المقدمة
تحظى المرجعية الدينية بموقع اجتماعي وسياسي بالغ الاهمية
وتحظى باحترام كبير باعتبارها تمثل الامتداد الفقهي لحركة الامامية وانّ الفقيه المرجع نائب الامام الذي لا يملك دور الامام، ولكنّه يتحرّك في بعض دوره على مستوى الافتاء والقضاء والولاية في دوائرها الصغيرة والكبيرة ومثل هذا الاحترام عنصر ايجابي مكّن المرجعية من ممارسة ادوار خطيرة في حركة الامة وصناعة الاحداث حيث شهدت الحياة السياسية تحولات كبيرة على مستوى الامة والدولة صنعتها المرجعية القائدة عبر توجيهاتها وفتاواها التي اصدرتها في اوقات عصيبة ، فكان لها في بعض الاحداث المهمة القول الفصل والقول القاطع في مجرياتها.
لقد تاثرت مسيرة المرجعية الدينية بتراكم التجارب وانفعلت وتفاعلت بتطورات الواقع السياسي والفكري والحياتي كما ان الطاقة الذاتية العالية التي يتمتع بها كل واحد من الرموز الدينية المسؤولة هي الاخرى كان لها الاثر البالغ في ترسيم النتائج واعطاء المحصلة، فكفاءة المرجع هي التي تجمع الامة حوله وتجعلها تسير في خطه، وان تعامله الحكيم مع الاحداث هو الذي يطرحه كقائد سياسي يستخدم حكمه الشرعي في الموضع المناسب وبالشكل الدقيق، وبذلك يجعل للمرجعية وجوداً قوياً.
انّ نظرة فاحصة لتاريخ العراق منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة تكشف عن الدور الفاعل للتيار الاسلامي في الحياة السياسية العراقية، وباستثناء حالة التراجع التي شهدها هذا التيار بعد انسحاب العلماء من المعترك السياسي بعد ثورة العشرين، فان التيار الاسلامي ممثلا بالمرجعية الدينية كان الظاهرة البارزة في الصراع الذي ظل دائراً بين الشعب العراقي وقوى الاحتلال ومعظم الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق.
ولقد وضعت الظروف التي شهدها العراق بعد التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ المرجعيات الدينية أمام مسؤولياتها الدينية والوطنية والتاريخية وأمام تهديدات ومهام كثيرة كانت تتطلب الحضور بما لهذا الحضور من دلالات على مستويات متعددة وبما يتطلبه تطور الحالة فضلاً عن الموقف من الديمقراطية وآلياتها وشكل العراق الجديد. وهنا برز الدور الكبير لذي لعبته المرجعية ممثلة بشخص السيد علي السيستاني الذي اختار للمرجعية مكان الارشاد والتوجيه وتحديد الاسس التي يجب ان يقوم عليها عراق المستقبل من اعتماد لمبدأ الشورى والتعددية والتداول السلمي للسلطة واعتماد مبدأ العدالة والمساواة بين ابناء البلد في الحقوق والواجبات.
وفي هذا البحث سنحاول ان نبلور البعد السياسي للمرجعية الدينية بشكل عام والمواقف التي تبنّاها السيد علي السيستاني اتجاه أبرز القضايا السياسية والمصيرية التي شهدها العراق وذلك من خلال المحاور التالية:
اولا: في مفهوم المرجعية الدينية
ثانيا: المرجعية الدينية والعمل السياسي
ثالثا: الدور السياسي للسيد علي السيستاني
اولا: في مفهوم المرجعية الدينية وتطورها التاريخي:
1- المفهوم اللغوي والاصطلاحي للمرجعية
وتعني المرجعية في مفهومها اللغوي فالمرجعية الدينية هي الجهة التي ترجع إليها الامة في مجالي موثقة الاسلام وتطبيق احكامه وتعاليمه، الشريعة الالهية شريعة تامة تستوعب جميع مجالات الحياة ولم تفتقر على الجانب العلمي والتشريعي فقط بل تشمل ايضا الاسس النظرية والاعتقادية لفهم الوجود والحياة، والارتباط بالاسلام لا يمكن ان يقوم فقط على اتباع الجانب التشريعي منه والمرتبط بالموقف العملي فقط ، بل يتوقف على الايمان بمبادئه واصوله الفكرية والاعتقادية، من هنا تتضح اهمية وجود مرجعية ترتبط بالفكرة والعقيدة ، كما انّه لا بد من وجود مرجعية ترتبط بتطبيق الجانب التشريعي من الاسلام في مختلف ابعاد الحياة ، وهي من خلال قيامها بادوارها المطلوبة تستطيع ان تتقدم بالامة نحو أهداف الاسلام في حدود ما توفر لها من فرض وامكانيات .
وبتقادم الزمن ازدادت فكرة الرجوع الى العلماء رسوخاً في اذهان الامة نتيجة لازدياد ما اسمته الروايات الشريفة (الحوادث الواقعة)
وابتعاد الامة عن زمن الصدور فضلا عن حضور المرجعية في الساحة عند الازمات الاجتماعية والسياسية.
تعني المرجعية في مفهومها اللغوي الرجوع والعودة، وهي مشتقة من الفعل (رجع) يرجع رجوعاً بمعنى العودة، ورجع الى الشيء اي عاد اليه (١) امّا اصطلاحا فانّ المرجعية هي الجهة التي توثر على سلوكية واخلاقية ومثل وقيم الفرد تاثيراً كبيراً الى درجة يعتبرهما مرجعا موثوقاً لسلوكه وتفاعلاته في المجتمع (٢) تارة بالكلمة المؤثرة واخرى بالممارسة العملية.
ويعطي الباحثون والمختصون تعاريف عديدة اخرى للمرجعية عكست ارائهم واختلافهم فيما يتعلق بصلاحيات المرجعية ومساحة الادوار المناطة بها، ويمكن بهذا الصدد ملاحظة رأين اساسين:
الرأي الاول: الذي يجعل دور المرجعية تقتصر على الافتاء وتوضيح المفاهيم الدينية والدعوة، واذا ما اديت هذه المهمات الثلاثة فليس من المهم ان تقوم بالمعنى التقني للقيادة الا انّها تكون حينئذٍ قد هيّأت المناخ الملائم لاسلام المجتمع ورشده وتبقى القيادة — بعد ذلك - عملا فنياً محضاً، واستناداً الى ذلك تعرف بانّها ((ذلك المنصب أو الموقع الذي يرجع اليه الناس لمعرفة الاحكام المتعلقة بحقوقهم، أو بالحقوق الشرعية المترتبة على المكلفين من خمس وزكاة ، أو تلك المتعلقة بشؤون الاوقاف والقاصرين وفي قضاياهم الخاصة والعامة )) (٣).
الرأي الثاني: الذي يوسع مهام المرجعية لتشمل نيابة عامة عن الامام المعصوم ، وعليه تقع على عاتق الفقيه المؤهل للمرجعية كافة المسؤوليات القيادية العامة التي وضعها الله سبحانه للامامة تجاه الناس وعلى ذلك تتحمل المرجعية الدينية مسؤولية قيادة الناس في شؤونهم الدينية بالمعنى الشامل لما يتعلق بالحياة الدنيا ويكون المرجع هو الشخص الذي يرجع اليه الناس ((وهو المركز القيادي الاعلى الذي يتولى شؤون المسلمين في امور الدنيا والدين )) (٤).
ويعد المجتهد الجامع للشرائط هو من نوّاب الامام الذين وظيفتهم ان لا يقروا ظلماً لملك ولا ظالم في الرعية وان لايكتموا حكماً من احكام الشريعة شريطة التمكّن (5).
وتعدّ المرجعية الجهة المتولية لشؤون الامة أو الفرقة أو الطائفة باجمعها وبيدها الادارة والتدابير لأحوالها وأوضاعها (٦)
وبين الرأيين يقف رأي ثالث يرى بانّه على الرغم من عدم ثبوت نيابة الفقهاء العامة في جميع المناصب، الا انّ الامور السياسية في زمن الغيبة بحسب تعبير النائيني — من وظائف الفقيه للجزم بانّه الحفاظ على البلدان الاسلامية والمحافظة على نظامها هي من الامور الحسبية التي لايرضى الشارع باهمالها، وانّ على الفقهاء التصدي لحفظها (7).
وبكل الاحوال ومهما اختلفت المساحة الممنوحة للمرجعية ومسؤولياتها فانّها بقيت تحظى بأهمية وباحترام كبير كونها تمثل امتداد الامامة وحركتها في المجتمع الاسلامي، فاذا كانت الامة تمثّل الاستخلاف، فانّ خط الشهادة يجسّده شهيد ربّاني يعمل من اجل ابعادهم من الانحراف، وهذا الخط يتمثّل بالانبياء والائمة والمرجعية التي تعدّ امتداداً رشيداً للنبي والامام على خط الشهادة.
واهدافها ومسؤولياتها وادوارها تمثّلت باستيعاب الرسالة والحفاظ عليها والاشراف على ممارسة الانسان للخلافة والتدابير اللازمة لمسيرته، فالشهيد مرجع فكري وتشريعي من الناحية الايديولوجية ومشرف على سير الجماعة ومسؤول عن التدخل لتعديل الانحراف.
وإذا كان انتخاب وتشخيص القيادة الاسلامية في عصر الغيبة معينة من قبل الله سبحانه بالعنوان العام والمواصفات العامة، فانّ الامة هي التي تقوم بعملية التشخيص والتطبيق لتلك العناوين الكلية على الفرد والمصداق الخارجي.
على هذا، فانّ الناس لا يمنحون الشرعية للفقيه لكنّهم يعززون الفاعلية للفقيه الذي يتولى الامر، اي يعطونه القدرة على ممارسة الولاية في دائرة حفظ النظام، وعندما يحظى الولي الفقيه بأغلبية شعبية يصبح ولياً من الناحية الواقعية شرط ان تتوفر فيه المواصفات التي تمنحه الشرعية (3).
