تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية (100-102) من سورة التوبة
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
11-8-2019
13929
قال تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 100 - 102] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 100] .
لما تقدم ذكر المنافقين والكفار ، عقبه سبحانه بذكر السابقين إلى الإيمان ، فقال : {والسابقون الأولون} أي : السابقون إلى الإيمان ، وإلى الطاعات . وإنما مدحهم بالسبق لأن السابق إلى الشئ يتبعه غيره ، فيكون متبوعا ، وغيره تابع له ، فهو إمام فيه ، وداع له إلى الخير بسبقه إليه ، وكذلك من سبق إلى الشر يكون أسوأ حالا لهذه لعلة {من المهاجرين} الذين هاجروا من مكة إلى المدينة ، وإلى الحبشة {والأنصار} أي : ومن الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الاسلام . ومن قرأ {والأنصار} بالرفع ، لم يجعلهم من السابقين ، وجعل السبق للمهاجرين خاصة {والذين اتبعوهم بإحسان} أي : بأفعال الخير ، والدخول في الاسلام بعدهم ، وسلوك منهاجهم ، ويدخل في ذلك من يجئ بعدهم إلى يوم القيامة .
{رضي الله عنهم ورضوا عنه} أخبر سبحانه أنه رضي عنهم أفعالهم ، ورضوا عن الله سبحانه ، لما أجزل لهم من الثواب على طاعاتهم ، وإيمانهم به ، ويقينهم {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} أي : يبقون ببقاء الله منعمين {ذلك الفوز العظيم} أي : الفلاح العظيم الذي يصغر في جنبه كل نعيم .
وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ، ومزيتهم على غيرهم ، لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين ، فمنها : مفارقة العشائر والأقربين ، ومنها : مباينة المألوف من الدين ، ومنها : نصرة الاسلام ، وقلة العدد ، وكثرة العدو ، ومنها :
السبق إلى الإيمان ، والدعاء إليه .
واختلف في أول من أسلم من المهاجرين ، فقيل : ان أول من آمن خديجة بنت خويلد ، ثم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو قول ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وأنس ، وزيد بن أرقم ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن إسحاق ، وغيرهم . قال انس : بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ، وصلى علي عليه السلام ، وأسلم يوم الثلاثاء . وقال مجاهد ، وابن إسحاق : إنه أسلم وهو ابن عشر سنين ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أخذه من أبي طالب ، وضمه إلى نفسه يربيه في حجره ، وكان معه حتى بعث نبيا .
وقال الكلبي : إنه أسلم وله تسع سنين . وقيل : اثنتا عشرة سنة ، عن أبي الأسود .
قال السيد أبو طالب الهروي : وهو الصحيح .
وفي تفسير الثعلبي : روى إسماعيل بن أياس بن عفيف ، عن أبيه ، عن جده عفيف ، قال : كنت امرأ تاجرا ، فقدمت مكة أيام الحج ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، وكان العباس لي صديقا ، وكان يختلف إلى اليمن ، يشتري العطر ، فيبيعه أيام الموسم . فبينما أنا والعباس بمنى ، إذ جاء رجل شاب حين حلقت الشمس في السماء ، فرمى ببصره إلى السماء ، ثم استقبل الكعبة ، فقام مستقبلها ، فلم يلبث حتى جاء غلام ، فقام عن يمينه ، فلم يلبث أن جاءت امرأة ، فقامت خلفهما . فركع الشاب ، فركع الغلام والمرأة ، فخر الشاب ساجدا ، فسجدا معه . فرفع الشاب ، فرفع الغلام والمرأة ، فقلت : يا عباس! أمر عظيم! فقال : أمر عظيم! فقلت :
ويحك ما هذا؟ فقال : هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، يزعم أن الله بعثه رسولا ، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذا الغلام علي بن أبي طالب ، وهذه المرأة خديجة بنت خويلد وزوجة محمد ، تابعاه على دينه . وأيم الله!
ما على ظهر الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء! فقال عفيف الكندي بعد ما أسلم ورسخ الاسلام في قلبه : يا ليتني كنت رابعا .
وروي أن أبا طالب قال لعلي عليه السلام : أي بني! ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟
قال : يا أبه آمنت بالله ورسوله ، وصدقته فيما جاء به ، وصليت معه لله . فقال له :
إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعو إلا إلى خير فألزمه . وروى عبد الله بن موسى ، عن العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبادة بن عبد الله ، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي الا كذاب مفتر ، صليت قبل الناس بسبع سنين .
وفي مسند السيد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : صلت الملائكة علي ، وعلى علي ، سبع سنين ، وذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره . وقيل : إن أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر ، عن إبراهيم النخعي .
وقيل : أول من أسلم بعدها زيد بن حارثة ، عن الزهري ، وسليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير . وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده مرفوعا إلى عبد الرحمن بن عوف ، في قوله سبحانه : {والسابقون الأولون} قال : هم عشرة من قريش ، أولهم إسلاما علي بن أبي طالب عليه السلام .
