أكّدت الأمانةُ العامّة للعتبة العبّاسية المقدّسة، أنّ العقلَ العراقيّ عقلٌ خلّاق في حال مُنِح الثقةَ وأُعطِي الميدان. جاء ذلك خلال كلمتها التي ألقاها نيابةً عنها عضو مجلس إدارتها الدكتور عباس رشيد الموسويّ، في مراسيم نقل الشبّاك الجديد لمرقد العقيلة(عليها السلام)، الذي أُقيمَ مساء اليوم فِي الباحة المطلّة على بوّابة القبلة لمرقد أبي الفضل العبّاس(عليه السلام) في كربلاء، وهذا نصّها: يوماً بعد آخر وتجربةً إثرَ أخرى ومجالاً بعد مجال، يُثبت منتسبو العتبة العبّاسية المقدّسة أنّ العقل العراقيّ عقلٌ خلّاق في حال مُنِح الثقةَ وأُعطِي الميدان. تشاهدون اليوم تجسيداً فاعلاً لرؤية العتبة العبّاسية المقدّسة التي تركّز عليها في مشاريعها كلّها، في إعادة الثقة بالعقل العراقيّ من خلال خطوةٍ جديدة في درب إعادة إحياء عبارة (صُنع في العراق)، التي انحسرت عن التداول بفعل المُنتَج الأجنبيّ، الذي شاع في حياتنا كلّها وغطّى المشهد كلّه أو كاد، وقد تعاقبت المشاريع التي تبنّتها العتبةُ العبّاسية المقدّسة مانحةً فيها الثقة لأبناء البلد، موفّرةً فرص عملٍ ومجال إبداعٍ في كافّة الميادين الصناعيّة والزراعيّة والتجاريّة أو الخدميّة، عملاً بمبدأ الاكتفاء الذاتيّ وترجمةً صادقة لرؤية سماحة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، فكانت الحصيلة أن سجّلنا العتبة العبّاسية المقدّسة في مضمار صياغة الشبابيك، وأدخلنا العراق لأوّل مرّةٍ في تاريخه ضمن قائمة الدولِ القليلةِ المصنِّعة. لقد كانت الحصيلةُ قبل سنوات الشبّاكَ الشريف لمرقد مولانا أبي الفضل العبّاس(عليه السلام)، المصنوع بفخرٍ بأيادي خُدّامه، لقد شكّل ذلك المنتَج -وقتذاك- تحدّياً بالغاً لأهل الاختصاص في الدول الأجنبيّة، وذلك أنّه صُنع بمواصفاتٍ عالية الجودة من دون مثالٍ يُقتدى أو نموذجٍ ماثل، فلا مخطّطات ولا تصاميم، وليس هناك سوى عزمٍ وإصرارٍ تحدوهما نيّةٌ صادقة في الخدمة وتقديم الأبهى والأجمل. مرّةً أخرى نجتمع اليوم أيّها الإخوة لنرى تحفةً سَنيّةً أُخرى، لنرتّل معاً آيةً أخرى من آيات الفنّ، تتجلّى فيها جماليّاتُ النقش والزخارف، يقدّمها خَدَمةُ المولى أبي الفضل العبّاس(عليه السلام) في قسم صناعة شبابيك الأضرحة وأبوابها التابع للعتبة العبّاسية المُقدّسة، إلى ملايين الأفئدة التي تهفو إلى مراقد أهل البيت(عليهم السلام) ومزاراتهم، لتلاوة آيات الودّ جزاءَ أجر الرسالة المحمديّة الخالدة، التي بها عرفوا الحقّ واتّبعوا الصواب، فأُخرِجوا من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام. نعلن هنا إنجاز شبّاك ضريح السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين(عليهما السلام)، وبالدقّة المتناهية والدقّة الفنيّة العالية التي لا شكّ أنّكم سترونها عند ضريحها الطاهر. ليس لنا هنا إلّا أن نشيد بكلّ من يقتنع معنا بأنّ العقل العراقيّ أهلٌ للابتكار والإبداع، وبكلّ من يدعم قناعته هذه برأيٍ أو خطوة فعّالة، وليس لنا وله من غايةٍ سوى بلدنا العزيز وأهله نخصّ منهم بالذكر سيّد النجف وأمن العراق وأمانه إمامنا السيّد علي الحسيني السيستانيّ(دام ظلّه الوارف)، ويُملي علينا السياق هنا أن نذكر بخيرٍ مَنْ آمن معنا بهذه القناعة وهو الأخ المتبرّع، وأن نُثنِي عليه بأزكى كلمات الشكر وعبارات الوفاء، وهو يهب ما أنعَمَ الله به عليه في سبيل البيوت التي أَذِنَ الله لها أن ترفعَ ويُذكر فيها اسمُه، وتخلّدَ فيها رسالةُ نبيّه، ويسدّد تحت قبابها أجرها وهو مودّتهم عليهم صلواتُ ربّي وسلامُه. نعم أيّها الإخوة فمنذ أن أجاب العبّاس أباه عليّاً على وصيّته بقوله: (لأنعمنّك يا أبتاه عيناً)، وهو يترجم على نحوٍ صادقٍ قانونَ الأخوّة الحقّة، فقد رعاها كما يجب أن تكون الرعاية، وتقفّى خطوها ليمسح أثر أقدامها كراهة أن يراها الناس، وآمنَها كما يكون الأمن حين أزفت آزفة الطفّ وجنّ ليلُه، إذ جعل الحوم حول خيامها عادةً ما كفّ عنها، ومنذ ذلك الحين صارا معاً العبّاس وزينب عنوانَ الأخوّةِ وسيرتها الناصعة، التي ما أضلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء مثلها، وما زالت طليعة النوادر التي قلّ أن يجود الزمان بمثلها، كأنّ الله تعالى يريدنا بهما أن نستعين الدرس المطوّق بهالة الشرف والعفّة وأسوار الكرامة، والمعنون بالذبّ عن القيم والمبادئ في كلّ مكانٍ وفي كلّ زمان، وإنّ خَدَمةَ العبّاس يعرضون علينا مشاهدها هنا حلقةً أخرى من سلسلة الوفاء هذه، فبالأمس القريب صنعوا لضريحها السقفَ العلويّ وتاجَ الشبّاك، واليوم هذه التحفة السنيّة التي ستسوّر لها ضريحَها المطهّر. ولهذا وغيره نشكر خَدَمة المولى أبي الفضل(عليه السلام) في مصنع السقّاء لعمل شبابيك الأضرحة الشريفة وأبواب المراقد المطهّرة، وهم يتبعون الخطوة بالأخرى في درب الإبداع والتميّز، كما نُثني على كلّ مَنْ أحسَنَ الظنَّ بعملنا، وآزَرَنا بقولٍ أو فعل. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.