ومن ذلك يستمد المرجع قوته فهو غير مدين في وصوله الى مركزه لاية جهة الا علمه وتقواه، والمواصفات التي يتمتع بها من العقل والورع والخبرة والعلم والادراك لمختلف الاشياء وحسن التدبير، بهذه المواصفات لا تشبه المرجعية البابويّة لدى الكاثوليك، فالبابا يتم انتخابه عند موت سلفه ولا يحق لاحد من الكرادلة بعدئذٍ ان ينازعه في شيء أو ينافسه امّا المرجعية الشيعية فهي غير انتخابية انّما ينالها أحد المجتهدين الكبار عن طريق ما يسميه البعض ((الغربلة الاجتماعية)) (10).
وهذا لا يمنع وجود بعض الاراء المعاصرة الداعية الى بناء مؤسسة مرجعية منظمة تشبه الفاتيكان لانتخاب المرجع الاعلى وتحقيق اهداف المرجعية وتطويرها وتحويل عملية الاجتهاد والفتيا من عملية شخصية الى لجان متخصصة ومتعدّدة بحيث تكون قادرة على متابعة التطورات المختلفة في جميع مجالات الحياة ودراستها بدقة وتكوين وجهات نظر قريبة من الواقع (11)
ويرى الشيخ محمد مهدي شمس الدين (١٢) بانّ العوام لا يقلدون الفقيه في الحقيقة، بل هم متّبعون للشريعة، ولا يوجد هناك اتباع للأشخاص في الفكر الاسلامي وانّ الفقيه لا يتمتع باية قداسة على الاطلاق وليس مؤهلاً لانّ يكون متبوعا ويوكد على انّ الفقهاء انّما حاولوا تحديد مفهوم التقليد وفقا للالتباس الناشئ من الايحاء اللغوي والدلالة اللغوية بانّه اتّباع وتبعيّة للاشخاص ليؤكدوا انّه تبعية للشريعة التي تحاول فتاوى الفقهاء تحديدها وعلى ذلك لا تعني المرجعية في الفتوى الا رجوع الافراد الذين لا يمكنهم معرفة الحكم الشرعي بصورة مباشرة الى اهل العلم والخبرة، وهم المجتهدون العدوه بان يقلدوهم في معرفة الحكم الشرعي، فهو بالاساس محاولة معرفة واستكشاف الحكم الشرعي الالهي من المكلف ولكن بواسطة المجتهد الجامع للشرائط ويسمى هذا الرجوع والتقليد) (١٣).
ويعد التقليد مع الاجتهاد اهم ركنين تقوم عليهما المرجعية لدى الشيعة ويعدان مبدآن اصيلان في فهم الحكم الاسلامي والعمل به ويعبر الاسلام من خلالهما عن مرونته وواقعيّته، فلا يمكن لاي كان ان يستنبط الحكم الاسلامي خصوصاً مع ملاحظة الفارق الزمني الطويل بينها وبين عصر النصوص الامر الذي يتطلب تخصّصاً لبعض الناس في فهم الشريعة والاجتهاد فيها ثم تعرض النتائج على الاخرين ليعملوا بها (14).
ويشخص الباحثون مميزات عديدة للمرجعية الدينية الشيعية مثّلت سر قوتها واستمراريتها اهمّها:
أ- الاستقلالية: اذ تتميز المرجعية باستقلاليتها من حيث مكوناتها ومن حيث مناهجها الدراسية ومن حيث مواردها المالية، فالمرجعية الشيعية لا يعنيها نظام ولا تنتجها حكومة انما تختار من قبل ذوي الاختصاص من اهل الخبرة من العلماء الذين يرشّحون ويروّجون للناس مرجعية معيّنة فيقبل الناس على تقليدها.
والاستقلال المالي الذي تمتعت به المؤسسة الشرعية قد شكّل عاملا مهما في استقلالية مواصفاتها وشوونها من تاثير ورقابة الانظمة الحاكمة حسب — علي الوردي (١٥) اذ تعتمد المرجعية على مواردها ومصادرها الخاصة في تحصيل الاموال وعن طريق هذه الاموال يستطيع المراجع تسيير شؤون حوزاتهم وتدفع الرواتب للطلبة وتغطى مهمات التبليغ والارشاد الديني ودعم المؤسسات والنشاطات الاسلامية والاجتماعية في مختلف المجالات.
ب- استمرارية الاجتهاد: الاجتهاد لغة ماخوذ من الجهد بمعنى الوسع والطاقة أو بمعنى المشقة وهو استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي، ويعني كذلك استنباط الاحكام من مصادرها وبذل الوسع في تحصيلها (١٦).
واستمرار الاجتهاد جعل المرجع (المجتهد) قادراً على اصدار فتاوي جديدة تلائم ظروف الزمان وهو يستطيع ان ينسخ تلك الفتاوي بفتاوي اخرى بناء على تغير الظروف.
وهذه الميزة كانت كثيراً ما تؤدي الى ظهور نفوذ سياسي واجتماعي للمرجع وتجعل الحكام يحسبون له حسابه لا سيما عندما يكون هذا المجتهد هو المرجع الاعلى فتكون الفتوى الصادرة منه سبباً في ثورة أو انتفاضة شعبية لأنّ العلاقة بين المرجع والامة علاقة الزامية تتصف بالوجوب (١٧).
ج- تميزت المرجعية الدينية بانّها كانت دوماً على صلة وثيقة بالاحداث السياسية والاجتماعية، وهذه الميزة متأتية من القدر الكبير من الاستقلالية التي كانت ومازالت تحظى بها ويذكر المستشرق (ادوارد بروان) انّ المجتهدين يمثّلون قوة عظيمة وهم مهتمون بكل ناحية من نواحي الحياة من ادق التفاصيل الى أعظمها فهم يؤلفون طبقة وطنية حقيقية ويمثلون في كثير من الاحيان مطامح الشعب واستطاعوا غير مرة أن يدرؤوا عن الشعب جور الحكام (١٨).
وهذه المواقف الكبيرة للمرجعية زادت من اهميتها عند الحكام وعند الناس على حد سواء، فقد أصبح الشعب ينظر للمرجعية في كل مايشاء من احداث وقضايا مهمة مواجهة المسلمين الشيعة أو المسلمين بشكل عام للعبث فيها، ومن جهتهم يراقب الحكّام باستمرار تحرّكات المرجعيات الدينية ويرصدون مواقفها مدركتين تاثيرها على الناس وقبولهم الطوعي لارائها.
٣- مراحل تطور المرجعية الدينية:
مرت المرجعية الدينية الشعبية باطوار تكاد تكون متكاملة فبدأت بالاتصال الفردي وانتهت الى مرحلة قيادة الامة.
ويمكن متابعة تلك الاطوار على الوجه التالي: (١٩).
الطور الاول: اعتمدت هذه المرحلة الاتصالات الفردية بين علماء مجتهدين وقواعد شعبية في البلاد التي يقطنها اولئك العلماء فكانوا يفتون ويجيبون عمّا يواجه الناس من مسائل شرعية في مختلف شوؤنهم الحياتية، وكانوا يعتمدون في ذلك عمّا ورد عن الامام الحجة من خلال قوله ((واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانّهم حجتي عليكم وانا حجة الله)). وامتدت هذه المرحلة الى القرن الثامن الهجري ومثّل هذه الفترة علماء مثل الكليني وابن بابويه القمّي ثم الشيخ الصدوق وغيرهم من كبار العلماء الذين كانوا يهتمون بقضية الحديث والراوية.
وتطورت هذه المرجعية في مرحلة لاحقة ومتاخرة نسبياً الى مرجعية في الفتاوي وفي العقيدة، وكان هذا التطور عبر جهود مجموعة من العلماء أبرزهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى والذي اصبحت المرجعية في عهده أكثر وضوحا من الناحية الاجتماعية والعملية وفي هذه المرحلة من تاريخ انبثاق مرجعية الفقهاء كان هناك خطان فقهيان، الاول روائي يعتمد الراوية فقط دون تجاوزهما الى امكانية تمحيصها وتأويلها، الامر الذي جعل هذا الخط عاجزاً عن مواكبة المستجدات التي افرزتها تغيرات العصر فلم تستطع الروايات سد هذه الحاجة والاجابة عن المستجدات في المسائل .
الطور الثاني: توضّحت في هذا الطور معالم المرجعية بصورة أكبر وسميت بالمرحلة التكاملية لأنّها مرحلة امتازت بوجود خطَّي (النقل والعقل) لدى الفقهاء الذين برزوا فيها. وبرزت بعض الخصوصيات مثل خصوصية الاستقلال سواء في التشكيلات أو القاعدة، كما هو الحال في مرجعية الشيخ الطوسي الذي وصف بشيخ الطائفة وفي عهده تاسّست الحوزة العلمية في النجف الاشرف على صيغة تشكيلات وقاعدة مستقلة بكل خصائصها.
الطور الثالث: ويطلق عليه ايضاً طور التمركز والاستقطاب وتكتسب هذه المرحلة اهمية كبيرة وتكمن اهميتها في ان المرجعية لم تعد مقتصرة، على قضايا الفتوى والقضايا العقائدية وأنّها مرجعية بالشؤون الاجتماعية والسياسية، وكان يلاحظ في بعض الاحيان اجتماع هذه المسؤوليات في شخص واحد، وأحيانا اخرى تفترق بحيث يكون هناك مرجع مختص بالفتوى والقضايا العقائدية، واخر مختص بالشؤون الاجتماعية والسياسية، ومرجع اخر يرجع اليه الناس ويحظون باهتمامه. وعاصرت هذه المرحلة الغزو المغولي للعالم الاسلامي، ما جعل الفقهاء يهتمون بالقضايا السياسية وتمكّن بعضهم بحكمته وتدبيره ان يحوّل حركة المغول من حركة وثنية كادت تدمّر العالم الاسلامي الى حركة تتبنّى الاسلام وتلتزم وتؤمن بمبادئه.