- {ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة : 101- 102] .
ثم عاد الكلام إلى ذكر المنافقين ، فقال سبحانه : {وممن حولكم} أي : ومن جملة من حولكم ، يعني : حول مدينتكم {من الأعراب} وهم الذين يسكنون البدو إذا كانوا مطبوعين على العربية {منافقون} يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . وقيل : إنهم جهينة ، ومزينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار ، وكانت منازلهم حول المدينة {ومن أهل المدينة} أيضا منافقون ، وإنما حذف لدلالة الأول عليه {مردوا على النفاق} أي : مرنوا على النفاق ، وتجرؤوا عليه ، عن الفراء . وقيل : معناه أقاموا عليه لم يتوبوا منه ، كما تاب غيرهم ، عن ابن زيد ، وأبان بن تغلب .
وقيل : معناه لجوا فيه ، وأبوا غيره ، عن أبن إسحاق . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، وتقديره وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ، ومن أهل المدينة أيضا ، مثل ذلك ، عن الزجاج {لا تعلمهم} يا محمد أي : لا تعرفهم {نحن نعلمهم} أي : نعرفهم {سنعذبهم مرتين} فيه أقوال أحدها : إن معناه نعذبهم في الدنيا بالفضيحة ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر رجالا منهم ، وأخرجهم من المسجد يوم الجمعة في خطبته ، وقال : اخرجوا فإنكم منافقون ، ويعذبهم في القبر ، عن ابن عباس ، والسدي ، والكلبي .
وقيل مرة في الدنيا بالسبي والقتل ، ومرة في الآخرة بعذاب القبر ، عن مجاهد . وروى حصيف عنه : عذبوا بالجوع مرتين . وقيل إحداهما أخذ الزكاة منهم ، والأخرى عذاب القبر عن الحسن . وقيل : إحداهما غيظهم من أهل الاسلام ، والأخرى عذاب القبر ، عن ابن إسحاق . وقيل : إن الأولى ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم ، والأخرى عذاب القبر . وقيل : إن الأولى إقامة الحدود عليهم ، والأخرى عذاب القبر ، عن ابن عباس ، وكل ذلك محتمل . غير أنا نعلم أن المرتين معا قبل أن يردوا إلى عذاب النار .
{ثم يردون إلى عذاب عظيم} أي : يرجعون يوم القيامة إلى عذاب مؤبد في النار {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} يعني : من أهل المدينة ، أو من الأعراب آخرون أقروا بذنوبهم ، وليس براجع إلى المنافقين . والاعتراف : الإقرار بالشيء عن معرفة {خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا} يعني : إنهم يفعلون أفعالا جميلة ، ويفعلون أفعالا سيئة قبيحة ، والتقدير : وعملا آخر سيئا {عسى الله أن يتوب عليهم} قال المفسرون : عسى من الله واجبه ، وإنما قال : عسى ، حتى يكونوا بين طمع وإشفاق ، فيكون ذلك أبعد من الإتكال على العفو وإهمال التوبة وفي هذا دلالة على بطلان القول بالإحباط ، لأنه لو صح الإحباط لكان أحد العملين إذا طرأ على الآخر أحبطه وأبطله ، فلم يجتمعا ، فلا يكون لقوله : {خلطوا} معنى .
وقال بعض التابعين : ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية ، وقد يستعمل لفظ الخلط في الجمع من غير امتزاج ، يقال : خلط الدراهم والدنانير .
وقيل : إنه يجري مجرى قولهم : استوى الماء والخشبة أي : مع الخشبة . وقيل :
إن {خلط} بالتخفيف في الخير ، {وخلط} بالتشديد في الشر {إن الله غفور رحيم} هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة ، أي : لأنه غفور رحيم .
النزول : قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، وثعلبة بن وديعة ، وأوس بن حذام ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عند مخرجه إلى تبوك ، فلما بلغهم ما أنزل الله فيمن تخلف عن نبيه ، أيقنوا بالهلاك ، وأوثقوا أنفسهم بسواري (2) المسجد ، فلم يزالوا كذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسأل عنهم ، فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يحلهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر فيهم بأمر ، فلما نزل {عسى الله أن يتوب عليهم} عمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إليهم ، فحلهم فانطلقوا فجاؤوا بأموالهم إلى رسول الله ، فقالوا : هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فخذها ، وتصدق بها عنا . قال عليه السلام : ما أمرت فيها . فنزل {خذ من أموالهم صدقة} الآيات .
وقيل : إنهم كانوا عشرة رهط ، منهم أبو لبابة ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقيل : كانوا ثمانية منهم أبو لبابة ، وهلال ، وكردم ، وأبو قيس ، عن سعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم . وقيل : كانوا سبعة ، عن قتادة . وقيل : كانوا خمسة .
وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : أنها نزلت في أبي لبابة ، ولم يذكر غيره معه ، وسبب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة ، حين قال : إن نزلتم على حكمه فهو الذبح ، وبه قال مجاهد . وقيل : نزلت فيه خاصة ، جن تأخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في غزوة تبوك ، فربط نفسه بسارية على ما تقدم ذكره عن الزهري ، ثم قال أبو لباب : يا رسول الله! إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأنا انخلع من مالي كله! قال : يجزيك يا أبا لبابة الثلث . وفي جميع الأقوال أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثلث أموالهم ، وترك الثلثين ، لأن الله تعالى قال : {خذ من أموالهم} ولم يقل خذ أموالهم .
__________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 111-116 .
2. جمع السارية : بمعنى الأسطوانة .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :
ذكر سبحانه في هذه الآيات الثلاث أربعة أصناف من الأمة ، ثم أضاف إليها صنفا خامسا في الآية الآتية 106 ، ونتكلم عنه حين نصل إليه . أما الأصناف الأربعة فهي :
1 - { والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والأَنْصارِ } الأولون صفة للسابقين ، وقد جعلت كلا من المهاجرين والأنصار صنفين : سابق ولا حق ، وليس من شك ان المراد السبق في الهجرة والنصرة ، لان الوصف يشعر بهما ، ولكن اللَّه سبحانه لم يحدد زمن هذا السبق ، ولذا اختلف المفسرون ، فمن قائل : ان المراد الهجرة والنصرة قبل يوم بدر ، وقائل : قبل بيعة الرضوان ، وهي التي حصلت تحت الشجرة يوم الحديبية ، وقال ثالث : من صلى القبلتين . . والذي نراه ان المراد بالسابقين الأولين من سبق في الهجرة والنصرة قبل ان يملك المسلمون القوة الرادعة لمن يعتدي عليهم ، ويفتن ضعيفهم عن دينه ، كما كان يفعل المشركون في بدء الدعوة ، وعلى هذا يكون القول الأول هو الراجح ، لان قوة المسلمين انما ظهرت يوم بدر ، وفيه أحس المشركون بمناعة الإسلام وبأسه .
2 - { والَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ } وهم كل من سار على طريق السابقين المخلصين . قال الطبرسي : « يدخل في ذلك من يجيء بعدهم إلى يوم القيامة » .
وقد جاء تحديد التابعين بإحسان في الآية 10 من سورة الحشر : { والَّذِينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ولإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ ولا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } . ونرجو ان يتعظ بهذه الآية من يدعون الايمان ، وهم غارقون في غل التحاسد إلى الآذان .
وهذان الصنفان : السابقون ، والتابعون { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً } رضي اللَّه عنهم بطاعتهم وإخلاصهم ورضوا عنه بما أفاض عليهم من نعمه { ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي لا فوز بالمعنى الصحيح الا بمرضاة اللَّه .
وتسأل : الظاهر من الآية ان مجرد السبق إلى الهجرة والنصرة كاف واف في رضوان اللَّه ، وانه حسنة لا تضر معه سيئة ، فهل هذا الظاهر حجة ملزمة ، بحيث يجب علينا ان نقدس كل من سبق إلى الهجرة والنصرة ، حتى ولو ثبتت عليه المعصية .
الجواب : ان المراد بالسابقين الأولين من أقام على طاعة اللَّه ، ومات على سنة رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، أما من عصى وأساء بعد السبق فلا تشمله مرضاة اللَّه ، كيف ؟
وهو القائل : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ولا نَصِيراً} [النساء - 122] . والقائل : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهً سَرِيعُ الْحِسابِ} [إبراهيم - 51] . وروى البخاري في الجزء التاسع من صحيحه ، كتاب الفتن :
« ان رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم القيامة : أي ربي أصحابي . . فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك . . فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي » .
وليس من شك ان للسابق في الهجرة والنصرة الأفضلية على اللاحق ، ولكن هذا شيء ، والسماح له بالمعصية ، أو عدم الحساب عليها شيء آخر .
{ ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } . ذكر سبحانه المنافقين في العديد من الآيات ، وذكرهم هنا لمناسبة ذكر المؤمنين السابقين واللاحقين ، وليخبر نبيه الأكرم بمكانهم وموطنهم :
وانهم محيطون به من كل جانب ، فهم موجودون في المدينة التي يقيم فيها ، وفي البادية التي حولها ، وان منافقي المدينة بوجه خاص قد مهروا في فن النفاق ، وأتقنوه إلى أن استطاعوا التكتم به عن الرسول رغم ملازمتهم له ، ومخالطته لهم .
