وجّهت العتبةُ العبّاسية المقدّسة عبر عضو مجلس إدارتها السيّد ليث الموسوي، إلى تكثيف الجهود تجاه توثيق كلّ شاردةٍ وواردةٍ عن جرائم البعث المقبور، وما تولّد بإثره من وجود جماعاتٍ إرهابيّة طالت بأفعالها أرواح العراقيّين وأوغلت بدمائهم الطاهرة، لقطع الطريق أمام محاولات التزييف والتغييب والتزويق، وبالتالي لا تقع أجيالنا في فخاخ جهالتهم بتلك الجرائم.
جاء ذلك في كلمة الأمانة العامّة للعتبة العبّاسية المقدّسة التي ألقاها الموسويّ بالنيابة خلال افتتاح المُلتقى التخصّصي الأوّل الموسوم (توثيق جرائم التطرّف في العراق: مناهجه، آليّاته، تحدّياته).
وأضاف أنّ "من أفضل نعم الله تبارك وتعالى على عباده، أنْ شرّع لهم أحكاماً وقوانين، تدعو للعدل والإحسان، وتنبذ الظلم والعدوان، بل وتعاقب عليهما عقاباً دنيويّاً، فضلاً عن العقاب الأخرويّ، كي ينعم الناسُ بمعاشهم، ويهنأوا بالأمن والأمان".
وبيّن الموسوي "الإنسان الجاحد لحقّ الله تعالى ولأوامره، وحتّى لفطرته السليمة، أبى إلّا أن يخرج على تلك الأحكام والسنن، فيوغل في ظلمه للآخرين وعدوانه على نواميسهم ومقدّراتهم، وإذا فتّشنا عن الأسباب التي تدفع البعض إلى الظلم والعدوان، سنجدها تعود إلى صفة الجشع وعدم القناعة المفرطتَيْن في نفوس مَن استحوذ عليهم الشيطان، وبات عبداً لغرائزه السّبْعِيّة التي تُخرِجه عن دائرة الإنسانيّة".
وأشار "إذا تصفّحنا تاريخ البشريّة سنجد شواهد الظلم والظالمين، من التكوين الأوّل إلى حاضرنا المعاش كثيرةً وكبيرة، بدءاً بظلم قابيل لأخيه هابيل حين سوّلت له نفسه قتل أخيه، إرضاءً لجشعه وعدم قناعته بما قسم الله تعالى له، لما كسبته يداه! ، فتوالت بعد هذا الحدث مظالم وجرائم سارت كالظلّ مع قامات الأجيال جيلاً بعد جيل، ولم تستطع إيقافها قوانينُ وضعيّة ولا حتّى شرائعُ سماويّة".
وأوضح "وثّق القرآنُ الكريم الكثير من تلك المظالم، وسلّط الضوء بآياته على الكثير من الظالمين، بغية إظهار الحقّ وأهله وتعرية الظلم وأهله، ولأخذ العبرة ممّا سيؤول بعاقبة الظالمين، ليتجنّب كلُّ عاقلٍ ولبيب الظلمَ والعدوانَ على حقوق الآخرين، وليصدّق على نحو الحسّ سُنّة (يُمهِل ولا يُهمِل)".
وأكّد الموسوي "ينبغي أن يكون هذا النهج القرآنيّ في التوثيق، وسيلةً لنا لحفظ الحوادث والمظالم التي حلّت بنا، حيث توالت على بلدنا أيادٍ آثمة وخبيثة، أفسدت الحرث والنسل واستولت على مقدّرات الناس، وصادرت الحقوق وأزهقت الأرواح البريئة، إرضاءً لجشعها في السلطة وإشباعاً لغرائزها الدنيئة، وكان آخرها حقبة البعث المجرم الذي لم يُبقِ ولم يذَرْ من خيرات هذا البلد إلّا أفسدها برعونة نزواته، ولا من خِيار رجالاتِ هذا الشعب الأبيّ إلّا وقد طالهم القتلُ أو الاعتقال والتعذيب أو التشريد".
وتابع "مارس نظامُ البعث المقبور مع أبناء الشعب العراقيّ بمختلف أعراقهم وطوائفهم أبشعَ الجرائم التي يندى لها جبينُ الإنسانيّة"، مشيراً إلى أنّ "أشدّ الظلم الذي يقع على المظلوم المقهور، لا يكمن في الأذى الجسديّ أو النفسيّ الذي لحق المظلوم، بل في محاولات التزييف والتغييب لجرائم الظالم، وتزويق وجهه الكالح، وهذا ما بدأت بوادرُهُ وتسلّلت مخالبُهُ إلى عقول جيلنا المعاصر، من قبل أجنداتٍ داخليّة وخارجيّة، مستغلّين عدم معايشة هذا الجيل لتلك الجرائم والمظالم، ويراهنون على عدم إدراك هذا الجيل الغضّ الطريّ لما يُخطَّط له".
واستدرك بالقول: "علينا أيضاً أن نتوسّع باستذكار كلّ مناسبةٍ لها صلةٌ بتلك الجرائم، لنُعلنها بملتقياتٍ نخبويّة وفعّالياتٍ جماهيريّة، كي تطرق أسماع من هو غافلٌ عنها، وتكون حاضرةً في ضمير أجيالنا، ليعتصموا عن الوقوع بين مخالب مَنْ لا يريدُ لهم الخير والعيش الكريم بأمنٍ وأمان".
وأضاف "أجاد الإخوةُ في المركز العراقيّ لتوثيق جرائم التطرّف، باختيار هذا التوقيت لإقامة هذا المُلتقى المبارك، حيث جاء استذكاراً لتصدّي المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف ممثّلةً بالمرجع الأعلى آية الله العظمی سماحة السيّد علي الحسينيّ السيستاني(دامت برکاته)، حين أطلق فتواه لمحاربة العصابات الإجراميّة (داعش) التي أشاعت القتل والدمار في ربوع عددٍ من محافظاتنا العزيزة، ولا يخفى أنّ هذه العصابات هي أيضاً من مخلّفات البعث المقبور نهجاً وقيادة".
واختتم "ما تلبيتكم للحضور والمشاركة الفاعلة في هذا المُلتقى، إلّا دليلُ وعيٍ بضرورة التضامن مع كلّ خطوةٍ غايتها تطويق وتوثيق الجرائم، التي طالت أبناء هذا البلد العزيز".