الطور الرابع: (الدور القيادي) الذي اصبحت فيه المرجعية تضطلع بدور قيادة الامة ولم تقتصر دورها الى الشؤون الدينية بتجاوزها للاهتمام في الامور السياسية والواقعية للناس، خاصة وانّ الدولة في اخر ايّامها اتسمت بضعف وعدم قدرتها على اعادة شؤون الامة ما جعل الاخيرة بلا قيادة حقيقية في الجانب حقيقية في الجانب السياسي. وقادة المرجعية الامة في هذه المرحلة في صراعها مع الاستعمار والقوى الاجنبية التي غزت بلاد المسلمين ، فتصدى رجال الدين للكثير من القضايا المصيرية وخاضوا معارك حاسمة ضد المستعمرين الذين اتبعوا اساليب الهيمنة الاقتصادية والتدخل في الشؤون العامة عن طريق المعاهدات والاتفاقيات غير المتكافئة والشركات الاقتصادية وصولاً الى الغزو العسكري المباشر: وكان ابرز اقطاب هذه المرحلة السيد فتح الله الاصفهاني والشيخ حسين النائيني والشيخ مهدي الخالصي والسيد محمد تقي الشيرزاي صاحب الفتاوى الشهيرة ضد الاستعمار الانكليزي والذي اجاز اللجوء الى القوة في انتزاع الحقوق من السلطات البريطانية والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صاحب المقولة الشهيرة (( اذا كان معنى السياسية طلب الخير وخدمة الناس وتوجيههم ومنعهم من الفساد والخيانة ونصيحة الحكّام وعامة الشعب وتحذيرهم من الوقوع في اسر الاستعمار والعبودية ، فإنّنا من ام رأسنا الى اخمص اقدامنا سياسيّون وذلك لانّ كلّ ذلك يصير من واجباتنا الاساسية))(٢٠).
إنّ مسيرة المرجعية وتطورها انما تأثرت بتراكم التراجم التي تفاعلت مع تطورات الواقع السياسي والاجتماعي والفكري وابرزت كل مرحلة من مراحل تطورها علماء ومراجع أصبحوا رموزاً لتلك المراحل وخصائصها الفقهية والدينية، كان لهم الاثر الكبير في ترسيم النتائج واعطاء المحصلة للتطورات التي واكبوها)) وحافظت المرجعية خلال كل تلك الفترات على استقلاليتها ومثلت هذه الاستقلالية خط ثابت سارت عليه المرجعية وجعلها تتحرك بمرونة وقوة على ساحة الاحداث فكانت تتخذ مواقفها على اساس رؤيتها وقناعاتها وفهمها للظروف المحيطة.
ثانيا: المرجعية الدينية والعمل السياسي
تعد السياسة جزء من مجموعة متكاملة في الرؤية الدينية، فكون الاسلام سياسياً نابع من اساس وجوهر الاسلام، وذلك لانّ نظام الاسلام يعتبر نظاماً جامعا من أجل تنظيم الحياة الانسانية ولذا فهو يرتبط بحسب البعض (21) بالسياسة ارتباطاً وثيقاً باعتبارها الوسيلة من اجل الوصول الى تحقيق ذلك النظام وإذا كانت السياسة تمثّل هذا الموقع في المجتمع، فلا يمكن للمرجعية التي تفترض ان لها الموقع الخاص في النظرية الإسلامية باعتبارها امتداداً لنظرية الامامة وكون المرجع يتصدى للامور الشرعية نيابة عن الامام المعصوم، ان لا يكون لها دور ورأي في القضية السياسية وعلى ارض الواقع يمكن ان نلاحظ انّ حركة المرجعيّات وعلى مر التاريخ كانت بين مد وجزر فهناك مرجعيات استطاعت ان تتفتح على الواقع السياسي الاسلامي بحجم الظروف التي يعيشها، وبذلك كانت مرجعيّتها تعطي بعض التميز والحيوية للواقع الاسلامي، بينما نجد انّ هناك مرجعيّات انكمشت انكماشا شديداً حتى يخيّل للناس انّها غائبة تماما عن كلّ شيء فيما عدا العلاقات الفقهية المباشرة بينها وبين الناس وفي المسائل التقليدية الفتوائية والدينية ، بينما غابت حتى عن القضايا الثقافية العامة التي تطرح فيها الافكار في مستوى الفعل ورد الفعل في ساحة التحديات للاسلام والمسلمين (22) وهذه هي المشكلة التي عاشها الواقع الاسلامي الشيعي في الارتباكات التي كانت تحدث بين الطلائع الاسلامية التي تحاول ان تنفتح على الواقع بطريقة حركية أو بطريقة ثقافية منفتحة أو من خلال توسيع الساحات التي يتحرك فيها الاسلام في هذا الموقع أو ذاك ، فقد كانت تواجه من بعض المرجعيات اهمالا أو سكوتا أو أبعاداً أو موقفاً مضاداً في هذا المجال أو ذاك.
انّ استعراض وجيز لمسيرة المرجعية الدينية تؤشّر بوضوح هذا التفاوت في مواقفها، فقد تمسّك فقهاء الشيعة الاوائل بالتراث المذهبي لتثبيت الامامة النصية ودفع الشبهات، فانصرفوا الى تفسير ماضوي يرمي الى اغلاق الحقل الامامي عند حدود الغيبة الكبرى عوضاً عن استنباط نظرية سياسية، فكان التراث الامامي يصيغ التشيع بصيغة تاريخية ماضوية كانت نتيجتها تعطيل التفكير بنظرية سياسية، وكذلك تعطيل اقامة الدولة الدينية حتى ظهور الامام المهدي كمسوغ لاكمال النصاب الشرعي للدولة (٢٣).
وفي مقابل الخط التقليدي المنغمس بصورة شبه كاملة بالاخبار والروايات والانغماس في تراث الانتظار، واعتزال الحياة السياسية وعدم الاقرار بشرعية الدولة القائمة في عصر الغيبة، نشأ في القرن الرابع الهجري خط اجتهادي يتجه نحو الاخذ بفقه الواقع ويبدو انّ هذا الخط قد نشأ متأثراً (24) بالتحولات السياسية وخصوصا مع قيام سلطة بني بويه.
بحركة الاجتهاد في الفقه السنّي بحركة الفلسفة والعقليات التي تنامت انذاك والتي انتجت معها اليات عقلية ممّا سمح للفقيه تأويل الروايات المتعلقة بالانتظار والغيبة واسس هذا الاتجاه الذي مثله الجيل الاول من العلماء كالمفيد والمرتضى والطوسي، لأصالة النظام السياسي ووجوب حفظ النظام كما مثل في جوهره تطويراً في الفكر السياسي الديني لاول نظرية سياسية شيعية تتجه نحو شرعية التعامل مع السلطات الظالمة تحت مسوغات عقلية لا شرعية، مؤكّدة على فكرة باتت من اولويات الفكر السياسي الحديث والقائمة على اساس الانضواء تحت رابطة سياسية تكفل عيش الافراد وتحفظ وحدتهم وتحقق استقرارهم ( الدولة) (٢٥).
اما التحول العميق فهو الذي حدث على صعيد التطورالفكري والفقهي للمرجعية الدينية بداية القرن السابع الهجري، اذ يبدو ان الدولة الدينية التي اتخذت من التشيع مذهباً رسمياً لها، لعبت دوراً مهماً في تفكيك ذلك التراث الغيبي عن طريق تفعيل مبدأ التقية للتحول الى الية نشطة لتجاوز ذلك التراث والتاسيس لتصور العلاقة مع الحاكم ممّا يؤسّس الشرعية للشراكة السياسية من دون استبعاد مسألة عدم شرعية السلطة (٢٦) واستمر ظهور المحاولات العديدة على الصعيدين الفكري والعملي وكان الهدف منها اسباغ الشرعية الدينية والسياسية على الدولة القائمة وقد ساهمت ظروف وعوامل سياسية واجتهادات فكرية في هذا التحول منها الأخذ بمبدأ الاجتهاد من قبل الاتجاه الاصولي - والقادر على التلاؤم مع مقتضيات الواقع والظروف الزمانية والمكانية، فضلا عن التوسّع الذي طرأ على نظرية النيابة العامة للفقيه تلك النيابة التي تمنحه صلاحيات واسعة في تقرير مسار الدولة العام بموجب نظرية النيابة العامة عن الامام المعصوم. وتجدر الاشارة الى: انّ التطور الذي جاء في سياق توسّع صلاحيات الفقيه الشيعي لتشمل الولاية السياسية والحكم لم يكن محل اتفاق ورضا الفقهاء فكانت نقطة الخلاف تتمحور حول موضوع الفقيه والولاية وحول حجم الصلاحية المعطاة للفقيه وافرزت هذه الخلافات في الفكر السياسي الشيعي ثلاثة اتجاهات رئيسة الاول ولاية الفقيه المطلقة، والثاني الاتجاه الرافض لولاية الفقيه المطلقة والذي حصر امور الولاية بالامور الحسبية وبتوسطهما رأي ثالث يعبر عن ولاية الفقيه في المجال التنفيذي والذي يمزج بين دليلي العقل والنقل لتحديد صلاحيات الفقيه والسيد السيستاني من ابرز القائلين به. ورغم الخلاف الكبير حول الفقيه والولاية وحول حجم الصلاحيات المعطاة للفقيه، فان أغلب الدراسات تشير الى ان ما حصل خلال مراحل تطور الفكر السياسي الشيعي من عصر المفيد والطوسي ولاحقاً ابن طاووس والعلامة الحلي الى عصر النراقي والخميني هو تكامل عقل الفقيه باستقلاله الى درجة كبيرة وانغماسه في شؤون حاضره ومستقبله. وفي الوسط الاسلامي اليوم تتعالى الاصوات الرافضة للمنطق الذي يقول انه لا دخل للدين في السياسية، وانّه ليس من حق العالم الديني ان يطلق فتوى سياسية أو يعطي رأياً سياسياً، وياتي رفض هذا المنطلق لكون السياسة جزء منه الدين، وعلى أساس ذلك فانّ للمجتهد العادل والمرجع الدور الاساسي في العمل السياسي الذي يرتبط بقضايا الامة لا سيما وانّ السياسة بحسب احد المفكرين (٢٧) تشتمل على كلّ عمل يستهدف التأكيد على قوة الامة واصالتها ووحدتها ودفع التحديات التي تواجهها مع التأكيد على ضرورة عدم اغفال ان لا يعطي المجتهد سواء في موقع الولي الفقيه، او في الموقع العام، أي حكم أو فتوى أو أي موقف سياسي الا بعد ان يحيط بكل جوانبه بقدر ما يملك من الادوات التي تجعله يطمئن بان الحركة ستختزن إيجابيّات اكثر من السلبيات وفضلاً عن ذلك ينبه البعض (٢٨) الى ضرورة مواكبة المرجعية لاشكال واتجهات التحرك الاسلامي بمختلف صيغه و اشكاله باعتبار ان الحركة الاسلامية مرتبطة بموقف المرجعية عفوياً، فتكون قوية مع وجود المرجعية القوية القادرة على استيعاب التحرك الاسلامي واشباع حاجاته ورعايته وحمايته، الامر الذي يستوجب صياغة أسس علمية وموضوعية لجهاز المرجعية له القدرة على النهوض بالواقع الاسلامي الى مستوى حركة السياسة العالمية تأسياً على ذلك يضع السيد محمد باقر الحكيم وظائف وواجبات للمرجعية في الجانب السياسي يمكن تلخيصها بالاتي (29):
١-تشخيص الواقع الاجتماعي والسياسي القائم من خلال جمع المعلومات وذلك في اطار التصور الاسلامي في فهم حركة لتاريخ وتفسير الاحداث وتشخيص هذا الواقع في الساحة الدولية.