ثم بيّن سبحانه جزاء المنافقين بقوله : { سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ } . وهذا العذاب الأخير الذي يردون إليه معروف ، وهو عذاب جهنم ، أما نوع العذاب وزمنه في المرة الأولى والثانية قبل عذاب جهنم - فلم تشر إليه الآية . .
وغير بعيد أن يكون العذاب في المرة الأولى عند الموت لقوله تعالى : { ولَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأَدْبارَهُمْ وذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال- 50] . أما العذاب في المرة الثانية فهو عذاب القبر للأحاديث الكثيرة :
ان قبر الكافر حفرة من حفر جهنم ، وقبر المؤمن روضة من رياض الجنة .
{ وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً } . وهؤلاء هم المؤمنون الذين يحسنون أحيانا بدافع من ايمانهم ، ويتغلب الهوى حينا على ايمانهم ، فيسيئون ، وهم الأكثرية الغالبة « ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها » ولا ينتقل من خير الا إلى خير . . الا من عصم ربك .
ثم بيّن سبحانه حكم هؤلاء بقوله : { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } لأنهم شعروا بالخطيئة ، واعترفوا بها ، فأصبحوا بذلك محل الرجاء لرحمة اللَّه وغفرانه { إِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ } . وفي مجمع البيان : « قال المفسرون : عسى من اللَّه واجبة ، وإنما قال عسى ، حتى يكونوا بين طمع واشفاق ، فيكون ذلك أبعد عن الاتكال على العفو وإهمال التوبة » .
_______________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 94-97 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان﴾ إلخ القراءة المشهورة ﴿والأنصار﴾ بالكسر عطفا على ﴿المهاجرين﴾ والتقدير : السابقون الأولون من المهاجرين والسابقون الأولون من الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وقرأ يعقوب : والأنصار بالرفع فالمراد به جميع الأنصار دون السابقين الأولين منهم فحسب .
وقد اختلفت الكلمة في المراد بالسابقين الأولين فقيل : المراد بهم من صلى إلى القبلتين ، وقيل : من بايع بيعة الرضوان وهي بيعة الحديبية ، وقيل : هم أهل بدر خاصة ، وقيل : هم الذين أسلموا قبل الهجرة ، وهذه جميعا وجوه لم يوردوا لها دليلا من جهة اللفظ .
والذي يمكن أن يؤيده لفظ الآية بعض التأييد هو أن بيان الموضوع - السابقون الأولون - بالوصف بعد الوصف من غير ذكر أعيان القوم وأشخاصهم يشعر بأن الهجرة والنصرة هما الجهتان اللتان روعي فيهما السبق والأولية .
ثم الذي عطف عليهم من قوله : ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ يذكر قوما ينعتهم بالاتباع ويقيده بأن يكون بإحسان والذي يناسب وصف الاتباع أن يترتب عليه هو وصف السبق دون الأولية فلا يقال : أول وتابع وإنما يقال : سابق وتابع ، وتصديق ذلك قوله تعالى : ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم﴾ إلى أن قال : ﴿والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم﴾ إلى أن قال : ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان﴾ [الحشر : 10] .
فالمراد بالسابقين هم السابقون إلى الإيمان من بين المسلمين من لدن طلوع الإسلام إلى يوم القيامة .
ولكون السبق ويقابله اللحوق والاتباع من الأمور النسبية ، ولازمه كون مسلمي كل عصر سابقين في الإيمان بالقياس إلى مسلمي ما بعد عصرهم كما أنهم لاحقون بالنسبة إلى من قبلهم قيد ﴿السابقون﴾ بقوله : ﴿الأولون﴾ ليدل على كون المراد بالسابقين هم الطبقة الأولى منهم .
وإذ ذكر الله سبحانه ثالث الأصناف الثلاثة بقوله : ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ ولم يقيده بتابعي عصر دون عصر ولا وصفهم بتقدم وأولية ونحوهما وكان شاملا لجميع من يتبع السابقين الأولين كان لازم ذلك أن يصنف المؤمنون غير المنافقين من يوم البعثة إلى يوم البعث في الآية ثلاثة أصناف : السابقون الأولون من المهاجرين ، والسابقون الأولون من الأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، والصنفان الأولان فاقدان لوصف التبعية وإنما هما إمامان متبوعان لغيرهما والصنف الثالث ليس متبوعا إلا بالقياس .
وهذا نعم الشاهد على أن المراد بالسابقين الأولين هم الذين أسسوا أساس الدين ورفعوا قواعده قبل أن يشيد بنيانه ويهتز راياته صنف منهم بالإيمان واللحوق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصبر على الفتنة والتعذيب ، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة ، وصنف بالإيمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع .
وهذا ينطبق على من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة ثم هاجر قبل وقعة بدر التي منها ابتدأ ظهور الإسلام على الكفر أو آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآواه وتهيأ لنصرته عند ما هاجر إلى المدينة .
