جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(لا تَستَحِ مِن إعطاءِ القليلِ فإنَّ الحرمانَ أقلُّ مِنهُ)
الدعوةُ إلى أنْ يُساهِمَ كُلٌّ بمقدارِ مُكنَتِهِ وجُهدِهِ، وأنْ لا يستحي لِعدمِ مساواتِهِ معَ غيرِهِ مِمّنْ يُشاركُ في دفعِ الأكثرِ، وذلكَ على أساسِ أنَّ الوجودَ خيرٌ مِنَ العَدمِ ولا بأسَ على الإنسانِ أنْ يُقدِّمَ ما يُمكنُهُ، بلْ البأسَ عليهِ إنْ بَخِلَ بذلكَ او تَركَ محتاجاً مِن دونِ ما إعانةٍ مُمكنةٍ.
وهذهِ المشاركةُ تختلفُ باختلافِ المواردِ والأشخاصِ ولا تَتحدَّدُ عندَ حدودِ إعطاءِ الفُقراءِ والتّصدُّقِ عَليهِم بَلْ ذلكَ مِن بَعضِ المواردِ، ولا يعني أنَّ المُعطي المُخاطَبَ بهذهِ الحكمةِ هو مَن كانَ مَحدودَ الدّخلِ فقطْ بلْ يَعُمُّ جميعَ الأفرادِ، خصوصاً وأنَّ بعضَ الأغنياءِ مِمّن يبحثونَ عَنِ الشُّهرةِ والأُبّهةِ والوَجاهةِ الاجتماعيةِ قدْ يمنَعُهُ مِنَ المشاركةِ: إنّهُ لا يستطيعُ – لأيِّ سببٍ كانَ – المشاركةَ بما يقتضيهِ وضعُهُ الاجتماعيُّ فيَرُدُّ او يَتملَّصُ او يتخلَّصُ بوسيلةٍ وأُخرى مِنَ المشاركةِ؛ لئلّا يُعيَّرُ بالقِلّةِ او الإفلاسِ ، او أنّ غيرَهُ فاقَهُ في ذلكَ فتضيعُ عليهِ فرصةُ معاونةُ الغَيرِ ، هذا كُلُّهُ باعتبارِ المعونةِ الماديةِ بكافّةِ صُورِها، وأمّا العونُ بالجاهِ والوجاهةِ وما يُمكنُ أنْ يُحقّقَهُ الإنسانُ مِن دونِ ما تقديمِ الأعيانِ ، فأيضاً على الإنسانِ أنْ لا يُفرّطَ في الشّيءِ القَليلِ مِنهُ ولا يَزهدُ فيهِ لأنّهُ ليسَ مِنَ الُمتوقَّعِ – دائماً – القيامُ بجميعِ الدَّورِ بلْ يكفي دفعُ العَجَلةِ بمقدارِ الإمكانِ.
فالحكمةُ تُعطي مُحفّزاً لأنْ يقومَ كلٌّ بدورِهِ في إسعافِ المُحتاجينَ – مَهما كانَ الدّورُ ضئيلاً – لئلّا تتعطّلَ الحالةُ وتكثُرَ الشّكوى وتكونَ عِندئذٍ مِنَ المشاكلِ الاجتماعيةِ التي يتفاقمُ حَلُّها شيئاً فشيئاً، واللهُ تَعالى يُراقبُ الجميعَ فمَن سَعى بِمَسعىً كريمٍ كافَأَهُ أحسنَ الجّزاءِ، ومَن بَخِلَ وتَعطّلَ أحْوَجَهُ إلى ذلكَ لِيجدَ أَلَمَ الرَّدِّ وصعوبةَ الجَبْهِ والرَّدِّ.