٢-تشخيص اولويات الصالح والفاسد لسياسة الامة في اطار التصور الاسلامي العام واعطاء الموقف السياسي للامة في حركتها السياسية وتنظيم المواقف في ضوء تشخيص القدرة والامكانات التي تمتلكها الامة والنتائج والاهداف التي تسعى اليها.
٣-التعبئة الروحية والسياسية في حركة الامة بحيث تبقى امة حية تتمثل مسؤولياتها والاستفادة من فرص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى نشر المناهج الاسلامية السمحاء .
٤-تهيئة الامكانات واسباب القدرة وتنظيمها وايجاد المؤسسات المطلوبة لذلك، ويمكن للمرجعية ان تمارس مسؤولياتها السياسية من خلال موقعين(٣٠):
الموقع الاول: من خلال الاتصال القريب والمباشر مع المسؤولين وليس مع المسؤولية بمعنى ان تمارس المرجعية من هذا الموقع دورها السياسي بحدود استجابة طاقم الحكومة وتفاعل الامة وشرائحها السياسية والاجتماعية فضلاً عن الدينية معها.
وهذه القيادة تفترض امة تعتقد بدور المرجعية السياسي الى جانب وجود حكومة منتجة من قبل الشعب.
الموقع الثاني: الذي تمارسه المرجعية من خلال الاتصال المباشر بالعملية السياسة وقيادة الدولة بصورة رسمية وكاملة باتجاه الاهداف التي تتواخاها الدولة والشعب ومن خلال هذا الموقع سيتولى المرجع على مزاولة العمل السياسي ومتطلباته عبر تشكيل التجمعات والاحزاب وتأمين الشروط اللازمة لبناء الاطر الدستورية والقانونية والسياسية واذا كان الموقع الثاني يجعل من وظائف المرجع قيادة الدولة - بما فيها الحكومة في جميع انشطتها وفعالياتها العامة على اعتبار تمتعه بحق الطاعة القائم على اساس اجتهاده ومعرفته بمفاهيم الدين المتنوعة فان هذا الموقع - حسب راينا ـ يصعب تحقيقه في واقعنا المعاصر ومتطلبات هذا الواقع من الاختصاصات المتنوعة وتقسيم العمل والتي تفترض قيادة مدنية تتولى ادارة الدولة وشؤونها ولا ضير ان تبقى المرجعية تمارس دورها الذي حدّده الموقع الاول وان تكون واعية للعمليّة ان تبقى المرجعية دورها الذي حدّده الموقع الاول وان تكون واعية للعملية السياسية وتتولى مهام الاشراف والمراقبة والتدخل لإبداء الرأي في المواقف المصيرية، ونرى ان هذا ما ارتضته المرجعية في العراق ممثلة بمواقف السيد السيستاني.
انّ التأكيد على الدور المهم للمرجعية الدينية قد يرى فيه البعض دعوة للوصاية على الفكر وحصر الناس في اروقة فقهية تحكمها مرجعية دينية في زمن الانفتاح والعدالة والاراء المتعددة، أو هي دعوة لاعطاء المرجعية الدينية هالة من القدسية وجعلها سلطة مستبدة تدّعي لنفسها القداسة والطاعة العمياء، والحقيقة انّ الاشارة الى دور المرجعية انما هو اضاءة على اهميتها ودورها التكامل مع القيادة السياسية في كل ما من شانه صلاح العباد والبلاد باعتبارها وعاء للهوية السياسية من خلال دورها المؤثر في تشكيل الوعي الديني وصياغة الادراك الاجتماعي والاخلاقي الذي يحرك المجتمع من خلاله من خلال ايجابياً أو سلبياً ، ولاء أو معارضة ، طاعة او تمردا في التعاطي مع قيادته السياسية. ويبقى دور المرجعية السياسية يتحدد بالاسس العامة والثوابت والمرتكزات التي تكون دولة عادلة، اما الساحات الاخرى التفصيلية فهي مسؤولية الامة التي تتمثّل مسؤولياتها في خوض التفاصيل التي تقرر حقوقها وتلبي طموحاتها وتمنع الظلم عنها.
الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الجديد اذا كانت جذور الحركة الاسلامية في العراق تضرب في عمق التاريخ الاسلامي، حيث كان العراق قاعدة الوعي الاسلامي ومنطلقاً لحركات الاصلاح والثورة، فانّ مواقف المرجعية الدينية في العراق الحديث تعود في انطلاقتها الى نضال الشعب العراقي ضد الاحتلال الانكليزي وبدأ مع الفتوى الشهيرة للسيد محمد بن الحسن الشيرازي الذي أفتى لمواجهة الاحتلال الانكليزي الذي بدأ يجتاح البصرة نحو مدن العراق الاخرى. وكان لهذه الفتوى وغيرها الاثر الكبير في تعبئة العراقيين وخاصة العشائر العراقية ودفعها في مواجهة القوات البريطانية رغم ان العشائر لم تكن راغبة في ذلك بسبب المعاملة السيئة التي كانت تلقاها من الحكم العثماني رغم ذلك فأن علماء الدين الشيعة اختاروا الوقوف مع الدولة العثمانية منطلقين من فهم دقيق للموقف الشرعي متجاوزين تركة الماضي واختاروا الدفاع عن الوطن الاسلامي ومواجهة المحتل (30).
وفعلا بدأت المقاومة المسلحة في عام ١٩١٤ واستمرت لغاية ١٩١٧ ثم اندلاع ثورة النجف عام ١٩١٨ وتوجت باندلاع ثورة العشرين، وقد كشفت مرحلة الجهاد طبيعة الصراع والقوى الفاعلة فيه وحددت معالم المراحل التالية من سعي العراقيين لنيل استقلالهم وبعد سيطرة القوات البريطانية على كامل الاراضي العراقية وانتهاء الحرب العالمية الأولى.
واصل العلماء جهادهم السياسي ضد الانكليز معبّرين عن مشاعر الرفض والتمرد لدى العراقيّين فشهدت هذه المرحلة نشاطاً سياسياً من نوع اخر تمثل في تشكيل الاحزاب والجمعيات السياسية والعسكرية العلنية والسرية وكان للعلماء دور بارز فيها سواء بتأسيسها او التأييد والمباركة لقيامها ولم ينطلق النشاط العلماني على اساس التحدث باسم طائفة معينة، أو وضع اهداف يمكن ان تحقق مصالح مذهب دون اخر ، انما كان التحرك مجري باسم العراق والعراقيين جميعاً كما ضمت التنظيمات السياسية مواطنين من مختلف المذاهب ومن ابرز تلك التنظيمات، جمعية حرس الاستقلال الجمعية الاسلامية، جمعية النهضة الاسلامية (٣١)
ورغم المواقف المؤيدة التي ابدتها المرجعية لقيام النظام السياسي في العراق بعد فشل ثورة العشرين ومباركتها لتنصيب ملك عربي على عرش العراق ، غير ان الممارسات الانكليزية وفرض ارادتها السياسية على الحكومة العراقية ابرز من جديد دور المرجعية الرافض للسياسة البريطانية فصدرت الفتاوي التي تحرض على مواجهة تلك السياسة وحرمة الدخول في اجهزة الدولة وادارتها، ومن النقاط المهمة التي يمكن التاكيد عليها حول المرجعية ودورها في هذه المرحلة:
١-انّ عامل الزمان والمكان والشروط والاوضاع السياسية والاجتماعية قد لعبت دوراً اسياسياً ومصيريا في اتخاذ المواقف للمراجع والفقهاء.
٢-كان للمرجعية دور بارز ومحوري سواء في ادارة تلك الاحداث أو توجيهها بما يتفق ورؤى المرجعية وقناعاتها الهادفة الى المحافظة على كيان المجتمع وخلق حالة من الوفاق بين جميع اطيافه ومكوناته والمطالبة بضمانة الحقوق السياسية والدينية لمختلف ومكونات الشعب .