ثم إن قوله : ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ قيد فيه اتباعهم بإحسان ولم يرد الاتباع في الإحسان بأن يكون المتبوعون محسنين ثم يتبعهم التابعون في إحسانهم ويقتدوا بهم فيه - على أن يكون الباء بمعنى في - ولم يرد الاتباع بواسطة الإحسان - على أن يكون الباء للسببية أو الآلية - بل جيء بالإحسان منكرا ، والأنسب له كون الباء بمعنى المصاحبة فالمراد أن يكون الاتباع مقارنا لنوع ما من الإحسان مصاحبا له ، وبعبارة أخرى يكون الإحسان وصفا للاتباع .
وإنا نجده تعالى في كتابه لا يذم من الاتباع إلا ما كان عن جهل وهوى كاتباع المشركين آباءهم ، واتباع أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم وأسلافهم عن هوى واتباع الهوى واتباع الشيطان فمن اتبع شيئا من هؤلاء فقد أساء في الاتباع ومن اتبع الحق لا لهوى متعلق بالأشخاص وغيرهم فقد أحسن في الاتباع ، قال تعالى : ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله﴾ [الزمر : 18] ومن الإحسان في الاتباع كمال مطابقة عمل التابع لعمل المتبوع ويقابله الإساءة فيه .
فالظاهر أن المراد بالذين اتبعوهم بإحسان أن يتبعوهم بنوع من الإحسان في الاتباع وهو أن يكون الاتباع بالحق - وهو اتباعهم لكون الحق معهم - ويرجع إلى اتباع الحق بالحقيقة بخلاف اتباعهم لهوى فيهم أو في اتباعهم ، وكذا مراقبة التطابق .
هذا ما يظهر من معنى الاتباع بإحسان ، وأما ما ذكروه من أن المراد كون الاتباع مقارنا لإحسان في المتبع عملا بأن يأتي بالأعمال الصالحة والأفعال الحسنة فهو لا يلائم كل الملاءمة التنكير الدال على النوع في الإحسان ، وعلى تقدير التسليم لا مفر فيه من التقييد بما ذكرنا فإن الاتباع للحق وفي الحق يستلزم الإتيان بالأعمال الحسنة الصالحة دون العكس وهو ظاهر .
فقد تلخص أن الآية تقسم المؤمنين من الأمة إلى ثلاثة أصناف : صنفان هما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، والصنف الثالث هم الذين اتبعوهم بإحسان .
وظهر مما تقدم أولا : أن الآية تمدح الصنفين الأولين ، بالسبق إلى الإيمان والتقدم في إقامة صلب الدين ورفع قاعدته ، وتفضيلهم على غيرهم على ما يفيده السياق .
وثانيا : أن ﴿من﴾ في قوله : ﴿من المهاجرين والأنصار﴾ تبعيضية لا بيانية لما تقدم من وجه فضلهم ، ولما أن الآية تذكر أن الله رضي عنهم ورضوا عنه ، والقرآن نفسه يذكر أن منهم من في قلبه مرض ومنهم سماعون للمنافقين ، ومنهم من يسميه فاسقا ، ومنهم من تبرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من عمله ولا معنى لرضى الله عنهم ، والله لا يرضى عن القوم الفاسقين .
وثالثا : أن الحكم بالفضل ورضى الله سبحانه في الآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح على ما يعطيه السياق فإن الآية تمدح المؤمنين في سياق تذم فيه المنافقين بكفرهم وسيئات أعمالهم ويدل على ذلك سائر المواضع التي مدحهم الله فيها أو ذكرهم بخير ووعدهم وعدا جميلا فقد قيد جميع ذلك بالإيمان والعمل الصالح كقوله تعالى : ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله﴾ إلى آخر الآيات الثلاث : [الحشر : 8] .
وقوله فيما حكاه من دعاء الملائكة لهم : ﴿ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ [المؤمنون : 8] .
وقوله : ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما﴾ [الفتح : 29] .
وقوله : ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين﴾ [الطور : 21] انظر إلى موضع قوله : ﴿بإيمان﴾ وقوله : كل أمرئ إلخ .
ولو كان الحكم في الآية غير مقيد بقيد الإيمان والعمل الصالح وكانوا مرضيين عند الله مغفورا لهم أحسنوا أو أساءوا واتقوا أو فسقوا كان ذلك تكذيبا صريحا لقوله تعالى : ﴿فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين﴾ [التوبة : 96] ، وقوله : ﴿والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ [التوبة : 80] ، وقوله : ﴿والله لا يحب الظالمين﴾ آل عمران : 57 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة مطابقة أو التزاما أن الله لا يرضى عن الظالم والفاسق وكل من لا يطيعه في أمر أو نهي ، وليست الآيات مما يقبل التقييد أو النسخ وكذا أمثال قوله تعالى خطابا للمؤمنين : ﴿ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به﴾ [النساء : 123] .
