أيدينا، وقد يلتمس له تخريج بعيد، فيه كثير من التعسف، ومن مثل قوله: "يكفيك منه إذا استحس" يريد أحس، ومثل قوله:
شفت زجاجة فكري فارتسمت بها ... علياك من منطقي في لوح تصويري
فارتسمت بمعنى: رسمت, غير موجودة بالمعجمات، ومعناها في المعاجم امتثل؛ ومثل قوله:
فكم سلموا عينًا بها تبصر العلا ... وشلوا يدًا كانت بها راية النصر
والفعل شل لازم، ويتعدى بالهمزة, فيقال: أشل الله فلانًا, واستعمله الشاعر متعديًا بنفسه، وقد يوجد له تخريج بعيد.

(1/234)

ومن مثل قوله: "تمديدًا نحو السماء خضيبة" وخضيب على وزن فعيل بمعنى: مفعول, أي: مخضوبة، ويستوي فيه المذكر والمؤنث إن تبع الموصوف, ولهذا قالوا: كَفٌّ خضيبٌ وامرأة خضيبٌ, فاستعمال خضيبة خطأ.
ومثل قوله:
فما أبصرته الخيل حتى تمطرت ... بفرسانها واستتلعت كي تخلص
وليس بالمعجمات استتلعت، وإنما بها تعلت, بمعنى: مدت أعناقها، وقد يقال: إن زيادة الهمزة والسين والتاء للطلب, قياسية عند بعض الصرفيين.
2-
وقد يخطئ البارودي في الأساليب العربية في مثل قوله:
إذا راطنوا بعضًا سمعت لصوتهم ... هديدًا تكاد الأرض منه تميد
والفصيح إذا راطن بعضهم بعضًا
ولكن هذا قليل في شعره؛ لأنه على قول الفصيح لكثرة محفوظه من كلام العرب الخلص.
3-
ومن المآخذ التي كثيرًا ما يعير بها البارودي اتهامه بسرقات شعرية تأتي في صورة أبيات أو أنصاف أبيات من مثل قوله:
على طلاب العز من مستقره ... ولا ذنب لي إن عارضتني المقادر
وهو من قول أبي نواس:
على طلاب العز من مستقره ... ولا ذنب لي إن حاربتني المطالب
ومثل قوله:
نميل من الدنيا إلى ظل مزنة ... لها بارق فيه المنية تلمع

(1/235)

فالشطر الثاني مأخوذٌ من قول أبي العتاهية.
لها عارض فيه المنية تلمع.
وقول البارودي:
قد يظفر الفاتك الألوى بحاجته ... وليس يدركها الهيابة الخلط
مأخوذ من قول الشاعر العباسي:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
قوله:
وما الحلم عند الخطب والمرء عاجز ... بمستحسن كالحلم والمرء قادر
مأخوذ من قول المتنبي:
كل حلم أتى بغير اقتدار ... حجة لا جيء إليها اللئام
وهناك أبيات كثيرة تدل على نظرته إلى أشعار القدماء؛ وقد ذكرنا آنفًا أن البارودي لم يسرق، ولم يتعمد أخذ هذه الأبيات والسطو عليها، وإنما كثر محفوظه، وتأثر به كل التأثر، ولا سيما إذا كان يعارض قصيدةً لشاعر مجيد، فإنه يجاريه حتى لقد يختلط شعره بشعره, وتتعذر التفرقة بينهما، وذلك لجودة محاكاته وسلامة طبعه، وقد ترد على لسانه كلمات أو أبيات من أشعار القدماء دون أن يدرك؛ لأنها من محفوظه, وقد عرفنا أنه لم يتعلم قواعد اللغة والصرف وغيرهما, وإنما صار يقرأ الشعر يحفظه حتى مرن لسانه على قوله, وتملك أزمة اللغة، وطُبِعَ على الفصاحة، كل هذه الهنات التي ذكرناها مصدرها اعتداده بنفسه, واعتماده على ذاكرته, وعدم دراسته المنظمة؛ ولكنها تفاهةٌ لا تغض من شعره أو تضير منزلته بشيء.
4-
هذا وللبارودي مبالغات سقيمة من مثل قوله:
وما زاد ماء النيل إلّا لأنني ... وقفت به أبكي على الأحباب

(1/236)

ويكرر هذا المعنى في قوله:
وكفكفت دمعًا لو أسلت شئونه ... على الأرض ما شك امرؤ أنه البحر
ومن مثل قوله:
إذا تنفست فاضت زفرتي شررًا ... كما استنار وراء القدحة اللهب
على أنها تغتفر له, فإنها خيالات شاعر.
منزلته:
يدين الشعر العربي الحديث للبارودي بأنه النموذج الحيّ الذي احتذاه الشعراء من بعده, وساروا على نهجه في أسلوبه وأغراضه، وذلك لأنه أتى -كما رأيت- بشعر جزلٍ رائق الديباجة, عذب النغم, في حقبة ساد فيها شعر الضعف والصنعة وضحالة المعنى وعقم الخيال، ثم إنه مثَّل عصره أتمَّ تمثيلٍ, وكان صدًى لحوادث بيئته, فكان قدوةً لمن جاء على أثره في التجديد.
أضف إلى ذلك أنه علمهم كيف يتجهون إلى الأدب العربي في أزهى عصوره, ويغترفون من ذخائره؛ بحيث لا تفنى شخصياتهم، فيقوى أسلوبهم, وتشرق ديباجتهم, ويبعدون عن الحلى المتكلفة، وبذلك سار الشعر من بعده إلى الأمام, ولم يجرع أبدًا إلى عصور الضعف والركاكة.
وممن تتلمذ على البارودي واقتفى أثره عدد كبير من شعراء العربية, اتخذوه إمامهم غير مدافع؛ كشوقي وحافظ والرافعي وصبري وعبد المطلب والجارم والكاظمي والرصافي وأحمد محرم والكاشف ونسيم والزين وغيرهم، وعلى تباينٍ بينهم في حظِّ كلٍّ منهم من التجديد والتأثر بثقافة الغرب ومذاهبه الأدبية.
وعلى الرغم من قيام مدرسة مجددة نشيطة يتزعمها مطران وشكري والمازني والعقاد وأبو شادي، فلا يزال كثيرون في البلاد العربية بعامة وفي

(1/237)

مصر بخاصة، يحنون إلى ديباجة البارودي وموسيقى مدرسته, مع الأخذ بطرفٍ من التجديد في المعاني والأخيلة والصور.
وحسب البارودي فخرًا أنه أحيا الشعر بعد مواته, على غير مثالٍ سبق من معاصريه.
ونقول مع هيكل: إنه كان مجددًا في كل بيت من أبياته, حتى في معارضاته للقدماء, والنهج على منهجهم.
هذا وقد حاول البارودي التجديد في الأوزان؛ فنظم قصيدةً من تسعة عشر بيتًا على وزن جديد هو مجزوء المتدارك، ولم يسبق للعرب أن نظموا منه، وإنما ورد المتدارك عندهم كاملًا أو مشطورًا, تلك هي القصيدة التي يقول في أولها:
املأ القدح ... وعص من نصح
واروغلتي ... بابنة الفرح
فالفتى متى ... ذاقها انشرح
وقد نظم شوقي من هذا الوزن الذي اخترعه البارودي قصيدته التي مطلعه:
مال واحتجب ... وادعي الغضب
ليت هاجري ... يشرح السبب

(1/238)

 

__________
(1) الطبع: الشين والدنس والعيب.