٣-تأثرت مسيرة المرجعية بتراكم التجارب وتفاعلت مع تطورات الواقع السياسي والفكري والسياسي، كما ان المواصفات العالية التي يتمتع بها كل واحد من الرموز الدينية المسؤولة هي الاخرى كان لها الاثر البالغ في ترسيخ دور المرجعية وتفعيل دورها.
٤-إنّ استقلالية المرجعية التي حافظت عليها وانتهجتها كخط ثابت سارت عليه، جعلها تتحرك بمرونة وقوة على ساحة الاحداث فكانت تتخذ مواقفها على اساس رؤيتها وقناعاتها وفهمها للظروف المحيطة. والملاحظ عدم ظهور اي محاولات من المرجعية الدينية او نزعة نحو السلطة السياسية - واستمر هذا النهج الى يومنا الحاضر- رغم الشعبية الكبيرة التي كانت تحظى بها في نفوس عامة الشعب العراقي فكان جل ما تهدف اليه تحقيق الوحدة الوطنية والاستقلال واقامة حكم دستوري، ولم تكن الطائفية وحب الذات حاضرة في تفكير المرجعيات الدينية بل كان المراجع اداة للوحدة ودعاة لها. ولم يستمر دور المرجعية على تلك الوتيرة بعد ان ادركت السلطات البريطانية والعراقية حجم الدور المؤثر لعلماء الدين في توجيه الاحداث، التي قادت الى اعتقال مجموعة من علماء الدين والمراجع ونفيهم الى خارج العراق، واشترطت الحكومة العراقة لعودة المنفيّين هو تعهّدهم بعدم التدخل في القضايا السياسية والتخلي عن دورهم في قيادة الامة ومواجهة مخططات بريطانيا وفيما رفض بعض المراجع شروط الحكومة واعتبروا ذلك بمثابة التراجع عن مسؤولياتهم الشرعية التي فرضها الاسلام على علماء الدين، وافق الاخرون على هذه الشروط مبررين قبولهم بالحرص على الحوزة العلمية واستمرارها كمؤسسة علمية مهمة (٣٢).
لقد شكّل التعهّد سابقة خطيرة كان لها اثارها على مسار الحركة الاسلامية في العراق حيث تسرّبت في اوساط العلماء وطبقت سلوكهم شيئا فشيئا وانصرف العلماء عن البحث في الشؤون السياسية لأكثر من نصف قرن، وشهدت الحوزة العلمية حالة من الانكفاء الذاتي والعزلة، الا انّ ذلك لا يعني خلو الساحة تماما من العلماء الذين شكلوا استثناء عن الحالة العامة وشاركوا في الحياة السياسية العراقية وحاولوا التأثير في مجرياتها كما واصلوا الاهتمام بقضايا المسلمين العامة (٣٣)
وبمتابعة ادوار أبرز المرجعيات الامام الحكيم والامام الخوئي وتالياً الامام السيستاني، يتضح ملامح الدور الذي أدّته المرجعية الدينية في الحياة العراقية مع ملاحظة ان تلك الادوار كانت تلتقي عند مصب رعاية المصالح العليا للامة ومصالح المسلمين الوطنية في العراق فضلا عن الاهتمام بقضايا المسلمين المصيرية كالقضية الفلسطينية.
واذا كان الاستعمار البريطاني للعراق في بدايات القرن الماضي اعاد للمرجعية دورها الريادي، فانّ الاحتلال الامريكي للعراق في مطلع هذا القرن وضع المرجعية الدينية امام مسؤولياتها الدينية والوطنية والتاريخية فكان لا بد من وجود مرجعية تحسم الخلافات والمواقف المتباينة في المجتمع والدولة كالموقف من الاحتلال والالية التي ينبغي اعتمادها في التعامل معه وبرزت في هذه الفترة مرجعية السيد مرجعية السيد السيستاني التي حددت المبادئ الاساسية التي يجب ان يكون عليها عراق المستقبل.
ثالثاً: مواقف السيد السيستاني من العملية السياسية:
فرضت الاوضاع التي شهدها العراق بعد سقوط النظام السابق في نيسان ٢٠٠٣ ، واقعا سياسياً مرتبكا تمثل بتفكك الدولة وانهيار موسساتها وركائزها، وحل الجيش العراقي و الاجهزة الامنية وتسلم سلطة التحالف مقاليد الامور في لبلاد ، وظهرت طبقات سياسية جديدة وبرزت اتجاهات سياسية وفكرية حيال قضايا شائكة كالموقف من الديمقراطية والتعددية والدستور ، فضلا عن ارتفاع وتيرة الاصطفاف الطائفي والتخندق المذهبي والعرقي والانحلال الامني ،وقد تطلب كل ذلك دوراً اكبر للمرجعية الدينية لتسديد الخطوات والحفاظ على وحدة الشعب العراقي لا سيما ان الموقع الديني الذي يحكيه المرجع في اذهان عامة الشعب يفترض عليهم الالتزام بما يصدر عنه من اراء لانّها تمثل الرؤية الاسلامية للحدث أو الموقف.
هنا برز الدور الكبير الذي لقبه المرجعية الدينية ممثلة بشخص السيد علي السيستاني الذي اختار للمرجعية مكان الارشاد والتجديد وملاحظة الاداء والتاكيد على البناء والتطوير، وترك مسائل القيادة والادارة الوطنية لاهل الخبرة في السياسة والادارة ، وقد مثل ذلك موقفا متوازنا من فقيه يقف على قمة هرم المرجعية الدينية فهو لم يدع البلاد تفرق في الفوضى وتعتكف على الدرس والتدريس وحماية الحوزة ، ولم يترك العراق وشعبه يصطرع في العمليات المسلمة والصراعات السياسية وغياب الامن ، دون موقف وقرار وقفة اسلامية وشخصية مسؤولة ، بل وضع المسائلة الوطنية في اوليات اهتمامه ووجه البلاد بروح الحرص على المصالح العليا للامة. وانّ ما لاحظ الباحثون في مواقف السيد السيستاني من القضايا المثارة هو النضج والحكمة والاعتدال في الوقت نفسه حيال القضايا التي تصدى لها فهو لا يرفض واقعا أو حالة سياسية ويكتفِ بالرفض أو تأكيد لا شرعيتها كما هو دأب العديد من المرجعيات السياسية، ولكنّه تصدى للحالة المثارة والاوضاع القائمة ببيان الموقف منها ومن ثم طرح البديل الواقعي المبدئي.
ويمكن الاشارة فيما يلي لأهم المواقف التي أبدتها المرجعية الدينية حيال الأوضاع السائدة في العراق والتي عكست حكمة المرجعية وحجم ادراكها للوضع الجديد.
١ -الموقف من الاحتلال:
يعد احتلال العراق وسقوط النظام السابق، شهدت الساحة العراقية فراغاً سياسياً تمثل في زوال الدولة وعدم قدرة التيارات السياسية على حسم الامور لصالح اعادة بناء الدولة وتباين المواقف ازاء الاحتلال، وكان لا بد من مرجعية تحسم الخلافات والمواقف المتباينة في المجتمع ولا سيما المواقف المصيرية كالموقف من الاحتلال والالية التي ينبغي اعتمادها في التعامل مع المثل، وتوجهت الانظار الى المرجعية الدينية في النجف الاشرف والتي بادرت الى الاعلان عن موقفها الواضح من مسألة العراق وكيفية ادارته ، غير ابهة بقوات الاحتلال، منحازة في موقفها الى الشعب، اذ أصدرت مرجعية السيد السيستاني بعد اسبوعين على الاحتلال تصريحات حددت فيه المبادئ الاساسية التي يجب ان يكون عليها العراق في المستقبل واهمها حق الشعب العراقي في حكم نفسه بعيداً عن ارادة المحتل وتدخله وارتباط حكم البلاد بافضل ابنائها بما تختزنه من الكفاءة والنزاهة والاخلاق والوطنية.
وارادت المرجعية الدينية -مستفيدة ربما من قراءتها لتاريخ العراق والمنطقة - ان تثبت قناعتها بانّ العراقين قادرون على ادارة بلدهم وهم ليسوا بحاجة الى فترة حضانة أوتدريب يتعلمون بها اساليب الادارة والحكم، فالمعروف انّ المحتل تذرّع في السابق بهذه الحجة لفرض الانتداب، في حين لا يستطيع التذرع بها في الوقت الحاضر مع اصرار القيادة الدينية والمرجعيات السياسية ذات التوجهات المختلفة على قدرة العراقيين على قيادة بلدهم بما يزيل اثار الدكتاتورية السابقة وافرازات مرحلة الاحتلال واعادة اباه.
وقد نبّهت المرجعية الى ما يشكّله الاحتلال من خطر وانّه لم يكن المنشود تغيير النظام الاستبدادي عن طريق الغزو والاحتلال بما استتبع ذلك من مآس كثيرة ومنها انهيار مقومات الدولة وانعدام الامن والاستقرار وتفاقم الجرائم وتلف الكثير من الممتلكات العامة وغير ذلك (٣٤).
وتجدر الاشارة الى انّ المرجعية في بيان لها في الثالث والعشرين من اذار عام ٢٠٠٣ قد استنكرت بشدة العدوان الامريكي - البريطاني على العراق المسلم وطلبت من العراقيّين توحيد كلمتهم بوجه العدوان ويتحلوا بالقوة والصبر، والدفاع عن وطنهم وعرضهم ودينهم ومقدساتهم وطرد الغزاة الكافرين عن ارض الاسلام (٣٥).
وقد نبه السيد السيستاني الى ما قد يشكله الاحتلال من خطر داعياً العراقيين الحريصين على وحدة العراق ومستقبل ابنائه الى ان يتجاوزوا هذه الحقبة من تاريخهم دون الوقوع في شرك الفتنة الطائفية والعرقية، مدركا لعظم الخطر الذي يهدد وحدة الشعب وتماسك نسيجه الوطني في هذه المرحلة نتيجة لتراكمات الماضي ومخططات الغرباء الذين يتربصون به دوائر السوء.