على أن لازم عدم تقييد الحكم في هذه الآية تقييد جميع الآيات الدالة على الجزاء والمشتملة على الوعيد والتهديد ، وهي آيات جمة في تقييدها اختلال نظام الوعد والوعيد وإلغاء معظم الأحكام والشرائع ، وبطلان الحكمة ، ولا فرق في ذلك بين أن نقول بكون ﴿من﴾ تبعيضية والفضل لبعض المهاجرين والأنصار أو بيانية والفضل للجميع والرضى الإلهي للكل ، وهو ظاهر .
وقوله تعالى : ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ الرضى منا موافقة النفس لفعل من الأفعال من غير تضاد وتدافع يقال : رضي بكذا أي وافقه ولم يمتنع منه ، ويتحقق بعدم كراهته إياه سواء أحبه أو لم يحبه ولم يكرهه فرضى العبد عن الله هو أن لا يكره بعض ما يريده الله ولا يحب بعض ما يبغضه ولا يتحقق إلا إذا رضي بقضائه تعالى وما يظهر من أفعاله التكوينية ، وكذا بحكمه وما أراده منه تشريعا ، وبعبارة أخرى إذا سلم له في التكوين والتشريع وهو الإسلام والتسليم لله سبحانه .
وهذا بعينه شاهد آخر على ما تقدم أن الحكم في الآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح بمعنى أن الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين والأنصار والتابعين من آمن به وعمل صالحا ، ويخبر عن رضاه عنه وإعداده له جنات تجري تحتها الأنهار .
وليس مدلول الآية أن من صدق عليه أنه مهاجر أو أنصاري أو تابع فإن الله قد رضي عنه رضا لا سخط بعده أبدا وأوجب في حقه المغفرة والجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء ، اتقى أو فسق .
وأما رضاه تعالى فإنما هو من أوصافه الفعلية دون الذاتية فإنه تعالى لا يوصف لذاته بما يصير معه معرضا للتغيير والتبدل كأن يعرضه حال السخط إذا عصاه ثم الرضى إذا تاب إليه ، وإنما يرضى ويسخط بمعنى أنه يعامل عبده معاملة الراضي من إنزال الرحمة وإيتاء النعمة أو معاملة الساخط من منع الرحمة وتسليط النقمة والعقوبة .
ولذلك كان من الممكن أن يحدث له الرضى ثم يتبدل إلى السخط أو بالعكس غير أن الظاهر من سياق الآية أن المراد بالرضى هو الرضى الذي لا سخط بعده فإنه حكم محمول على طبيعة أخيار الأمة من سابقيهم وتابعيهم في الإيمان والعمل الصالح ، وهذا أمر لا مداخلة للزمان فيه حتى يصح فرض سخط بعد رضى وهو بخلاف قوله تعالى : ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة﴾ الفتح : 18 فإنه رضى مقيد بزمان خاص يصلح لنفسه لأن يفرض بعده سخط .
قوله تعالى : ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة﴾ الآية حول الشيء ما يجاوره من المكان من أطرافه وهو ظرف ، والمرد العتو والخروج عن الطاعة ، والممارسة والتمرين على الشر وهو المعنى المناسب لقوله في الآية : ﴿مردوا على النفاق﴾ أي مرنوا عليه ومارسوا حتى اعتادوه .
ومعنى الآية : وممن في حولكم أو حول المدينة من الأعراب الساكنين في البوادي منافقون مرنوا على النفاق ومن أهل المدينة أيضا منافقون معتادون على النفاق لا تعلمهم أنت يا محمد نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم .
وقد اختلفت كلماتهم في المراد من تعذيبهم مرتين ما هما المرتان؟ فقيل : يعني مرة في الدنيا بالسبي والقتل ونحوهما ومرة بعذاب القبر ، وقيل : في الدنيا بأخذ الزكاة وفي الآخرة بعذاب القبر ، وقيل بالجوع مرتين وقيل مرة عند الاحتضار ومرة في القبر وقيل : بإقامة الحدود وعذاب القبر ، وقيل : مرة بالفضيحة في الدنيا ومرة بالعذاب في القبر ، وقيل غير ذلك ، ولا دليل على شيء من هذه الأقوال ، وإن كان ولا بد فأولها أولاها .
قوله تعالى : ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا﴾ الآية ، أي ومن الأعراب جماعة آخرون مذنبون لا ينافقون مثل غيرهم بل اعترفوا بذنوبهم لهم عمل صالح وعمل آخر سيء خلطوا هذا بذلك من المرجو أن يتوب الله عليهم إن الله غفور رحيم .
وفي قوله : ﴿عسى الله أن يتوب عليهم﴾ إيجاد الرجاء في نفوسهم لتكون نفوسهم واقعة بين الخوف والرجاء من غير أن يحيط بها اليأس والقنوط ، وفي قوله : ﴿إن الله غفور رحيم﴾ ترجيح جانب الرجاء .