ولذلك تبنّى السيد موقفاً شديد الوضوح من وضع قوات التحالف فهي قوات احتلال وعليها مغادرة العراق باسرع وقت ممكن وان وجودها غير الشرعي وتدخلها في شؤون العراق هو استلاب للسيادة من اهلها، وداعياً قوات التحالف الى فسح المجال للعراقيين في ان يحكموا بلدهم بانفسهم من دون تسويف ومماطلة مؤكدا على اتباع الوسائل السليمة باتجاه الاسراع في اعادة السيادة وتمكين العراقيين من حكم بلدهم من دون اي تدخل أجنبي (٣٦)
وبدلاً عن ممثليه ورموزه العسكرية والمدنية الذين رفض السيد السيستاني اللقاء بهم ومنهم بول بريمر الحاكم المدني للعراق (٣٧) حاول السيد التعامل مع الامم المتحدة باعتبارها الشرعية الدولية مويدا دورهما في العراق وان تكون القوات الاجنبية لحفظ الامن والاستقرار في المرحلة الانتقالية تحت مظلة الامم المتحدة ونقل للمثل الخاص للامم المتحدة (سيرجيو دبميلو) هذا الموقف مؤكداً ان الشعب العراقي ينظر بايجابية للقوات الاجنبية اذا كانت تعمل تحت مظلة الامم المتحدة ولغرض توفير الظروف الملائمة لاجراء الانتخابات العامة لتشكيل المجلس المكلف بكتابة الدستور.
ويتضح بذلك الموقف الواضح للمرجعية الدينية والرافض للاحتلال والمؤكد على ضرورة استعادة الشعب العراقي لسيادته وثرواته وحقه في تقرير مصيره ومستقبل وطنه وهذا مااشارت اليه كل البيانات والفتاوي الصادرة عن مكتب السيد السيستاني وكذلك اللقاءات المكثفة التي شملت مجموعات واسعة النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية ولمراسلي وكالات الانباء الاجنبية.
٢- الدستور والانتخابات.
اولى السيد السيستاني قضية الدستور وطريقة كتابته اهمية كبيرة، رافضاً الصيغة التي تقدم بها مجلس الحكم والحاكم المدني (بول برايمر)، وهي ان يتم تعيين مجلس وطني أو جمعية وطنية تضطلع بمهمة وضع الدستور، على ان يتم هذا التعيين بالتشاور مع الجهات السياسية والاجتماعية في البلد، مؤكداً على ضرورة ان يعتمد في كتابة الدستور القادم على آلية الانتخابات دون التعيين وان لا شرعية لأي دستور يكتب بايدي اشخاص معيّنين سواء من قبل سلطة الاحتلال أو اعضاء ما يسمّى بمجلس الحكم الذي لا يعد سلطة ذات سيادة وسلطة غير مخولة للبت في القضايا والخيارات المصيرية للشعب العراقي، ولا ضمان ان يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي ويعبر عن هويته الوطنية التي من ركائزها الاساسية الدين الاسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة.
وبديلاً من التعيين أصرت المرجعية الدينية على اجراء انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخابات من يمثله في مجلس تاسيسي لكتابة الدستور ثم يجري التصويت العام على الدستور الذي يقره هذا المجلس (٣٨).
ولم تترك المرجعية فرصة الا واستثمرتها للدعوة الى الانتخابات وعمدة الى اشاعة ثقافة الانتخابات من خلال البيانات والفتاوي التي اصدرتها الكثير من المراجع والعلماء مؤكدين ان مقترح السيد السيستاني يمثل طموحات العراقيين وارادتهم المستقلة بجميع قومياتهم وطوائفهم (٣٩).
وظلت مسالة الانتخابات محل جذب بين المرجعية والقوى المؤيدة لها من جهة ، وقوى الاحتلال والقوى والرافضة للانتخابات من جهة واخرى ، وكانت النتيجة لصالح التيار المؤيد واسهمت الفتاوي التي اصدرها السيد السيستاني في تعديل الخطة الامريكية حول الالية التي يجب على ضوئها كتابة الدستور وذلك بالاعتماد على الانتخابات، هذا ما اكده العديد من الباحثين ومنهم ( انذاك ناكاشي ) الاستاذ المتخصص في دراسات الشرق الاوسط ومؤلف كتاب (شيعة العراق) الذي نصح الادارة الامريكية بعدم تجاهل هذه الشخصية وآرائها لانّ ذلك سيجعل الحكومة التي يتم تنصيبها تسقط بعد رحيل الاحتلال ويضيف ((نحن لا نستطيع ان ندفع بورقة الديمقراطية العلمانية ويجب ان نكون واقعيّين فالحكومة التي يتم تاسيسها يجب ان تكون انعكاسا لاراء اغلبية الشعب)) (٤٠).
أما الباحث في شؤون الشرق الاوسط ( كينث كاترفان ) فقد اكّد على انّ السيستاني يعتبر الانتخابات الطريقة الاكثر شرعية ويجب انبثاق البرلمان من العراقين انفسهم وان يكون هناك ممثلون يتم اختيارهم وفق الطرق الصحيحة وان لاتكون هناك اي عملية للتقليل من شأن القانون الاسلامي ويرى ان الديمقراطية هي الطريق الصحيح وانه لايخشاها لان المسلمين من العراق سوف يختارون الاسلام اذا ماسمحت لهم الفرصة بذلك (41).
لقد كانت المرجعية تستشرق الجوانب الايجابية لاجراء الاتخابات من الايجابية لاجراء الانتخابات من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية والامنية فالانتخابات (٤٢):
أ— ستوفر من الناحية السيادية فرصة لتقصير عمر الاحتلال واستعادة اجزاء من السيادة التي سلبها الاحتلال .
ب- ستعطي المشروعية والشرعية للسلطة لانها جاءت وفق رغبة شعبية مستقلة بعيدة عن تحالفات مشبوهة أو توزيع ادوار لقوى مرتبطة بهذا الطرف الاقليمي أو الدولي أو ذاك.
ج-ستوفر الانتخابات على المستوى السياسي مشاركة واسعة للشعب في العملية السياسية ما يزيل حالة العداء بين قطاعات الشعب والحكومة الامر الذي سينعكس ايجابياً على اداء الحكومة الداخلي والخارجي.
د. على الصعيد الامني ستساهم في التقليل من الظواهر الارهابية واعمال العنف المسلح في البلاد من خلال تجريد هذه العناصر من مبرراتها، وحتى لو لم تؤدي الى التقليل من العنف فانها ستحاصر هذه العناصر شعبياً مما يفقدها عمقها الشعبي الذي سيؤدي الى انهائها تدريجياً.
انّ كل تلك الجوانب تجعل الانتخابات واجباً وطنياً قبل ان تكون واجباً شرعياً، وانطلاقاً من هذا الفهم عمدت المرجعية الى تأكيد موقفها من الانتخابات طيلة الفترة المحصورة بين اجرائها التمهيد وحتى اجراؤها في بداية عام ٢٠٠٥.
وحاولت المرجعية في هذه الانتخابات وما بعدها من انتخابات لمجالس المحافظات الابتعاد قدر الامكان عن دعم اي قائمة انتخابية، ومنعت استخدام صور المرجع الاعلى في الدعاية الانتخاية ودعت الشعب العراقي لانتخاب الاصلح لهم مؤكدة على الثوابت الوطنية التي تحفظ مصالح الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والقومية والاثنية.
وبدعوتها للانتخابات والاصرار عليها اجرت المرجعية قراءة متقدمة للواقع العراقي بكل ابعاده وكان سلوك الامام الدستوري يحدد دور الفقيه الذي لا يخضع لمؤثرات الوضع الاستثنائي في البلاد لكونها خاضعة للاحتلال وتمهيد الطريق امام الحياة الواقعية التي يلعب الفقيه فيها دور الناظم لا باعتبار الفقيه واحداً من قواعد البنية المعرفية للاسلام فقط بل باعتباره قاعدة لاستلهام النصوص الناهضة بالدولة ، ومن هنا مارس فعل الفقيه العارف بالمصالح الوطنية العليا، لا فعل الفقيه الخاضع لقواعد الاجتهاد الديني فقط ، وهذا السلوك ادخل الفقيه والمرجعية الدينية في صلب القضايا الوطنية وفي اعماق جدل المسائل السياسية ذات الصلة بالشأن العام (43).
واستمرت المرجعية في دعم نهج الانتخابات على الرغم من بعض الاخفاقات التي شهدتها العملية السياسية والتي لم تسفر عن تحقيق امال العراقيين ولم يكن الكثير من اعضاء مجلس النواب السابق والمسؤولين الحكوميين بمستوى المسؤولية التي عهدت إليهم، رغم ذلك أكّد السيد السيستاني على ضرورة المشاركة في انتخابات مجلس النواب في السابع من اذار ٢٠١٠، لأنها تحظى بأهمية كبيرة ولاسيما في الظروف التي يمر بها العراق وعدها المدخل الوحيد لتحقيق مايصبو اليه الجميع من تحسين اداء السلطتين التشريعية والتنفيذية ومحذراً من ان العزوف عن المشاركة سيمنح الفرصة للآخرين في تحقيق مآربهم غير المشروعة. وحث على اختيار القائمة القادرة على تحقيق ما يطمح اليه الشعب من الاستقرار والتقدم واختيار المرشحين المتعففين بالكفاءة والامانة والالتزام بثوابت الشعب العراقي وقيمه لاصلية (٤٤).
إن الدعوة للانتخابات الحرة النزيهة والتأكيد على المشاركة الواسعة فيها من قبل المواطنين يعد قبولاً ودعما للنظام الديمقراطي الذي تعد الانتخابات وتحقيق ارادة الشعب باعتباره صاحب السيادة هي الدعامة الاساسية له.
٣- علاقة الدين بالدولة:
في الوقت الذي يحذر فيه السيد السيستاني من فتنة ابعاد الاسلام عن ادارة الدولة وعدم اعتباره دين السلطة، نجده يبتعد عن نظرية اسلمة الدولة أو اعلانها دولة اسلامية، واعلن في أكثر من مقابلة صحفيّة وبيان وفتوى رفضه اقامة دولة اسلامية في العراق وترك عنوان الدولة وماهية النظام الجديد لرأي الشعب عبر صناديق الاقتراع وعبر قيام دولة حديثة لا تخالف اسسها الدستورية اسس الاسلام وقواعده الشرعية، وهو مع ذلك له يكون فقيه الحاكم في الدولة الديمقراطية التي مجري تاسيسها وتشييد قواعدها السياسية والقانونية والاقتصادية والسياسية، وليس امام الحكومة بل هو فقيه يمارس وظيفة انتاج الدولة وفق الاسس الحضارية وبما يخدم مطالب الناس وينسجم مع مستوى الوعي لبناء فكرة السيادة الوطنية الحقيقية على أرضها (٤٥).
ويشير البعض الرؤية الخاصة للسيد بالنسبة لتدخّل رجل الدين في السياسة وتتلخص هذه الرؤية بانّ الاسلام نظام شامل ومدرسة متكاملة تضع قواعد ومبادئ عامة للحياة من دون ان تتدخل في تفاصيل وتعقيدات الانظمة الحياتية المختلفة تاركة للعقل البشري فضائه الرحب في التفكير والاجتهاد والابداع من دون اي حجر عليه أو وصاية مباشرة ضمن الخطوط العامة العريضة التي حددها الاسلام فما يعني فسح المجال امام السياسين وأهل الاختصاص ليبدعوا في مجالهم ولا يتدخل المرجع الافي القضايا المصيرية الحاسمة (٤٦).
ويرى (حسن العلوي) مع انّه من حق الفقيه التدخل في قضايا الشأن العام وما يتعلق بمصير الامة، لكن السيد السيستاني اختار للمرجعية مكان الارشاد والتسديد وملاحظة الاداء والتاكيد على بنائه وتطويره وترك مسائل القيادة والادارة الوطنية في البلاد لاهل الخبرة في السياسة والادارة ممّا يعني انّ المرجعية الدينية تضع المسألة الوطنية في أوليات اهتمامها وتوجيه البلاد بروح الحرص على المصالح العليا للامة (٤٧).
وإذا كانت مواقف المرجعية لا تؤيد أو تعمل لقيام حكومة دينية فانّها دعت في الوقت نفسه الى نظام يحترم الثوابت الدينية للعراقيين ويعتمد مبدأ التعددية والعدالة والمساواة وان المرجعية ليست معنية بتصدي الحوزة العلمية لممارسة العمل السياسي وإنّها ترتأي لعلماء الدين ان ينأوا بانفسهم عن تولي المناصب الحكومية ولا يصح لرجال الدين زجّ أنفسهم في الجوانب التنفيذية والادارية، بل ينبغي ان يقتصر دورهم على التوجيه والارشاد والاشراف (٤٨).
على ذلك فانّ تشكيل حكومة دينية على اساس فكرة ولاية الفقيه المطلقة ليس وارادا، وانّ المرجعية لا تريد استنساخ التجربة الايرانية، وكان ذلك بمثابة الرد على المنشورات التي وزّعتها قوات الاحتلال وحذّرت فيها من الدور الذي يلعبه السيد السيستاني في العراق وسعيه لإقامة جمهورية اسلامية على غرار ما فعله السيد الخميني في إيران.
وكان هدف الاحتلال اثارة مخاوف البعض وابعاد السيد عن التدخل في الشؤون السياسية والوقوف ضد سياستها التي تهدد وحدة العراق وشعبه، رغم إدراك المختصين ان السيد السيستاني لا يتفق مع السيّد الخميني بشأن الولاية المطلقة للفقيه، بل يحصر ولاية الفقيه في الحيز التنفيذي التي يصطلح عليها الولاية التنفيذية) للفقيه والحاكم الشرعي.
وهو يلتزم موقفاً وسطاً يرى بانّ صلاحيات الحاكم الشرعي الفقهية هي في حدود المصالح العامة وحفظ الحقوق فلم يكن يراها بالسعة التي يراها السيّد الخميني ولا بالضيق الذي يراه السيّد الخوئي على سبيل المثال وقد يكون ذلك نابعاً من انّ التشيّع في جوهره، خاضع لقواعد التنوع وليس بأحادية فقهية معينة، فهو وان كان كتلة معرفية متجانسة في ثوابتها ازاء الانسان، لكنّها غير متجانسة في رؤيتها للأمور الاخرى المتغيرة.
إنّ هذه الرؤية التي ميزت المرجعية أصبحت واضحة للدارسين والمختصين بالشأن العراقي وادركت العديد من الدراسات الامريكية الرؤية الحقيقية للسيد السيستاني حول علاقة الدين بالدولة والتي توكد على ضرورة أن لا يناقض القانون في العراق المبادئ الاسلامية وان يكون للاسلام مكان بارز في القانون والدستور العراقي، لانه دين الاغلبية، ولكنه لا يدعو الى دور رسمي لرجال الدين في الحكومة العراقية كما هو الحال مع رجال الدين في ايران، ويؤكّد احد الخبراء بدراسات الشرق الاوسط والوضع في العراق، بانّ السيّد السيستاني يؤيد الدولة الاسلامية التي تنسجم مع الانتخابات والحرية الدينية والمدنية (٤٩) .
ممّا تقدّم يبدو انّ الاستقلالية التي حكمت تطور المرجعية اثبت استمراريتها وهذا ما اتضح في مواقف السيد السيستاني الذي اثبت انّه لا يعمل من داخل مظلة الحاكم مهما كانت تسميته بل من خارجها، واعتباره الواقع جزءا جوهرياً من حركة النص المعرفي والفكري وطريقة الاجتهاد بالاليات الفقهية الواقعة في منطقة فراغ الفقيه كون الواقع هو الذي يمهد السبيل امام النص وليس العكس.
٤-وحدة العراق ونبذ الطائفية
لقد جسّدت البيانات التي صدرت عن مكتب السيد السيستاني والفتاوي الشرعية التي اصدرها حرص المرجعية الدينية على وحدة العراق واستقلاله ومحاربة الافكار المسيئة لمكونات المجتمع العراقي ونسيج الشعب العراقي والدعوة للتسامح والمحبة والالفة بين مكونات الشعب لكونه شعباً واحداً بتنوعاته القومية والدينية والاجتماعية، وأن يكون مدركا لما يخطط له في ظل ظروف اجتماعية دامية وسياسية اتسمت بالتعقيد لاسيما في الفترة التي أعقبت تغيير النظام السياسي.
لقد كانت الجهود والدعوات الى الوحدة ونبذ الفرقة وتجاوز الصعاب بالحكمة وتطبيق القانون وتفعيل دور الدولة في المجتمع والتي مارستها المرجعية نابعة من قراءة سديدة للواقع العراقي الذي يتميز بالتنوع والاختلاف بين مكوناته لذلك جاء التاكيد على حماية الاقليات الدينية وحقها في ممارسة شعائرها بحرية وتمتعها الكامل بحقوق المواطنة ورفض اي شكل من اشكال التمييز بحقها واعتماد نظرية التسامح الديني وضرورة اخضاع الحياة العراقية في المستقبل القواعد للتعايش السلمي السياسي والانساني، إن العراقيين امة تحكمهم مصالح ومشتركات وسيادة وطنية واحدة .
لقد تجسّدت دعوات المرجعية للوحدة الوطنية بمظاهر ومواقف عدة منها:
أ- رفض الصيغة التي جاء بها قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي يعهد بمنصب الرئاسة في العراق الى مجلس يتشكيل من ثلاثة اشخاص سيكون أحدهم من الكرد والثاني من السنة العرب والثالث من الشيعة العرب؛ لانّه يكرس الطائفية والعرقية في النظام السياسي المستقبلي للبلد ويعيق اتخاذ اي قرار في مجلس الرئاسة الا بحصول حالة التوافق بين الاعضاء الثلاثة وصعوبة تحقيق ذلك من دون وجود قوة طبيعية ضاغطة (٥٠).
ب- التاكيد على مركزية الدولة باعتبارها السبيل الوحيد لانعاش البلاد اقتصادياً واجتماعياً وتنمويا وامنياً لاسيما وان الاقرار بالانقسام الاجتماعي هو اقرار حقيقي بالتفتيت واخضاع البلاد الى نزعات طائفية وعرقية وجهورية من اجل تكريس هويات جزئية بديلة ونقيضة للهوية الوطنية .
وما دعوة السيد السيستاني على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة ، الا دعوة شرعية وسياسية حقيقية لقيام دولة تمثل الوان الطيف العراقي دون استثناء ودون الاعتماد على حكومات غير مركزية تضعف في حالة احتكارها للقوة - من احساس المواطن بوجود دولة مركزية تمثله (51).
ج-الدعوة الى الابتعاد عن النعرات الطائفية وتجنب اثارة الخلافات المذهبية، وحصرها في إطار البحث العلمي الرصين والتأكيد على المشتركات التي تمثل الاساس القويم للوحدة الاسلامية واشاعة مبدأ الاحترام المتبادل بعيداً عن المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية ايّا كانت عناوينها (٥٢).
د-سجلت المرجعية الدينية حضورها الدائم وواكبت كل الاحداث التي شهدها العراق والتي تهدد وحدته ومصيره وتنذر بحرب بين ابناء البلد الواحد، وتمثل أخطرها بتفجير مرقدي الامامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء وما تبعه من اعمال عنف واستهداف للمدنيّين، وحذّرت المرجعية حينها جميع ابناء العراق من مختلف الطوائف والقوميات من الخطر الذي يهدّد مستقبل بلدهم ودعت للتكاتف من اجل مواجهته بنبذ الكراهية والعنف واستبدالهما بالحوار السلمي لحل كافة المشاكل والخلافات العالقة على اساس القسط والعدل والمساواة بين جميع ابناء البلد في الحقوق والواجبات بعيداً عن النزعات التسلطية والتحكم الطائفي والعرقي على امل ان يمهد كل ذلك لغد افضل ينعم فيه العراقيون بالأمن والاستقرار والرقي والتقدم (٥٣).