________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 310-314 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
قال تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 100] .
السّابقون إلى الإسلام :
بالرغم من أن المفسّرين قد نقلوا أسبابا عديدة للنزول ، إلّا أنّ أيّا منها- كما سنرى- ليس سببا للنزول ، بل إنّها في الواقع بيان المصداق والوجود الخارجي لها .
على كل حال ، فإنّ هذه الآية- التي وردت بعد الآيات المتحدثة عن حال الكفار والمنافقين- تشير إلى مجموعات وفئات مختلفة من المسلمين المخلصين ، وقسمتهم إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : السابقون في الإسلام والهجرة : {والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ} .
الثّاني : السابقون في نصرة وحماية النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه المهاجرين : والْأَنْصارِ .
الثّالث : الذين جاؤوا بعد هذين القسمين واتبعوا خطواتهم ومناهجهم ، وقبولهم الإسلام والهجرة ، ونصرتهم للدين الإسلامي ، فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء السابقين :
و{الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ} «2» .
ممّا قلناه يتبيّن أنّ المقصود من «بإحسان» في الحقيقة هو بيان الأعمال والمعتقدات لهؤلاء السابقين إلى الإسلام التي ينبغي اتباعها ، وبتعبير آخر فإنّ (إحسان) وصف لبرامجهم التي تتّبع .
وقد احتمل أيضا في معنى الآية أنّ (إحسان) بيان لكيفية المتابعة ، أي أن هؤلاء يتبعونهم بالصورة اللائقة والمناسبة . ففي الصورة الأولى الباء في (بإحسان) بمعنى (في) ، وفي الصورة الثّانية بمعنى (مع) . إلّا أنّ ظاهر الآية مطابق للتفسير الأوّل .
وبعد ذكر هذه الأقسام الثّلاثة قالت الآية : {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ} .
إن رضى اللّه سبحانه وتعالى عن هؤلاء هو نتيجة لإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي عملوها ، ورضاهم عن اللّه لما أعد لهم من الجزاء والعطايا المختلفة التي لا تدركها عقول البشر . وبتعبير آخر ، فإنّ هؤلاء قد نفذوا كل ما أراده اللّه منهم ، وفي المقابل أعطاهم اللّه كل ما أرادوا ، وعلى هذا فكما أنّ اللّه سبحانه راض عنهم ، فإنّهم راضون عن اللّه تعالى .
ومع أنّ الجملة السابقة قد تضمنت كل المواهب والنعم الإلهية ، المادية منها والمعنوية ، الجسمية والروحية ، لكن الآية أضافت من باب التأكيد ، وبيان التفصيل بعد الإجمال : {وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ} ومن امتيازات هذه النعمة أنّها خالدة ، وسيبقى هؤلاء {خالِدِينَ فِيها} وإذا نظرنا إلى مجموع هذه المواهب المادية والمعنوية أيقنا أن {ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
أيّ فوز أعلى وأكبر من أن يدرك الإنسان أن خالقه ومعبوده ومولاه قد رضي عنه ، وقد وقّع على قبول أعماله؟ وأي فوز أعلى من أن يحصل الإنسان على مواهب خالدة نتيجة أعمال محدودة يعملها في أيّام هذا العمر الفاني ؟
- {ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ} [التوبة : 101] .
مرّة أخرى يدير القرآن المجيد دفة البحث إلى أعمال المنافقين وفئاتهم ، فيقول : {ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ} أي يجب أن لا تركزوا اهتمامكم على المنافقين الموجودين داخل المدينة ، بل ينبغي أن تأخذوا بنظر الإعتبار المنافقين المتواجدين في أطراف المدينة ، وتحذروهم ، وتراقبوا أعمالهم ونشاطاتهم الخطرة . وكلمة (أعراب) كما أشرنا تقال عادة لسكان البادية .
ثمّ تضيف الآية بأنّ في المدينة نفسها قسما من أهلها قد وصلوا في النفاق إلى أقصى درجاته ، وثبتوا عليه ، وأصبحوا ذوي خبرة في النفاق : {ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ} .
(مردوا) مأخوذة من مادة (مرد) بمعنى الطغيان والعصيان والتمرد المطلق ، وهي في الأصل بمعنى التعري والتجرّد ، ولهذا يقال لمن لم ينبت الشعر في وجهه :
(أمرد) ، وشجرة مرداء ، أي خالية من أي ورقة ، والمارد هو الشخص العاصي الذي خرج على القانون وعصاه كلية .
وقال بعض المفسّرين وأهل اللغة : إنّ هذه المادة تأتي بمعنى (التمرين) أيضا .
(ذكر في تاج العروس والقاموس أن التمرين واحد من معاني هذه الكلمة) . وربّما كان ذلك ، لأنّ التجرد المطلق من الشيء ، والخروج الكامل من هيمنته لا يمكن تحققه بدون تمرين وممارسة .