هـ- في كل التجارب الانتخابية التي شهدها العراق سواء لتشكيل البرلمان أو مجالس المحافظات كانت مرجعية السيد السيستاني تؤكد على ضرورة فتح المجال لجميع المكونات للمشاركة في الانتخابات وعدم اللجوء لاي اسلوب يمكن ان يؤدي الى حرمان بعض المكونات من المشاركة في هذه الانتخابات لانّ مثل هذا الامر سيشعر هذه المكونات وجماهيرها بحرمانها من حق اساسي من حقوقها والشعور بالتهميش والاقصاء وقد يؤدي الى نتائج سلبية تهدد الوحدة الوطنية.
وتخلص الى القول بان المرجعية الدينية كان لها دور مهم وحضور فاعل في معظم القضايا المصيرية والتحديات التي واجهت الامة ورغم كل المحاولات الرامية لابعادها عن لعب مثل ذلك الدور وقد تبلور هذا الدور و برز بشكل واضح في فترة ما بعد سقوط النظام في العراق في نيسان ٢٠٠٣ ، حيث كان للمرجعية الدينية ممثلة بالسيد علي السيستاني (دام ظلّه الوارف) الدور الرئيسي في العملية السياسية فأسهمت في تاسيس العديد من مبادئها ورسمت بشكل واضح اغلب ملامحها التي كان في مقدمتها توحيد الصف للتخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال وكتابة دستور يكفل حقوق الجميع بلا استثناء وحفظ الوحدة الوطنية والسعي بشكل حازم لبسط سلطة القانون وتحقيق الامن والاستقرار فضلاً عن الجهود المبذولة لعملية بناء الدولة بما يعيد للدولة هيبتها وقدرتها على انجاز الخدمات والامن للمواطنين، حيث وضعت المرجعية الدينية كل امكانياتها في خدمة مرحلة التاسيس عبر سلسلة من الفتاوى والبيانات المساندة للبناء والتاسيس وكان كل ذلك بفضل المزايا الايجابية التي اتصف بها المرجع من كفاءة علمية وورع في السلوك واخلاص وحرص على مصالح الاسلام والمسلمين اضافة الى ترفعه عن المصالح الفئوية الضيقة وعدم انحيازه لهذا الطرف السياسي أو ذاك وكذلك ابتعاده عن التاثيرات الاقليمية والدولية.
١- احسان محمد الحسن ، موسوعة علم الاجتماع ، بيروت :الدار العربية
للموسوعات ،١٩٩٦،ص٤٣
٢- نفس المصدر،ص٤٣-٤٤
٣- محمد حسين فضل الله، المرجعية الواقع والمقتضى، في :مجموعة باحثين ،
اراء في المرجعية الدينية ، بيروت : دار
الروضة، ١١٢،١٩٩٤
٤- علي عبد الامير ، المرجعية العليا : (الابعاد، المهام ، الادوار ) ، مجلة حوار
الفكر، العدد ايار ٢٠٥، ص ١٤٥
٥- نفس المصدر ، ص١٤٧
٦- حميد الدهلكي ، المرجعية بين الواقع والطموح ، بيروت ، مدرسة المعارف للمطبوعات ، ٢٠٠٥، ص ٤٣
٧- سرمد الطائي ، تحولات الفكر الاسلامي المعاصر ، بيروت : دار الهادي للطباعة ، ٢٠٠٣،١٥٤
٩-محمد حسين فضل الله . حول منصب المرجعية ، في مجموعة باحثين ،
مصدر سبق ذكره ، ص ٢٢
١٠-علي عبد الامير ، مصدر سبق ذكره ، ١٤٨
١١-محمد حسين فضل الله ، اتجاهات واعلام ، بيروت :دار الملاك ، للطباعة والنشرص ٥٨
١٢-محمد مهدي شمس الدين، المرجعية والتعليم عند الشيعة، في مجموعة باحثين، ص٥٨٢
١٣-محمد باقر الحكيم ، المرجعية الدينية ، النجف الاشرف ، طهران المجمع العالمي لاهل البيت ،٢٠٠٥،ص١٩٧
١٤- محمد علي التسخيري، حول الشيعة والمرجعية، طهران المجمع العالمي.
١٥- علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث مكتبة الصدر،٢٠٠٥،ص٩٢
١٦-حميد الدهلكي، مصدر سبق ذكره -ص١٠
١٧-علي الوردي، مصدر سبق،ص٢١
١٨- علي عبد الامير، مصدر سبق ذكره، ص١٤٤
١٩- انظر، محمد باقر الحكيم، مصدر سبق
ذكره، ص١٨٠ وكذلك غالب الشابندر، التحولات الفكرية والسياسية في العراق خلال القرنيين الاخيرين، مجلة الفكر الجديد، العدد الاول كانون الثاني ١٩٩٢، ص١٧٣ وكذلك، حسين الشامي المرجعية الدينية، دراسة في التجربة ورؤية نحو المستقبل، مجلة الفكر الجديد، العدد الثالث -ايلول ١٩٢٢ ص ٢٠٩.
٢٠-أبو القاسم يعقوبي، المرجعية الدينية العليا والسياسية في مجموعة باحثين، مصدر سبق ذكره ص٣٧٦
٢١-نفس المصدر،ص٣٧٤
٢٢-محمد حسين فضل الله ، المرجعية ، الواقع والمقتضى مصدر سبق ذكره ١/٥
٢٣-احمد عبد الهادي، المرجعية الدينية دراسة في فكرها السياسي ومواقفها السياسية في العراق ، رسالة ماجستير غير منشورة جامعة بغداد - كلية العلوم السياسية ٢٠٠٧، ص١٨٩
٢٤- جودت القزوينين ، تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية بيروت ، دار الرافدين ،٢٠٠٥ ،ص١٤
٢٥- فؤاد ابراهيم ، الفقيه والدولة ، بيروت :دار الكتوز الادبية، ١٩٩٨، ص١٨
٢٦-نفس المصدر، ص٦٦
٢٧-محمد حسين فضل الله، اتجاهات واعلام، مصدر سبق ذكره، ص ٥٣
٢٨-حسين الشامي، مصدر سبق ذكره، ص٢١٢ لاهل البيت، ٢٠٠-١٢٩
٢٩-محمد باقر الحكيم ، مصدر سبق ذكره ، ص
٣٠-نوري حاتم الساعدي ، منشورات جامعة الامام الباقر
٣١-عد تلك التنظيمات، انظر: الشابندر، مصدر سبق ذكره ص٢٠٠
٢ ٣-سامي العسكري ، مصدر سبق ذكره ، ص١٩٨
٣٣-ظهرت لعلماء الدين مواقف تجاه بعض الاحداث السياسية التي شهدها العراق مثل موقف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من احداث عام ١٩٣٦ ،وتاييد بعض المراجع لحركة رشيد عالي الكيلاني عام
١٩٤١،انظر- سليم الحسني، المرجعية الدينية، مجلة الفكر الجديد،
العدد١٩٩٢،٣، ص١٦٥
٣٤-انظر:حامد الخفاف -اعداد- النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، بيروت : دار المرخ العرب، ٢٠٠٧ ،ص١٨١
٣٥- المصدر السابق، ملحق رقم ٢ ص٢١٢
٣٦- المصدر السابق ص١٧٩
٣٧- بول بريمر، عام قضية في العراق : النضال للبناء، موجود ترجمة عمر الايوبي - بيروت :دار الكتاب العربي ،٢٠٠٦نص٤٧٨
٣٨-حامد الخفاف، الوثيقة رقم ١٤،ص٢٢٢
٣٩-انظر : بيانات وتوجيهات سماحة الشيخ محمد اسحاق الفياض،-بغداد-مطبة الكلمة الطيبة ، ٢٠٠٩الطبعة الخامسة ،ص ١٦٥
٤٠-قراءة في الرؤية السياسية لآية الله علي السيستاني ، ترجمة باسم علي خريسان وسعد علي حسين مركز الدراسات الدولة، ٢٠٠٤ص٧
٤١-نفس المصدر،ص٦
٤٢-خليل مخيف، المرجعية الدينية والانتخابات، المجلة العراقية للعلوم السياسية العدد، كانون الثاني ٢٠٠٥،ص٣٥
٤٣-عمر البغدادي ، الحوزة العلمية واثرها في بناء العراق الحديث : الامام السيستاني والدولة ، مركز الهدى للدراسات، الوزيرية ص:
٤٤-بيان للسيد السيستاني في موقعه على الانتريت.
٤٥-عمار البغدادي، مصدر سبق ذكره، ص١/٢
٤٦-احمد عبد الهادي ، مصدر سبق ذكره، ص١٨٣
٤٧-عمار البغدادي، مصدر سبق ذكره،ص١٢٦
٤٨-حامد الخفاف، مصدر سبق ذكره،ص٣٣٦
٤٩- باسم خريسان، مصدر سبق ذكره،ص١٢
٥٠-حامد الخفاف، مصد سبق ذكره، ص٢٦٠
٥١-عمار البغدادي، مصدر سبق ذكره، ص٨٠
٥٢- نفس المصدر، ص٦٢
٥٣-حامد الخفاف مصدر سبق ذكره،ص١٥٦
السيستاني والدولة ، مركز الهدى للدراسات الوزيرية، ص١١١
ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م )
قال الشيخ الكربلائي في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف ما يأتي :
إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف ، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم ، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.
وأكد الكربلائي : إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر .
المزيد