على كل حال ، فإنّ هؤلاء المنافقين قد انسلخوا من الحق والحقيقة ، وتسلطوا على أعمال النفاق إلى درجة أنّهم كانوا يستطيعون أن يظهروا في مصاف المؤمنين الحقيقين ، دون أن ينتبه أحد إلى حقيقتهم ومراوغتهم .
إنّ هذا التفاوت في التعبير عن المنافقين الداخليين والخارجيين في الآية يلاحظ جليا ، وربّما كان ذلك إشارة إلى أنّ المنافقين الداخليين أكثر تسلطا على النفاق ، وبالتالي فهم أشد خطرا ، فعلى المسلمين أن يراقبوا هؤلاء بدقّة ، لكن يجب أن لا يغفلوا عن المنافقين الخارجين ، بل يراقبونهم أيضا . لذلك تقول الآية مباشرة بعد ذلك {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} ومن الطبيعي أنّ هذا إشارة العلم الطبيعي للنّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، ولكن هذا لا ينافي أن يقف كاملا على أسرارهم عن طريق الوحي والتعليم الإلهي .
وفي النهاية تبيّن الآية صورة العذاب الذي سيصب هؤلاء : {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ} .
لا شك أنّ العذاب العظيم إشارة إلى عذاب يوم القيامة ، إلّا أنّ بين المفسّرين نقاشا واحتمالات عديدة في نوعية العذابين الآخرين وماهيتهما . إلّا أنّ الذي يرجحه النظر أن واحدا من هذين العذابين هو العقاب الاجتماعي لهؤلاء ، والمتمثل في فضيحتهم وهتك أسرارهم ، والكشف عمّا في ضمائرهم من خبيث النوايا ، وهذا يستتبع خسرانهم لكل وجودهم الاجتماعي ، والدليل على ذلك ما قرأناه في الآيات السابقة ، وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ أعمال هؤلاء عند ما كانت تبلغ حد الخطر ، كان النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يعرف هؤلاء الناس بأسمائهم وصفاتهم ، بل وربّما طردهم من المسجد .
والعذاب الثّاني هو ما أشارت إليه الآية (50) من سورة الأنفال ، حيث تقول هناك : {ولَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأَدْبارَهُمْ} .
ويحتمل أيضا أن يكون العذاب الثّاني إشارة إلى المعاناة النفسية والعذاب الروحي الذي كان يعيشه هؤلاء نتيجة انتصارات المسلمين في كل الجوانب والأبعاد والمجالات .
- { وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة : 102] .
التّوابون :
بعد أن أشارت الآية السابقة إلى وضع المنافقين في داخل المدينة وخارجها ، أشارت هذه الآية هنا إلى وضع جمع من المسلمين العاصين الذين أقدموا على التوبة لجبران الأعمال السيئة التي صدرت منهم ، ورجاء لمحوها : {وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ويشملهم برحمته الواسعة ف {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
إنّ التعبير ب (عسى) في الآية ، والتي تستعمل في الموارد التي يتساوى فيها احتمال الفوز وعدمه ، أو تحقق الأمل وعدمه ، ربّما كان ذلك كيما يعيش هؤلاء حالة الخوف والرجاء ، وهما وسيلتان مهمتان للتكامل والتربية .
ويحتمل أيضا أنّ التعبير ب (عسى) إشارة إلى وجوب الالتزام بشروط أخرى في المستقبل ، مضافا إلى الندم على ما مضى والتوبة منه وعدم الاكتفاء بذلك بل يجب أن تجبر الأعمال السيئة التي ارتكبت فيما مضى بالأعمال الصالحة مستقبلا .
إلّا أنّنا إذا لا حظنا أن الآية تختم ببيان المغفرة والرحمة الإلهية ، فإن جانب الأمل والرجاء هو الذي يرجح .
وهناك ملاحظة واضحة أيضا ، وهي أن نزول الآية في أبي لبابة ، أو سائر المتخلفين عن غزوة تبوك لا يخصص المفهوم الواسع لهذه الآية ، بل إنّها تشمل كل الأفراد الذين خلطوا الأعمال الصالحة الحسنة بالسيئة ، وندموا على أعمالهم السيئة .
ولهذا نقل عن بعض العلماء قولهم: إنّ هذه الآية أرجى آيات القرآن الكريم ، لأنّها فتحت الأبواب أمام المذنبين العاصين ، ودعت التّوابين إلى اللّه الغفور الرحيم .
____________________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 336-348 .
2. لقد عدّ الكثير من المفسّرين (من) الواردة في جملة {والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ} تبعيضية ، وظاهر الآية أيضا كذلك ، لأن حديث الآية عن طلائع الإسلام والسابقين إليه ، لا عن جميع المسلمين . أمّا الباقون فإنّهم يدخلون في مفهوم الجملة التالية ، أي : (التابعون) .